لا أزعم بتأخر بعض ورش عملنا التي تناقش قضايانا المحلية، ولا أجزم بأن التواصل بين بعض الجهات والقطاعات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالسجون يفتقر إلى شيء من الحماس وأعني بذلك الحماس المبكر، الذي يأتي في التوقيت المناسب، وقبل حلول الوجع أو تفاقم الأورام المستنزفة للجهد والمال والوقت. تصدر الساحة في الأسبوع الفائت سجال عنيف متعلق بالسجون وهل هي بالفعل مقار إصلاح وتهذيب؟ أم مدارس لتعلم فنون الجريمة؟ وبالفعل كان هذا السؤال مستحقاً للبحث والنقاش والاستقصاء من زمن فائت فلم تكن السجون وليدة اللحظة، ولم نكن بعيدون عن مخرجاتها على امتداد السنين حين كانت تتسيد الساحة الاجتماعية بلا منازع على صعيد العقوبة والعقاب. ما يحزن في السجال أن نقف بمعية «السجون» على طاولة نقاش واحدة وبعد سنين التجربة والخبرة المتحققة لنتبادل مفاتيح بوابات الخطأ والقصور! والمزعج جداً ألا نتفق ولو على سطر واحد نقرأ من خلاله أين يتمدد الخلل بالضبط؟ ولماذا؟ الزمن الذي كان فيه السجن علاجاً وحيداً لمجموع قضايانا وجراحنا، وكنا نرى فيه التهذيب والإصلاح الحقيقي لما نطلق عليه في المجمل «جريمة»، لم يعد هو الزمن ذاته الذي نعيشه الآن، إلا إن كانت الأرقام وملحقاتها من التفاصيل المزعجة تفتقر للدقة أو تثبت لنا بالدليل القاطع أن الخارج من السجن لا يعود إليه، وإن عاد فلا يعود بمشروع إجرامي أكبر/ أخطر. إنما ما نتفق ونبصم بالأصابع العشرة عليه أن السجون باتت تستوعب عدداً ليس صغيراً ولقضايا وجرائم مختلفة مازجة بين الحالات الميئوس منها، وتلك التي يرجى مع مرور الأيام برئها وتجاوزها للحال المضطربة والضائعة التي ذهبت بها لحظة فقدان/ ضعف للوعي وتردد إلى المربع المظلم «سجن»، وهذا ربما ما استدعى لأن يقفز على السطح الاجتماعي مشروع العقوبات البديلة على اختلاف توجهاته، وعلى رغم أن القراءة المبكرة له كانت متذبذبة إلا أنه من درجة سخونته بعض الأيادي التي صفقت للمشروع ولمن فكر به ونادته بالشجاع في التنفيذ والتطبيق. ليس عيباً التصريح بأن السجون عاشت أو تعيش حالاً متداخلاً بين التهذيب والتخريب، تهذيباً تتحمس وتناضل وتستأسد من أجله، وتخريباً يُرْسَمُ بهدوء لضعف في متابعة الداخل أو انشغالاً بما يستدعيه التأهيل المفترض للخروج، وليس عيباً أيضاً أن نقول مثلاً بأن حجم السجون لا يستوعب أعداد الداخلين أو أن حجم القضايا القادمة يصعب معه الفصل بين سجين وآخر، ولكن لا نقر - قطعاً - بأن الخارج من السجن ذاهب للطريق المستقيم بسهولة، ولا نقطع كذلك بأن السجن صالح لكل من ارتكب خطأ أو ضل الطريق لحظة طيش. لو لم يكن من السجون إلا قسوة النقد الاجتماعي المصاحبة للخارج منها حين يوصم بأنه أحد خريجيها لكانت كافية لأن نعود إلى مساحة عاقلة جادة ومباشرة للحل والعقل، والاقتصار على أن لا يذهب إلى هناك إلا المعاندون المكابرون المتحدون، وفوق ذلك لا نضع «المكان/السجن» بمثابة منتجع موقت لقضاء فترة عقابية مفروضة، الوسط حل مقنع، لنبدأ أولاً بتقييد بوابة الدخول إليه، ونتمهل في بوابة الخروج منه، ونفعل مساحة العقوبات البديلة فقد تكون الحل الأنسب لمجتمع يتزايد نموه، ويحبط من أول سقوط إن لم نُبَادِر السقوط بانتشال عاجل وملائم ومناسب للحال والكيفية لا الاستسلام والاكتفاء بعقاب يتساوى فيه المخالفون، وتتفاوت فيه الطموحات، وكذلك عقليات المجاورين. [email protected] twitter | @ALIALQASSMI