وجهت منظمة العفو الدولية في الآونة الاخيرة التهمة الى شركة "مايكروسوفت" لانتاج برامج الكومبيوتر، بمساعدة السلطات الصينية في ملاحقة المعارضة السرية التي تستخدم الانترنت كوسيلة للدعاية ونشر الافكار. لكن الشركة الاميركية نفت مسؤوليتها، وقالت انها تنتج البضاعة، وهي غير مسؤولة عن اسلوب استخدامها. جاءت هذه التهمة في ظل ارتفاع اعداد مستخدمي شبكة العنكبوت في الصين، بعد تحرير قطاع الاتصالات سنة 2000، اثر الانضمام الى منظمة التجارة العالمية. لكن بكين تشدد من رقابتها بذريعة استخدام الانترنت لنشر الاشاعات والافكار الهدامة. ولهذا الغرض حكمت على الاكاديمي اون دينو في تشرين الاول اكتوبر الماضي بالسجن 8 سنوات. لا تبدو الحالة الصينية فريدة من نوعها، على الخصوص، بعد تأكيد ان الارهاب، بعد 11 ايلول سبتمبر استفاد على نحو كبير من هذه الوسيلة. لقد تصرفت الولاياتالمتحدة في الميدان المعلوماتي تجاه الصين على اساس انه لا توجد امة عثرت حتى الآن، على وسيلة لاستيراد المواد والخدمات في ظل حدود مغلقة في وجه الخارج. ولهذا رأت ان من مصلحتها ان يكون الجيل القادم من الصينيين منخرطاً في عصر الاعلاميات، والا يبقى بعيداً عن التيارات العالمية الكبرى التي ترسم خطوط المستقبل. لقد اصبحت الفكرة التي ترى ان عولمة تكنولوجيات المعلومة والاتصال يمكنها ان تجعل بلداً شمولياً مثل الصين يسير في اتجاه مصالح الولاياتالمتحدة، فكرة مقدسة منذ ان اعلن وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر عن نهاية الحرب الباردة في آسيا الباسيفيك. اما الرغبة في احتواء الانترنت والتحكم بها كما سيقول الرئيس بيل كلينتون قبل ان يغادر البيت الابيض بفترة قصيرة، بخصوص الصين فهي عبارة عن تحد. غير انه لا يبدو ان ذلك يثير مخاوف بكين. ليس فقط لان الصينيين اعلنوا العام 1999 سنة "الادارة الرقمية" وسنة 2000 ل "الشركة الرقمية"، ولكن لانهم اخذوا على عاتقهم في شهر شباط فبراير من العام 2000، من خلال توقيع الاتفاق الثنائي مع الولاياتالمتحدة بصدد الانضمام الى "منظمة التجارة العالمية" التزامات في قطاع الاتصالات، تم تضمينها لاحقاً، في الاتفاق النهائي لانضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية الذي تم توقيعه في العاشر من تشرين الثاني نوفمبر سنة 2001. و اذا كان على بكين ان تكسر احتكار "تشاينا تيلكوم" لقطاع الاتصالات فسيكون من الخطأ الاستنتاج بسرعة بأن تكنولوجيا المعلومات، والتواصل الجديدة ستصبح وسيلة فعالة للتحول السياسي في اتجاه ليبرالي وديموقراطي كما ساد الاعتقاد لدى البعض. لا بد من التذكير في البداية بأن حقل نظام "منظمة التجارة العالمية" محدود في الواقع. ما دام ان الدول الاعضاء تبقى حرة في فرض انظمتها شرط استحضار الاسباب من قبيل حماية المستهلك والمنفعة العامة او الامن القومي. وقد استند الصينيون الى هذا كي يفرضوا قوانين شديدة الوطأة، مثل تلك التي اعلنوا عنها في شهر ايلول سبتمبر الماضي. وهي عبارة عن اجراءات موجهة لتقوية سيطرة الدولة على الانشطة والتحكم فيها في فضاءات "العنكبوت". لهذا نجد انهم الزموا شركات الانترنت بحماية ومراقبة المحتويات التي تمر عبر الشبكة، ويتوجب عليها اما ان تحتفظ بالمحتويات التي ظهرت في مواقعها الالكترونية، وكل المستخدمين الذين يمرون عبرها لمدة ستين يوماً، وتسليم هذه الآثار الى اجهزة الامن اذا دعت الحاجة. نجد على قائمة المحظورات جرائم وجنحاً معروفة، من قبيل نشر وتوزيع وتداول الصور الخلاعية، وكذلك التجاوزات التي تختص بحقوق التأليف. ولكن ايضاً هناك الانشطة التي تنتهك المبادئ الاساسية للدستور التي تعتبر ضارة ب"الوحدة الوطنية" وب"الاتحاد ما بين مختلف المجموعات الاثنية" وب"سياسة الدولة في ميدان الدين من خلال الدعاية والترويج لادعاءات اقطاعية" والتي "تشكل خطراً على الاستقرار الاجتماعي" كل هذا سيبدو هيناً، اذا ما نسينا ان الصين، حسب البند الاول في الدستور، نظام اشتراكي خاصع لديكتاتورية ديموقراطية شعبية، وبأن المشاكل الرئيسية ل"التوحيد الوطني" لها صلة بكل من تايوان والتيبت وكذلك بالمنطقة التي تتواجد فيها غالبية مسلمة، ثم بالحركة الدينية المعروفة باسم "فالون فونغ". الديموقراطية جنحة تبدو الذرائع في ما يخص التهديدات الموجهة ل"الاستقرار" واهية فالاعتقالات التي طاولت كثيرين تحت مبرر ارتكاب جنح عبر الانترنت، تنحصر في شخصيات سياسية، مثل لين هاي المختص في الاعلاميات والذي حكم بالسجن لمدة عامين بتهمة تقديم عناوين الكترونية للمنظمة الاميركية للدفاع عن الديموقراطية. لقد تم توسيع مجال الجنح هنا لكي تشمل الديموقراطية والمناضلين من اجلها. لقد بات الحقوقيون على اتفاق شيئاً فشيئاً بأن انظمة من هذا القبيل لا تتعارض مع مبادئ منظمة التجارة العالمية. لذا ليست هناك اهمية للربط بين الديموقراطية وشروط الانتساب الى هذه المنظمة التي لا تفرض حرية الصحافة والاعلام، في الوقت الذي يرى هؤلاء الحقوقيون ان الاجراءات الصينية بحق شركات الانترنت، بصدد المعلومات الخاضعة للرقابة، منسجمة مع طلب انضمام هذا البلد الى المنظمة طالما انه لا يمارس التمييز بين الشركات المحلية والعالمية. ومن يريد التقدم بشكاية يمكنه ان يتقبل بروح رياضية البند السادس من الاتفاق العام حول التجارة والخدمات الذي ينص على ان القرارات في ميدان وضع الانظمة يجب اتخاذها "بطريقة معقولة وموضوعية وعادلة". على المشتكي ان يبرهن ان السلطات الصينية لم تتذرع ب"المنفعة العامة العليا او الامن القومي" الا لمجرد حماية الشركات المحلية. لكن هامش مناورة السلطة في الواقع كبير جداً، لكون مفهومي "المصلحة العامة" و"الامن القومي" ليسا محددين بشكل واضح من قبل منظمة التجارة العالمية، ويجب على اي شركة ان تكون جريئة كي تقوم بتعبئة وتحريك حكومتها لتقديم دعوى ضد الصين امام منظمة العمل الدولية على مثل هذه القاعدة . فهي لا تخاطر فقط بدعوى قضائية طويلة ومعقدة، بل لأن هذا سيعرض للخطر كل المجهودات التي قامت بها الشركة من اجل دخول السوق الصينية. هندسة المعلومات هكذا على رغم خضوعها لقواعد منظمة التجارة العالمية فإن الدولة تحتفظ بقدرة تأثيرية كبيرة على معاملات الشركات والمستثمرين الاجانب في السوق الصينية للاتصالات. ولكن هذه القوة التأثيرية لن تكون من دون نتائج سياسية مهمة ترتبط، تحديداً، بالطريقة التي ستتطور بها هندسة او شكل التكنولوجيات الجديدة للمعلومة والاتصال، حسب آليات السوق. ان اصحاب القرار في الصين واعون بأن خيار الهندسة او الشكل ليس محايداً على الصعيد السياسي وخصوصاً بتعابير الامن القومي. فالانظمة التي تتوالد منذ 1994 تشترط على وجه الخصوص، أن الكومبيوترات التي تتضمن معلومات حساسة يجب الا تكون على اتصال مع الانترنت، من خلال وضع حواجز وواقيات نارية وتدابير تتيح مراقبة سيل الاخبار والمعلومات بين الكومبيوترات الداخلية والاجنبية. تجهد الدولة نفسها لتطوير هندسات واشكال وقوانين ومدونات قوانين خاصة، وعلى وجه الخصوص تجهد نفسها بأن تجعل مع Red Flag Limux حلاً تعويضياً لمنتجات "مايكروسوفت". كما جرى كثير من العمل التقني الدفاعي تحت رعاية اجهزة بحث وتطوير مؤسسة الجيش. وأعلن الجيش عن تحقيق اختراقات مهمة في كثير من الميادين، منها ما هو قادر على مقاومة الهجمات المعلوماتية. هذه المجهودات من اجل "هندسة" التكنولوجيات الجديدة في المعلومة والاتصال تتلاءم بطريقة تحمي أمن الدولة لا يجب الاستهانة بها. لقد تجاوزت الصينتايوان في انتاج المعدات المعلوماتية والالكترونية منذ اواسط سنة 2000، ولحقت بالهند في ميدان تمويل مهندسي الاعلاميات والخدمات المعلوماتية لباقي العالم. بقي للصين ان تلج بهذه الطريقة السوق العالمية او بالاحرى السوق الاميركية حيث مقر كبريات الشركات. ان وزارة الصناعات المعلوماتية واجهزة الامن الصينية بطبيعة الحال، على وعي بالتقدم التكنولوجي للشركات الاجنبية. وبسبب عدم امتلاكها للوسائل الكفيلة بتجاوزها هذا التأخر فانها تحاول، على الاقل، العمل بحيث ان الانظمة المنسجمة مع آليات السوق، تضخ خبرات الوافدين الاجانب في خدمة تقوية سلطة الدولة بدل العكس. لقد عرض تحقيق واسع، قام به كريغ دالتون لمصلحة منظمة كبرى للدفاع عن حقوق الانسان والديموقراطية، يوجد مقرها في مونتريال، بالتفصيل كيف تشارك شركات كبرى من اميركا الشمالية او اوروبية في معارض تجارية سنوية عن "امن الصين" وتقدم مساعدة مهمة جداً كي تجعل من الانترنت نظام مراقبة واسعة تحت اسم "الدرع الذهبية". ويواصل التقرير بان الشركات الاجنبية الرئيسية الواقعة تحت اغراء صفقات مربحة مع الحكومات المركزية او حكومات المحافظات تجد نفسها مدفوعة للمساهمة في تشييد "هندسة مراقبة شاملة ودائمة الحضور"، والتي يتمثل الهدف النهائي منها في "ادماج قاعدة ضخمة للمعطيات في شبكة للمراقبة العامة" وسيتم من اجل تحقيق هذا استخدام تكنولوجيات دقيقة مثل التعرف على الكلام والوجوه وكذلك استخدام التلفزيون في دائرة مغلقة فضلاً عن البطاقات الذكية وملفات الائتمان وتكنولوجيات مراقبة عبر الانترنت. كما يؤكد دالتون ان الحجم العادي للمعطيات الذي يمر اليوم عبر التكنولوجيات الجديدة للمعلومة والتواصل، له تأثير على تقنيات مراقبة الاتصالات والمكالمات، والتي تتطور حكماً على عكس سياسة الانغلاق والواقي الناري. ان نمط التعاون بين الشركات الاجنبية والدولة الصينية الذي يستلزم مثل هذا التطور يعزز مواقف القلقين على الحريات. عدا عن ان الانترنت تلعب دوراً اساسياً في خدمة غايات التجسس التجاري، عندما يتعلق الامر بتجميع ومعالجة المعلومات عن المستثمرين ونشاطاتهم من دون علمهم بشكل عام. ويدرك المراقبون الصينيين لهذه السيرورة، مثل نظرائهم الاجانب، قدرة برامج "مايكروسوفت" على نقل معلومات الى موقع مايكروسوفت من دون علم المستخدم للبرنامج. ان هذه الوظيفة التي يقوم بها البرنامج ضرورية للشركات لكنها سلاح ذو حدين. ان تجميع ومعالجة معطيات بالاضافة الى ممارسة رقابة على المحتويات بلغت حداً يكفي لتكوين نظام مراقبة المواطن من طرف الدولة، في انتهاك للمعايير العالمية لحقوق الانسان. فالبند 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان يؤكد أن كل فرد له الحق في حرية الرأي والتعبير،ما يعني عدم تعرضه للمضايقات بسبب آرائه. والحق في البحث والتلقي ونشر المعلومات عبر اي وسيلة كانت من دون اعتبار لمسألة الحدود. ان الحق في تلقي المعلومات والافكار ونشرهامن دون اعتبار للحدود هو ايضاً مسجل في المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، التي وقعتها الصين سنة 1998. غير انه مع ذلك، من المرجح الا تكون حقوق الانسان حجة قوية ضد الاجراءات، التي اتخذتها الدولة الصينية من اجل مراقبة التكنولوجيات الجديدة للمعلومة والاتصال لاهداف الامن القومي. مثلما هي عليه الاتفاقات التجارية فان الاعلان العالمي، وكذلك المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية يتركان، في الحقيقة للدول سلطات واسعة لحماية "الاخلاق والنظام العام والرفاهية العامة في مجتمع ديموقراطي" الاعلان العالمي لحقوق الانسان، البند 29 وحين تتعرض للتهديد "حماية الامن القومي والنظام العام والصحة او الاخلاق السياسية" المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، البند 19 فإن المحتويات المحظورة على شبكة العنكبوت في الصين، مثل المحتويات "الهدامة" التي "تقدم مساعدات لبعض المعتقدات" والتي "تسيء لسمعة" البلد او جهوده "للتوحيد" اي استعادة تايوان لا تقع في خانة حقوق الانسان على العموم. يلخص القانوني بيري كيلر الموقف على نحو دقيق حين يلاحظ بان الانظمة التي تم تطويرها حتى الآن، من اجل دعم مجتمع عالمي للمعلومة تم خلقها من قبل الحق القانوني لكن الجانب الاخر للقانون الدولي، اي حقوق الانسان هو اقل تطوراً بشكل كبير". لكن من الراجح ان ارادة الحفاظ على النظام الدولي، تستلزم بشكل قوي من الديموقراطيات الليبرالية غض النظر عن التدابير الصارمة التي تتبناها دول مثل الصين من اجل حماية نفسها في فضاء "العنكبوت" في الحالات الاكثر قتامة، مثلما هي معرضة لتهديدات ارهابية، وتدفق موجات هجرة غير شرعية، وبالتالي عليها ان تخضع للضغوط التي تمارس عليها احياناً من قبل اجهزة الامن في الدول المعادية، وان تقبل تبادل معلومات معها ومساعدتها على مراقبة الانترنت. على كل حال اذا كان يبدو ان التكنولوجيا الجديدة للمعلومة والاتصال لم يتم استخدامها بشكل كبير من اجل الديموقراطية، فان النشاط يزداد يوماً بعد آخر، وهناك وعي بهذه المعادلة يتيح كيفية فهم الواقع السياسي لهذه التكنولوجيا للمعلومة والاتصال، الذي تحدده في جزء منه معايير ثقافية تجد اصلها خارج فضاءات الانترنت. وعلى رغم ان المؤسسات الدولية تنزع الى الاقرار بانه من صلاحيات الدول ذات السيادة المحافظة على امنها الداخلي ضمن حدودها، فان هذا لا يعني ان خيارات سياسية حول قضايا ذات اهمية عالمية تظل مستحيلة في ما يخص التكنولوجيات الجديدة للمعلومة والاتصال، ولكن من اجل تحقيق هذا يتوجب ان تكون العلاقة ما بين الاتصال و"امن الدولة" مفهومة بشكل لائق. ان الدول واعية بوجوب الانتساب الى بعض معايير التعامل من اجل الدفاع عن نفسها وحماية النظام العام. واذا نظرنا الى مسألة الحكومة العالمية للتكنولوجيات الجديدة للمعلومة والاتصال، من، زاوية المصلحة المتضمنة للدول، فان هناك الكثير من الامل بولادة تفهم من قبل الدول اكبر مما لو تم حصر الامر بحقوق الانسان والمبادئ الليبرالية والديموقراطية بين النظام والعدالة كلما ازداد التهديد الذي يشكله تداخل الاتصالات في المجال القضائي للدول وفي النظام الدولي، توجب ان تكون الاجراءات المضادة صارمة، من قبل هذه الدول من اجل حماية سيادتها والحفاظ على النظام. وليس الامر ظاهرة جديدة. ففي كل مرة يظهر اكتشاف جديد في تكنولوجيا الاتصال، يولد، عاجلاً ام آجلاً، القانون الدولي الذي يؤمن له الضبط والتنظيم ولكن الانترنت تمثل درجة كبرى من تداخل الاتصالات الى حد ان الدول الاقل تطوراً مثل الصين، يتوجب عليها ان تتبع اجراءات صارمة لكي تمنع انفتاح فجوات يمر عبرها، على هواهم "فرسان الجحيم المعلوماتي" الارهابي وتاجر المخدرات ومبيض الاموال وناشر الصور الاباحية. ان تحفيزاً من هذا القبيل ذو طبيعة تولد صراعاً جدياً بين مبادئ النظام والعدالة على المستوى الدولي. واذا كانت الترتيبات التي تم اتخاذها من اجل تسيير التجارة وحقوق الانسان، على المستوى العالمي ضعيفة جداً، وغير قادرة على التأثير في الطرق والتقنيات التي تستخدمها الدول لاغراض مراقبة المواطنين، فلأن الطريقة التي انشئت بها تجعلها عاجزة عن التدخل في السياسة الداخلية للدول. لنأخذ حالة ICANN باعتبارها منظمة مكلفة الحرص على توزيع عناوين الانترنت ومراقبته، وتحديد سياسات مختصة في الميادين الجديدة. ان نظرة حول بنيتها تكشف جيداً انها منظمة مشكلة بعناية، بطريقة تجعلها ضعيفة بحيث لا تطرح اية مشكلة لسلطات الدول. وتحديداً لهذا السبب، تصور الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون الذي كان وراء انشائها، ان تكون منظمة خاصة لا تبتغي الربح. لقد برزت ضرورة التعاون الدولي في هذا الميدان، بعد تفجيرات 11 ايلول سبتمبر. وهكذا في اعلان تشرين الاول اكتوبر التالي دعا رؤساء دول وحكومات منتدى APEC في شانغهاي الى اتخاذ تدابير ضد "كل انواع العمليات الارهابية"، ومن بين هذه التدابير "تقوية حماية القطاعات الحساسة بما فيها قطاع الاتصالات، والتعاون على تطوير الانظمة الالكترونية التي تعزز امن الحدود. ان تلاؤم التشريعات الداخلية في العالم، فرض شروط تعاون بين الدول ذات الانظمة السياسية المختلفة من اجل حماية الانشطة المعلوماتية. اننا نجد احياناً تشابهات لافتة بين بلد وآخر، فالنظام الصيني الذي يجبر شركات الانترنت على الاحتفاظ بالآثار ومحتويات الشبكة لمدة ستين يوماً ليس فريداً من نوعه. ففي بريطانيا يفرض النظام الأمني على هذه الشركات الاحتفاظ بكل ما له علاقة بالاتصالات، ويسمح للعمال بمراقبة البريد الالكتروني للمستخدمين، ووزير الداخلية يدرس منح الحق لاجهزة الامن في مراقبة الاتصالات عبر الهاتف والانترنت او عبر البريد الالكتروني. ويؤكد خبراء المعلوماتية وجود امكانية لإدارة شبكة العنكبوت والتحكم بها، لكن نقطة التحول الاكثر قوة هنا ليست حقوق الانسان بل القلق المتزايد الذي تشعر به الدول امام نقاط الضعف ذات الطبيعة العسكرية. ففي السابق كانت التبعية اقتصادية والآن اضحت عسكرية، فعلى سبيل المثال يشعر الجيش الصيني بالقلق من التهديد الذي يثقل كاهل الامن القومي بسبب تبعيته الكبيرة جداً للمعدات والبرامج التي تنتجها شركات اميركية. هذا الهاجس الامني المشترك يمنح تحفيزاً اكبر من اجل تطوير مؤسسات هدفها ضبط انتاج المعلومات وانسيابها على المستوى العالمي، اكثر مما هو الخوف من حقوق الانسان. فمثلاً يصبح من المستعجل تطوير القانون الدولي بطريقة تتيح اعادة تحديد، حسب التغير التكنولوجي ما سيكون عليه الاستخدام الشرعي للقوة. ولا شك في ان هناك حاجة الى ابتكار تأويل جديد لميثاق الاممالمتحدة او القانون الدولي لكي يتم تعريف الحرب عبر الانترنت كشكل من اشكال استخدام القوة.