تحت القلعة القديمة في كركوك يرفرف علم إقليم كردستان بشمسه وخطوطه الملوّنة أمام أسواق المدينة في المحافظة التي يتنازع عليها العرب والأكراد. لكن أكراد المدينة يشعرون اليوم أكثر من أي وقت مضى أنها باتت أقرب إليهم. ولطالما اختلف سكان كركوك، الذين ينتمون إلى قوميات متنوعة من عرب وأكراد وتركمان، حيال الجهة التي من المفترض أن تسيطر على المحافظة الغنية بالنفط وعلى مركزها: فهل تكون الحكومة في بغداد، أم سلطات إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي. غير أن الهجوم الذي يشنه مسلحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» منذ نحو سبوعين وتمكنوا خلاله من السيطرة على مناطق واسعة من شمال العراق وغربه، بما في ذلك نواحٍ تقع بالقرب من مدينة كركوك مركز المحافظة، سمحت للقوات الكردية بأن تعزز سيطرتها. ودخلت القوات الكردية مدينة كركوك بحجة حمايتها من هجمات المسلحين لتفرض بذلك سيطرتها عليها في تحوّل تاريخي لمصير كركوك، ولتقربها أكثر من إقليم كردستان، الذي يضم أيضاً محافظات أربيل ودهوك والسليمانية. ويشعر الأكراد اليوم أنهم باتوا قريبين من السيطرة على مستقبل المحافظة ومدينتها التي تمثل قلب نزاعهم التاريخي مع العرب، مرددين أن انسحاب القوات الحكومية العراقية من المحافظة يؤكد أن القوات الكردية وحدها قادرة على الإمساك بأمنها. ويقول المقاتل الكردي غازي فيصل، وهو يتبضع في أسواق مدينة كركوك، إن «الجيش العراقي لا يستطيع حمايتنا. لقد تركوا أسلحتهم وغادروا. لو كانوا شرفاء ودافعوا عنا لما حدث ما حدث لهذه البلاد». ويدرك أكراد المدينة أن جيرانهم العرب والتركمان أقل حماسة منهم حيال سيطرة القوات الكردية على كركوك، لكنهم يرون أن الحماية التي توفرها قوات البشمركة حالياً قد تساعد في المستقبل على تغيير قناعات هؤلاء. ويقول عماد، وهو شيخ شيعي كردي، «اعتقد أنهم سيدركون أن قوات البشمركة جلبت معها الاستقرار إلى المدينة وحافظت على حقوق وحريات الجميع. الأهم هنا هو الاستقرار والأمان، وهم (قوات البشمركة) قادرون على توفير ذلك». وقبيل هجوم «داعش» وتراجع الجيش العراقي أمام مقاتلي التنظيم بشكل مفاجئ وسريع، كانت مدينة كركوك تخضع إلى اتفاق أمني يعكس التعقيدات القومية فيها. فكانت قوات البشمركة تتولى مراقبة حدود المدينة من الشمال والشرق فيما تقوم قوات الجيش العراقي بالانتشار من جهتي الجنوب والغرب، بينما تعمل قوات الشرطة العراقية والأسايش الكردية على حفظ الأمن في داخلها. وبعيد انسحاب الجيش العراقي من مواقعه في المحافظة، دخلت قوات البشمركة مدينة كركوك وبدأت تسير دوريات في كل مناطقها، بينما جرى تعزيز انتشار قوات الأمن الكردية (الأسايش) فيها بشكل كبير. وعلى بعد نحو 20 كيلومتراً جنوب كركوك تقيم البشمركة خطاً دفاعياً فوق نهر يقع عند مشارف مدينة تازة خرماتو التركمانية الشيعية، يشمل دبابة ومدافع وناقلات جنود ويهدف لحماية المدينة من هجوم المسلحين المتواجدين على بعد نحو أربعة كيلومترات من الخط الدفاعي. ورغم الواقع الأمني الجديد فيها يقول المحافظ نجم الدين كريم، وهو كردي إن كركوك «لا تزال تخضع لسيطرة الأسايش والشرطة كما كان الحال من قبل. البشمركة كانت هنا من قبل، لذا فإن شيئاً لم يتغير». ويرفض كريم القول إن المحافظة التي تموّلها الحكومة المركزية في بغداد باتت تخضع لسلطات إقليم كردستان، لكنه يشدد على أن الهجوم الواسع الذي يشنه «داعش» غيّر وجهة العراق، وربما مستقبل كركوك أيضاً. ويضيف «أعتقد أن الأمل الوحيد في ابقاء البلاد موحدة هو إقامة ثلاث مناطق تخضع لحكم كونفيديرالي». ويتابع كريم «في الواقع، هذا ما اقترحه (نائب الرئيس الأميركي الحالي جو) بايدن في 2004، وقد ظن الجميع حينها أنه يريد تقسيم العراق، لكن هذا هو الحل الوحيد»، مشيراً إلى تصريحات أدلى بها بايدن عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ. واعتبر أنه في إطار سيناريو مماثل سيختار سكان كركوك أن يكونوا جزءاً من المنطقة الكردية. وأوضح «سكان كركوك سيصوّتون لمصلحة الأمان والخدمات (...) وهم يدركون أن منطقة كردستان قادرة على أن توفر لهم ذلك». وفيما تكمن أهمية محافظة كركوك في احتياطات النفط العملاقة التي تختزنها أراضيها، فإن كريم يرى أن مستقبل هذه الاحتياطات يجب بحثه في وقت لاحق رغم أن السكان الأكراد في المحافظة سبق وأن حسموا أمرهم حيال ذلك.