لم يهدأ السجال بعد القرار الملكي بدخول المرأة إلى مجلس الشورى إلى الآن. أتى القرار وأتى معه كل شيء. المباركة والاحتفاء. وعلى الشق الآخر حضرت مفردات مناقضة وأخرى بين هذه وتلك. وعلى رغم أن المحتفين بقرار دخول مجلس الشورى يقرون بأن دوره استشاري لا تشريعي، وأن الأعضاء معينون لا منتخبون، إلا أن فرحتهم بدخول المرأة كانت لافتة في الإعلام، خصوصاً أن القرار جاء متزامناً مع مطالبات بقيادة المرأة السيارة. هناك من رأى في القرار نوعاً من التوسط والاعتدال، إذ أفرح التيار المعارض للتيار الديني، كونه انتصر للمرأة، كما أنه حاول أن يضبط الأمر بوضع ضوابط شرعية، حتى لا تثير حنق الإسلاميين. نوف عبدالعزيز إحدى الفاعلات في المجال الحقوقي قامت بقراءة تحليلية للقرار الملكي الأخير في انضمام النساء لمجلس الشورى، وكيف انعكس على التيار المحافظ، فذكرت أن «الموروث التقليدي الذي يرى صوت المرأة عورة، ليس من السهولة أن يتقبل بين ليلة وضحاها أن يصدح الصوت النسائي بحقوقه علانية، ويطالب بمساواته بالرجل جنباً إلى جنب، خصوصاً في مجال السياسة، المجال الذي يرى فيه الرجل والثقافة العامة أنه ترف زائد لا حاجة للمرأة به، لأن مكانها المنزل». ولفتت إلى أنه «تم استباق رد فعل التيار المحافظ بذكر الضوابط الشرعية في الخطاب الملكي، وكذلك ذكر دور المرأة في الإسلام، من أجل إضفاء الشرعية على الخطاب، وأنه لا يوجد اختلاط في الشورى». أما عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع، فعلق على قرار خادم الحرمين الشريفين بالسماح للمرأة بالترشح لعضوية مجلس الشورى والمجالس البلدية قائلاً: «لم تتغيّر الفتاوى أبداً، ونحن مجمعون على أن صوت المرأة ليس بعورة، والمرأة شقيقة الرجل، وأعطاها الله الفكر والرأي». كما أن وزير العدل الدكتور محمد العيسى أوضح أن المرأة ستشارك في اجتماعات مجلس الشورى بالصوت، في إشارة إلى أن عضوات المجلس (مستقبلاً) سيجلسن في مكان منفصل عن الأعضاء الذكور، مفيداً بأن غالبية أعضاء هيئة كبار العلماء أيدوا مشاركة المرأة في مجلس الشورى. الناشطة في حقوق المرأة هيفاء خالد، قالت ل «الحياة»: «الحديث عن الكم والكيف في مشاركة المرأة في مجلس الشورى سيبت فيه ولي الأمر، وأما ضوابط تحمي المرأة أو ضوابط لا تحميها، فإنها اجتهادات شخصية، ومشاركة النساء عبر دائرة مغلقة أو غير مغلقة لا تستحق الانشغال بها، سواء كانت النساء والرجال في قاعة موحدة، أو كانت السيدات في قاعة مغلقة، المهم أن تكون مشاركة المرأة فاعلة ومؤثرة». إنهم يحرفون القرآن والسنة! بينما رأت عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، أن الخطاب الديني بعد القرارات الملكية الأخيرة «انقسم إلى فريقين، فريق مؤيد للقرارات الملكية الأخيرة وداعم لها، وآخر معارض وينكر حتى الآيات القرآنية الخاصة بالبيعة التي جاءت بتخصيص الخطاب للنساء، إضافة إلى آيات الشورى وآيات الولاية التي أنكروها تماماً، ويقولون لا بيعة للمرأة في الإسلام، وليس من حقها مبايعة الإمام وما إلى ذلك (...) وهذا خطاب مغال ومتشدد ينكر ما أباحه الله، وذلك لأنه لا يريد المرأة أن تشارك في الحياة العامة، وأن تنال حقوقها لتصبح مثل الرجل، ويريدونها دائماً دون الرجل». واعتبرت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجلس الشورى أخيراً «ركيزة اساسية في تصحيح الخطاب الإسلامي بالنسبة للمرأة، ليس في السعودية فقط، بل في العالم الإسلامي ككل، وذلك باعتبار المملكة مهد الإسلام»، وتمنت على العلماء أن يعيدوا النظر في نظرتهم للمرأة، ومفهومهم عن النصوص الدينية والأحاديث، وألا يأخذوا بالأحاديث الضعيفة، وأن ينبذوا الأعراف والتقاليد التي تعارض الإسلام، وأن يقرأوا السيرة النبوية من جديد وصحيح السنة». أما موقع الخطاب الديني النسائي الذي يدافع عن حقوق المرأة في السجال، فأكد حماد أنه موجود «لكن النساء صامتات، إذ ليس الجميع يملك جرأة الجهر بقوله ورأيه، وسبب ذلك رغبتهن في كسب رضا الفريق الآخر، وهذا ما سيحاسبن عليه يوم القيامة، وذلك لأنه من المفترض على الشخص أن يقول كلمة الحق مهما كلفه الأمر». وانتقدت المفكرة الإسلامية من يطالب بوضع «دوائر تلفزيونية مغلقة في مجلس الشورى والمجالس البلدية»، وذلك حتى تشارك المرأة فيهما، معتبرة من يطالبون بذلك «يريدون وأد مشاركة المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية بهذه الدوائر التلفزيونية المغلقة»، التي ستكون بمثابة «تهميش لدور المرأة ووأد لمشاركتها من المهد، لأن هذه الدوائر فاشلة ولا تؤدي إلى الغرض، ولن تكون المرأة متفاعلة فيها مثلما تكون متفاعلة وهي في المجلس نفسه أو الصالة نفسها أثناء المناقشة، والنساء كن يخاطبن الرسول مباشرة، ويتكلمن مع الصحابة وجهاً لوجه». أما الضوابط الشرعية في نظرها، فإنها «ألا تبدي النساء زينتهن إلا ما ظهر منها، أي أن المرأة يجب أن تلتزم بالحجاب الشرعي، وغض البصر من الطرفين، وألا تكون هناك خلوة، وألا يخضعن بالقول، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن». اتخاذ الدين ذريعة للتخلف! وفي المقابل، رأى مستشار برنامج التبادل المعرفي في وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور خالد أبا الحسن، أن «أول من كانت لهم مواقف تقلل من أهمية دخول المرأة في المجتمع هم أفراد المجتمع أنفسهم، وليس الخطاب الديني». وأكد أن قرار دخول المرأة إلى مجلس الشورى والمجالس البلدية «قرار ملكي من رأس الدولة، وبالتالي فإن الشأن يصبح برمته شأن رسمي، والمعني بإنفاذه الجهات الرسمية ومن ضمنها الجهات الشؤون الدينية بالدولة كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء»، ولذلك «أدعو وسائل الإعلام للتركيز بصورة خاصة على الجهات الرسمية لما لديها من الكفاية في هذا الباب». وأضاف: «لدينا ما يكفي من الجهات الشرعية التي يضاف إليها المجمع الفقهي السعودي الذي في طريقه إلى التفعيل، إضافة إلى الجامعات الإسلامية، وهي كلها مؤسسات تملك الحق في صياغة خطاب ديني يمثل الرأي الرسمي الديني واختيارات العلماء في المملكة تجاه قرارات الدولة». وأكد أنه «إذا كان هناك قرار من رأس الدولة، فنحن نعرف رأي المؤسسات الشرعية التي تمثل الخطاب الديني تجاهه، لما نعرفه من رباط قوي بين القيادة السياسية والمؤسسات الشرعية في المملكة». وشدد على أنه «لا يوجد أي رفض أو تقليل من أهمية هذا القرار من جانب الخطاب الديني الرسمي، بل على العكس من ذلك فكل ما اطلعت عليه في هذا الشأن داعم ومؤيد له، وهي آراء صدرت من أجلاء العلماء في المملكة». إلا أن آل أبا الحسن يدعو المؤسسة الدينية إلى زيادة جرعة التعاون من خلال وسائل الإعلام بهدف تعزيز الصورة الإيجابية والتفكير الإيجابي تجاه المرأة التي تستجيب إلى نداءات التمكين، إضافة إلى «هدم الصورة السلبية في أذهان أبناء مجتمعنا». واعتبر «الخطاب الديني مرناً جداً»، لكن «طريقة تعاملنا معه تحتاج إلى إعادة نظر»، مشدداً على ضرورة الفهم الصحيح لديننا»، لافتاً إلى «أننا مجتمع متعلم وليس متخلفاً، وكل ما يلزمنا هو ألا نتخذ من الدين ذريعة لزراعة التخلف في المجتمع، كما يجب ألا نعوق التنمية بسبب الموروث الاجتماعي، الذي يجب أن نسعى باستمرار لتطويره». وحول ما يوصف بتشدد الخطاب الديني نحو «المرأة»، يؤمن أبا الحسن بأن ذلك الموقف «ربما يكون سببه المرأة نفسها، وهي التي تتوقع أن هناك نظرة سلبية، بسبب الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه، ورفض تمكين المرأة غالباً يأتي من الببئات المحيطة بها مباشرةً، وهي في الوقت نفسه تقبل هذا الرفض حتى وإن لم يكن منطقياً، ولا تحاول إرضاء وتحقيق ذاتها، وبالتالي نخسرها نحن كمجتمع»، متسائلاً: «هل صحيح أن أي قصور في دور المرأة سببه هو هذه المؤسسة الدينية؟». أبو خالد: الفقيهات «مفتونات» باتباع الذكور!