يعرف الجمهور النجمة هيلين هانت من خلال أربعة أفلام هوليوودية شهيرة، تركت ثلاثة منها بصماتها فوق مطلع الألفية الحالية، وهي"دكتور تي والنساء"مع ريتشارد غير، وپ"مفقود"مع توم هانكس، وپ"ما تريده النساء"مع ميل جيبسون. وكانت هانت قبل أن تعمل في هذه الأفلام مباشرة قد فازت بجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة عن دورها إلى جانب جاك نيكولسون في فيلم"الأفضل الممكن"، ما فتح أمامها أبواب الفن السابع واسعة، هي الممثلة الشقراء الناعمة الآتية من عالم التلفزيون حيث لمعت في مسلسل"مجنونة بك"طوال سبع سنوات كاملة. والطريف بالنسبة إلى حكاية هانت إنها اشتهرت عالمياً كنجمة سينمائية عقب حصولها على جائزة الأوسكار، وانهالت عليها العروض كي تشارك كبار نجوم الفن السابع بطولة أفلامهم، فاختارت منها ما ظنته الأفضل. ولكنها أخطأت في شأن فيلم عنوانه"انقل الخبر"نزل الى الصالات في الفترة نفسها لظهور الأفلام الثلاثة المذكورة، إذ فشل هذا الأخير تجارياً عند ظهوره في الأسواق وتلقى سهام النقاد في وسائل الإعلام ما أدى الى سقوط هانت في بحر النسيان، وامتناع الشركات المنتجة فيما بعد عن إسناد أي بطولة جديدة لها وكأنها المسؤولة عن فشل الفيلم، بينما يعود سبب انتقاده اللاذع إلى نوعية إخراجه الرديئة وطول بعض مشاهده من دون أي مبرر سوى ربما إثارة مشاعر المتفرج بطريقة رخيصة. والواقع أن هانت حالها حال غيرها من النجوم، لم تلعب أي دور في نوعية هذا الشريط بل على العكس أدت دورها فيه بطريقة مقنعة ربما أنها رفعت بعض الشيء من المستوى العام للحبكة، وهذا ما يمكن قوله أيضاً عن النجم كيفين سبيسي شريكها في بطولة الفيلم، إلا أنه من جانبه وبفضل شعبيته العريضة لم يدفع ثمن عدم نجاح"انقل الخبر"واستمر في الحصول على عروض مغرية عقب هذه الغلطة المهنية، إضافة إلى توليه إدارة مسرح"أولد فيك"أحد أكبر المسارح في لندن. ووجدت هانت نفسها في مأزق فهي لم تقدر على معاودة العمل التلفزيوني الذي طالما جلب لها الربح والشعبية قبل أن تغادره من أجل عيني الشاشة الفضية، فهي إذا فعلت ذلك اعترفت رسمياً بفشلها السينمائي لذلك فضلت الانتظار حتى تمر العاصفة. وها هي الآن تعود إلى الساحة بفيلم رومانسي كوميدي عنوانه"أنها عثرت علي"، تؤدي بطولته وإخراجه أيضاً، وهذا هو الأهم. لمناسبة قدوم هانت إلى باريس للترويج لفيلمها، التقتها"الحياة"وحاورتها. هل تعتبرين أنك عدت إلى النجومية؟ - الكلمة التي تثير ترددي بعض الشيء هي"نجومية"، علماً إن كثرة الإعلام في الزمن الحالي قضت على السحر الغامض المحيط بالنجم الحقيقي، وربما في حالة النساء بصورة أكبر مما يحدث عند الرجال. وإذا نظرنا إلى نجمات الخمسينات والستينات في هوليوود وفي فرنسا وإيطاليا والسويد وكل بلاد العالم، نلاحظ إنهن كن محاطات بغموض مثير للفضول الجماهيري. وهذا الغموض هو صانع النجمة، أما غير ذلك فهي ممثلة عادية لا أكثر ولا أقل. والذي يحدث الآن هو تدخل الإعلام التلفزيوني والمكتوب يومياً في تفاصيل حياة الفنان بطريقة زائدة عن المعقول. وهذا شيء يقتل فضول الجمهور من طريق سرد تفاصيل التصرفات العادية للفنان في شكل متواصل. إننا في زمن يتجه نحو إلغاء عنصر النجومية وبالتالي أخاف على هؤلاء الذين يبدأون حياتهم الفنية ويحلمون بالتحول مع الأيام إلى نجوم حقيقيين. وعن نفسي فقد عدت إلى ممارسة مهنتي وأضفت إلى ذلك عنصر الإخراج الذي سمح لي في الحقيقة بالظهور مرة جديدة فوق الشاشة إذ أنني منحت بطولة الفيلم لنفسي، متبعة في ذلك طريقة"اخدم نفسك بنفسك". وربما أن المخرجين الذين سيرونني في فيلمي سيفكرون في منحي بطولة أحد أفلامهم المقبلة، وإلا سأستمر في الإخراج شخصياً، وبالتالي في تولي بطولة الأعمال التي أنفذها. لقد كتبت سيناريو فيلمي، مستغلة الوقت الذي لم أعمل فيه بدلاً من تضييعه في الحسرة والبكاء على حالي، ثم رحت أبحث عن تمويل، وأعتقد فعلاً بأن صمودي هو الذي أتى بنتيجة وأنقذني من البقاء في بحر النسيان السينمائي. وهل تعتقدين بأن النجومية على طريقة أيام زمان ستشهد ازدهاراً جديداً في المستقبل؟ - لا أقول إن النجومية ماتت نهائياً ولا حتى انتهت موقتاً، فكل ما حدث هو انتقالها من ميدان السينما إلى ميادين أخرى ومنها الموضة والأغنية مثلاً. إن فرق الموسيقى الحديثة تتمتع بشعبية عالمية تتعدى كل ما يمكن أن تحلم به ممثلة في الوقت الحاضر، ويكفي أن يظهر جاستين تيمبرليك في مكان عام أو أن تخرج بريتني سبيرز من بيتها لإثارة الضجة واضطرار الشرطة إلى التدخل لتهدئة الوضع. وهذا أيضاً حال فئة من عارضات الأزياء. وكانت هذه الظاهرة في أيام زمان تخص مارلين مونرو وبريجيت باردو وكلارك غيبل وكاري غرانت وغيرهم من نجوم الفن السابع. والذي يلفت انتباهي في شكل مميز هو كون المهن القصيرة العمر هي التي أصبحت تثير النجومية، فالكل يعرف إن عارضة الأزياء تنتهي في سن الثلاثين وإن الفرق الموسيقية أو المغنيين من النوع الصاخب الجذاب للمراهقين، تنتهي حكايتهم مع النجومية بسرعة البرق. أن مادونا هي الدليل القاطع على ذلك، وإلا ما الذي يدفع بها إلى خوض ألف محاولة ومحاولة لإثبات شخصيتها كممثلة جيدة؟ فهي تعرف إن أغنياتها مهما كانت حلوة تظل تناسب فترة زمنية محددة، إضافة إلى كونها لن تستطيع الاستمرار إلى ما لا نهاية في لفت الأنظار إليها من طريق خروجها عن السلوك المألوف وإثارتها الفضائح أينما ترددت، فهي تتقدم في العمر حالها حال العالم كله. وأما عن عودة المياه إلى مجاريها في شأن نجومية الممثلين والممثلات، فلا أعتقد إن الأمور ستنقلب في المستقبل القريب. أقدمت على خطوة جريئة في فيلمك الجديد، وأقصد إنك خضت تجربة الإخراج، وتوليت بطولة الفيلم. ألم يخالجك شعور بالخوف من الفشل تجارياً؟ - ليست هذه المرة الأولى التي أجازف فيها بسمعتي عبر أعمالي، فأنا أحب الأخطار ولا يعجبني التلذذ بالشهرة من دون تحريكها بين حين وآخر. لقد وافقت في أكثر من مناسبة على التمثيل في أفلام بإدارة مخرجين مبتدئين لمجرد إن السيناريو أثار اهتمامي ولأنني شعرت برغبة في ربط اسمي بالفيلم والمشاركة في المغامرة. وحدث إنني أخطأت الخيار وأن النتيجة لم تكن على المستوى المتوقع. وفي ما يخص فيلم"أنها عثرت علي"فلا أسميها مجازفة ضخمة نظراً الى كوني عملت مرات كثيرة بإشراف عمالقة من المخرجين، الأمر الذي جعلني أتعلم منهم الكثير وذلك لسبب أساسي هو أنني أتمتع بقوة ملاحظة قوية جداً، وأحشر أنفي في كل صغيرة وكبيرة عندما أعمل، وبالتالي تعلمت الإخراج في أدق تفاصيله. من هم المخرجون الذين لا يزالون يجذبونك بعدما عملت مع أكثرهم شهرة في العالم؟ - كوبولا وسكورسيزي وبرتولوتشي مثلاً، ومعلمهم كلهم في رأيي هو وودي آلن. كيف حصلت أساساً على أهم دور في حياتك السينمائية حتى الآن، وأقصد أمام جاك نيكولسون في فيلم"الأفضل الممكن"وهو الذي فزت من أجله بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة؟ - كنت ممثلة تلفزيونية ناجحة ولم أعمل في السينما إلا بين حين وآخر، وعلمت عقب حصولي على الدور بأسابيع طويلة أن جاك نيكولسون من أشد المعجبين بحلقات"مجنونة بك"وأنه تابعها سنوات طويلة، وهو الذي رشحني لبطولة"الأفضل الممكن"إلى جواره، إلا أن الشركة المنتجة كانت مثل العادة تفتش عن نجمة مرموقة قادرة على جذب الجمهور العريض إلى شباك التذاكر. ويبدو أن نيكولسون أراد فعلاً أن يحقق رغبته وأن أحصل أنا على الدور أمامه، فهمس في أذن المخرج بأنه لا يفتش عن شيء سوى مصلحة العمل وبأن فكرته بتعييني تستند أولاً إلى موهبتي طبعاً، ولكن أيضاً إلى اقتناعه بأنني كممثلة تلفزيونية لن أطالب بأجر مرتفع لقاء عملي السينمائي، وأضاف أنه وحده يتحمل مسؤولية جذب الجماهير باسمه ما قد يترتب عليه توفير كبير للمنتجين. وأنا مدينة لجاك نيكولسون بحصولي على الدور، والمدهش أنه لم يفتح هذه السيرة أمامي بالمرة، فأنا علمت القصة من أشخاص آخرين في ما بعد ما يجعلني أشهد بأنه رجل خلوق إضافة إلى عبقريته الفنية المتعارف عليها عالمياً. هل وجهت إليه الشكر عندما بلغك الأمر؟ - نعم، وفوجئت برده البارد نوعاً ما، فهو قال لي:"أنا لم أتصرف إلا لمصلحة الفيلم يا عزيزتي، وعن اقتناع بأنك كنت أفضل من تصلح لأداء هذه الشخصية". يقال عامة إن اللون السينمائي الكوميدي نادراً ما يفوز بجوائز لأن أهل المهنة لا يمنحونه الجدية اللازمة ويفضلون عليه الدراما، وها أنت قد حصلت على جائزة عن دورك في فيلم فكاهي فكيف تحللين الأمر؟ - صحيح إن الكوميديا نادراً ما تحصد الجوائز على رغم أنها في التنفيذ من الدراما، ولكن الأمور بدأت تتغير في الآونة الأخيرة وهذا شيء مثير للاهتمام. وفي ما يخصني أعيد فوزي بالجائزة الى كون أن الجمهور لم يعرفني ممثلة قادرة على الإضحاك وهز المشارك في آن، لذلك أدهشت الجمهور وأهل المهنة والصحافة، وبالتالي أدت الدهشة الى التكريم، وها أنا الآن أخرج فيلماً كوميدياً ربما يجلب لي جائزة الأوسكار كأفضل مخرجة. نشر في العدد: 16667 ت.م: 21-11-2008 ص: 23 ط: الرياض