واشنطن – أ ب – يشجّع البعض المتظاهرين الإيرانيين الذين يتساءلون عن الخطوة التالية، على مراجعة مصدر شكّل قوة دافعة لعقد من الثورات التي لم تشهد عنفاً في أوروبا الشرقية، وهو دليل لإسقاط الديكتاتوريات كتبه الباحث الأميركي المتقاعد جين شارب (81 سنة)، وهو ليس معروفاً خارج أوساط الناشطين، لكن النظام الإيراني يعرفه بالتأكيد. انتشر اسمه ومراجع لكتابه الصادر العام 1993، في مواقع إلكترونية للمعارضة وفي الشبكات الاجتماعية. وأصدرت ايران العام الماضي شريط فيديو تحذر فيه من ان شارب وآخرين، بينهم السناتور الجمهوري الاميركي جون ماكين والبليونير جورج سوروس، يخططون للقيام ب «ثورة مخملية» في البلاد، في اشارة الى اطاحة الحكومة الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا السابقة العام 1989. ووجه مسؤولون ايرانيون الاتهام ذاته ضد أنصار مير حسين موسوي المرشح الاصلاحي الخاسر في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وينفي شارب ان يكون أدى أي دور في التسبب بأسوأ اضطرابات تشهدها ايران منذ الثورة الاسلامية العام 1979، لكنه قال انه سيكون مسروراً اذا ساعد كتابه الايرانيين على القيام بمقاومة سلمية. وأضاف: «كلما أدركوا أن ثمة بديلاً غير عنفي للعنف والاذعان السلبي على حد سواء، كلما زادت فرص اتخاذهم مساراً حكيماً للعمل يكون بديلاً من مسار غبي». وثمة العديد من الإشارات إلى نص شارب، وهو بعنوان «من الديكتاتورية إلى الديموقراطية»، على موقع «تويتر» ومنتديات الدردشة على الإنترنت التي أصبحت ملاذاً لحركة الاحتجاج الإيرانية، بعد القيود التي فرضتها الحكومة الايرانية على وسائل الإعلام والمواقع المؤيدة للموسوي ومنافذ أخرى. وسأل احدهم على موقع يعتمد اللون الاخضر الذي ميّز الحملة الانتخابية لموسوي: «يبدو ان المتظاهرين يفتقدون طريقة لتنظيم أنفسهم. أي أفكار في هذا الشأن؟». ورد عليه آخر: «هذه الكتب حررت الملايين»، مشيراً إلى ترجمات بالفارسية لدليل شارب ودليل مماثل كتبه ناشط صربي يدّعي أنهم اعتمدوا الافكار الاميركية لاطاحة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش العام 2000. وقال شارب ان الترجمة الفارسية من الدليل الذي وضعه، تم تحميله آلاف المرات من الموقع الإلكتروني للمركز الذي أسسه في بوسطن العام 1983، لدرس المقاومة غير العنفية، وهي «مؤسسة ألبرت أينشتاين». وأوضح شارب ان مقدمة أقصر كتبها حول النضال السلمي، نُشرت في شكل قانوني باللغة الفارسية في ايران في السنوات الأخيرة. شارب الذي كان باحثاً في جامعة هارفرد لنحو 30 سنة، كتب هذا الدليل في الأصل للمنشقين البورميين الذين يناضلون ضد الحكومة من الأدغال. لكنه وجد طريقه في النهاية الى ناشطين في شرق أوروبا، حيث تم الاستشهاد به خلال «الثورة الوردية» في جورجيا و «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا. ويقول شارب الذي يعلق صورة للمهاتما غاندي في مكتبه في بوسطن، ان مجموعته لا تتلقى أي تمويل من الادارة الاميركية، لكن ذلك يمكن أن يصبح جزءاً من اتهامات ايرانية بأن الولاياتالمتحدة ودولاً أخرى تقف وراء الاحتجاجات. ويعدّد الكتاب الذي يقع في 80 صفحة، 198 أسلوباً مختلفاً غير عنفي يمكن للمتظاهرين استخدامها للضغط على الأنظمة الاستبدادية، وتتراوح بين اعتماد ألوان رمزية وصولاً الى تنفيذ اضرابات ضخمة عن العمل. ويشير الدليل الى ان «استخدام عدد كبير من هذه الأساليب، المختارة بعناية، وتطبيقها باستمرار على نطاق واسع، يُرجح أن يسبب مشاكل حادة لأي نظام غير شرعي». ويقول شارب وخبراء آخرون في المقاومة غير العنفية، ان على المتظاهرين الإيرانيين تنويع أساليب تحركهم وعدم الاقتصار على المسيرات في الشوارع التي اجتذبت مئات الآلاف بعد الانتخابات ولكن عدد المشاركين فيها تراجع إلى المئات بعد احكام قوات الامن سيطرتها على الوضع. وقال بيتر أكرمان وهو مؤسس «المركز الدولي للنزاع غير العنفي» الذي يتخذ من واشنطن مقراً له: «اذا عُرِّفت هذه الحركة بأنها تظاهرات في الشوارع ضد الشرطة، والتي قد تتحول الى اعمال عنف وقد لا تتحول الى ذلك، فإن المعارضة ستخسر». وكان المركز عقد ورشتي عمل سريتين في دبي عام 2005 لنشطاء إيرانيين، اعتُقل بعضهم عندما عاد الى بلاده. يقول سردا بوبوفيتش، وهو احد مؤسسي المقاومة الطالبية في صربيا، ان على المحتجين الإيرانيين الاستعداد لفترة طويلة، واستنباط تكتيكات «منخفضة المخاطر». وأشار إلى دعوات الى المتظاهرين على موقع «تويتر» لتشغيل الأضواء الأمامية لسياراتهم، ومواجهة الاجهزة الامنية وهم يحملون القرآن الكريم. واعتبر ذلك بداية طيبة، لكنه قال انهم يحتاجون القيام بالمزيد. ولفت الى بعض التكتيكات الاحتجاجية الايرانية، مثل اعتماد اللون الاخضر الذي يُعتبر اللون الرمزي للإسلام، وترديد شعارات من الثورة الاسلامية العام 1979. وأضاف بوبوفيتش الذي يدير في بلغراد حالياً «مركز العمل غير العنفي والاستراتيجيات التطبيقية»: «لا يمكن تصدير نضال غير عنفي ضد أنظمة غير ديمقراطية. البيئات الثقافية والظرفية مختلفة جداً. لكن المبادئ هي ذاتها». وكان رفض قوات الأمن قمع المتظاهرين، حاسماً لنجاح ثورتي جورجيا وأوكرانيا، لكن تماسك قوات الامن الايرانية وأساليبها القاسية تثير شكوكاً حول مستقبل حركة موسوي. وقال المحلل السياسي الأوكراني ميخائيل بوغريبينسكي ان «النخبة الحاكمة في أوكرانيا كانت منقسمة ونشطاء المعارضة لم يواجهوا أي خطر. العنف والقمع، وانتفاء القدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام، ووحدة النخبة الحاكمة، تقلّص حظوظ نجاح المتظاهرين الإيرانيين». ويقول سوسو تسينتادزه وهو محلل في جورجيا حيث أرغم المتظاهرون الرئيس ادوارد شيفاردنادزه على الاستقالة العام 2003، ونصبوا في السلطة زعيماً للمعارضة موالياً للغرب: «القادة الايرانيون ليسوا شيفاردنادزه الذي كانت سلطته ضعيفة. انهم أقوياء ويسيطرون على الوضع، والجيش لم يتمرد، فيما كان تمرد الجيش حاسماً في حالة شيفاردنادزه». ويرى بوبوفيتش «ان بذور التغيير تنمو بين الشباب الايرانيين. سيكون من المستحيل على المحافظين إلغاء هذه المسيرة، حتى اذا نجحوا في قمع الاحتجاجات الحالية وتنصيب (الرئيس محمود) أحمدي نجاد رئيساً لولاية أخرى». ويدعو ليخ فاونيسا وهو زعيم «حركة التضامن» في بولندا وأول رئيس منتخب ديموقراطياً في البلاد بعد الحكم الشيوعي، الى المثابرة. ويقول: «قُدْ نضالك في طريقة حكيمة، لكن لا تضرب رأسك بالحائط. إذا لم تنجح هذه المرة، ستفعل في المرة المقبلة».