فقدت المملكة العربية السعودية والأمة العربية والإسلامية واحداً من خيرة رجالها برحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. وفقدت صديقاً عزيزاً وسنداً قوياً دائماً في الملمات منذ عرفته شاباً في بيروت التي كان يزورها صيفاً مع الأمير فهد بن عبدالعزيز (الملك بعد ذلك)، رحمه الله، والأمير سلمان بن عبدالعزيز أمدّ الله في عمره. اليوم طوى البحار حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب، إلا أن الأعمار بيد الله، والموت حق، فأرجو للأمير خالد بن سلطان ولأسرته كلها العزاء والصبر. الذكريات عن الأمير الصديق الصدوق كثيرة، ولكن يتقدمها كلها أمران، وطنيته وصداقته. عدته قرب جنيف بعد أن أجرى عملية في ركبته، وجلست عند حافة سريره ليحدثني حديثاً وطنياً عن هموم الأمة، خصوصاً بعد قمة بغداد في أيار (مايو) سنة 1990، وكان قلقاً مما بدا له من غرور صدام حسين وطموحاته أو أطماعه. وكان الأمير سلطان يقضي فترة نقاهة في طنجة عندما غزا صدام الكويت، واتصلت به هناك فذكّرني بحديثه عن صدام حسين، ثم قفل عائداً إلى الرياض قبل أن يشفى. وقصدته بعد ذلك بأيام في مكتبه في الرياض (وأعتقد أن المبنى هو رئاسة الوزارة السعودية القديمة) وكان لا يزال يجرّ رجله ألماً، ورجوته ألا يقف ويمشي معي فابتسم وقال إن ذلك أهون ما يواجه تلك الأيام. كنا لا نزال في أيلول (سبتمبر) من تلك السنة وهو قال لي إن الكويت ستتحرر وستعود، وكان واثقاً من ذلك وعندما حاولت مناقشته في أسباب ثقته قال إن المهم أن يكون التحرير بأقل قدر ممكن من الخسائر على الكويت والخليج والعراق نفسه والأمة. هل أكشف سراً إذا قلت إن الأمير سلطان بن عبدالعزيز لعب دوراً رئيسياً في إعادة العلاقات بين ياسر عرفات والمملكة العربية السعودية ودول الخليج بعد تحرير الكويت؟ كان أبو عمار وقف موقفاً سيئاً من الكويت التي احتضنته وأطلق منها ثورته، ما أثار عليه غضب كثيرين داخل منظمة التحرير وخارجها، ورحم الله أخانا خالد الحسن الذي كان يزورني في مكتبي في لندن تلك الأيام ليشكو لي وللزملاء في «الحياة» من أخطاء أبو عمار بحق الكويت. الأمير سلطان هو الذي أعاد العلاقة بين أبو عمار والسعودية، وعندما شكرته قال إن القضية أهم من ياسر عرفات وأخطائه. والأمير سلطان حمل القضية معه عندما مثّل بلاده في الذكرى الخمسين لقيام الأممالمتحدة في نيويورك، وخطابه موجود وموقف بلاده مسجل ومشرّف. على الجانب الشخصي، الأمير سلطان هو ذلك الصديق الدائم البسمة الذي لم يبخل عليّ يوماً بطلب، وطلباتي كلها كانت للحصول على معلومات سياسية وأخبار مما أستطيع أن أسرّب بعضه في هذه الزاوية. وخلال الإعداد لتحرير الكويت كثرت مسؤولياته ومشاغله، ووجد أن أملي خاب بموعد لي في مكتبه، فرتب لي أن أزوره في مزرعة قرب الرياض في نهاية الأسبوع، وأعطاني معلومات، إلا أن الملك فهد كان قد أدلى بتصريحات مهمة في الخبر، وهو اقترح عليّ أن أرجئ نشر ما سمعت منه احتراماً للملك، أخيه الكبير، وتقديماً له فهذا أسلوب الأسرة المالكة في التعامل بين أبنائها. العلاقة مع الأمير سلطان توطدت كثيراً بعد أن أعاد الأمير خالد بن سلطان، ابنه البكر، إصدار «الحياة» سنة 1988، وأصبح الناشر والمالك الوحيد لها، فبقيت «الحياة» على ذلك الخط الوطني العربي، من دون تحزّب أو تعصّب، ولجميع العرب والمسلمين كما كانت أيام مؤسسها ورئيس تحريرها الأستاذ كامل مروة، رحمه الله، فهو الذي عرّفني على الأمراء السعوديين الزائرين، وأنا طالب جامعي وأعمل يوم الأحد في «الديلي ستار» من أجل تأمين مصروف الجيب. كنت وجدت بحكم اختلاف دراستي في مدارس غربية عن دراسة الأمير سلطان العربية الإسلامية التقليدية أنه يقول لي أحياناً شعراً أو أمثالاً أو قصصاً لم أسمع بها من قبل. وكنت إذا سمعت شيئاً جديداً أسجله وهو كله عندي في قصاصات، وربما نشرتها يوماً في مقال أستعيد به ذكريات أخرى مع الصديق الوطني العزيز الراحل. رحم الله الأمير سلطان بن عبدالعزيز، فرحيله خسارة للأمة كلها، ولأسرته خصوصاً، ولي معها. [email protected]