طالبت ليبيا رسمياً مجلس الأمن بإرسال بعثة لتقصّي الحقائق في شأن القصف الذي طاول منزل عضو مجلس قيادة الثورة الفريق الخويلدي الحميدي في مدينة صرمان، غرب طرابلس، والذي أوقع عدداً كبيراً من الضحايا بينهم أطفال من أسرة المسؤول الليبي. وجاء ذلك في وقت ظهرت ملامح خلافات في صفوف الثوار، بعدما أكد بعضهم وجود اتصالات «غير مباشرة» مع العقيد معمر القذافي، وسط تلميحات إلى إمكان قبولهم بقاءه في ليبيا، شرط تخليه عن الحكم وانتقاله إلى مكان معزول قد يكون «واحة» من واحات البلاد. وفي حين غابت التطورات الميدانية الأساسية عن الجبهات بين كتائب القذافي والثوار، كشفت معلومات عن اتصالات يقوم بها معارضون مع شبكة مؤيدة للثوار قد تساهم في تحرك شعبي يسمح بإسقاط نظام الحكم. ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وزارة الخارجية) طلبها من مجلس الأمن الدولي «إيفاد لجنة تقصي حقائق» لزيارة بيت الفريق الحميدي الذي استهدفه قصف شنه حلف شمال الأطلسي «الناتو» في صرمان فجر الإثنين، وأوقع 16 قتيلاً بينهم زوجة خالد، إبن الحميدي، ونجلا خالد وهما طفلان. كما قُتل أفراد آخرون من عائلة الحميدي، رفيق درب القذافي. وبررت الخارجية الليبي سبب الطلب بأنه يهدف إلى دحض تأكيد «الناتو» أن الهدف الذي تم قصفه «عسكري». ووصفت الخارجية الضربة بأنها استهدفت «هدفاً ليس عسكرياً» وأنها «عملية اغتيال جماعية» تدخل في إطار «جرائم ضد الإنسانية». وكان العقيد القذافي قال قبل يومين في كلمة بثها التلفزيون الليبي إنه يطالب أعضاء مجلس الأمن - باستثناء «المجرمين الثلاثة»، في إشارة إلى مندوبي أميركا وبريطانيا وفرنسا - بإرسال مفتشين إلى بيت الخويلدي الحميدي لتحديد هل هو «هدف عسكري مشروع». في غضون ذلك، أفيد بأن مواجهات جديدة وقعت أمس على خطوط الجبهة المحيطة بمدينة مصراتة، شرق طرابلس. وقال الثوار إن كتائب القذافي المتمركزة في تاورغاء، شرق مصراتة، قصفت هذه المدينة بصواريخ الغراد، في حين وقعت مواجهات مماثلة على خط الدافنية التي يحاول الثوار التقدم منها في اتجاه زليطن (زليتن) التي تُعتبر مدينة أساسية تعترض وصول الثوار إلى طرابلس نفسها. ووقعت مواجهات عنيفة بين الثلثاء والأربعاء شرق مصراتة حيث أفاد ثوار بأن قوات القذافي حاولت التقدم من نواحي تاورغاء وفشلت. كما زعم الثوار أن قوات القذافي جلبت «مرتزقة» للقتال في تاورغاء ضد قوات المعارضين الليبيين. وقال مصدر في الثوار إنه تم تسجيل حشود مماثلة لمؤيدي القذافي في منطقة بني وليد، جنوب مصراتة، بهدف التقدم في اتجاه هذه المدينة التي حوصرت لأسابيع طويلة قبل أن يتمكن ثوارها من دحر الجنود الليبيين وطردهم خارجها. لكن المدينة ما زالت محاصرة من ثلاث جهات بحيث يبقى البحر هو المنفذ الوحيد بينها وبين العالم الخارجي. وبالنسبة إلى منطقة الجبل الغربي (جبل نفوسة)، قال الثوار إن قوات القذافي أعادت حشد قواتها في ضواحي بلدة نالوت التي يسيطر عليها المعارضون، مثلما باتوا يسيطرون على جزء كبير من هذه المنطقة التي يقطنها مزيج من العرب والأمازيغ. وأوضحت «قناة ليبيا الأحرار» أن القذافي يحشد قواته في جنوب نالوت في منطقة اسمها «الخماسة» بين نالوت وسيناون. وأوضحت أن نالوت تكون بذلك باتت «محاصرة» من جانب جهة الغزايا والروسي وتكويت تحت الجبل، ومن جهة الجيوبيا على طريق غدامس (الحدود الجزائرية). وأشارت إلى أن قوات القذافي أطلقت عشرين صاروخاً على بلدة نالوت، في حين شن حلف «الناتو» أربع غارات جوية عليها قرب الحدود التونسية. وقال حلف شمال الأطلسي، في بيان، انه نفّذ 149 طلعة جوية الخميس فوق ليبيا منها 47 طلعة قصف لرصد أهداف وضربها. ونقلت وكالة «رويترز» عن بيان حلف الأطلسي أن من بين الأهداف التي ضُربت الخميس دبابة في طرابلس، جهاز رادار ومخزناً للمعدات الحربية وتسع قطع مدفعية ذاتية الحركة وشاحنة لنقل صاروخ مضاد للطائرات عند مشارف طرابلس، قطعة مدفعية عند مشارف زليطن، منصتين لإطلاق الصواريخ ومنصة لإطلاق الصواريخ المضادة للطائرات وثلاث قطع مدفعية ذاتية الحركة عند مشارف الزنتان. في غضون ذلك، ذكرت وكالة أنباء تونس الرسمية أمس الجمعة أن قارباً رسا في ميناء بجنوبتونس يحمل 49 فرداً من بينهم 19 من الجيش الليبي انشقوا عن نظام العقيد القذافي وفروا من العنف في بلادهم. ونقلت الوكالة وفق وكالة «رويترز» عن ثلاثة من الضباط إن فرارهم ليس خوفاً من الموت بل رفضاً لقتل أبناء بلدهم، وأضافوا أن عدد القتلى تجاوز 15 ألفاً في ليبيا. وصل القارب الخميس إلى ميناء في منطقة بن قردان بالقرب من الحدود بين ليبيا وتونس. وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، الجمعة، استناداً إلى مسؤولين أميركيين بأن معمر القذافي «ينوي جدياً» مغادرة العاصمة الليبية هرباً من غارات حلف شمال الأطلسي الجوية. ونقلت عن مسؤول في الأمن الوطني الأميركي إن المعلومات التي حصلت عليها واشنطن تدل على أن الزعيم الليبي «لم يعد يشعر بالأمان» في العاصمة. ولا يعتقد المسؤولون أن هذا التحول وشيك ويرون أن القذافي لن يغادر بلاده في حين يطالب بذلك المتمردون الذين يقاتلونه، كشرط أساسي. ويبدو أن للزعيم الليبي منازل آمنة عدة وغيرها من المنشآت في العاصمة وخارجها بإمكانه الإقامة فيها. وحدد موقع ليبي معارض على شبكة الإنترنت أحد هذه المواقع بأنه عبارة عن حصن أسفل مستشفى في طرابلس قريب من فندق ريكسوس الذي يقيم فيه الصحافيون الأجانب. ويسمح هذا المخبأ للقذافي بأن يكون قريباً من مجمع باب العزيزية. وفي هذا الإطار، تبدو المعارضة الليبية منفتحة على فكرة بقاء العقيد القذافي في البلاد اذا وافق على التخلي عن السلطة. وذكر محمود شمام الناطق باسم المجلس الوطني الانتقالي (القيادة السياسية للتمرد) أن المتمردين الليبيين يجرون اتصالات غير مباشرة مع مندوبين عن نظام طرابلس، وطرحوا إمكان بقاء معمر القذافي في ليبيا إذا ما تنحى عن السلطة. وسئل شمام عن وجود اتصالات بين الثوار والسلطة في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، الجمعة، فأجاب «نعم، تجرى اتصالات عبر وسطاء. لكن هذه المفاوضات ليست مباشرة أبداً. وتجرى أحياناً في جنوب أفريقيا وأحياناً في باريس التي أرسل إليها القذافي في الفترة الأخيرة مندوباً ليتحدث إلينا». وأضاف: «نطرح معهم آليات مغادرة القذافي». وأضاف: «نرى أن عليه أن يحسم أمره: فإما أن يرحل أو أن يقبل التقاعد في منطقة نائية من ليبيا. لا نعترض على أن ينسحب إلى واحة ليبية تحت إشراف دولي». لكنه استطرد قائلاً «شروطنا لم تتغير. القذافي وأفراد أسرته لا يمكنهم بأي حال المشاركة في حكومة مستقبلية». وقال شمام إن المعارضة يمكنها أن تجري محادثات مع أي «تكنوقراطي أو مسؤول ليبي لم تلوث أيديهم بالدماء» لتشكيل حكومة موقتة مهمتها تنظيم الانتخابات. إلا أن نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي عبدالحفيظ غوقة الذي طلب منه التعليق على تصريحات شمام لصحيفة «لوفيغارو»، نفى وجود «اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع نظام القذافي»، وهي اتصالات سبق للنظام الليبي أن أقر بوجودها. وأعلن مسؤول عسكري أميركي (أ ف ب) أن حلف شمال الأطلسي لم يعدّ بما فيه الكفاية لما بعد القذافي. وقال الجنرال كارتر هام وهو أعلى مسؤول عسكري أميركي في أفريقيا: «نحن، المجتمع الدولي، قد يتعيّن علينا أن نكون في ليبيا بعد يوم من سقوط القذافي لكن ليس هناك أي خطة، ليس هناك خطة صالحة». واعتبر أن القذافي قد يسقط سريعاً وقد تكون قوات برية ضرورية سريعة لحفظ النظام في ليبيا. على صعيد آخر، أوردت محطة «بي بي سي» البريطانية معلومات أمس عن أن الثوار الليبيين في شرق البلاد يقيمون اتصالات عن قرب مع شبكة سرية من معارضي القذافي تعمل تحت الأرض في طرابلس. وقالت إن عضواً في المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي كشف عن الاتصالات السرية التي تهدف إلى التحضير لسقوط نظام القذافي. وتتم هذه الاتصالات عبر نظام «سكايب» على الإنترنت أو عبر هواتف تعمل بالأقمار الاصطناعية. ويسعى الثوار إلى تحديد مدى انعكاس الضغط الذي تؤدي إليه غارات «الناتو» ونقص المواد الأساسية على المعنويات في طرابلس، كما أنهم يريدون إشراك المعارضين السريين في العاصمة الليبية في استراتيجيتهم العامة من أجل إطاحة القذافي. وقد يتم اللجوء إلى التحضير لتظاهرات شعبية في حال كان هناك من يجرؤ على الخروج علناً ضد النظام، وإدخال ذلك في إطار خطة أشمل لتغيير النظام. وأوضح التقرير البريطاني أن من يُطلق عليهم اسم «الطرابلسيين الخمسة» - أعضاء المجلس الانتقالي - يقضون كل ليلة في اتصالات من معقلهم في بنغازي يتحدثون إلى شبكة من أكثر من 100 شخص تنشط ضد القذافي في العاصمة. وقال عضو المجلس الانتقالي الأمين بلحاج إنه يعتقد أن الاتصالات المباشرة عبر «سكايب» والهواتف العاملة بالأقمار الاصطناعية آمنة «لأن أحداً من يتم اعتقاله بعد». وأضاف: «نتكلم كل ليلة لحوالى ساعة. الشبكة تغطي كل قطاعات المجتمع وهم يخبروننا ماذا يفكّر أصدقاؤهم وماذا يتم قوله في المساجد وفي الشارع». وبلحاج عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين وقضى 30 سنة في المعارضة ضد القذافي.