منذ بداية الوعي والاحساس الداخلي بالجمال والانوثة، ومدى تأثيرهما على محيطها، خصوصاً لدى الذكور، سعت المرأة في البحث عن كل ما يزيدها جمالاً من مواد وألوان وصباغ موجودة في الطبيعة حيث استخدمتها لتصبح أكثر نعومة، انوثة واغراء. واعتمدت في ابتكاراتها الجمالية البدائية، على تجاربها الذاتية وملاحظاتها اليومية من نعومة يديها الناتجة عن عملها اليومي واستعمالها للحليب الطبيعي ومشتقاته، والآثار والبقع التي يتركها بعض أنواع الفاكهة والخضراوات والزهور على اليدين والثياب والتي لا يستطيع الماء محو آثارها بسهولة... هكذا ابتكرت المرأة القديمة مساحيقها الخاصة بالنعومة والجمال، واستغلت عطاءات الطبيعة والمواد الحيوانية لتتجمل مجاناً، وهي بذلك وضعت من دون أن تدري، أسساً وقواعد مهمة للمواد التجميلية توارثها عالم التجميل ومختبراته في يومنا هذا. حتى أيامها الأخيرة، امتلكت جدتي حجراً أسود اللون، وكانت بين فترة وأخرى تأخذ منه حاجتها من الكحل مستخدمة طرف سكين تحفّ به قاعدة الحجر للحصول على القليل والضروري من البودرة السوداء الرمادية بعض الشيء، وفي حال جفاف الحجر، كانت تمسحه بنقاط من زيت الزيتون وتفركه جيداً، ثم تلفه بقطعة قماش بيضاء وتحتفظ به بعيداً عن متناول يد الكبار والصغار. وكانت تنصح الجميع باستخدام هذا الكحل الطبيعي مؤكدة أنه يحمي العينين من الشوائب ويمنح نظرتهما لمعاناً وعمقاً وجمالاً طبيعياً يسحر الرجال. وعلى رغم إلحاح جدتي، لم استخدم حجر الكحل هذا إلا بعد سنوات طويلة، وفقط لألمح في عينيها نظرة الحب والاعجاب... رحلت جدتي وضاع حجر الكحل الأسود، ما جعلني أتحسر على كنز جدتي الثمين الذي رسم حدود عينيها حتى ما بعد الثمانين من العمر، والذي شكل انموذجاً في البحث عن المادة الطبيعية وتحويلها إلى مستحضرات للتجميل والابتعاد قدر المستطاع عن استخدام المواد الحيوانية بسبب مرض جنون البقر والكيماوية التي عرفت ازدهاراً كبيراً في النصف الثاني من القرن الماضي. كثرت مستحضرات التجميل وتنوعت لكل ذوق وبشرة أنواعاً متعددة لا تحصى، وفيها يراعي علماء الجمال لون البشرة ومناخ البلد وطبيعته خلال تحضيرهم للمادة التجميلية، بدءاً بكريم الأساس وحمرة الوجنتين والشفاه وانتهاء بقلم الكحل والماسكارا وبودرة الظلال، كما تطلق الماركات الشهيرة في عالم الجمال، آخر مبتكراتها لكل موسم، وهي أسوة بعالم الأزياء، لها موضتها. ولن نتدخل طويلاً في أهمية هذه المستحضرات وآخر صرعاتها، بل نتطرق إلى المواد التي تقدّم العناية الخاصة بالبشرة والجسد، وهي الكريمات بأنواعها والتي تشهد جديداً دائماً ولا تنتظر المواسم لتظهر في المحلات المتخصصة. تعتبر الكريمات اليوم من أهم مستحضرات التجميل لأنها تقدم نوعاً من التطبيب من الرأس وحتى القدمين للجنسين، وإذا كانت المرأة تنشد النعومة والرقة في الوجه والجسد، فالرجل في أيامنا هذه له حصته في الكريم الخاص به. والحقيقة ما من انسان يرغب بزوال نضارة شبابه ولم يعد اللون الرمادي للشعر والأبيض أيضاً المرأة أو الرجل رمزاً للحكمة والتجربة في الحياة. أما آخر اكتشافات الجمال اليوم فهي المستحضرات المستخرجة من البحر وأعماق الأرض، مثل الأصداف واللآلئ وبعض الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. وهي تقدم وعوداً جذابة حسب رأي الاخصائيين، لأنها تدخل في أعماق طبقات الجلد لتعطيها نعومة وصلابة وتخلصها من الشوائب والتجاعيد والجلد الميت. لم تعد الأحجار الكريمة بأنواعها مجرد زينة وثروة، بل تحولت إلى مادة تحارب آثار الزمن على مستوى البشرة وتعد الإنسان بالكثير من الفوائد. هذا ما أكدته مختبرات التجميل الدائمة البحث عن المستحضر العجيب الذي يعطي فوائد أكيدة ويشكل مصدراً مالياً أكيداً أيضاً. والواقع ان العلماء في هذا المجال استغلوا كل الثروات الطبيعية في البحار واليابسة وحتى الثروة المائية إلى حد ما يباع الماء مضغوطاً ويستخدم لترطيب الوجه في أيام القيظ. بدأ اهتمام عالم التجميل بالأحجار الكريمة في أوائل التسعينات، حيث استخدمت إحدى ماركات مستحضرات التجميل الشهيرة في أحد كريماتها، الذهب من عيار 24 قيراطا. وبعد سنوات عدة استعملت ماركة كبرى الكريستال، وأخرى بودرة اللآلئ ومستخرج الزمرد والذهب والفضة وذلك في مستحضر يضمن الحيوية والراحة. نبدأ بمواد البحر، بالاصداف ذات الألوان المتغيرة والشكل الجميل والشفافية التي بهرت الانسان منذ قرون غابرة. اضافة الى الفوائد العديدة التي عرفها الطب الأميركي الهندي لاصداف البحر، حيث تهرس الصدفة مع بعض التوابل العشبية لتشكل مرهماً يساعد على التئام الجروح. ويؤمن الصينيون بفائدة الأصداف للجلد وللجسم عامة، ويستخدمون اليوم مسحوق لآلئ المياه الحلوة البحيرات في بعض أنواع الشراب وفي المواد التجميلية. فالأصداف تشكل لهم عنصراً مساعداً للحفاظ على الشباب الدائم والحيوية التي لا تنضب. منذ حوالى 30 سنة، ظهرت أولى مساحيق التجميل التي تدخل في تحضيرها الصدف واللؤلؤ وبنسبة مئوية كبيرة. وكانت مؤلفة من كريم خاص بمنع التجاعيد وماء تواليت لازالة المساحيق وتنظيف الوجه، اضافة الى كريم خاص بنضارة البشرة. وحالياً ظهرت مجدداً في الأسواق مجموعة مؤلفة من 10 مستحضرات مخصصة للعناية بالبشرة وهي مستخلصة من اللآلئ، وبالأحرى ما يسميه العلماء "أم اللؤلؤة" أي الصدفة التي تبدأ بغزل النسيج الداخلي حول النواة التي تشكل في ما بعد اللؤلؤة. وهي تملك تشابهاً كبيراً في نوعية نسيجها مع الجلد، وذلك بسبب قدرتها على توزيع مادتها البروتينية الى بقية الخلايا. اما فائدة هذا النسيج على جلد الانسان، فتكمن في قدرته على انعاش واحياء عملية الاتصال بين خلية وأخرى، ما يزيد من فاعلية المادة الليفية، وهي المادة التي تجعل الجلد أكثر ليونة ومن طبقة ما تحت الجلد أكثر صلابة وامتلاء، كما تعمل هذه المادة على تنشيط الأوعية الدموية ما يعطي البشرة لوناً مشعاً ورونقاً ونضارة. وحتى الآن، لم يتمكن علماء التجميل من اكتشاف الأسرار الكاملة لفوائد الأصداف واللآلئ لكنهم يؤكدون احتواءهما على انواع من البروتين التي تساعد في تقوية العظام وتقويمها، وتجري اليوم دراسات لإمكان استخدام المادة الصدفية في العمليات الجراحية العظمية وفي علاج مرض ترقق العظام الناتج عن الشيخوخة، اضافة الى الامكانات المستقبلية في استعمال الصدف لعلاج الأمراض الجلدية. يتربع حالياً نوع من الكريم المضاد للتجاعيد والمحارب لآثار الزمن ولتأثير الشيخوخة على بشرة المرأة، في المرتبة الاولى لمستحضرات التجميل، وهو مصنوع من اللؤلؤ. "لؤلؤة الحياة" هو اسم هذا الكريم المؤلف من لؤلؤة كاملة تحولت بعد اضافة عصارة نباتية اليها الى اكسير مصفى يقوي بنية الخلايا ويعطي للجلد كثافة نسيجية تبعد التجاعيد وتنقي البشرة. وهذا الكريم يؤمن تغذية الجلد وبمنحه احساساً بالحيوية. في كل الحضارات والحقبات الزمنية، أعطى الانسان أهمية كبرى للأحجار الكريمة، ونسب اليها قوى مختلفة واستخدمها كطلسم لرد العين الحاسدة والمرض ولجلب الحظ والحب والسعادة. ويمكن القول ان هذه المعتقدات عادت اليوم الى الظهور بين المؤمنين بالطب الطبيعي. أما بالنسبة إلى العلماء، فالاهتمام بالأحجار الكريمة لا علاقة له بالمعتقدات المتعلقة بسحر وسطوة هذه الأحجار وتأثيرها النفسي على حامليها، بل بفائدتها العلمية والطبية وما تقدمه للعلم والانسان من عون. يتم طحن الحجر الكريم كلياً ليتحول الى بودرة ناعمة تخضع الى عملية كيماوية يستخلص منها سائل مصفى ومعقم يدخل في تحضير المستحضر الثمين للعناية بالبشرة. واستطاع العلماء التوصل الى تقويم كل نوع على حدة ومعرفة صفاته التكوينية والمادة التي يتألف منها، وخصائصه ومميزاته وبالتالي تأثيره وأهميته في صناعة مستحضرات التجميل أحجار الزينة الخالدة هنا قائمة مماثلة لأهم أنواع الأحجار الكريمة المستخدمة أكثر من سواها في عالم التجميل، فهي ثلاثة: حجر الدهنج، ويتكون من كربونات النحاس الطبيعي. ذو لون أخضر غامق اعتبره قدماء المصريين حجراً مقدساً. استعمل في الطب وايضاً في تكحيل العينين بعد تحويله الى نوع من العجين. وفائدة هذا الحجر معروفة، خصوصاً في تنظيف وتنقية العين لاحتوائه على عنصر مضاد للالتهابات. لذلك يستخدم هذا الحجر الكريم بكثرة في مستحضرات التجميل في أميركا وأوروبا. وهو يقوي الجهاز الدفاعي الطبيعي للجلد ويحمي البشرة من التعرض لحب الشباب لدى المراهقات. حجر الرودو كروسيت أو الحجر الزهري الرائع اللون الذي اكتشفه شعب الانكا في القرن الثالث عشر الميلادي. واستخدموه كعنصر طبيعي يبعد القلق والتوتر. يستعمل اليوم في مستحضرات التجميل بسبب غناه بمادة المانيزيوم التي تعطيه اللون الزهري. وهو يحمي الجلد ضد اشعة الشمس فوق البنفسجية، وبالتالي ضد التجاعيد والشيخوخة. وهو يضاف ايضاً الى حجر الدهنج ليُعطيا مستحضراً خاصاً بنعومة الجسد. حجر كربونات الزنك، وهو حجر ذو لون أخضر فاتح ونقي. ويساعد عضلات الجسم المتعبة والمتوترة على الراحة بسبب مادة كربونات الزنك الموجودة فيه. لكن العامل الأكثر فائدة هو الزنك الضروري لجسم الانسان والذي يدخل في نشاط أكثر من مئتي أنزيم في جسدنا. ولم تستخدم كل فوائد هذا الحجر الكريم الذي سيدخل قريباً في تركيبة غالبية المستحضرات الخاصة بمحاربة شيخوخة الجلد وكريم النهار والكريم المضاد لأشعة الشمس.