يتذكر الجمهور جيداً النجمة هيلين هانت بطلة أربعة من أهم الأفلام الهوليوودية التي نزلت دفعة واحدة إلى صالات السينما العالمية قبل سنتين، وهي "دكتور تي والنساء" مع ريتشارد غير، و"مفقود" مع توم هانكس، و"ما تريده النساء" مع ميل جيبسون ثم "انقل الخبر" مع كيفين سبيسي. وكانت هانت قبل أن تعمل في هذه الأفلام مباشرة فازت بجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة عن دورها إلى جانب جاك نيكولسن في فيلم "الأفضل الممكن"، ما فتح أمامها أبواب الفن السابع واسعة، هي الممثلة الشقراء الناعمة الآتية من عالم التلفزيون حيث لمعت في مسلسل "مجنونة بك" طوال سبع سنوات كاملة. الطريف بالنسبة إلى حكاية هذه الممثلة هو أنها اشتهرت عالمياً كنجمة سينمائية عقب حصولها على جائزة الأوسكار وانهالت عليها العروض لمشاركة كبار نجوم الفن السابع بطولة أفلامهم الجديدة، فاختارت من بينها ما اعتبرته وكأنه الأفضل، لكنها أخطأت في شأن أحد هذه الأفلام وهو "انقل الخبر"، إذ فشل تجارياً لدى ظهوره في الأسواق، وهاجمه النقاد، ما أدى إلى غرق هيلين هانت في بحر النسيان من دون حس أو خبر وامتناع الشركات المنتجة في ما بعد عن اقتراح اسمها لتولي أي بطولة جديدة، وكأنها المسؤولة عن فشل الفيلم، بينما يعود سر هجوم النقاد عليه إلى نوعية إخراجه الرديئة وطول بعض مشاهده من دون أي مبرر سوى ربما إثارة مشاعر المتفرج بطريقة رخيصة وهزه بمواقف قوية، وإن لم تدم عشر دقائق في كل مرة. والواقع أن هانت، حالها حال غيرها من الممثلين والممثلات بشكل عام، لم تلعب أي دور في نوعية هذا الشريط بل على العكس أدت دورها فيه بطريقة مقنعة ربما أنها رفعت بعض الشيء من المستوى العام للحبكة، وهذا ما يمكن قوله أيضاً عن النجم كيفين سبيسي شريكها في بطولة الفيلم، إلا أنه من جانبه وبفضل شعبيته العريضة لم يدفع ثمن عدم نجاح "انقل الخبر"، واستمر في الحصول على عروض مغرية عقب هذه الغلطة المهنية. لقد وجدت هانت نفسها في مأزق، فهي لم تستطع استئناف العمل التلفزيوني الذي طالما جلب لها الربح والشعبية قبل أن تغادره من أجل الشاشة الفضية، فهي إذ فعلت ذلك اعترفت رسمياً بفشلها السينمائي وبقبولها نزول إحدى درجات السلم الفني بدلاً من الاستمرار في تسلقه، فدفع بها ذكاؤها إلى المراوحة في مكانها وانتظار مرور العاصفة. لمناسبة زيارة هانت العاصمة الفرنسية متجهة إلى مدينة كان من أجل تحضير مسابقة تلفزيونية مهمة التقتها "الوسط" وحادثتها: لم نسمع عنك أو نقرأ أخبارك منذ عرض أخر أفلامك قبل حوالي عامين على رغم كونك فزت بجائزة الأوسكار، فما سبب هذا الغياب؟ أنا امرأة عادية أحب الفن الدرامي وأمارسه منذ سن العاشرة كون عائلتي كلها تعمل في المسرح والسينما، كما أنني أكره الظهور في الأماكن العامة والمناسبات الرسمية التي تحتشد بأهل الفن والموضة والاستعراض عموماً. وكثيراً ما أواجه السؤال في شأن كيفية نجاحي من دون أن ألفت انتباه الإعلام إلى حياتي الخاصة وهواياتي خارج نشاطي المهني، فربما أكون الدليل القاطع على أن العمل وحده يكفي للتوصل إلى شيء ما في الميدان الفني. وأما عن سبب غيابي عن الشاشة، وهو في رأيي أهم بكثير من غيابي عن صفحات المجلات المتخصصة في نقل أخبار النجوم، فهو عائد إلى سبب لا يزال مجهولاً لدي، بمعنى أنني عملت سنوات طويلة في التلفزيون واشتهرت على مستوى عريض وكسبت الكثير من المال ثم جاءتني السينما وقدمت لي فرصة العمل إلى جوار عملاق مثل جاك نيكولسن في فيلم ممتاز هو "الأفضل الممكن" فأعطيت أفضل ما عندي أمام الكاميرا وفزت بجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة، الشيء الذي تتمناه أي ممثلة على وجه الأرض، فانهالت العروض الجديدة علي، فاخترت أربعة منها بدت لي وكأنها الأفضل، واتضح في ما بعد أنها كانت جيدة حقاً باستثناء ربما فيلم "انقل الخبر" الذي بدا رائعاً فوق الورق، لكنه فشل تماماً فوق الشاشة بسبب إخراجه الضعيف وتماديه في المواقف الدرامية إلى درجة إصابة المتفرج بالملل. وفور نزول هذا العمل إلى الصالات لم أتسلم أي سيناريو جديد أو أي عرض مهما كان نوعه، وأقصد من سينما أو تلفزيون أو مسرح، فأدركت أن الفيلم الرديء يحطم بطلته فنياً، مثلما يجلب لها الفيلم الجيد أفضل العروض في المستقبل، وهذا درس لن أنساه مدى حياتي، إذ علمني مدى أهمية حسن اختيار الممثلة لأدوارها وأفلامها ما يتطلب لديها إما التمتع بذكاء حاد، لأن المسألة صعبة جداً في الأساس والفيلم المكتوب على شكل سيناريو يختلف عن ذلك الذي يعرض فوق الشاشة، وإن كانت الحبكة واحدة، وإما تسليم أمرها لوكيل أعمال يعتاد على قراءة السيناريوهات ويأتي بنظرة خارجية تسمح بتمييز أفضل وواقعية أكبر. وعن نفسي فقد قررت اللجوء إلى العنصرين: ذكائي الحاد تضحك ووكيل أعمالي البارع. وأود أن أطمئنك، فقد انحلت أزمتي وأنا على وشك الظهور فوق الشاشة من جديد في المستقبل القريب وفي فيلم من المفروض أن يثير انتباه النقاد والجمهور العريض معاً. ما هو هذا المشروع؟ أفضّل عدم التمعن في تفاصيله الآن احتراماً لحساسية الشركة المنتجة التي لم تعلن عنه رسمياً بعد. قرأنا، على قلة ذكر الصحف والمجلات لاسمك، أن عمرك 40 سنة وأنك مطلقة، فهل تؤكدين ذلك؟ نعم، أنا فعلاً عمري أربعون سنة ومطلقة من الممثل هانك أزاريا، وأعرف أن هناك صحفاً كتبت أن زوجي تركني لأنه فضل علي بطلات مسلسل "بايواتش"، لا سيما باميلا أندرسون أو لأنه اكتشف لدي قابلية لخيانته. أنا شخصيا لم أقرأ هذه الأشياء، لكنني سمعت عنها واعتبرها سخيفة لا تستند إلى أي واقع اطلاقاً. فهل من الممكن أن يغازل رجل بطلات أحد المسلسلات بأكملهن حتى وإن كان يفضل واحدة منهن مثل باميلا أندرسون؟ ان كلام الصحف الفضائحية هذه يعني أن هانك مطلقها كان صاحب مغامرات، وأنه فوق كل ذلك اكتشف لدي أنا قابلية لخيانته تضحك، فأنا أفضل الامتناع عن أي تعليق والاكتفاء بكون العدد الأكبر من الصحف والمجلات لا يكتب عني أبداً مثلما لفت أنت نظري إليه في بداية حديثنا. شاركتِ كلاً من جاك نيكولسن وميل جيبسون وتوم هانكس وكيفين سبيسي وريتشارد غير البطولة، وهم رجال نجوم تحلم بهم نساء العالم، فهل أنت واعية لهذا الأمر؟ نعم ولا، فأنا أمارس عملي ولا شيء آخر، بمعنى أنني أنظر إلى هؤلاء الرجال على أساس أنهم زملائي المهنيين وليسوا أحباب الجمهور النسائي في العالم كله. ولا أعتقد بأن أي ممثلة جيدة تستطيع مشاركة ريتشارد غير أو ميل جيسون البطولة السينمائية إلا إذا اعتبرته زميلها، وإلا تدهورت العلاقة المهنية بينهما وفقدت هي قدراتها على التركيز، ما قد يترتب عليه فشل عملها الفني تماما. أليس هناك ولو واحد بينهم خطف قلبك أو وجدانك حتى بشكل أفلاطوني بحت؟ لتعرف الرد على هذا السؤال عليك الاطلاع على دفتري السري الذي أسجل فيه مذكراتي اليومية في الاستوديوهات. فكم ستكون المفاجأه مذهلة لمن يطلع عليه. لكنني بالطبع أمتنع عن البوح بما فيه وإلا لما كان الدفتر سرياً. كيف حصلت أساساً على الدور مع جاك نيكولسن في فيلم "الأفضل الممكن" وهو الذي فزت بواسطته بالأوسكار؟ كنت ممثلة تلفزيونية ناجحة ولم أعمل في السينما إلا بين حين وآخر، وفور سماعي خبر استقالة الممثلة المختارة لمشاركة نيكولسن بطولة "الأفضل الممكن" كتبت للمخرج والمنتج ونيكولسن نفسه طالبة منهم تجربتي أمام الكاميرا من أجل هذا الدور، ثم أمام امتناعهم عن الرد جلست في مكتب الشركة المنتجة طوال سبعة أيام من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساء منتظرة أن يستقبلني أحد أصحاب القرار، وكدت أن أعتدي على إحدى الموظفات ذات مرة لأنها حاولت التخلص مني بالقوة. والواقع أنهم فضلوا منحي ربع ساعة من وقتهم لتجربتي بدلاً من رؤيتي طوال النهار في مكاتبهم. وعندما وقفت أمام الكاميرا أعطيتهم "الأفضل الممكن"، وأقنعتهم بصلاحيتي للدور. وكنت على حق والدليل هو الأوسكار طبعاً. أنت إذن امرأة شجاعة جداً. أنا أرى نفسي من النوع الجبان، لكنني أقاوم جبني عن طريق تصرفات شبه جنونية خارقة للعادة مثل تلك التي ذكرتها للتو، وبالتالي يعتقدني الغير شجاعة وقوية بينما شجاعتي المزعومة عبارة عن تهور في الحقيقة لا أكثر ولا أقل. وهل تحلمين بالزواج من جديد؟ نعم وأعتقد بأن الفرحة ستتم قريباً جداً، وأرجوك لا تسألني عن تفاصيل إضافية. يقال عموماً إن اللون السينمائي الكوميدي نادراً ما يفوز بجوائز لأن أهل المهنة لا يمنحونه الجدية اللازمة ويفضلون عليه الدراما، وها أنت حصلت على جائزة عن دورك في فيلم فكاهي فكيف تحللين الموقف؟ صحيح ان الكوميديا نادراً ما تحصد الجوائز مع كونها أصعب في التنفيذ من الدراما، لكن الأمور بدأت تتغير في الآونة الأخيرة وهذا شيء جيد. وفي ما يخصني أحلل فوزي بالجائزة بكوني أدهشت الجمهور وأهل المهنة والصحافة، فلم يعرفني الناس ممثلة قادرة على الإضحاك وهز المشاعر في آن واحد، وبالتالي أدت الدهشة إلى التكريم. ماذا فعلت بتمثال الأوسكار؟ وضعته مع شهادات تقديرية وجوائز فنية أخرى في خزنة في غرفة نومي وسأخرجها لأريها لأحفادي في يوم ما