بعد غروب شمس ال29 من شعبان كل عام، يبدأ تداول الأخبار وتبادلها، ظهر هلال رمضان أم لم يظهر، فيما يتم انتظار العلم اليقين بعد الإعلان الرسمي الصادر عن مجلس القضاء الأعلى، غير أن كثيرين لا يعلمون ماهيّة الموقع الأبرز الذي ينطلق منه خبر الرؤية من عدمها، سوى أنهم يدركون أن هناك مجموعة من الرائين الثقات يتوزعون في عدد من مدن المملكة، يكاد يكون أهمها سدير وشقراء والطائف. على مدى أكثر من 20 عاماً، شكّلت سدير الواقعة على بعد 150 كيلومتراً شمال العاصمة الرياض، وجهة سنوية لسكان المملكة وخارجها، لمعرفة ما إن كان يوم غد هو المكمّل لشهر شعبان أم أنه الأول من رمضان؟ إذ يأتي السؤال: «ماذا قال أهل سدير؟»، وذلك باعتبار أنها تمتاز بوجود أشهر الرائين ممن يتمتعون بقدرة بصرية تختلف عن الآخرين، إضافة إلى معرفتهم بحركة الأهلّة ومنازل القمر وإدراكهم لها. لكن ما يغيب عن كثير من الناس، هو موقع الرؤية تحديداً وكيفية القيام بها والأوقات الأنسب لها، فهل تتم في موقع مرتفع تتوافر فيه أجهزة تقنية متطوّرة وقادرة على التقاط ما يتعسّر على العين المجرّدة، أم أنها لا تتطلب سوى الوجود في مساحة شاسعة كالصحراء مثلاً، وتتبّع حركة الهلال بالعين وحدها؟ بالقرب من مركز حوطة سدير ومركز جنوبية سدير، يتمركّز مبنى متوسط الحجم، في موقع يُطلق عليه «العنانية»، في هذا الموقع يجتمع عدد من الرائين، الذين يعدّ أبرزهم عبدالله الخضيري، يحدث ذلك في أيام عدة على مدار العام، وخصوصاً خلال شهر شعبان بغية متابعة حركة الهلال بشكل يومي، وتحديداً خلال فترتي الشروق والغروب، وفي اليوم ال29 يكون تحرّي الرؤية النهائية التي على إثرها يُعلن اليوم الأول من رمضان. تمتاز «العنانية» بارتفاعها عن سطح البحر مقداراً مناسباً للرؤية، إلى جانب تمتعها بأجواء صافية وخلوّها من العوالق الترابية أكثر من بعض المدن الأخرى ضمن الإقليم، ويركّز الرائي نظره نحو السماء بالعين المجرّدة، فإن رأى الهلال أخبر من معه ليشاركوه الرؤية، ليتم بعد ذلك تثبّت المحكمة وتسجيل الشهادة من خلال مندوبها الذي يكون عادة برفقة الرائين. ويواجه عدد من الرائين في مختلف مدن المملكة تشكيكاً من أفراد كثر، ربما يأتي بينهم بعض الفلكيين الذين يعتمدون على المناظير الفلكية التقنية في رصدهم، ففي كل عام يقوم الصراع بين الطرفين، ويطرح كل منهما رؤيته التي ربما لا تتفق بالضرورة مع الآخر. ونظراً إلى امتياز مركز حوطة سدير في هذا الشأن، اتجهت أخيراً جامعة المجمعة إلى إنشاء مرصد فلكي يحوي مجموعة من الأجهزة المتطورة والمتخصصة في الرصد، إضافة إلى وجود بعض المتخصصين والمهتمين بهذا المجال، أبرزهم الرائي عبدالله الخضيري، فيما بلغت كلفة هذا المرصد الذي يقترب من الاكتمال نحو مليوني ريال.