كان الاحتفاء كبيراً بالكاتب الجزائري بوعلام صنصال في كنيسة القديس بولس في فرانكفورت (باولسكيرشه) حيث تسلم صنصال واحدة من أرفع الجوائز الأدبية في ألمانيا، وهي جائزة السلام التي تبلغ قيمتها المادية 25 ألف يورو. قد لا تكون حيثيات الاختيار صائبة مئة في المئة، إذ إن لجنة التحكيم اعتبرت صنصال – الممنوعة أعماله في الجزائر - ممثلاً «لحركة الديموقراطية في شمال أفريقيا»، غير أن ذلك لا يقلل من جدارة الكاتب الفرانكفوني بالفوز بالجائزة المرموقة. كان واضحاً أن رابطة الناشرين الألمان التي تمنح الجائزة أرادت تكريم «الربيع العربي»، ووجدت في صنصال - المترجمة أعماله إلى الألمانية - كاتباً نقدياً يستحق الجائزة. ويعتبر صنصال البالغ من العمر اثنين وستين عاماً من أشد المنتقدين للسياسة الجزائرية والأوضاع الاجتماعية السائدة، وعلى رغم تعرضه للفصل من وظيفته بعد نشر أولى رواياته «قَسَم البرابرة» فقد رفض مغادرة وطنه، وظل يكتب فيه وينشر في باريس. في كلمته انتقد صنصال مرة أخرى سياسة بلاده التي تخيّر مواطنيها «بين الحرب والحرب»، والتي لا تعرف سوى الديكتاتورية، «ديكتاتورية السلاح، وديكتاتورية الدين»، كما هاجم صنصال الغرب متهماً سياساته بالفشل لأنه يرتكب الذنوب والخطايا باسم «السياسة الواقعية». وفي كلمته التي قوبلت باستحسان كبير قال صنصال إن الربيع العربي الذي بدأ في تونس سيصل أيضاً إلى تل أبيب ورام الله، بل إن الرياح السياسية الجديدة «ستصل إلى الصين» أيضاً. كان هذا التكريم الرفيع للروائي الجزائري بوعلام صنصال يمثل نقطة الختام في فاعليات الدورة الرقم 63 من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب التي حملت شعار «الجديد في الفكر» والتي أقيمت في الفترة من 12 حتى 16 تشرين الأول (أكتوبر). أما نقطة الانطلاق فمثلها منح جائزة الكتاب الألماني. هذه الجائزة الحديثة نسبياً تكرم «أفضل رواية ألمانية»، وهي اختارت هذا العام أولى روايات كاتب شبه مجهول، هو أويغن روغه البالغ من العمر سبعة وخمسين عاماً. في روايته «عندما يخبو الضوء». يتناول روغه أربعين عاماً من تاريخ ألمانياالشرقية، وبها نجح – مثلما تقول لجنة منح الجائزة – في أن «يضفر في شكل درامي بارع خبرات ومعايشات أربعة أجيال على امتداد أكثر من خمسين سنة». هذه الرواية تحكي «قصة يوتوبيا الاشتراكية، وتخبرنا بالثمن الذي يُجبر الفرد على دفعه في ظلالها، كما تحدثنا عن أفول هذه اليوتوبيا تدريجاً». من ناحية أخرى احتفت لجنة تحكيم الجائزة بالأسلوب المشوق الذي كُتبت به الرواية وبالحس الفكاهي الغالب عليها. وقد لاقت رواية روغه فور صدورها صدى إيجابياً لدى النقاد، ما جعل بعضهم يشبّه «عندما يخبو الضوء» برواية الأجيال المشهورة «آل بودنبروك» للروائي الكبير توماس مان. أيسلندا: أكثر الدول حصولاً على نوبل دورة فرانكفورت احتفت هذا العام احتفاء كبيراً بالكتاب الإلكتروني والوسائط الحديثة التي تتزايد أهميتها عاماً بعد عام. ومن المتوقع أن ترتفع مبيعات الكتاب الإلكتروني في ألمانيا خلال السنوات الأربع المقبلة بنسبة 52 في المئة لتصل إلى نحو 355 مليون يورو، أما مبيعات الكتب الأدبية الورقية فيُتوقع أن تصل في عام 2015 إلى نحو خمسة مليارات يورو. احتفت فرانكفورت أيضاً بأيسلندا، ضيف الشرف، التي تركت انطباعاً جيداً للغاية لدى الزوار. هذا البلد الصغير الذي لا يتعدى عدد سكانه 320 ألف نسمة قد يكون مشهوراً ببراكينه الثائرة، وليس بأدبه – هكذا قد يعتقد المرء، غير أن إدارة المعرض، أياً كانت أسبابها، اختارت أدب الجزيرة الصغيرة - الواقعة إلى يمين النروج والتي لا يكاد أحد يحفظ اسم عاصمتها ريكيافيك – لتكون محور اهتمام زوار دورة هذا العام. قد يشعر الزائر العربي بالدهشة، أو بالأحرى بالغيظ لاستضافة هذه الجزيرة الصغيرة، ويتذكر حضور العالم العربي كله، بقضه وقضيضه، في عام 2004. غير أن المتجول يشعر أيضاً بالإعجاب بهذه الدولة التي لا تتعدى مساحتها 100 ألف كيلومتر مربع، فهي أحسنت الإعداد للمجيء إلى فرانكفورت، وقامت بترجمة 200 كتاب إلى الألمانية خصيصاً لهذه المناسبة. ويشعر العربي بالحسد الشديد تجاه أيسلندا حيث يشتري المواطن في المتوسط ثمانية كتب في العام، وحيث يعيش 400 كاتب، منهم 70 يتعيشون على الكتابة فقط. ويمزح سكان أيسلندا مزاحاً لا يخلو من افتخار عندما يقولون: نحن حصلنا على أكبر عدد من جوائز نوبل للأدب. وستضحك معهم عندما تعرف أنهم حصلوا عليها مرة واحدة في عام 1955 عندما مُنحت للكاتب هالدور لاكسنيس (1902 – 1998)، لكنهم يعتبرون ذلك إنجازاً كبيراً قياساً إلى عدد السكان الضئيل، ويضيفون مبتسمين: في أي بلد في العالم تُقسم الجائزة على 300 ألف نسمة؟ (لا داعي هنا لأن نقوم بقسمة جائزة محفوظ على 300 مليون نسمة!). نشاط وخمول الزحام والنشاط يميزان أجنحة المعرض، لا سيما دور النشر الكبيرة والمعروفة. أما الأجنحة العربية فيخيّم عليها هدوء غريب، وكأن دور النشر العربية جاءت إلى فرانكفورت من أجل المجيء فحسب، أو من أجل «الحضور المشرِّف»، لا من أجل عقد صفقات أو سعي إلى تسويق كتب. على الأقل هذا ما يمر برأس المتجول بين أروقة المعرض؛ فالأجنحة العربية، مثل جناح الإمارات والبحرين والسعودية، أجنحة جميلة فاخرة وفسيحة، غير أنها تتثاءب مللاً، وتعرض في هذا العام الكتب نفسها – تقريباً – التي عرضتها في الأعوام السابقة. ولكن من يحوّل وجهه إلى دار نشر ألمانية أو أميركية أو أيسلندية، فإنه يلاحظ، أولاً، أن الأجنحة تقتصر في معروضاتها على المطبوعات الحديثة، كما أنه يرى مفاوضات تجرى لترجمة هذا الكتاب أو ذاك، أو ربما لبيع حقوق الطبع في بلد آخر، أو لشراء حقوق ترجمة كتاب ما. «الثقافة العربية ما زالت غريبة جداً بالنسبة للغرب»، هذا ما قاله لي في المعرض المترجم الألماني هارتموت فيندريش الذي ترجم عدداً كبيراً من روائع الأدب العربي إلى لغة غوته. وعندما سألته عما إذا كان مجيء العرب إلى فرانكفورت في عام 2004 غيّر شيئاً في هذا الصدد، نفى فيندريش ذلك على الفور، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن حدوث «أشياء قليلة» تستحق الانتباه، مثل قيام دور نشر مهمة، كدار «زوركامب» العريقة، بنشر رواية علوية صبح «مريم الحكايا» أو رواية إلياس خوري «يالو» (وكلاهما من ترجمة اللبنانية الأصل ليلى الشمّاع). دورة هذا العام شهدت أيضاً ترجمات جديدة عدة من الأدب العربي، منها ثلاثة كتب قام بترجمتها فيندريش، وهي «القاهرةالجديدة» لنجيب محفوظ (دار «أونيون») ورواية «وراء الفردوس» للكاتبة الشابة منصورة عز الدين التي حضرت إلى فرانكفورت بدعوة من الدار نفسها التي تنظم للكاتبة المصرية جولة في المنطقة الألمانية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. أما العمل الثالث الذي نقله فيندريش فهو سياسي وصدر لدى دار «فيشر» العريقة، وهو مجموعة مقالات للكاتب المشهور علاء الأسواني بعنوان «في مصر». وغير بعيد من هذا العنوان صدر كتاب خالد الخميسي «تاكسي» بالألمانية لدى دار «لينوس» بترجمة كريستينا برغمان، مراسلة الصحيفة السويسرية «نويه تسوريشر تسايتونغ» في مصر. وقد لقي الكتاب - الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً في مصر - صدى نقدياً طيباً في المنطقة الألمانية، وقُدم باعتباره الكتاب الذي يشرح خلفيات الثورة المصرية على نحو مرح وفكاهي. بعد خمسة أيام حافلة بالنشاط أغلق المعرض بواباته بزيادة طفيفة في عدد الزوار الذي كاد يصل إلى 300 ألف زائر، أي ما يقارب عدد سكان أيسلندا الذين أعربوا عن رضاهم الكامل بحضورهم إلى فرانكفورت، مثلما أعلنت بعض دور النشر الألمانية عن غبطتها بسبب الإقبال على شراء الأعمال التي ترجمت من الأدب الأيسلندي. ومن الآن تبدأ استعدادات ضيف الشرف المقبل، وهي أيضاً دولة صغيرة: نيوزيلندا!