ذات يوم من عام 2002 كنتُ في أقصى الأرض شرقاً، أي في بلاد اليابان وتحديداً في مدينة هيروشيما التي ألقيت عليها القنبلة الذرية الأميركية في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وتجوّلت في سوق المدينة باحثاً عن تذكار يدل على المأساة التي وقعت في تلك المدينة، فإذا ببائع ياباني يخرج من مألوف الخجل السائد لدى الشعب هناك، ويسألني: من أي بلاد أنت؟ فقلت أنا من بلد صغير اسمه فلسطين، فهز الرجل برأسه مظهراً جهله بتلك البلد، فأردفت قائلاً أنها تقع في منطقة الشرق الاوسط، ولكنه ايضاً لم يعرف، فقلت هل تعرف الأردن، قال: لا، قلت: سورية، لبنان، مصر، وأضفت على كره"اسرائيل"، فخجل الرجل واحمرت وجنتاه حرجاً، فحاولت مرة اخيرة وقلت: أنا من بلاد عرفات، ففرح الرجل كثيراً لزوال حرجه وقال:"أرفاتو أرفاتو"، مبيناً لي أنه عرف من أي بلاد أنا. هذا مثل رمزي عن التراث الذي تركه لنا الزعيم الرئيس الشهيد المغدور ياسر عرفات، ولمن لم يفهم بعد، لقد كان اسم أبو عمار أوسع انتشاراً من اسم فلسطين، بل هو من قاد الكفاح والثورة التي وضعت فلسطين على الخريطة الجغرافية والسياسية، وهذه للذكرى إن الذكرى تنفع ضعاف الذاكرة، واليوم أتخيل انني قد قلت لذلك الياباني نني من بلاد"فلان وفلان"، فهل كان ذلك الرجل الخجول سيزول حرجه، بالتأكيد لا! لقد ترك لنا أبو عمار فخراً بكرامة وطنية كبيرة يحتاج زعماء غزة إهدارها الى سنوات طويلة من التعصب والتكفير والتخوين والتهديد والوعيد. عندما كان أبو عمار يترأس فلسطين من المنتدى في غزة أو من المقاطعة في رام الله، كنا نشعر بالأمن والطمأنينة، على رغم أصوات قذائف جيش الاحتلال، كان كجبل راسخ نتكئ عليه جميعنا ونضع رؤوسنا على كتفه، يقول لنا في كل مناسبة ان النصر صبر ساعة وأن الفرج آت وأننا قوم الله الذين اصطفاهم للدفاع عن الاسلام، لا يضرنا من عادانا ونحن في رباط الى يوم الدين، أما اليوم فعلى كتف من نضع رؤوسنا؟! مهند عبدالكريم العكلوك - بريد الكتروني