الأزهر يدين حرق الكيان الإرهابي لمستشفى كمال عدوان في قطاع غزة    "روشن" تضع حجر الأساس لمجتمع "المنار" في مكة المكرمة    خادم الحرمين يتلقى رسالة من الرئيس الروسي.. القيادة تعزي رئيس أذربيجان في ضحايا حادث الطائرة    المملكة تعزز الأمان النووي والإشعاعي    أسعار النفط ترتفع.. برنت فوق 74 دولاراً    الصين: اتجاه لخفض الرسوم الجمركية على مواد معاد تدويرها    الثقة الدولية في المملكة    محلات الرحلات البرية تلبي احتياجات عشاق الطبيعة    أحلام عام 2025    وزير الدفاع يلتقي قائد الجيش اللبناني    المسند: اخضرار الصحراء وجريان الأنهار ممكن    واتساب تختبر مزايا ذكاء اصطناعي جديدة    تغلب على المنتخب العراقي بثلاثية.. الأخضر يواجه نظيره العماني في نصف نهائي خليجي«26»    السعودية تحصد ثمار إصلاحاتها ورؤيتها الإستراتيجية    الجماهير السعودية تحتفل بتأهل الأخضر لنصف نهائي «خليجي 26»    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من بوتين    في المرحلة ال 19 من الدوري الإنجليزي.. ليفربول في اختبار وست هام.. وسيتي لإيقاف نزيف النقاط أمام ليستر    رئيسة الاتحاد السعودي للريشة مي الرشيد: أشكر وزير الرياضة وسنعمل بروح الفريق    «الهويات» تقلق سكان «زاهر مكة»    مبادرات تطوعية    ضبط أكثر من 23 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    «عزف بين التراث والمستقبل».. متحف طارق عبدالحكيم يحتفي بذكراه السنوية الأولى    "الرياض آرت" يُعلن مشاركة 30 فنانًا من 23 دولة في ملتقى طويق الدولي للنحت    من دفتر الأيام: مشوار في قصرغرناطة بأسبانيا    في إطار الجهود المبذولة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.. إطلاق فعالية «ليالي الفيلم الصيني»    يوم ثقافي لضيوف برنامج خادم الحرمين    تقدير دعم المملكة لقيم الاعتدال حول العالم    ضيوف "برنامج خادم الحرمين" يزورون مصنع الكسوة    طريقة عمل بسبوسة السينابون    أحد رفيدة وزحام العيادات.. مطالبات بمركز متخصص للأسنان    5 سمات شخصية تميز المتزوجين    طريقة عمل شيش طاووق مشوي بالفرن    5 آلاف خطوة يوميا تكافح الاكتئاب    الحرب العالمية الثالثة.. !    ماسك يؤكد دعمه حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف    المنتج الإسباني غوميز: «الجمل عبر العصور» جدير بالحفاوة في أي بقعة من الأرض    قائد "الأخضر" سالم الدوسري يحصل على جائزة رجل مباراة السعودية والعراق    شولتس: لا أنام إلا قليلاً رغم أني من محبي النوم لفترة طويلة    القيادة تعزي رئيسة الهند    المنتدى السعودي للإعلام يطلق معسكرًا لتطوير الإعلام السعودي بالذكاء الاصطناعي    «الفنيلة والسروال» والذوق العام    المطار.. عودة الكدادة !    من الشهرة إلى الثروة: هل نحتاج إلى رقابة مالية على المؤثرين؟    منصة X: الطريق إلى القمة أو للقاع    الصقور تجذب السياح في الصياهد    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.494 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في إدلب السورية    ضبط 6 إثيوبيين في عسير لتهريبهم (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    اللغة العربية كنز خالد    «حمام الحرم» يستوقف المعتمرين    911 نموذج مثالي لتعزيز الأمن والإنسانية    إسرائيل تتمسك باستهداف المستشفيات    "الإسلامية" تؤهل الأئمة والخطباء والدعاة في تايلند    سعود بن جلوي يتوج الفائزين في «تحدي غرس القيم»    الأخضر السعودي يتغلّب على العراق بثلاثية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    أمير القصيم يرعى حفل جائزة الذكير لتكريم 203 طلاب متفوقين    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلّود: رفضت تزويج ابنتي من سيف الإسلام والساعدي ... وغادرت طرابلس براً بمساعدة الثوار(4)
نشر في الحياة يوم 01 - 11 - 2011

كان ذلك في الستينات. شاب فارٌّ من بلاده لجأ إلى القاهرة. ويقول من عرفوه يومها إنه كان مهذباً وقليل الكلام. وإنه راح يراقب سحرَ جمال عبدالناصر. قدرتَه على اختراق الحدود وتحريك الشارع في هذه العاصمة أو تلك. وسيصاب ذلك الفتى بحلم زعامة الأمة. لذلك لن يتردد حين عاد إلى العراق في خوض معركة الاستيلاء على القرار بلا هوادة. سيمسك الأمن والإعلام. وسيطهّر الجيش وسَيَلتهم الحزب الداعي الى الوحدة والحرية والاشتراكية.
كان اسم ذلك الشاب صدام حسين.
ما أصعب أن تقع ثروة تتدفق في قبضة متهور يخاطب التاريخ بدل الاستماع إلى شعبه. أنهك صدام العراق وأنهك الأمة. وانتهى نكبة لبلده وأمته وعائلته.
كان ذلك في الستينات. شاب متحمس يقرأ عن الثورة الفرنسية ورجالها وخطبائها ومصائرهم. وعن الثورتين الصينية والكوبية. وعن طريق إذاعة «صوت العرب» سيستمع الى أحمد سعيد وسيقع في سحر جمال عبدالناصر. والثورة المصرية. والضباط الأحرار. والزعامة الواسعة. والجماهير.
كان اسم ذلك الشاب معمر القذافي.
كثيراً ما تبدأ القصة بشاب متحمس. يستقطب حفنة رجال ويقودهم. يتآمر معهم من أجل تخليص الشعب من الحاكم وفساد الحاشية. وحين يجلس الشاب في موقع الحاكم تبدأ لعبة أخرى. ما أصعب أن يقترن النفط بعسكري موتور يحمل حلماً مجنوناً. لن يتردد في نصب المكائد.
يريد أن يلعب وحده. وأن يقرر وحده. بلا حسيب أو رقيب أو شريك أو معارض. راح يحدق في الصحراء ويغرق في التأملات. السلطة للشعب بلا وسيط. والدليل «الكتاب الأخضر». سيستقبل «الثوار» من أصقاع الدنيا وسيرسل الأسلحة والمتفجرات إلى عناوين بعيدة. وسيكون ختام المغامرة نكبة لليبيا ونكبة للأمة ونكبة لعائلة القائد الذي كان يشعر بالغيرة من عمر المختار وينزعج من المتنبي لأنه أطنب في مدح سيف الدولة.
دفع العالم العربي باهظاً ثمن شراهة مَن خطفوا القرار هنا أو هناك. شراهة الأحلام المريضة. والأنياب الطويلة. كان الغرض الأول من هذا الحوار مع الرائد عبدالسلام جلّود تسليط الضوء على المرحلة والشخص معاً. أفضل ما يمكن ان يقدمه الربيع العربي هو إنهاء مأساة «القائد التاريخي» وإعادة القرار إلى الناس. وستكون نكبة كبرى إذا ارتكب الربيع إنجاب شيء يشبه «القائد التاريخي»، سواء في صورة فكرة أو مجموعة.
بعد اندلاع الثورة في شباط (فبراير) الماضي، حاول القذافي الحصول على دعم جلّود، لكن الأخير رفض وغادر طرابلس سراً بمساعدة من الثوار. وهنا نص الحلقة الرابعة:
خلال فترة الخلاف مع القذافي هل كنت تزوره في الأعياد؟
- لم ألتق به لأربع سنوات من 1994 إلى 1998 أي إلى ما بعد المؤامرة في 1998 حين بدأت بزيارته.
في سنة 2000 تعرضت لوعكة صحية واضطررت إلى التوجه إلى سويسرا للعلاج. وأبلغني الأطباء بضرورة العودة باستمرار لإجراء فحوصات دورية فأصبحت أسافر لمدة شهر أو شهرين كل سنة. بعد عودتي من أول رحلة للعلاج زارني القذافي فقلت له: يا معمر انسني ولا تفكر بي فأنا الآن مواطن عادي وأريد السفر بحرّية من دون طلب الإذن منك. فقال لي إذا أردتني أن أتركك فعليك أنت أن تتركني بحالي فلا تشوش عليّ. لم أعلّق.
هناك موضوع اجتماعي مهم. في 1984 أراد سيف الإسلام أن يخطب ابنتي فرفضت. وكان رفضي بأسلوب أدبي إذ طلبت من أبن أخي واسمه صلاح أن يقول لسيف إنه خاطب ابنة عمه ويريد أن يتزوجها. لا أؤمن بزواج الأقارب وحدث أن تزوج ابن أخي صلاح ابنة أخي الآخر فجاؤوني مستفسرين فقلت أنا لا أريد تزويج ابنتي بسيف ورفضت بطريقة أدبية وقد عتب القذافي عليّ لذلك. بعد استقالتي طلب الساعدي خطبة ابنتي الأخرى وكنت جالساً مع صديقي وجاري واسمه راسم بن عثمان وهو عديلي ومن عائلة وطنية من طرابلس وعديلي الآخر اسمه الدكتور يوسف المارمي وكنا في منزلي قرب البحر. جاءت زوجة القذافي مع أقرباء طالبين ابنتي سعدى للساعدي فقال لي ابني البكر إن هذا سيسبب لنا مشكلة فهم طلبوا مصاهرتنا في السابق ورفضنا وإذا رفضنا مرة أخرى فسيكون الوضع صعباً فقلت له أنا جاهز لمشكلة فلا أحد يخرج من جلده ورفضت. واتصلوا بي طالبين معرفة الأسباب فقلت لا لزوم لتوضيح الأسباب. الحقيقة أنني كنت مختلفاً مع القذافي وكان من شأن قبولي بهذه المصاهرة أن يضرب صدقيتي لدى الليبيين. وما سهّل علي القرار هو الموقف الرافض لزوجتي وابنتي وأريد في هذه المناسبة أن أشكرهما.
قبل الثورة في 17 شباط (فبراير) 2011 كنت في باريس حين كتب القذافي مقالاً، أعتقد في «قورينا»، يقول فيه إن البلاد فَسَدَتْ وعلى عبدالسلام جلود أن يعود ويحصل على صلاحيات. وأرسل إليّ ابنيه المعتصم والساعدي إلى باريس وقالا لي يا عم عبدالسلام الحكومة واللجان الثورية في حال من الخوف والجماهيرية الثانية ستكون مختلفة عن الجماهيرية الأولى، إذ كانوا لا يزالون يحلمون، وعليك العودة والحصول على صلاحيات فرفضت طبعاً. وعند عودتي إلى ليبيا طلب القذافي مقابلتي فرفضت. ثم اقترح أن يعطيني الصلاحيات للعودة فرفضت. وكان ذلك قبل الثورة بحوالى شهرين. حتى أن مجالسيه المقربين نقلوا لي عن القذافي قوله في مجلس خاص: ألم أقل لكم أن عبدالسلام سيَحْرُن (كما الجمل).
كيف كانت علاقتك بسيف الإسلام؟
- لم تكن بيننا علاقة وأنا أخذت موقفاً من القذافي وجميع أبنائه. الحقيقة أن أولاد القذافي كانوا يحترمونني جداً.
كان هناك حديث عن مشروع ل «توريث» سيف الإسلام وأن يمهد له بتوليك رئاسة الوزراء؟
- هذا غير صحيح.
متى كان آخر لقاء لك بالقذافي وفي مناسبة أي عيد؟
- في العيد الأخير لم أكن في ليبيا. كنت في فرنسا. لدى قيام الثورة خاف بعض الليبيين أن يقوم بتصفيتي وخاف آخرون أن يضغط عليّ لأؤيده ضد الثورة. فقلت لهم بالنسبة لي الموت الجسدي لا يهمني ولكن لا يمكن أن أقبل بموت مبادئي.
هل حاول الاتصال بك بعد 17 فبراير؟
- طلب الاجتماع بي فرفضت ثم طلب مني أن أظهر في الإذاعة المرئية وأدعو الناس والشباب إلى الوقوف معه وتأييده والالتفاف حوله، وأن أهاجم حلف ال «ناتو» فرفضت. كان الاتصال عبر ابنه الساعدي وأرسل إلي المحامي إبراهيم الغويل وأرسل إلي صحافياً ليبياً إلى منزلي. المقربون مني كانوا يقولون لي يا عبدالسلام نحن خائفون عليك ولكن في جميع الأحوال إياك أن تتكلم. فقلت لهم أنتم تعرفونني جيداً ولو خُيِّرتُ بين الموت المادي والموت المعنوي لقبلت بالموت المادي لا المعنوي. عند بدء الثورة كنت في طرابلس وقمت بتحريض الشباب على الثورة لأن في الفترة الأولى حدثت انتفاضة في طرابلس يومي 18 و19 فبراير لدرجة أنني كنت قرب البحر ولم أستطع العودة إلى منزلي داخل طرابلس. الشرطة أخلت الشوارع بعد أن وصل الناس إلى بعد حوالى 300 متر من باب العزيزية. وصلت الجماهير إلى شارع جامع القدس القريب من العزيزية لكن للأسف أطلقت إشاعة أن القذافي هرب وهبطت حماسة الناس فلم يعودوا بالاندفاع السابق نفسه. ثم استهدفت الجماهير بالرشاشات وبالقوة وقضي على الانتفاضة في طرابلس. الناس في البداية كانوا خائفين والشباب يخرجون وأمهاتهم خائفات عليهم ويمانعن ولا يردن ذلك لكن في الفترة الأخيرة سبحان الله انقلبت الآية فأصبحت الأمهات يحمسن أبناءهن على الثورة.
قررت ومجموعة معي، لأن طرابلس لم يكن فيها أسلحة في بداية الثورة، شراء أسلحة خاصةً لثوار تاجوراء وسوق الجمعة وفشلوم والضهرة. اشترينا بنادق وذخائر ثم قال لنا ضابطَان في البحرية مسؤولان عن مخازن سلاح: كفوا عن شراء الأسلحة فنحن سنزودكم بها. وأصبحا كل أسبوع يحضران لنا صندوقاً فيه عشر قطع نوزعها على الثوار. وكان أحد الضابطين وهما من ترهونة، ظروفه صعبة ويخضع للعلاج في تونس فعرضنا عليه المساعدة المادية فقال لو كانت الظروف عادية لقبلت منكم المساعدة أما الآن فلا يمكن لأنها ستحسب عليّ أنني استفدت من تسليح الثوار فقلت له أنت بطل شجاع.
متى غادرت طرابلس؟
-أول اتصال بالمجلس (الانتقالي) كان في 15 آذار (مارس) وبالمكتب التنفيذي. أوفدت الدكتور محمود التلّيسي من قبيلة ورفلّه إلى تونس للاجتماع بممثلي المجلس هناك. كنت متردداً بيني وبين نفسي فلم أكن أريد مغادرة ليبيا كهارب لأنني أفضّل أن أموت مع الشعب ولكن أغادر إذا كانت مغادرتي تفيد الثورة. كنت أريد إيفاده إلى بنغازي فقال لي أهلي هنا وإذا توجهت إلى بنغازي فلن أتمكن من العودة وعلي العودة، فأقنعني أن يجتمع بممثلي المجلس في تونس ويتواصل هاتفياً عن طريقهم مع أصدقائه وبينهم مصطفى عبدالجليل ومحمود جبريل. سألتهم ما إذا كانوا يريدون مني الخروج من ليبيا فطلبوا مني المغادرة في أسرع وقت لأن خروجي سيوفر في رأيهم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وسيقسم ظهر الطاغية وسيُسقط كل الأوراق من يده. قلت إن لدي شرطين للمغادرة: الأول، أنا لا أريد أن أغادر وأصدر بياناً وينتهي الأمر، أريد مخاطبة الليبيين يومياً في المناطق الغربية التي لم تتحرر بعد وتحريضهم على التمرد على قمع القذافي وأن يتخلصوا من الرعب وأن يدوسوا على الخوف وأن ينتفضوا، والثاني، أن أستغل موقفي الدولي للاتصال بالدول لحشد التأييد للشعب الليبي ولثورة 17 فبراير. ردوا عليّ: أخرج والأرض مفروشة أمامك لتفعل ما تريد. وقلت: أنا لا أريد أن أخرج لأكون رديفاً أو موازياً لكم أو بديلاً لكم لأن سلاحنا الوحدة والإخلاص ونكران الذات. ولم أقتنع فأرسلت بعد ذلك وفداً آخر فيه راسم بن عثمان وجلال التلّيسي، وهو أخ الدكتور محمود، فتوجها إلى تونس واجتمعا بممثلي المجلس وقالا لي عليك الخروج بسرعة. وقالا لي: الخروج بالبر مستحيل وإن علي الخروج بحراً. القذافي أوقف كل البواخر خوفاً من تهريب الأسلحة وحتى الصيد كان ممنوعاً. رفضت المغادرة بحراً عن طريق ال «ناتو» لأنني خفت إذا فشلت عملية إخراجي من ليبيا أن يقتلني القذافي بعد أن ينهيني سياسياً ويبيّن أنني عميل لل «ناتو». وقلت إنني سأغادر براً فأصروا عليّ أن طريق البر مستحيل.
أحضروا لي معهم (من تونس) جهاز اتصال هاتفي عبر الأقمار الاصطناعية للتواصل معهم ومع ال «ناتو». المعلومات التي جاؤوا بها أن قوارب ال «ناتو» تستطيع أن تصل إلى بعد حوالى نصف كيلومتر عن الساحل الليبي وأنا لدي قارب صغير طوله نحو المترين ومحركه تسعة أحصنة ولا يتسع إلا لشخصين ونحن مجموعة من 13 شخصاً. كنا اتفقنا أن نبقى فترة نصف ساعة في الخُمُس حيث لدي بيت صغير وبزعم أنني متوجه إليه لتغيير الجو قرب البحر. بقينا من الساعة الثالثة إلى الساعة السابعة إلا ربعاً مساء في رمضان. وكان الذين جاؤوا إلينا مع ال «ناتو» وبينهم محمد بشير ممثل المجلس في تونس (وهو من قبيلة ورفلّه) قالوا لنا إن القاربَيْن سيكونان من إيطاليا كونها الأقرب وقواعدها فعّالة في حلف شمال الأطلسي. لم نلتق القوارب واتصلنا فقال لي «أبو ليلى» إن لدى الطاغية صواريخ غراد ونحن قرب قاعدة بحرية ولا نستطيع الاقتراب منكم وعليكم أنتم أن تتولوا حماية أنفسكم لتصبحوا على مسافة تسعة أميال. قلت لهم إن الطاغية أوقف كل القوارب والقارب الوحيد الذي أملكه صغير يستطيع الإبحار 500 متر. وبقينا على اتصال و «أبو ليلى» (وهي كنية موظف ايطالي) يتشاور مع القيادة والبحرية حتى قالوا إن علينا أن نصل إلى مسافة ستة أميال فقلت هذا صعب وعدنا إلى طرابلس.
قررت شراء قارب بخمسين ألف دينار (حوالى أربعين ألف دولار) وقلت أنا مستعد للمغامرة والإبحار بالقارب من طرابلس على رغم أن أي قارب يبحر لمسافة يتم توقيفه فوراً. وطلبت من ابنتي وهي طالبة جامعية وأحفادي أن يسبحوا حول القارب لمعرفة رد الفعل فلم يركزوا علينا فاطمأننت إلى أن من الممكن الإبحار من طرابلس وتواصلت مع ال «ناتو» فاستمهلوني ساعتين ثم قالوا إن المغادرة من طرابلس مستحيلة وخطرة لأن هناك قوارب للطاغية.
حاولنا المغادرة براً ثماني مرات وفشلنا، مع أن جماعة المجلس كانوا ضد المغادرة براً لكنني حاولت، وعلى مسؤوليتي الخاصة، عبر ثوار في الجميل وفي الزاوية وفي كِكْلا. بعد وصول الثوار إلى الزهراء وبير الغنم وأصبحوا على بعد أقل من 40 كيلومتراً من طرابلس وتم تحرير الزاوية. كان هناك فقط آخر نقطة للخروج من طرابلس باتجاه الغرب. وهناك أربع نقاط تفتيش للطاغية فأرسلنا أشخاصاً لاستكشاف مدى جدية نقاط التفتيش وصرامتها وبقي الأشخاص يحاولون ثلاثة أيام وأبلغونا أن الأمر يتوقف على الجنود المناوبين والضباط فقررنا السفر. لكن ثواراً من مدينة كِكْلا في الجبل قالوا لنا نحن سنرافقكم عبر طريق زراعي ترابي فلا تمرون عبر نقاط تفتيش من طرابلس إلى أول نقطة للثوار وهذا ما حدث. فساروا أمامنا واحد في سيارة أجرة وآخر في سيارة صغيرة وكان معهم نسيبي مصطفى وهو يعرفهم والأسرة كانت طبعاً قلقة لكن أنا لدي مقولة عندما كان الليبيون يقولون لي كيف تقول للقذافي لا وتبقى في ليبيا فأقول لهم إن الخوف يخاف مني. وقدنا سياراتنا وراءهم في طريق ترابي عبر المزارع في 18 آب (أغسطس)، سيارة يقودها ابني وسيارة يقودها زوج ابنتي، إلى أن لمحنا بعد ما قطعنا مسافة 37 كيلومتراً علم الاستقلال فبدأت زوجتي وابنتي بإطلاق الزغاريد فرحاً واحتفى بنا ثوار الزاوية الموجودون في الزهراء وعانقونا وطلبوا مني إلقاء كلمة. ممثل المجلس في تونس محمد بشير اعتقد أننا سنمر عبر نقاط التفتيش ونسينا نحن إبلاغه أننا أمنّا مساعدة لتفادي المرور عبر نقاط التفتيش، فكان هناك أشخاص في انتظارنا على طريق نقاط التفتيش لمرافقتنا. عند وصولنا إلى نقطة الثوار لم نجد أحداً منهم في استقبالنا فاتصلنا به إلى تونس وشرح لنا أنهم ينتظروننا بعد نقاط التفتيش. جاؤوا إلينا واصطحبونا على وجه السرعة لأن المجلس طلب منا مغادرة ليبيا بسرعة ووصلنا إلى زنتان، حيث تمنى علينا الأهل هناك المبيت عندهم فاعتذرنا. ورافقَنا رئيس المجلس العسكري لثوار الزنتان ومجموعة ثوار وسرنا تحت حراستهم باتجاه هِيبة وهي منطقة حدودية قبل نالوت على الحدود الجنوبية حين أذّن المغرب فأفطرنا وواصلنا المسير إلى الهيبة واتصل بي محمود جبريل ومصطفى عبدالجليل وقالا لي: خروجك انتصار للثورة. وأخذنا الإخوة من قطر من نقطة الحدود في حراستهم براً من هيبة إلى جربة حيث كانت تنظرنا طائرة أقلتنا إلى صقلية حيث بقينا يومين وفي ليلة وصولنا أذعت بياناً لليبيين غيّر المعطيات فثارت طرابلس وترهونة. كنا غادرنا طرابلس حوالى الواحدة والنصف ظهراً وأفطرنا في الجبل. واتصل بي الليبيون وقالوا لي أنت غيّرت المعادلة كما اتصل بي الأخ منصور عبدالجليل والأخ محمود جبريل وقالا لي كلامك كان كالرصاص وغيّر المعطيات كون لديّ شعبية كبيرة لأن الليبيين يثقون بي والأهم من هذا قالوا لي إن كلامك صادق وصدر من القلب فوصل إلى قلوب الليبيين. وبعد زيارة لقطر أتيت إلى روما.
ما أبرز الجرائم التي ارتكبها القذافي؟
- دمر ليبيا ودمر الشعب الليبي أخلاقياً ونفسياً ومعنوياً واقتصادياً واجتماعياً ودمر الروح الوطنية والنسيج الاجتماعي. فرض على الليبيين القمع.
من هو فريق القذافي في العشرين السنة الماضية؟
- القذافي كان يحكم وحده مع أولاده، والباقون عبيد. القذافي هو الأول والأخير وكان يقول لي أنا يا عبدالسلام في هذه البلاد لا أحترم إلا أنت. وكنت أرد عليه قائلاً إذا كنت تحترمني فاحترم الشعب الليبي. ومرة كنت زعلاناً فقلت له أهنّي واحترم الشعب الليبي فهذا أفضل بالنسبة إلي.
ماذا كان دور أبو بكر يونس وموسى كوسا؟
- كان لديهم دور أمني. القذافي كان يحكم بالأمن وهو كان شيخ قبيلة عنده الأمن وعناصر مجموعة من السارقين والأفّاقين لكن لم يكن القرار لهم فلا يجرؤ أحد على التحدث إليه بل كان يأمر فيُطاع وكأنه إله على الأرض.
متى تغيّر وهل تعتقد أنه مريض؟
- تغير وأصبح لديه جنون العظمة وحوّل النفاق نهجاً وأسلوب عيش. للأسف في العالم نرى نوعاً واحداً من النفاق. أناس مرضى ونفعيون يريدون أن يعيشوا منافقين. لكن في ليبيا أصبح هناك نفاق تطوعي ونفاق بالقوة.
من كان المحيطون به والمقربون في السنوات العشر الأخيرة؟
- المقربون كانوا جماعة الأمن وأولاده. في البداية كان المقربون دائرة الأمن وبعضاً من اللجان الثورية لكنهم عبيد، ثم عندما كبر أولاده أصبحوا الدائرة الأولى أما الدائرة الثانية فكانت الأمن.
هل كان لعبدالله السنوسي دور؟
- لم يكن صاحب دور سياسي بل كان عبداً مخلصاً للقذافي وكذلك كان موسى كوسا.
ماذا عن عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي السابق؟
- شلقم في فترة من الفترات كان لديه دور لكن الدور انتقل إلى الأبناء وعناصر أمنية وعناصر من اللجان الثورية من قبيلته. عندما تواصلت مع المجلس الانتقالي في البداية بدأ النقاش عمَنْ يمكن أن ينشق ومن يبقى مع النظام. قلت دائماً انه لن يكون هناك انشقاق في العناصر المهمة. قد ينشق موظف يعمل في الخارج لكن لن يحدث انشقاق في الداخل لأن كل واحد يخاف من الآخر، الزوج يخاف من زوجته والأخ يخاف من أخيه. وجميع المنشقين كانوا موظفين ليس لهم دور. القوى الأساسية لم تنشق إلى آخر لحظة. كذلك قلت انه عند ضرب آلته العسكرية سيبدأ الهروب من الجيش وهذا ما حصل. انحسر عدد بعض الكتائب، التي تضم 600 عنصر مثلاً بقي منها حوالى 120. وكتيبة الأمن التابعة له، وهي مهمة، هرب منها 700 من أصل ألفين.
ما أبرز الجرائم التي ارتكبها القذافي؟
- مذبحة سجن أبو سليم بالنسبة إلي من أهم العلامات. أخطر ما في النظام أنه قمعي بالدرجة الأولى وهو لا يسمح بأي تمرد ضده فهذا من المحرمات. يقمع الإرادة وأي شخص يحاول الاحتجاج أو المعارضة يكون مصيره القتل والتخوين والمحاربة. انه مريض بالسلطة. يعتبر نفسه قائداً تاريخياً. وكنت أقول له انه لا يوجد قائد حوله نَكِرات القائد يكون قائداً بمجموعة قادة حوله، فيرد أنت تتكلم كالطالب في المرحلة القومية في الخمسينات والستينات.
كنت أقول له كيف تبعد الضباط الأحرار وتقرّب عبدالله السنوسي وضباطاً من المقارحة وضباطاً من الورفلّه وأعضاء من اللجان؟ فهم هكذا يشعرون بأننا قمنا باستغلالهم. فيقول: هؤلاء دائماً يعتقدون أنهم شركاء لكن مهمتهم انتهت ونحن نبحث عن أشخاص يكون لنا جميل عليهم.
هل كان القذافي يحب المال؟
- هو بسيط في مأكله وحياته لكن في الفترة الأخيرة لاحظنا انه في كل مدينة وكل منطقة وكل واد اتخذ له قصراً أو فيلا وبات له مقار في طول البلاد وعرضها وله فيها سيارات. إنفاق كبير وهائل. كان همه عندما يكتشف معارضاً أن يصفيه أو يذلّه بالمال.
كيف كان يشتري الولاءات؟
- بالتخويف والمال وهو مكيافيلي. وكان يقول لي: يا عبدالسلام الليبيون إذا أعطيناهم قليلاً طلبوا الكثير ويشير بيده إلى أنه لن يعطيهم شيئاً.
(غداً الحلقة الأخيرة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.