"انها الحرب التي قد تنهي كل الحروب في لبنان وتنقلها الى ايران". هذا ما خلص اليه عدد من المسؤولين والباحثين الغربيين في تحليلهم لما يجري في لبنان منذ 12 تموز يوليو. ويعتمد هذا الاستنتاج على مجموعة وقائع وتطورات قديمة وجديدة، داخل لبنان وخارجه والمنطقة، سُجلت خلال السنتين الأخيرتين، وهي كالآتي: 1 - تغيير النظام في ايران، واكمال السيطرة على منابع النفط في الخليج، هو هدف استراتيجي أساسي للادارة الأميركية الراهنة. وحاولت اسرائيل منذ وصول"المحافظين الجدد"الى السلطة العام 2000 أن تدفع الإدارة الأميركية الى عمل عسكري لتغيير النظام في طهران، خصوصاً بعد أحداث 11 ايلول سبتمبر 2001 لكن عوامل عدة، منها وجود حماس و"حزب الله"، دفع بقادة الولاياتالمتحدة واسرائيل الى تأجيل هذا العمل والبدء في العراق. وتعتبر هذه القوى"حزب الله"و"حماس"اداتين لفرض القوة الايرانية في منطقة البحر المتوسط، تهددان بشكل أساسي أمن اسرائيل. وحاولت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون مرات اقناع سورية بحل التنظيم المسلح لكل من"حزب الله"وحماس، لكن الرد السوري كان دائماً المطالبة بالجولان كثمن لم تكن تل أبيب راغبة في دفعه. وبعد الانسحاب السوري من لبنان، حاولت هذه القوى اقناع الحكومة اللبنانية بنزع سلاح"حزب الله"، لكن هذا الأمر لم ينجح، وخصوصاً بعد توافق القوى اللبنانية كافة على اللجوء الى الحوار كخيار وحيد لحل خلافاتهم. من جهتها، عمدت واشنطن في العامين الأخيرين الى التعاقد مع كبار الخبراء المختصين في الشأن الايراني لإعداد دراسات تتناول طريقة عمل الحكومة الاسلامية، وخصوصاً أثناء الأزمات والحروب، وهو مؤشر الى عزم الادارة الأميركية على تغيير النظام ولو بالقوة. ويعتقد بعض الخبراء الأميركيين بأن المبادرة الدولية الأخيرة ومجموعة الحوافز التي قدمها الغرب، وضعتها واشنطن وهي تعرف مسبقاً أن طهران سترفضه، من أجل التأكيد للرأي العام المشكك في نياتها نتيجة تجربة حرب العراق، على أنها استنفدت كل الوسائل الديبلوماسية الممكنة لتجنب المواجهة. 2 - منذ خطاب الرئيس جورج بوش الشهير الذي تناول فيه"محور الشر"، وضمنه كلاً من ايرانوالعراق وكوريا الشمالية، تُعد طهران للمواجهة الكبرى. وعمدت طهران لتأسيس جبهتين عسكريتين، الأولى داخل ايران، والثانية خارجها وخصوصاً في الدول التي يسهل فيها تأسيس ميليشيات مسلحة. وكانت ايران أسهمت في تأسيس"حزب الله"عام 1982، وواكبت تنامي قوته عبر نحو عقدين حتى غدا اليوم قوة سياسية وعسكرية لبنانية واقليمية على حد سواء. وبحسب مسؤول ايراني، تستفيد إيران اليوم من"حزب الله"بقدر ما يستفيد"حزب الله"منها. وهي نظرة وافق عليها عدد من المسؤولين في"حزب الله"أيضاً. ووجدت ايران في حماس القوة التي تحارب من أجل قضية تخلى عنها العديد من العرب. لذلك أمنت ايران السلاح والمال للحركة، لتؤمن لنفسها دوراً أساسياً في القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي بعدما كان الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة قرر تحييد دور طهران ومنعها من الاشتراك في اي معادلات مستقبلية للسلام في المنطقة. وفي صلب خطة الدفاع الايرانية استعمال الحركات التابعة، ومن ضمنها"حزب الله"وحماس وحتى"جيش المهدي"في العراق، لتوتير الأوضاع وايجاد نزاعات محدودة تُفقد واشنطن وحلفاءها توازنهم الاستراتيجي. أي أن ايران خططت لشن ضربات استباقية عبر هذه التنظيمات ضد الولاياتالمتحدة واسرائيل لتعيق أي اجراءات ضدها ومن ضمنها فرض عقوبات دولية عليها نتيجة برنامجها النووي، الذي حُول الى مجلس الأمن في 13 تموز، أي بعد يوم واحد من عملية"حزب الله". 3 - غيّر الانسحاب السوري من لبنان، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، المعادلات الداخلية والاقليمية ل"حزب الله". فبعدما كانت سورية تؤمن الغطاء السياسي الرسمي اللبناني لعمليات"حزب الله"في الجنوب، بات الحزب مضطراً لتوفير هذا الغطاء السياسي بنفسه. لذلك قرر خوض الانتخابات النيابية بقوة والمشاركة في الحكومة التي تبنت في برنامجها أهدافاً تبرر وجود الحزب عسكرياً، مثل اطلاق الاسرى اللبنانيين من السجون الاسرائيلية وتحرير مزارع شبعا. لكن تزايد السجال الدخلي بين الحزب وقوى سياسية لبنانية، اضافة الى تفاقم الأوضاع الاقليمية نتيجة الأزمة في العراق والبرنامج النووي الايراني، دفع الحزب الى إعادة حساباته بحيث تخدم عملياته العسكرية حليفه الاقليمي من دون الاضرار بوضعه الداخلي في لبنان. وكان التحالف مع"التيار الوطني الحر"ومشاركته في الحوار الوطني جزءاً من استراتيجيته الجديدة. 4 - تعيش دمشق في عزلة دولية، تضعف النظام، منذ انسحاب قواتها من لبنان وبداية التحقيق الدولي في اغتيال الحريري. ويلاحظ أن في سورية اليوم اتجاهين: الأول يحاول المساومة مع واشنطن والوصول الى حلول وسط تتضمن التخلي عن الحلف مع ايران و"حزب الله". ويرفض الثاني، المتضرر من التحقيق الدولي، التفاوض مع واشنطن ويدفع الى تمتين التحالف الاستراتيجي مع ايران ضمن مبدأ"خيار شمشون". الحسابات الخاطئة يعتقد المراقبون بأن لعملية خطف الجنديين الاسرائيليين هدفين، الأول إقليمي، وهو رسالة إيرانية الى الغرب عشية تحويل ملفها النووي الى مجلس الأمن مجدداً، والثاني محلي يستهدف اعادة الاعتبار الى دور المقاومة بعد حملة الانتقادات ضدها من قوى سياسية لبنانية. وكان السيد حسن نصرالله يريد اثبات النظرية التي قدمها أثناء الحوار وتتمحور حول أهمية دور المقاومة في ردع اسرائيل وتحقيق الأهداف اللبنانية ومنها تحرير الأسرى. وكان"حزب الله"يعول على أن الوضع الداخلي الاسرائيلي المنشغل باجتياح قطاع غزة ومواجهة حماس ووجود علاقات مميزة بين قوى"المستقبل"مع واشنطن والغرب سيحد من حجم الرد الاسرائيلي وسيؤدي الى معاودة المفاوضات عبر الوسيط الألماني لتبادل الأسرى. الا أن الامور لم تتناسب مع هذه الرؤية. وكانت اسرائيل وواشنطن تدرسان منذ فترة وسائل التخلص من"حزب الله"وحماس. كما أن اسرائيل تشعر منذ انسحابها من لبنان عام 2000، بأن هيبة الردع لديها تصدعت، وأن عليها تعزيزها مجدداً. وبما أنها ستضطر في مرحلة ما لاحقاً الى ضرب"حزب الله"تمهيداً للحرب مع ايران، وجدت في خطف جنودها حجة ملائمة تؤمن لها التأييد الداخلي المطلوب والشرعية الدولية لتبرير هجوم كبير على لبنان لإنهاء"المقاومة". يُشار الى أن اسرائيل كانت تسلمت، العام الماضي نحو 5000 قنبلة وصاروخ من مختلف عائلات الأسلحة الذكية وحتى تلك المضادة للتحصينات. وتساءل الخبراء العسكريون حينها عن هدف هذه الذخائر وساد الاعتقاد يومها بأنها ستكون لضرب إيران. والآن وبعد أحداث الأيام الأخيرة بات واضحا أن الهدف كان قصم ظهر"حزب الله"وايجاد بيئة في لبنان معادية ل"المقاومة". ويعتقد أن اسرائيل تأمل بأن يشكل الخراب في لبنان عاملاً نفسياً يخيف النظام السوري ويدفعه الى اعادة حساباته في علاقته مع ايران والتنظيمات الفلسطينية الأخرى. لكن المغامرة الاسرائيلية في لبنان، التي يُعتقد أنها جاءت مفاجئة، حتى لواشنطن من ناحية التوقيت، لن تكون سهلة. وأثبتت الأيام الأخيرة أن"حزب الله"مستعد جيداً. كما أن ضرب البارجة الاسرائيلية"ساعر"بصاروخ ايراني الصنع طراز"سي - 802"يشكل اخفاقاً استخباراتياً كبيراً للقوات الاسرائيلية. ولا تعلم الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية حجم ترسانة"حزب الله"وانواع الصواريخ لديه وما اذا كان في جعبته مفاجآت أخرى. استراتيجية اسرائيل وعواقبها وتعتمد اسرائيل اليوم استراتيجية حرب استنزاف ذات وتيرة سريعة وقاسية. ويبدو أنها تتعامل مع"حزب الله"وكأنها تحارب جيشاً نظامياً لا حركة مقاومة. وهي تستهدف في شكل أساسي مراكز القيادة والسيطرة للحزب وطرق المواصلات والاتصالات لتقطيع أوصاله وتحاول أن تدفع بفرق الكوماندوس لمهاجمة مخازن الصواريخ أو منع مقاتلي الحزب من اطلاق الصواريخ على المستعمرات الشمالية. كما أنها دمرت أجهزة الرادار المدنية والعسكرية كافة في لبنان للحد من قدرة الحزب على استخدام أسلحة متطورة قد يكون حصل عليها سراً من ايران. واذا ما تمكن الحزب من الصمود طويلاً والاستمرار بالرد على ضربات اسرائيل فان الأخيرة قد تفقد الدعم الداخلي وتجد نفسها أمام رأي عام دولي غاضب حتى داخل الولاياتالمتحدة ما سيؤثر في العملية برمتها. لكن حتى الآن يبدو أن التنسيق الأميركي- البريطاني لتأمين الغطاء الدولي للعمليات الاسرائيلية في لبنان مستمر حتى"إشعار آخر. وفي هذه الأثناء، يردد القادة في أميركا وبريطانيا في شكل شبه يومي بأن ايران وسورية مسؤولتان عن تدهور الأوضاع وكأنهم يعدون لانتقال المعركة الى هناك. ويعتقد الخبراء بأنها مسألة وقت قبل أن تجد اسرائيل نفسها مضطرة الى توسيع عملياتها لتشمل سورية في حال رفضت الأخيرة تغير مواقفها من التحالف مع ايران و"حزب الله". ويتوقعون أن تضطر ايران الى الدخول في المواجهة العسكرية حينها من أجل كسب الدعم العربي في مواجهتها المحتومة مع الغرب، ذلك أن بقاء ايران خارج المواجهة سيُعطي الولاياتالمتحدة واسرائيل الفرصة للاجهاز على حلفائها ومن ثم الاستفراد بها لاحقا، ما سيحصر الصراع بين الدولة الفارسية والغرب. أما اليوم، وفي حال دخولها المواجهة، ستكون حرباً عربية - فارسية ضد الغرب. ويعتقد بعض المحللين الغربيين بأن واشنطن على قناعة بأن أولوية النظام الايراني هي استمرارية وجوده لذلك فانه سيبقى خارج المواجهة ويلجأ للحوار والمساومة مستخدماً أوراقاً أخرى مثل العراق وبرنامجه النووي للوصول الى حل وسط مع الغرب. ويُعتقد بأن واشنطن لن تقبل بأقل من شروط تؤدي بالنتيجة الى تغيير في نهج النظام الايراني وطريقة تعامله مع الغرب، وهو أمر يعتقد عدد كبير من الخبراء بأنه صعب التحقيق ما يرجح خيار الحرب. أما في لبنان، فان البلد سيخرج مدمرا من هذه الحرب التي ستترك آثارا كبيرة على مواطنيه. أهم هذه الآثار هو تعزيز الوحدة ورفض الحرب. فحزب الله والقوى المؤيدة له تدرك اليوم أكثر من أي وقت آخر بأنها لن تستطيع الصمود أو البقاء من دون دعم الأطراف الأخرى. أما القوى السياسية الأخرى فانها ترى بأن حرب اسرائيل شاملة بغطاء سياسي من القوى الدولية التي كانت تتكل عليها، ولذلك فهي ستضطر الى تبني حزب الله واستخدامه كورقة مساومة وضغط للوصول الى وقف اطلاق نار وتحقيق مكاسب اقليمية ودولية أهمها تأمين كلفة اعادة اعمار لبنان وتحييد البلد من الصراعات الاقليمية. لكن المهم اليوم هو أن تجيد رئاسة الحكومة اللبنانية وقوى الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي قراءة المواقف الداخلية والاقليمية والدولية والمبادرة الى أخذ المبادرة والقيادة من يد حزب الله لتثبت للعالم وجود دولة لبنانية بجيش نظامي وقوى أمن قادرة على السيطرة على الموقف. اضعاف أو تدمير الأنظمة المناوئة للغرب في المنطقة واضعاف التنظيمات التابعة لها وحاجة العالم الغربي الى عملية سلام في منطقة تسودها أنظمة ديموقراطية مثل لبنان سيوجد حالة من الاستقرار لم يشهدها لبنان من قبل، خصوصاً مع وجود أجيال لبنانية عدة اليوم تعرف معنى الحرب وشناعتها.