تنعقد القمة العربية في نهاية الشهر الجاري في تونس في ظل أجواء ضاغطة من جميع الاتجاهات، جعل من الصعب معها ترتيب الأولويات. فهجمة الموضوعات الحساسة دفعة واحدة، بشكل لم تشهده سابقاتها من القمم، وضع الجميع في مأزق، فبين "الشرق الأوسط الكبير" واصلاح الجامعة العربية، الى الارهاب وتهديداته المعممة وامكان اجتياح قطاع غزة وتداعياته، سيحاول القادة العرب تمرير هذا الاستحقاق بأقل أضرار ممكنة. واذا كانت غالبية الدول العربية "الأساسية" أكدت للرئيس التونسي زين العابدين العمل على منع افشال القمة التي تستضيفها بلاده، وبالتالي الخروج بنتائج ايجابية ولو نسبياً، الا أن الخطر من جنوح بعض "الصغار" ممن أصيبوا ب"جنون العظمة" في السنوات الأخيرة، يمكن أن يعيد التذكير بالتجارب السابقة المؤلمة. وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى ان جهوداً استثنائية، بعضها علني والآخر سري، بذلت أخيراً لاحتواء هذا الخطر وتمهيد الطريق أمام الاجتماعات التحضيرية للقمة بدءاً من يوم 22 آذار مارس الجاري. وسيجتمع يوم 23 خبراء المال والاقتصاد، ويوم 24 وزراء المال والاقتصاد في اطار اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتحضير الخطة الاقتصادية. فيما يجتمع وزراء الخارجية في 26 و27. ويبدو ان هذه الجهود اعطت ثمارها ما دفع وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى الذي تجنب حتى الآن الادلاء بأي تصريح يتعلق بالقمة أو بجدول أعمالها، الى اصدار بيان حول انهاء الترتيبات الخاصة باحتضان تونس القمة العربية السادسة عشرة في موعدها المحدد، ما فسره أحد العارفين بطبيعة الديبلوماسية التونسية الحذرة، بأنه، من جهة دليل على التقدم الذي حصل على مستوى تدوير زوايا الخلافات النافرة بين عدد من الأطراف المشاركة، ومن جهة أخرى التوصل الى توافق على الموضوع الرئيسي الذي سيشكل محور هذه القمة. وتستنتج بعض الأوساط المطلعة في العاصمة التونسية بأن الموضوع الفلسطيني سيحتل صدارة الاهتمامات في هذه القمة لأنه يمكن أن يشكل مخرجاً للجميع ونوعاً من الهروب الى الأمام حتى ولو كلف الدول العربية مساهمات مالية جديدة. وتزامن هذا الاستنتاج مع زيارة المسؤول الفلسطيني ياسر عبد ربه موفداً من رئيس السلطة الوطنية ياسر عرفات، ما طرح التساؤل مجدداً حول أن تكون مبادرة جنيف نقطة من النقاط التي سيتم بحثها في هذه القمة. لكن عبد ربه لم يلمح الى شيء من هذا بعد لقائه وزير الخارجية التونسي في مطلع الاسبوع الماضي. وما يزيد الوضع ضبابية التحركات المشرقية المتسارعة الجارية بين الرياض والقاهرة ودمشق، في الوقت التي تغرق فيه دول منطقة المغرب العربي في رمال متحركة مع دخول الجزائر المرحلة ما قبل الأخيرة من الانتخابات الرئاسية وكسر التفاهم بين الجيش والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، واتهام مغاربة في تفجيرات مدريد ما سيدفع السلطات المغربية الى اعطاء هذا الجانب أولوية. في الوقت عينه "تغرد" ليبيا خارج السرب، ولا يعتبر مسؤولوها أنفسهم معنيين بهذه القمة. في هذا الصدد سرت اشاعات في أروقة الجامعة العربية حول احتمال عدم حضور العقيد القذافي القمة والاكتفاء بإيفاد وزير الخارجية عبدالرحمن شلقم أو حتى من ينوب عنه. لكن مصادر تونسية مطلعة أكدت حضوره وذهبت أبعد من ذلك لناحية التزامه حيال الرئيس التونسي بعدم "الخروج عن نص القمة". بمعنى عدم تكرار ما حدث في شرم الشيخ أو بعض القمم السابقة من توتير للأجواء واستفزاز بعض القادة أو المزايدة على الجميع أو حتى "اعطاء الدروس". وأعطت هذه المصادر مثلاً على ذلك "انضباط" الزعيم الليبي ولو على مضض، في قمة "5"5" للحوار بين الدول المتوسطية التي عقدت في تونس في شهر كانون الثاني يناير الماضي. لكن بعض المراقبين يتخوف هذه المرة من احتمال قيام القذافي ب"ضربة" اعلامية في حال توافق المجتمعون على اعطاء الأولوية للموضوع الفلسطيني، مذكرين بمداخلته في القمة الافريقية التي عقدت قبل أسابيع في سرت عندما قال الى أن ارييل شارون وياسر عرفات "يسكران مع بعضهما بعضا"، لذا فمن الأفضل الا يطلب من الآخرين ان يكونوا ملكيين أكثر من الملك، على حد قوله. فإذا كان الموضوع الفلسطيني، كما يبدو حتى الآن، الموضوع الأبرز المطروح على جدول أعمال القمة، بمعنى آخر انه سيكون "الشماعة" التي سيعلق عليها العرب هذه المرة كل همومهم، إلا أن الضغط الاميركي المتزايد على سورية والمترافق مع الحوادث الكردية يمكن أن يدخل على الخط بحيث يصبح هو الآخر من الأولويات. وفي هذا الاطار، يقول وزير مغاربي ان تسارع الأحداث في منطقة المشرق العربي كما في المغرب العربي من شأنها أن تحول اتجاهات القمة على رغم التوافق الحاصل على خطوطها العريضة، وتفرض نفسها على مسارحها وحتى على النقاشات التي ستدور فيها. ويحذر الوزير من طرح المشاكل دفعة واحدة لأن الوضع لا يحتمل، خصوصاً أن بعض الدول اقترح قبل فترة تأجيل القمة تحسباً للضغوطات في حين اقترح البعض الآخر "ترحيل" عدد من النقاط الساخنة للقمة المقبلة المقرر عقدها في الجزائر. لكن من اللافت، في خضم هذه الأجواء المعقدة، بروز أطراف تتحدث عن قمة ناجحة بكل معنى الكلمة ستفاجئ الرأي العام العربي بقراراتها المدروسة والموزونة والموضوعية. وتبررهذه الأطراف تشخيصها لعوامل تفرض نفسها على الجميع. في طليعتها انه لن يكون أحد بمنأى عن مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، لأن الولاياتالمتحدة تريد تطبيقه على مراحل لضمان نجاحه. وثانياً، لأن الجميع بحاجة الى "يافطة" موحدة تكون بمثابة منطقة عازلة تتلقى الضربات نيابة عنه وتكون منبراً عند الحاجة، ما يستدعي اصلاح الجامعة العربية و"رفع الحظر" عن تمويلها وبالتالي تحديث مؤسساتها، ما سيكون في نهاية الأمر انجازاً من انجازات القمة. وتؤكد هذه الأطراف ان القادة العرب سيلتفون على مطالب الفلسطينيين بالاسراع بتلبية عدد منها بعدما تأكدوا من ان اسرائيل غير مستعدة للتجاوب مع أية خطوة تقوم بها القمة من أجل اعادة اطلاق مشروع جديد للسلام، فالمبادرة الى الوقوف صفاً واحداً هذه المرة وراء الفلسطينيين بصورة عملية لا بد أن تخفف الضغوط الداخلية الحاصة، ما سيعطي لعدد من الدول العربية متنفساً لمعالجة الصعوبات في العلاقات مع الخارج. وتفيد مصادر مطلعة في العاصمة التونسية بأن الجهود المبذولة لتفادي أية مفاجآت يمكن أن تحدث في الوقت الضائع، أي في الاسبوع الأخير الذي يسبق القمة، ستستمر من دون كلل، ما يعني عملياً وجود بعض التخوف من مستجدات يمكن أن تعكس نفسها سلباً على مسار القمة. باختصار يعيش المعنيون بهذه القمة، حسب رأي المسؤول المغاربي، حالة تتراوح بين "اللهم لا نسألك رد القضاء، لكن نسألك اللطف به". ومن المواضيع التي يخشى أن تطرح نفسها بحدة في اللحظات الأخيرة، موضوع العراق. اذ أن تطور الأوضاع في هذا البلد بشكل مختلف أيضاً لا بد أن يلقي بثقله على القمة أكثر فأكثر. في هذا السياق، يشير وزير عربي زار تونس أخيراً الى انه ليس من جديد على هذا الصعيد سوى الدعوة لاستعادة العراق سيادته وافساح المجال له للعب دوره ضمن الأسرة العربية وتقديم المساعدة له للوقوف على رجليه من أجل تسريع انهاء الاحتلال. لكن الوزير نفسه أسر الى أحد محاوريه في العاصمة التونسية بأن مسألة الدين المترتب على العراق لبعض الدول العربية لن تكون مدار بحث في القمة حتى ولو أثارها المندوب العراقي المشارك. ويتوقع المراقبون أن يحظى الشأن السوري بحيز من النقاشات، خصوصاً ان دمشق تشهد في الفترة الحالية ضغوطاً اميركية لم يسبق لها مثيل من الادارة الاميركية، ما سيدفع بها الى الطلب من القمة العربية اتخاذ موقف ما. الأمر الذي سيحرج بالتأكيد بعض الأعضاء ويؤدي الى ظهور تباينات تكون قمة تونس في غنى عنها. فالحوادث مع الأكراد في منطقتي القامشلي وحلب والضغط الاميركي المترافق معها بالنسبة الى الملف اللبناني سيكونان بحد ذاتهما بنداً جديداً على جدول الأعمال. وفي هذا الاطار، تفيد المعلومات المستقاة من الجهات المنظمة بأنه حتى تاريخ 16 آذار مارس، لم تكن هذه القضية مدرجة على جدول الأعمال إلا أن اتصالات على أعلى المستويات بين دول عربية مشرقية تجري على قدم وساق بهدف ايجاد الصيغة الملائمة لطرح الموضوع. من ناحية أخرى، تتردد معلومات عن عزم أطراف عربية طرح اقتراح بأن تتخذ الدول العربية توصية بفتح حوارات سريعة مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما بدأت هذه الأخيرة تشعر بأن دولها باتت مستهدفة من "الارهاب الاسلامي المتطرف"، بهدف حثها على عدم الخلط، في حالات معينة، ما يمكن أن يؤثر سلباً على الجاليات الكبيرة المقيمة على أرضها والتي في غالبيتها مغاربية. وليس من المستبعد في هذه الحال ارسال وفد منبثق من القمة للقيام بجولة على أبرز العواصم الأوروبية