كان يستحق كل تلك الرمال الضاربة في ليلة عاصفة في أبو ظبي وكل ذلك الانتظار الطويل في صف السيارات الذي خنق كورنيش المدينة لساعات قبل الحفلة وبعدها. إنه أندريا بوتشيللي، صوت من الأصوات القليلة التي سيفوتك الكثير إن لم تسمعه طلقاً مباشرة في الهواء، يصدح وكأن لا شيء يمكن أن يكون أقوى ولا أجمل. إنه صوت أوبرالي قوي ولكن كفيلم «حنون» بالأبيض والأسود، بتلك القدرة الهائلة على انتزاع كل الحنين المتراكم في الذاكرة وفي الحياة. صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي... مر الزمن القديم الجميل وصور خاطفة للحظات حميمة، لخطى أولى لطفل وقبلة في عرس، في شاشات كبيرة صنعت خلفية المسرح، لتعطي لصوت بوتشيللي عمقه الحقيقي أو انتماءه الحقيقي، إنه انتماء لزمن وعالم «العرّاب»، التي عزفتها فرقة «البولشوي» في هذه الحفلة أيضاً، إذ رافقت هذه الاوركسترا الشهيرة بوتشيللي في حفلته الكبيرة في إطار مهرجان أبو ظبي للموسيقى والفنون في دورته السادسة، والتي قدم خلالها بوتشللي الكثير من شريطه الجديد incanto (انكانتو)، بحضور الوزير الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وبتنظيم من « فلاش أنترتينمت». حوالى 11 ألفاً صفقوا طويلاً لبوتشيللي وجعلوه يعود مرتين إلى المسرح برفقة السوبرانو باولا سانغينيتي والباريتون مونتريسور اللذين قدما في هذه الحفلة وصلات منفردة أو مشتركة مع بوتشيللي. وفي النهاية، قدمت لهم باقات زنبق أبيض، وربما هذا ما أخبرت به باولا بوتشيللي عندما حنت برأسها وأسرت له شيئاً ما فابتسم وشد على الباقة. كانت حفلة جميلة هي الأولى لبوتشيللي في الإمارات، قليلون من الحاضرين تركوا كراسيهم في الاستراحة، على عكس الكثير من الحفلات السابقة. كانت حفلة خضت الليل في أبو ظبي وجعلته يزدحم، ولكنها جعلت لتلك العاصفة الرملية وقعاً رومنسياً. افتتحت الحفلة التي دامت نحو ساعتين في الحديقة الشرقية لقصر الإمارات في أبو ظبي، بإحدى معزوفات غلينكا قدمتها فرقة «البولشوي» الروسية، التي قدمت خلال الحفلة أيضاً معزوفات لبيزيه ومقطوعة من «العراب». كذلك تشارك بوتشيللي مع باولا سانغينيتي بأكثر من أغنية منها Mio Babbino Caro. كما أدت معه الأغنية الشهيرة la boheme. كما قدم مع مونتريسور أكثر من أغنية منها Au Fond du Temple Saint لبيزيه والتي يكتشف فيها الاثنان غرامهما بالمرأة نفسها. أما بوتشيللي منفرداً، فقدم الكثير من الأغاني منها mamma وLa Donna è Mobile من «ريغولليتو» لفيردي، كما غنى Granada للارا من شريطه الجديد. ثم غنى الفنانون الثلاثة في أداء مشترك وحيد Brindisi من لا ترافياتا لفيردي. كانت تلك ليلة بوتشيللي الذي جمع، على عكس الكثير من حفلات الموسيقى الكلاسيكية التي يغلب عليها الجمهور الغربي، حضوراً من كل الجنسيات انتظروا بكل «إخلاص» الدخول والخروج الطويلين من الحفلة.