إن معنى الكرة المعاصرة لم يعد ينحصر في خطط اللعب على أرضية الملعب، أو في قدرة لاعب ما على شغل أكثر من مركز، أو بأسلوب اللعب الشامل الذي قدمه الهولنديون إلى العالم، بل امتد هذا المفهوم إلى خارج أرضية الملعب من خلال الهالة الإعلامية التي تحيط باللاعبين. ومن الطبيعي أن يتركز الحديث في كأس العالم حول اللاعبين إن كان في المباريات أو المؤتمرات الصحافية أو التمارين، أو في مطارات البرازيل التي تحتضن النسخة ال20 من العرس الكروي العالمي، لكن عدسات الكاميرات واهتمام الجمهور جاوز حدود المستطيل الأخضر وما يجري في فلكه، وأصبح الاهتمام بالمظهر الخارجي للاعبين مادة دسمة تستغلها الماركات التجارية للترويج لنفسها، وبمعنى آخر تحوّل النجوم من قدوة كروية إلى عارضي أزياء. وبما أن اللاعبين يعتبرون المثال الأعلى للملايين من الجماهير الشابة بشكل خاص، فإن أي تغيير في مظهر نجم ما ربما يتحول إلى موضة عالمية، إن كان من ناحية تسريحة الشعر أو الوشم، أو ما يحملونه معهم من إكسسوارات موسيقية خلال نزولهم من الحافلة إلى الملعب. ومن المؤكد أن لاعبين عظماء مثل بيليه وفرانس بكنباور وجيرزينيو ويوهان كرويف ودييغو مارادونا وميشال بلاتيني، لم يقلقوا يوماً حيال تسريحة شعرهم أو أوشامهم إذا كانت موجودة أصلاً، ولم يفكروا حتى بهذه الأمور عندما كانوا يغزون عالم الكرة المستديرة، لكن العصر تغيّر واللعبة كذلك، وأصبح هناك عالم افتراضي له ثقله وتأثيره في الحياة الواقعية. فمواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت عندما ظهر نجم البرتغال وريال مدريد الإسباني كريستيانو رونالدو بتسريحة شعر جديدة (الأحد) الماضي، في المباراة التي تعادلت فيها البرتغال مع الولاياتالمتحدة (2-2) في المونديال. وكان الحديث عن تسريحة شعر «سي آر 7» أكثر من الحديث عن احتمال خروج البرتغال من الدور الأول بعد حصولها على نقطة واحدة من مباراتين، والأمر ذاته ينطبق على عدد كبير من لاعبي الماركة، مثل النجم الإنكليزي السابق ديفيد بيكهام أو البرازيلي نيمار أو الياباني كيسوكي هوندا. بعض هؤلاء يعتبرون نجوماً كباراً في عالم الكرة المعاصرة، ويستحقون إلى حد ما الاهتمام الإعلامي التجاري بهم، كونهم يملكون موهبة كبيرة في أرضية الملعب وعلى رأسهم رونالدو، الذي تسبب بثورة إعلامية جماهيرية في العالمين الواقعي والافتراضي، عندما ظهر عارياً إلى جانب صديقته عارضة الأزياء إيريتا شايك لمصلحة النسخة الإسبانية من مجلة «فوغ» المتخصصة بالموضة والأزياء. وحذا نيمار - غريم رونالدو في برشلونة - حذو نجم ريال مدريد بظهوره في النسخة البرازيلية من «فوغ» بصحبة عارضة الأزياء الشهيرة جيزيل بوندشن. أما مهاجم المنتخب الفرنسي وأرسنال الإنكليزي أوليفييه جيرو فقرر أن يسلك مساراً مغايراً من خلال الظهور عاري الصدر على غلاف مجلة «تيتو» المتخصصة في شؤون مثلي الجنس. أما الصور الأكثر رواجاً خلال العرس الكروي البرازيلي فكانت لحظة نزول اللاعبين من الطائرات بربطات العنق والبزّات التي تصارعت الماركات العالمية الكبرى من أجل تزويدهم بها بهدف الترويج لها، لكن المنتخبات ترتبط عادة بعقد رعاية مع شركات معينة، وتحرم لاعبيها من الانفراد بالترويج لماركة من اختيارهم. وإذا كنت من مشجعي المنتخب الإنكليزي فإن الأوان فات، لن يكون بإمكانك شراء البزة الرمادية التي زودتهم بها «ماركس آند سبسنر» لمونديال البرازيل، والتي كان سعر مبيعها 250 يورو في الأسواق البريطانية لأنها نفذت، وعلى كل حال لم يعد أحد يرغب في شرائها بعد أن ودع «الأسود الثلاثة» النهائيات من دون أي فوز. والأمر ذاته ينطبق على مشجعي المنتخب الإيطالي الذي خرج من الدور ذاته بخسارته القاتلة أمام الأوروغواي، لكن حتى لو واصل «الأزوري» مشواره في النهائيات فسيكون هناك قلة من الناس الذين بمقدورهم شراء بزتهم الرسمية، التي تزودهم بها دار الأزياء الإيطالية «دولتشي آند غابانا» منذ مونديال 2006. ومما لا شك فيه أن لاعبي العصر الحديث أصبحوا سلعة ترويجية لماركات عالمية غير رياضية، مثل «أرماني» و«لانفان» و«بول سميث» و«هاكيت» و«تروساردي» و«روبرتو فيرينو»، التي وقعت عقوداً مع أندية في البطولات الأوروبية الكبرى. والأمر ليس محصوراً بالترويج لدار أزياء شهيرة وحسب، بل هناك أيضاً السيارات وهلام الشعر والعطور والألبسة الداخلية والساعات وغيرها من الإكسسوارات الأخرى، التي يمكن للشخص أن يرتديها أو أن يحملها معه أو يجلس فيها أو عليها. أما الوشم وتسريحة الشعر فهذه مسألة مختلفة تتعلق بخصوصية اللاعب وتميزه عن غيره، لكن سرعان ما تتحول الخصوصية إلى عالمية، ويصبح هناك مليون رأس شبيه برأس رونالدو أو ديفيد بيكهام أو غيرهم من نجوم الموضة الكروية الكبار.