قدمت الهالة الإعلامية التي تحيط باللاعبين، داخل وخارج الملعب، مفهوماً ومعنى جديد للكرة المعاصرة، لم يعد ينحصر بخطط اللعب في أرضية الملعب أو بقدرة لاعب ما على شغل أكثر من مركز أو بأسلوب اللعب الشامل الذي قدمه الهولنديون إلى العالم، بل امتد ذلك إلى خارج الملعب وشمل كل تفاصيل حياتهم. ومن الطبيعي أن تتمحور كأس العالم حول اللاعبين إن كان في المباريات، المؤتمرات الصحافية، التمارين أو في مطارات البرازيل التي تحتضن النسخة العشرين من العرس الكروي العالمي، لكن عدسات الكاميرات واهتمام الجمهور تجاوزوا حدود المستطيل الأخضر وما يجري في فلكه وأصبح الاهتمام بالمظهر الخارجي للاعبين حتى أصبحوا "سلعة" ترويجية لماركات عالمية غير رياضية مثل أرماني، لانفان، بول سميث، هاكيت، تروساردي أو روبرتو فيرينو التي وقعت عقوداً مع أندية في كافة البطولات الأوروبية الكبرى ليصبحوا مادة دسمة تستغلها لماركاتها التجارية، ويتحول النجوم من قدوة كروية إلى عارضي أزياء..! إن أي تغيير في مظهر اللاعبين الذين يعتبرون المثال الأعلى لملايين "الشباب" قد يتحول إلى موضة عالمية، إن كان من ناحية تسريحة الشعر أو الوشم أو ما يحملونه معهم من إكسسوارات موسيقية خلال نزولهم من الحافلة إلى الملعب، ومن المؤكد أن لاعبين عظماء مثل بيليه، فرانتس بكنباور، جيرزينيو، يوهان كرويف، دييغو مارادونا أو ميشال بلاتيني، لم يقلقوا يوماً حيال تسريحة شعرهم أو أوشامهم، إذا كانت موجودة أصلا، ولم يفكروا حتى بهذه الأمور عندما كانوا "يغزون" عالم الكرة المستديرة، لكن العصر تغير وأصبح هناك عالم افتراضي له ثقله وتأثيره على الحياة الواقعية. ويمكن ملاحظة كيف اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي عندما ظهر نجم البرتغال وريال مدريد الإسباني كريستيانو رونالدو بتسريحة شعر جديدة الأحد الماضي في المباراة التي تعادلت فيها البرتغال مع الولاياتالمتحدة 2-2 في المونديال البرازيلي، ليكون الحديث عن تسريحة شعر "سي ار 7" أكثر من الحديث عن احتمال خروج البرتغال من الدور الأول بعد حصولها على نقطة واحدة من مباراتين، والأمر ذاته ينطبق على عدد كبير من لاعبي "الماركة" مثل النجم الانكليزي السابق ديفيد بيكهام، أو البرازيلي نيمار أو الياباني كيسوكي هوندا.. بعض من هؤلاء يعتبرون نجوما كبار في عالم الكرة المعاصرة ويستحقون إلى حد ما الاهتمام الإعلامي "التجاري" بهم كونهم يملكون موهبة كبيرة في أرضية الملعب، وعلى رأسهم رونالدو الذي تسبب بثورة إعلامية جماهيرية في العالميين الواقعي والافتراضي عندما تصور عاريا إلى جانب صديقته عارضة الأزياء ايريتا شايك لمصلحة النسخة الاسبانية من مجلة "فوغ" المتخصصة بالموضة والأزياء. وحذا نيمار، غريم رونالدو في برشلونة، حذو نجم ريال مدريد وظهر بدوره في النسخة البرازيلية من "فوغ" بصحبة عارضة الأزياء الشهيرة جيزيل بوندشن. أما مهاجم المنتخب الفرنسي وأرسنال الانكليزي اوليفييه جيرو فقرر أن يسلك مسارا "مغايرا" من خلال الظهور عاري الصدر على غلاف مجلة "تيتو" المتخصصة بشؤون مثليي الجنس. أما الصور الأكثر رواجا خلال العرس الكروي البرازيلي فكانت لحظة نزول اللاعبين من الطائرات بربطات العنق والبذات التي تصارعت الماركات العالمية الكبرى من اجل تزويدهم بها بهدف الترويج لنفسها، لكن إذا كنت من مشجعي المنتخب الانكليزي، ففات الأوان، إذ لن يكون بإمكانك شراء البذة الرمادية التي زودتهم بها "ماركس اند سبسنر" لمونديال البرازيل والتي كان سعر مبيعها 250 يورو في الأسواق البريطانية، لأنها نفذت وعلى كل حال لم يعد أحد راغب بشرائها بعد أن ودع "الأسود الثلاثة" النهائيات دون أي فوز. والأمر ذاته ينطبق على مشجعي المنتخب الايطالي الذي خرج من الدور ذاته بخسارته "القاتلة" أمام الأورغواي، لكن حتى لو واصل "الأزوري" مشواره في النهائيات فسيكون هناك قلة من الناس الذين بمقدورهم شراء بذتهم الرسمية التي يزودهم بها دار الأزياء الايطالي "دولتشي اند غابانا" منذ مونديال 2006. والأمر ليس محصورا بالترويج لدار أزياء شهيرة وحسب، بل هناك أيضا السيارات، هلام الشعر، العطور، الألبسة الداخلية، الساعات، وغيرها من الإكسسوارات الأخرى التي يمكن للشخص أن يرتديها عليه أو أن يحملها معه أو يجلس فيها أو عليها. أما بالنسبة للوشم وتسريحة الشعر، فهذه مسألة مختلفة تتعلق بخصوصية اللاعب وتميزه عن غيره لكن سرعان ما تتحول الخصوصية إلى "عالمية" ويصبح هناك مليون "رأس" شبيه برأس رونالدو أو ديفيد بيكهام وغيرهم من نجوم الموضة الكروية الكبار.