لم يعد لدى الحجاج في المشاعر المقدسة «سر» يحتفظون به سوى «الوصية» الشرعية التي يقيدها عدد منهم للإيفاء ببعض الأمور في حال أدركه الممات فيها وعدم عودته من تلك البقاع الطاهرة إلى بلاده وذويه سواء كان من السعودية أو من بلدان أخرى. يحتفظ البعض من الحجاج في المشاعر المقدسة من جنسيات مختلفة بوصايا دونوها لفعل شيء بالنيابة عنهم في الدنيا بعد وفاتهم أثناء وجودهم لأداء النسك، إذ عمد عدد منهم إلى تسجيل وصيته في مكةالمكرمة والبعض الآخر فضل كتابتها قبل وصوله إلى أرض المشاعر المقدسة. ويحتل الإشراف على شؤون أسرة الحاج النسبة الأعلى في مضامين الوصايا إضافة إلى بعض أمور الدين كقضاء الصيام وتسديد الديون وغيرها من الالتزامات المالية لمنع الضرر الذي يحصل في حال لم يتم تنفيذها. والوصية في اللغة هي «الإيصاء»، و تطلق بمعنى العهد إلى الغير في القيام بفعل أمر، حال حياته أو بعد وفاته، وتعم الوصية المال و«الإيصاء» أو الوصاية، فيما تعرف شرعاً بهبة الإنسان غيره عيناً أو ديناً أو منفعة على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي. وممن تحدثت إليهم «الحياة» وبحوزتهم وصايا يحتفظون بها الحاج عصمت متولي من جمهورية مصر العربية، مفيداً إياها أنه كتب وصية شرعية ووضعها لدى أحد أصدقائه متضمنة بعض الأمور التي يرغب في الإيفاء بها بعد وفاته. وأضاف أنه تعلم كتابة «الوصية» منذ أن كان في سن ال17 من عمره، إذ دوّن الكثير منها لأصدقائه وأقاربه، لافتاً إلى أنه عندما قرر أداء فريضة الحج هذا العام ذهب لكتابة «وصيته» وتضمنت الاهتمام بأبنائه وممتلكاته التي يملكها في حال لم يعد من المشاعر. فيما يرى الحاج أحمد الحارثي الذي دون وصيته قبل حضوره إلى منطقة الحج أنه لا يشترط في الوصية أن تكون صياغتها واحدة لأن الحاجات تختلف من شخص إلى آخر، منوهاً بأنه كتب وصيته متضمنة عدداً من الطلبات التي يرغب في تنفيذها. وأشار إلى أن الكثير من الموصين سواء من الذين ينوون الحج أو غيرهم يذهبون في «وصيتهم» إلى أسرهم، وتختلف الوصايا خصوصاً لدى بعض الأسر التي تتكون من زوجتين أو أكثر، كما تختلف أوضاع الأسر إذ إن البعض يوجد لديه أبناء عاجزون عن الحركة وآخرون غير راشدين. وعلى رغم اتفاقها في بعض العناصر فإن ترك «الوصية» يختلف من شخص إلى آخر بحسب الحارثي، الذي ذكر بعض النقاط التي أوردها في الوصية التي دونها والمتضمنة: «هذا ما أوصي به أنا العبد الفقير لله أنني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أوصي من تركت من أهلي أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله، وأوصيكم بالصبر والرضا بقضاء الله تعالى وقدره والدعاء لي بحسن الخاتمة، وأوصيكم بعدم النياح علي، وأوصيكم بأن يغسلني من هو عالم بسنة الغسل وأن يكون من أهل التقوى والإيمان، وأن يستر علي وأن يبتغي بعمله هذا وجه الله تعالى، وأوصيكم بقضاء الصيام الذي لم أتمكن من قضائه، وأخيراً أوصيكم بقضاء ديني من مالي قبل دفني وأن تردوا لكل ذي حق حقه». وفي السياق، يقول الخبير عطية الحارثي: تجب «الوصية» في حال ما إذا كان على الإنسان حق شرعي يخشى أن يضيع إن لم يوص به، مثل الوديعة والدين لله أو لآدمي، كأن يكون عليه زكاة لم يؤدها أو حج لم ينجزه أو أمانة تجب عليه أن يخرج منها أو عليه دين لا يعلمه غيره أو لديه وديعة بغير إشهاد. ولفت إلى أنه يجب على الحاج أو غيره كتابة وصيته وتسجيلها وتعهدها حتى إذا فاجأه الأجل فإن حقوقه لا تضيع وبهذا تكون حقوق الآخرين محفوظة، وتسترد الودائع والديون المجهولة التي لا مستند لها، والواجبات مثل الزكاة، والكفارات، وفدية الصيام، والصلاة وغيرها. وأوضح أن الوصية تحرم إذا كان فيها إضرار بالورثة بقصد منعهم من أخذ نصيبهم المقدر شرعاً، وتحرم كذلك إذا أوصى بخمر أو ببناء كنيسة، أو الإنفاق على مشاريع تسبب الضرر للمسلمين، ملمحاً إلى أن الوصية تكره إذا كان الموصي قليل المال وله وارث أو ورثة يحتاجون إليه. وأضاف أنها تستحب للشخص الذي ليس عليه حقوق واجبة وليس في ذمته ديون وليس له عند الناس حقوق «وإنما أراد أن يوصي وصية يتبرع بها وبذلك تكون من الأعمال الصالحة»، منوهاً بأنه يجب أن تكون الوصية مبنية على الأصول الشرعية ليمنع عن أسرته الخلافات.