شهدت السعودية على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله قرارات تاريخية في مجال إصلاح وضع المرأة السياسي، بدءاً من تعيينها في المناصب العليا، وانتهاء بحلم المشاركة السياسية في الانتخابات البلدية والشورى الخطاب الملكي لهذا العام أمام مجلس الشورى جاء بمثابة مفاجأة لدى الكثير من المراقبين، لا سيما وأنه تناول وضع المرأة الحاضرة دائماً في المشهد السعودي من خلال مطالباتها الحقوقية تارة والاجتماعية تارة أخرى. في الخطاب الملكي ملامسة لسقف حقوقي للمرأة لم تكن أشد الناشطات السعوديات تتوقعه! الحق السياسي بكل أشكاله يتم إقراره بأمر ملكي، يجعل المرأة السعودية إن لم تماثل شقيقاتها في دول الخليج فقد تجاوزتهم في بعض الأشياء. لقد كان إعلان خادم الحرمين الشريفين في كلمته حقبة جديدة للمشاركة السياسية، حيث قال: "لقد قررنا أولاً مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً، اعتباراً من الدورة المقبلة وفق الضوابط الشرعية"، أي بعد سنتين من الآن، وأضاف "اعتباراً من الدورة المقبلة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف". وتجري في السعودية ثاني انتخابات بلدية الخميس المقبل، وتستطيع النساء المشاركة في انتخابات العام 2015. في المملكة العربية السعودية وضع استثنائي للمرأة، هذا الوضع ليس بالضرورة أنه سيئ بكامله، لكنه وضع تحكمه عوامل عدة، أقلها السياسي الذي استطاع خلال السنوات القليلة الماضية أن يعتمد الكثير من الإصلاحات المتعلقة بالمرأة، فوضع المرأة بلغ حداً كبيراً من التقدم ينافس فيه الكثير من الدول المتقدمة في هذا المجال التي دخلت في خط إصلاحات المرأة منذ عقود! لكن أيضاً ثمة عوامل أخرى تحكم بعض أوضاع المرأة في السعودية، فالعامل الديني لا يمكن القفز عليه أو تجاهله، لا سيما وأن المملكة العربية السعودية تلتزم الإسلام مصدراً وحيداً للتشريع في قوانينها وقراراتها، لذلك وجدنا أن كلمة خادم الحرمين الشريفين تضمنت التشاور مع أعضاء هيئة كبار العلماء في عضوية المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية. بعد هذا الخطاب دار الكثير من الجدل حول بعض القضايا الإعلامية الحاضرة بقوة خلال الأيام الماضية، مثل قيادة المرأة للسيارة وهل ستقود بعد هذه القرارات؟ وأتصور أن ثمة فرق بين الإرادة السياسية والقرار السياسي والرأي المجتمعي المستند على أعراف وتقاليد يصعب إزالتها بقرار، وإنما تحتاج إلى الكثير من النضج والإقناع، وهو الوضع ذاته في قيادة المرأة للسيارة، فالممانعة لها ليست ممانعة سياسية وإنما هي اجتماعية، كما أنها ليست ذات تأثير نخبوي كما الحال في الشورى والمجالس البلدية، وإنما شعبية تطال كل شخص، سواء كان مثقفاً أو عادياً متعلماً أو أمياً، وهذا يقودنا إلى معرفة حال المجتمع السعودي من خلال تركيبته الدينية والاجتماعية والسياسية. فمن الناحية السياسية شهدت السعودية على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قرارات تاريخية في مجال إصلاح وضع المرأة السياسي، بدءاً من تعيينها في المناصب العليا، وانتهاء بحلم المشاركة السياسية في الانتخابات البلدية والشورى. أما على مستوى الفكر الديني فهناك تطور كبير وجهد حثيث لرفع ما يقال من الظلم الواقع على المرأة، لاسيما في المجال الحقوقي المتعلق بالميراث والنفقة والعضل والخلع والاستغلال، وهي جهود انعكست بشكل واضح على الدوائر العدلية، التي بدورها تحاول أن تعدل الكثير من القرارات السابقة التي لا تصب في خانة الحقوق، بالإضافة إلى توجيهات المؤسسة الدينية للجهات التابعة لها في الأخذ بالاعتبار الحقوق الشرعية للمرأة. أما على المستوى الاجتماعي فهناك تحفظ كبير على بعض مطالب المرأة، لاسيما حق قيادة المرأة للسيارة، ففي استفتاء جريدة الرياض شاهدنا أن 62 % لا يؤيدون قيادة المرأة للسيارة، وهي نسبة عالية من الرافضين، وهو أمر لا علاقة له بالديني ولا السياسي، لذا نجد أن التيارات الفكرية تصب ثقلها على هذا الموضوع لاستقطاب عدد أكبر من المنتمين فكريا لآرائها، فالتيارات الإسلامية بشتى توجهاتها ومشاربها ترفض هذه الفكرة، بينما التيار الليبرالي يؤيدها بشكل كامل، وهي نقطة مفصلية في الصراع الفكري بين التيارات في السعودية.