يشهد العالم اليوم بعث ايران نزاعات الشرق الاوسط. فطهران أصبحت قوة إقليمية كبرى تسعى الى حيازة سلاح نووي، ما يغير التحالفات الإقليمية التقليدية، ويقلب موازين القوى. ولا شك في أن"حماس"تمر في مرحلة انتقالية عصيبة، فهي تتردد في ترك المنطق العسكري وانتهاج السياسة ومنطقها. وليست سياسة"حماس"واحدة. فهي تجمع بين تقويم الاعتراف بإسرائيل، والاستفزاز العسكري اختطاف جندي. وأما اسرائيل، فهي تخير السلطات الفلسطينية بين التعاون مع اسرائيل أو الزوال. وغالباً ما تفضي السياسة الاسرائيلية الى ترجيح كفة المتطرفين. ولا شك في أن هجوم"حزب الله"على إسرائيل، هو منعطف السياسة السورية والايرانية الجديد بالشرق الاوسط. فبعد رد اسرائيل العنيف على خطف جنديها في غزة، تيقن"حزب الله"وإيران وسورية من ورائه أن اسرائيل ستشن حرباً على لبنان. فدمشق خرجت من لبنان على مضض، وهي تسعى الى العودة إليه. وتحن سورية الى ثمانينات القرن المنصرم، عهد ها الذهبي بلبنان. ففي ذلك الحين سيطرت دمشق على الحكومة اللبنانية الضعيفة وعلى المواجهة بين"حزب الله"واسرائيل. والحق أن سورية راهنت على خوف الإسرائيليين من اطاحة الرد العسكري على دمشق نظام بشار الأسد، وبلوغ الأخوان المسلمين سدة السلطة. فملاذ النظام السوري هو ضعفه وخوف الاسرائيليين من انهياره على وقع ضرباتهم. وفي وسع سورية الضعيفة نفخ الحرب في لبنان ورعايتها في سبيل العودة اليه. وعلى رغم المساعي السورية الى لعب دور اقليمي، تنفرد ايران بالامساك بزمام الامور. فهي تنتهج استراتيجية واضحة في سعيها الى منع قصف منشآتها النووية وإلى تحولها قوة إقليمية كبرى تهمش جيرانها العرب. وفي حين تعارض أميركا واوروبا القسم الاول من مساعي طهران، يعارض جيران ايران العرب القسم الثاني. وتندد ايران بإسرائيل، فتحرج الأنظمة العربية، وپ"تصدر"النزاع مع اسرائيل إلى الشرق الأوسط. والحق أن الأوروبيين لم يشركوا جهات اقليمية عربية في سعيهم الى وقف البرنامج النووي الإيراني في 2004، وحصروا النزاع بالمجتمع الدولي وايران. ورد الإيرانيون بتدويل أزمة ملفهم النووي، وبعث النزاعات"الثانوية"إسرائيل - فلسطين وإسرائيل - حزب الله لتفادي المواجهة العسكرية المباشرة مع الغرب. فأحمدي نجاد صعّد النزاع مع الغرب، ودعا الى زوال اسرائيل في 2005. وانتهز نجاد التوتر بين"حماس"واسرائيل، ونقل المواجهة مع المجتمع الدولي الى الشرق الاوسط. وعززت إيران نفوذها بالعراق وأفغانستان. وهذا التصعيد الايراني لا يرمي الى تدمير اسرائيل بل الى تحصين ايران وتحذير الغرب من عواقب الهجوم عليها أزمة طاقة وتدهور الأوضاع بالعراق وأفغانستان. وتتوسل ايران خطاباً إسلامياً يجمع بين معاداة الإمبريالية والقومية العربية ومعاداة السامية في سبيل بلوغ أهدافها. ويعادي الهلال الشيعي الممتد بين ايران والعراق وسورية الاسد و"حزب الله"، المسلمين السنّة والقوميين العرب، أي حلفاء صدام حسين في حربه على ايران 1980 - 1988. فجيل المحاربين الإيرانيين القدامى، وأحمدي نجاد منهم، يخوض الحرب الايرانية - العربية من جديد، ويأمل في الانتصار هذه المرة. واليوم، يعارض العراقيون السنّة نفوذ الشيعة بالعراق، ويعادون أهل الشيعة أكثر من معاداة الأميركيين. فالدول الخليجية والعربية تنأى بنفسها عن الپ"مغامرة"الايرانية الجديدة ضد إسرائيل. ولا شك في أن"حماس"هي اليوم أمام مفترق طرق، فإما تصعد المواجهات العسكرية نزولاً على طلب ايران، وإما تغلق باب التدخل الخارجي وتتحول الى قوة وطنية. وشأن"حماس"شأن اللبنانيين والسنّة العرب. وعلى إسرائيل التفاوض مع"حماس"في حال عدلت هذه عن التعاون مع الخارج. وعلى الأنظمة العربية العزوف عن خطابات عقيمة تؤيد حركات معادية لها. عن أوليفيه روا مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية، "لوموند" الفرنسية. 22/7/2006