أدركت جمهورية الصين الشعبية ان سورها العظيم لن يصمد طويلاً أمام رياح تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة وفي مقدمها الانترنت، فحاولت أن تتكيف معها وتخضعها في الوقت نفسه لاستراتيجيات الرقابة التي تعتبر احدى الدعائم الأساسية لاستمرار نظامها. سجلت السوق الصينية خلال عام واحد قفزة نوعية في مجال الانترنت، حيث تشير أرقام الهيئات المختصة الى وجود 17 مليون شخص يستخدمون الانترنت انطلاقاً من منازلهم ويصل هذا الرقم الى 23 مليون طبقاً للسلطات الصينية، ومن هنا بدأت كبرى شركات الاتصالات العالمية تعلل النفس بتصريف مخزونها من اجهزة الهواتف النقالة والكومبيوتر في السوق الصينية للخروج من مرحلة الكساد النسبي الذي تمر به الأسواق الأميركية واليابانية والأوروبية التي تعاني من الاشباع. يعود هذا التفاؤل الى قرار الحكومة الصينية على غرار حكومة كوبا، استقلال هذه التقنية في تعزيز سلطتها إذا استندنا الى نتائج الدراسة التي نشرتها الجمعية الدولية Carrigie للسلام التي خلصت الى أن بعض الأنظمة الفردية نجحت في تطويق ومراقبة تقنية الانترنت، التي تعتبر غالباً وسيلة لنشر الديموقراطية، وجيرتها لمصلحة الديمومة والاستقرار في نظامها. لقد شكلت كل من كوباوالصين الشعبية مسرح هذه الدراسة، وتبين انهما نجحتا في ضبط ومراقبة الانترنت باتباع استراتيجيات متقاطعة على رغم اختلافها. ففي حين تكتفي كوبا بمراقبة خطوط الشبكة داخل حدودها الجغرافية، تتبنى بكين طريقة ضبط المحتوى والمراقبة والردع والرقابة الذاتية في محاولة لتوجيه وترشيد تقنية الانترنت لتخدم سلطة الدولة. تنطوي آلية الرقابة في الصين على تطويق المواقع السياسية "الحساسة" كمواقع الصحافة الأجنبية ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان عن طريق تدمير محتوياتها بشكل آلي وكذلك الأمر بالنسبة لتعليقات المشاركين في ندوات الانترنت، لذلك تقوم بوابات النقاش السياسي الناطقة باللغة الصينية "الماندران" الرسمية بممارسة الرقابة الذاتية تماشياً مع القوانين الصارمة التي تضبط استخدام تقنية الانترنت، اما بالنسبة لانصار الانفتاح والتعددية فقد حلت الحكومة المشكلة باغلاق مواقعهم والغاء كل خطوط الاتصالات المتوافرة لهم، في الوقت الذي نظمت فيه حملة ترويجية واسعة النطاق للتشجيع على استخدام تقنية الانترنت. وفي كوبا، أشارت الاحصاءات الى وجود ستين ألف شخص يملكون عنواناً الكترونياً من أصل أحد عشر مليون نسمة، ويستطيع نصفهم فقط مكاتبة من يشاء الكترونياً في كل أصقاع العالم. في المقابل لم يحصل سوى بضعة آلاف من أصحاب اجهزة الكومبيوتر، البالغ عددها 110 آلاف على رخصة للاتصال الكامل بالانترنت، لأن هذه الرخص تقتصر في كوبا على الجامعات والمكاتب الحكومية، وممنوعة منعاً باتاً على الأفراد والمحلات التجارية الخاصة، باستثناء مقهى Capotilo اليتيم في هافانا الذي يستحيل على المواطن الكوبي استخدام الانترنت فيه بسبب ارتفاع كلفة الاتصالات. وخلصت الدراسة الى انه وعلى رغم هذه الرقابة المشددة فإن المعلومات المتوافرة على شبكة الانترنت تعطي صورة أقرب للواقع من تلك التي تقدمها وسائل الاعلام الرسمية.