دخل لبنان عصر الجيل الثالث لشبكات الخليوي «3 جي» 3G. جاءت الخطوة متأخرة قليلاً. إذ دخل كثير من الدول العربية في الجيل الثالث للخليوي، قبل فترات متفاوتة. انتقل بعض دول الخليج إلى الجيل الرابع، بالترافق مع حديث عن تطوير شبكاتها في الإنترنت كي تتوافق مع البروتوكول السادس للشبكة العنكبوتية الدولية. ليس هذا التأخر معتاداً في لبنان، الذي اعتاد في عقود سابقة، أن ينال قصب السبق في التقنيات المتطورة. نال سبقاً في الراديو والتلفزة وشبكات الميكرووايف الهاتفية. لكنه دخل الجيل الثالث قبل أيام قليلة، في حفل استضافته «الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا» AUST ، ورعاه وزير الاتصالات نقولا صحناوي. ولمحت رئيسة الجامعة هيام صقر إلى تأخر دخول الجيل الثالث للخليوي لبنانياً، مُبدية استعداد الجامعة للمساعدة في نقلات تقنية مقبلة. هل كانت تلمح ضمنياً إلى ما تتحدث به كثير من الألسن بأن الرّد على التأخر في دخول عصر شبكات الجيل الثالث للخليوي، إنما يكون في الإسراع بالانتقال إلى تقنية شبكات الجيل الرابع؟ هل هي مهمة مستحيلة؟ الأرجح أنه يفترض بمسؤولي الاتصالات في لبنان أن يفكروا ملياً بهذه الخطوة، خصوصاً إذا أرادوا حقاً أن تكون شبكات الخليوي جزءاً من بنية تحتية متطورة تعطي دفعة نوعية في تعزيز الاقتصاد الرقمي لبنانياً. قفزة نحو الجيل الرابع في كلمته بمناسبة إطلاق شبكات الجيل الثالث، تحدث الوزير صحناوي عن قفزة بمقدار عشر سنوات إلى الأمام، والسير بسرعة كبيرة في مشاريع كبرى تعتمد على التقنية الرقمية، مثل المدن الذكية والمدن الإعلامية المتطوّرة. من وجهة تقنية، تحتاج هذه الأمور الطموحة إلى ما هو أكثر تقدّماً، في شبكات الخليوي. بقول آخر، إنها تحتاج إلى خطوة جريئة لتخطي المسافة بسرعة كبيرة بين الجيلين الثالث والرابع للخليوي. ومن نافل القول إن الحفاظ على أسعار معقولة وتنافسية لهذه التقنيات، أمر أساسي كي تعطي مردودها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وهذا أمر يطول، لأن أسعار الاتصالات الخليوية في لبنان ما زالت مرتفعة. وقد لمس صحناوي هذا الأمر أيضاً، مُعلناً أن السعر الأساسي هو 19 دولاراً ل500 ميغابايت. ولكن، مع الاتصال السريع بين الخليوي والإنترنت، ومع الانتشار الواسع للتطبيقات الخليوية، كما يظهر في مخازن «أوفي» لشركة «نوكيا»، و «آي تيونز» و «آبس» لشركة «آبل»، و «أندرويد ماركت» على «غوغل» لشركات منها «أتش تي سي»، فإن سعة 500 ميغابايت قد تستهلك سريعاً، حتى ضمن الاستخدام العادي. فمثلاً، إذا أنزلت تطبيقات تتصل بالإعلام، مثل «سي أن أن» و «الحياة» و «واشنطن بوست»، فمن البديهي أن تطالعها يومياً. وتتضمن هذه التطبيقات نصوصاً وصوراً وأصواتاً وأشرطة قصيرة، ما يجعل سعة 500 بايت أقل من القدرة على تغطيتها لأكثر من أسبوع تقريباً. وقد ظهر ذلك عملياً في تجربة للقسم العلمي في «الحياة» لشبكة الجيل الثالث لبنانياً، سبقت إطلاق هذه الشبكة ورافقتها أيضاً. وتستهلك هذه السعة بصورة أكبر كلما مال الاستخدام إلى التطور. فمثلاً، قد تطير بسرعة البرق عند الشباب الذين يألفون تبادل الصور وأشرطة الفيديو والألعاب الإلكترونية والأفلام السينمائية والأغاني الحديثة وغيرها. وينطبق وصف مشابه على الأعمال التي تعتمد على تطبيقات للمعاملات اليومية. وللأسباب نفسها، لا تبدو ثمة فائدة كبيرة مما تحدّث به صحناوي بالنسبة لخفض التكلفة على من يستهلكون سعات صغيرة، أي أقل من 100 ميغابايت. والأرجح أن التحدي يكمن في خفض التكلفة على من يستهلك سعات كبيرة. لماذا؟ لأن الاستعمال الكثيف يترافق مع التطور صوب الاقتصاد الرقمي والمجتمع المبني على المعرفة. وهنا تبرز نقطة جرى تردادها كثيراً من قبل المهتمين بالتقنية الرقمية، لكنها لم تجد آذاناً صاغية لدى المسؤولين اللبنانيين. وتتلخص هذه النقطة في أن الربح من الاستثمار في التقنية الرقمية إنما يأتي من توسع استخدامها وانتشار خدماتها وتنوّعها، وليس من السعر على السعة وزمن الاتصالات. بقول آخر، يأتي الربح من تحرّك الاقتصاد الرقمي- الاتصالي وتوسّعه، وليس من إثقاله بأكلاف تقيّد انتشاره. وقال صحناوي إن لدى شركتي الخليوي في لبنان، خطة لتغطية لبنان بمحطات لشبكاتهما من الجيل الثالث، مُشيراً إلى أن نقل هذه الشبكات إلى الجيل الرابع لا يتطلّب سوى تحديث هذه المحطات. وإذا كان ما قاله الوزير صحناوي صحيحاً فعلياً، فإن هذا يفتح المجال لمطالبته بالضغط بقوة على الشركتين كي تنتقلا سريعاً إلى الجيل الرابع للخليوي. ومُجدداً، يشير كلام صحناوي إلى أن خطوة الانتقال بالشبكات إلى الجيل الثالث كانت متأخرة بما يكفي، ما يفرض السير بأقصى سرعة نحو الجيل الرابع. وبالتجربة المشار إليها للقسم العلمي في «الحياة»، وقد جرت مع شركة «ألفا»alfa (التي تعدّ بإنجاز تغطية لبنان قبل أيار/ مايو 2012)، تبيّن أن التقنية المعتمدة هي «دبليو سي دي أم آيه» WCDMA. وتمثّل هذه التقنية إحدى تقنيتي الجيل الثالث، فيما تجسّد شبكة «يو أم تي أس» UMTS، التقنية الأخرى. ومن الناحية النظرية، تستطيع هاتان التقنيتان كلاهما نقل المعلومات بسرعة أقصاها 2 ميغابايت في الثانية. كم ثانية يلزم لاستنفاد سعة ال500 ميغابايت؟ ليس الحساب عسيراً. وحاضراً، يدخل جمهور الخليوي في لبنان إلى الإنترنت في المناطق التي لم تُغطّ بعد بشبكات الجيل الثالث، عبر تقنية «جي بي آر أس» GPRS التي تقع في منزلة وسطى بين الجيلين، بل أنها تُعرف باسم «اثنين ونصف». تذكيراً، يتميّز الجيل الثالث من شبكات الخليوي بقدرته على التحكّم في نقل ملفات الموسيقى ومواد ال «ميلتي ميديا» والبث التلفزيوني وأشرطة الفيديو وتحميلهما، والنقل المصوّر للمؤتمرات أو ما يعرف تقنياً باسم «فيديو كونفرنسنغ» Video Conferencing، والتعامل الواسع مع تقنية «الصوت عبر بروتوكول الإنترنت» الذي يشتهر باسم «فيوب» VoIP . مزايا الجيل الرابع وبدأت بروتوكولات «الجيل الرابع من شبكات الاتصالات اللاسلكية» Fourth Generation of Wireless Communications تظهر عام 2010. وتتمتع بسرعة في نقل المعلومات تصل الى 100 ميغابايت في الثانية في الأماكن المكشوفة وغيغابايت في الأماكن المغلقة. وتعمل على تطوير تقنيات الجيل الرابع وبروتوكولات عمله شركات كبرى في الاتصالات المتطورة، وخصوصاً شركة «أن تي تي دوكومو» NTT-DoCoMo اليابانية، و «آتش بي» HP الأميركية و «سامسونغ» Samsung الكورية الجنوبية وغيرها. ومن المنتظر أن يتميز هذا الجيل من الشبكات بالسرعة الفائقة في التعامل مع الإنترنت، خصوصاً أنه يتشارك معها في بروتوكول «آي بي» IP الذي يدير تناقل الملفات عبر الشبكة العنكبوتية، وإلى حدّ أن الخدمات التي تقدم عبر «الجيل الرابع» تستخدم بروتوكول الإنترنت بصورة مستمرة. كما تتميز تلك الشبكات بأن الاتصالات فيها تجري عبر ملفات رقمية كلياً، وتستطيع التكامل مع شبكات من نوع «واي ماكس» WiMax التي تعتمد على نوع متطور من موجات الراديو. وكذلك تعتمد على تقنية «كيوس» QoS، المصطلح الذي يختصر عبارة «كواليتي أوف سيرفس» Quality of Service. وفي تلك التقنية، يجري «التلاعب» بموجات الاتصال وتردّداتها وسريانها وحزمها، للحصول على النوعية الأفضل بالنسبة للخدمات التي تقدم على ذلك النوع من الشبكات. ويتميّز «الجيل الرابع» بارتفاع مستويات الأمان في المعلومات المنقولة عبر شبكاته، بفضل استخدام وسائل تشفير بالغة التعقيد. ومع السرعة العالية في نقل البيانات، تستطيع الشركات المُشغّلة لشبكات الجيل الرابع تقديم خدمات متقدمة، إضافة إلى استجابتها لخصائص المكان والزمان والبيئة. ويتوقع البعض أن تؤدي تلك الأمور إلى تخفيض كلفة الاتصالات والخدمات؛ خصوصاً أن مع الزيادة المضطردة في أعداد جمهور الخليوي. وتستطيع تلك الشبكات أن تتعامل مع تقنيات الكومبيوتر المتقدمة والمعقّدة، مثل تقنية المحاكاة الافتراضية «سميوليشن» Simulation، وهو أمر قد يترك آثاراً يصعب رصدها راهناً، بالنظر إلى أن تلك التقنية تستعمل في أشياء متطورة تبدأ بالألعاب ولا تنتهي عند الأعمال الحربية وتدريباتها المعقدة، ومروراً باستخداماتها المتوسعة في قطاعات صناعية مختلفة. وكذلك يتوقع بعض الاختصاصيين أن تتعامل تلك الشبكات مع واقع استخدام الأقمار الاصطناعية للأغراض التجارية على نطاق واسع، وبالتكامل مع الشبكات الأرضية، ما يؤهل للتوسع في توفير الخدمات في الأماكن التي تغيب عنها وسائل الاتصالات التقليدية مثل الصحارى والغابات. وقد تشمل تلك الخدمات البث المتلفز الرقمي و «النظام الشامل لتحديد المواقع» («جي بي أس» GPS) ونظام «غاليليو» الأوروبي الذي ينافس «جي بي أس» والشبكات التفاعلية للتعليم وغيرها. وأخيراً، يميل كثيرون من الاختصاصيين إلى اعتبار شبكات الجيل الرابع خطوة تُمهّد للجيل الخامس، الذي قد يتضمن إرسال الروائح عبر الخليوي، كما يوفر إمكان استخدام حاسة اللمس في الاتصالات الشخصية وغيرهما.