حق الانسان في حرية الرأي والتعبير يعد من أهم الحقوق الرئيسية التي كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، إذ نصت المادة ال19 من ذلك الإعلان «أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير»ومما يدخل في حرية الرأي والتعبير هو حق ممارسة النقد والمحاسبة على الأخطاء والتجاوزات، وهذا الحق الإنساني تتجلى ممارسته وبصورة عملية واضحة في المجتعات والدول المتقدمة كافة، التي تكفل قوانينها لجميع مواطنيها وأفرادها ممارسة حريتهم الشخصية في النقد والتعبير والمحاسبة لجميع شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجاه مؤسسات وممارسات الدولة كافة، وذلك عبر منظومة متنوعة من الوسائل والأساليب والطرق التي من أبرزها الإعلام الحر المستقل والمؤسسات الحقوقية والمدنية التي تتيح الفرصة أمام جميع أفراد مجتمعاتهم الحق في القيام بدور النقد والمحاسبة. ولذلك فإن اتساع فضاء النقد وحرية التعبير وابداء الرأي يرتبط ارتباطاً مباشراً وحياتياً بتطور الدول وتقدم الشعوب، ولا يمكن بحال من الأحوال خلق أو إيجاد نهضة حقيقة في المجتمعات الجامدة والمتكلسة أو تغيير في واقعها الآسن والراكد الذي ران عليه ألوان من التخلف والاستبداد إلا من خلال وجود حركة نقدية وحرية في الرأي، تسمح بتسليط الضوء على هموم أفرادها ومعاناتهم! إن إتاحة الفضاء الرحب أمام النقد الحر السالم من المعايير الرقابية في ظل الأوضاع التي تمر بها مجتمعاتنا العربية ليس هو بالأمر الكمالي أو التفضلي من الحكومات بقدر ما هو ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، لكل مجتمع ينشد تحقيق إصلاحاً حقيقياً على ارض الواقع وليس إصلاحاً شكلياً! العملية النقدية في المجتمع ينبغي أن تكون حقاً مكفول الممارسة لأفراد المجتمع كافة على مختلف الأصعدة الدينية والسياسية والاجتماعية، فمن حق الجميع أن يبدوا آراءهم وانتقاداتهم لواقعهم الذي يعيشون فيه ومن غير تضييق أو إساءة نتيجة لممارستهم لذلك الحق الإنساني، ومن حق الجميع توجيه أصابع النقد تجاه أية مظهر من مظاهر الفساد المؤسساتي في المجتمع، ومن حق الجميع تسليط الضوء بالنقد لكل الإجراءات المخالفة لما تقتضيه الأنظمة، ومن حق الجميع نقد كافة الممارسات التي تنتقص من كرامة أفراد المجتمع، فالنقد هو مشاركة حقيقية من الجميع في عملية الإصلاح، بحيث يصبح كل فرد في المجتمع له دوره ومجاله فيه، وان القيام بهذا الحق أو الدور يتأكد ويبرز وبصورة رئيسية في حق المثقف أياً كان فكره أو توجهه الفكري والثقافي، فالنزعة النقدية هي من ابرز المكونات الأساسية لشخصية المثقف، وهذه النزعة ذات علاقة وثيقة بوظائفه ومهامه، فهي التي تميزه في أنشطته عن غيره من الفاعلين والمؤثرين، وهي الصفة التي لا يبرر له التخلي عنها في أي حال من الأحوال، ومتى ما تخلى عنها فكأنما قد تخلى عن دوره كمثقف! فالمثقف الناقد ليس هو مثقفاً تقليدياً دوره مجرد إجراء عمليات التجميل والترميم والتحسين أو التطبيل للواقع، و«التربيت» على أوضاع الناس المتدهورة والمنقوصة والصمت حيال الانتهاكات الحقوقية والسكوت والقناعة وغض الطرف والتسليم والرضوخ لكل ما يجري من حوله وإبراز وتضخيم الايجابيات على حساب السلبيات، بل هو مثقف متمرد على الساكن والمألوف، وهو مثقف مستقل و مشاكس، ومتمرد على كثير من القيود المختلفة والمتنوعة، فهو بنقده ينحاز إلى جمهور المهمشين والضعفاء والمغلوبين على أمرهم والأقليات ويسعى في الدفاع عنهم وعن حقوقهم ويعمل جاهداً على نشر قيم التقدم والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية! ولا أجد نفسي هاهنا مضطراً في سياق التأكيد على أهمية حرية النقد ودوره وأثره وأهميته في مجتمعاتنا بالإسهاب في الحديث عن ضوابطه وحدوده أو تقنينه بجملة من القوانين والمحترزات التي قد تعطل دوره وفاعليته، فأجواء مجتمعاتنا لم تبلغ من الحرية النقدية والتعبيرية في الرأي ما يجعلها تقترب قريباً من الخطوط الحمراء فضلاً عن تجاوزها! ولذلك فإننا إن لم نسع جاهدين في تجاوز الوضع الراهن والانطلاق بمنهجية مبنية على الفكر السليم ضمن الحرية التي تكفل الحق للجميع في ممارسة النقد والحوار والتعبير، فإن مصيرنا ومصير الأجيال القادمة سيظل يتخبط في ظلمات الجهل والتخلف والاستبداد، بسبب تراكم الأخطاء والتجاوزات، وأما إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حراً ومتحضراً فلا بد أن نجعل من حرية النقد والحوار والتعبير أرضية أساسية للانطلاق والتغيير لبناء مستقبل مزهر بالحرية وحفظ وصيانة حقوق الناس وكرامتهم. * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @hasansalm