لا يفاجأ المارة في مدينة النجف العراقية، ذات الثقافة الدينية المحافظة، بسماع نوع معين من اللطميات في مناسبات دينية معينة، وعبر مكبّرات الصوت... لكن سماع قراءات فكرية وأدبية في الشارع يبدو أمراً غير مألوف ومنافياً لطبيعة المدينة. فالنجف لم تعرف سابقاً نشاطاً كالذي بدأه فارس حرّام قبل أكثر من سنة، بصحبة مجموعة من أصدقائه الكتّاب. إذ اختار الشاعر العراقي أحد أرصفة مدينة النجف لقراءات أدبية وفكرية أسبوعية، عبر مكبرات الصوت، بهدف التفاعل مع الجمهور وجهاً لوجه. حرّام يقول إنه أراد التذكير بأن صوت المثقف بات مغيّباً في العراق، خصوصاً في ظل الفوضى السياسية والمشاكل الخدمية والأمنية، وهو يسعى إلى لفت الانتباه إلى أن السياسات الحكومية تضع كل شيء في حسبانها إلا الثقافة. المنضدة الصغيرة التي لا يزيد قطرها على متر واحد، بدأت تستقطب، منذ اليوم الأول، الكثيرين من محبي الثقافة الذين يتجمعون لسماع حرّام وزميله الشاعر مهدي شعلان. كانت الفكرة التي خطرت أولاً للصديقين هي إطلاق حملة يقودها مثقفون عراقيون في الشارع، لإطلاق نقاش علني لأسباب تراجع القراءة في العراق، وانحسار جمهور النشاطات الأدبية. وكان هذا جزءاً من الطموحات الشخصية لحرّام بوصفه شاعراً ومهتماً بمستقبل الثقافة في بلاده. وانتخاب الشاعر المجازف رئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب في النجف العام الماضي، ساعده، بعد شهر واحد فقط من انتخابه، في تنفيذ إحدى أكثر أفكاره جرأة: «وضعت طاولة في شارع مزدحم بالمارة، وفي جوار معرض صغير للكتب لصديقي مهدي شعلان، لكي أتحدث عبر مكبر الصوت عن الوسائل التي يمكن أن يستعيد فيها الفرد العراقي المتعلم علاقته بالمطالعة». وعلى رغم ما حققته مبادرة حرّام من استقطاب للمثقفين، فإنه يؤكد أن المبادرات الحاسمة لبناء مجتمع معرفي متميز يستطيع فيه الشعراء أن يعيشوا بوصفهم «شعراء»، لا بد أن تكون على مستوى الدولة، وأن تكون استراتيجية وجذرية، تشارك المؤسسات الثقافية، مع الحكومة، في صَوغها من أجل تنشئة اجتماعية فعلية، مضيفاً أن الأرض الأولى لهذا التغيير يجب أن تكون قطاع التربية والتعليم. (الصورة للفنان السوري يوسف عبدلكي بعنوان «كل صباح»).