الحلقات السابقة من هذه السلسلة عالجت اعمالاً متفردة يتكون كل منها من فيلم يطاول تاريخاً معيناً، أو حكاية معينة ترتبط بالتاريخ. اما هنا فإننا أمام عمل مختلف كونه يتألف من ثلاثة أفلام متكاملة، ويغوص في التاريخ على شكل كناية، ويلف حوله على شكل ملحمة عائلية ليعود من ناحية أخرى الى موضوع المواضيع: السلطة. هنا "العرّاب" في أجزائه الثلاثة، بعد "التعصب" و"الدارعة بوتمكين" و"ذهب مع الريح" و"المواطن كين" و"الختم السابع" و"لورانس العرب" و"الساموراي السبعة" و"2001 أوديسا الفضاء" وفي انتظار حلقة أخيرة. "... انها، في نهاية الأمر حكاية عائلة، حكاية أب وأبنائه، حكاية السلطة والخلافة... وهذا، في حد ذاته يشكل موضوعاً رائعاً، شرط ان نستبعد المتبقي كله. وأعتقد بأن الأمر برمته لن ينتج عملاً ناجحاً وحسب، بل سينتج فيلماً جيداً أيضاً". كان هذا، حرفياً، ما قاله مخرج شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره، في العام 1970، حين كان يستعد لإخراج فيلم عن عصابات المافيا، فإذا به يتحول الى فيلم عن أميركا، عن العائلة، عن السلطة، عن الشيخوخة والموت، ويصبح مع الوقت، بجزأيه الأولين على الأقل، واحداً من أهم الأعمال السينمائية في تاريخ الفن السابع وأقواها. انه ثلاثية "العرّاب"، لمخرجه فرانسيس فورد كوبولا، الفيلم الذي أعاد احياء أفلام الثلاثينات الأميركية عن العصابات والمافيا، في شكله الخارجي، كما أعاد احياء شكسبير، في جوهره. ومع هذا، جرّب ان تعثر في حوارات الفيلم كله، بأجزائه الثلاثة، على كلمة "مافيا" أو "كوزانوسترا" أو "كامورا" - وكلها كلمات تشير الى العصابات الأميركية المنظمة ذات الأصول والارتباطات الايطالية - والسبب بسيط: منذ أعلنت شركة "بارامونت" عن المشروع، تحركت جماعات الضغط الايطالية - الأميركية، التي يخضع معظمها لنفوذ "المافيا"، لتعترض مهددة متوعدة. وكان فرانك سيناترا، في خلفية بعض ذلك التحرك، اذ ثمة في الحكاية دور لمغنّ يصل الى الذروة تحت رعاية تلك العصابات، المغني جوني فونتانا، الذي أتى شبيهاً بسيناترا، ولنا ان نتخيل ما فكر به هذا الأخير. استناداً الى هذا الضغط، حملت عصابات "المافيا" في الفيلم اسم "العائلات". وكان هذا في مصلحة الفيلم، بأكثر مما حلمت شركة "بارامونت" أو حلم كوبولا، بكثير. ذلك ان هذا التغيير، الاسمي، نقل العمل كله من حيز أفلام العصابات، الى فضائه الشكسبيري الواسع، وقفز بأميركا وتكوينها، وحياتها، الى واجهة الفيلم. ولم يكن هذا تجريدياً في الفيلم. اذ علينا ان نتنبه الى ان أول جملة حوار فيه، منذ افتتاح المشهد الأول في جزئه الأول هي: "أنا أحب أميركا"، عبارة يطلقها بوناسيرا، الذي سنتبين على الفور انه يتحدث الى العراب فيتو كورليوني، طالباً منه ان ينتقم من الذين اغتصبوا ابنته، ومستطرداً: "... أميركا هي التي حققت لي ثروتي. أنا الذي ربيت ابنتي كأميركية حقيقية". وعبر هذه الجملة تنتقل الكاميرا نحو كورليوني الجالس في نصف ظل، لتكشف انه لا يحب بوناسيرا، لكن زعيماً من وزنه لا يمكنه رفض طلب من مستجير به. وهكذا يجد المشاهد نفسه وسط الفيلم، بل وسط العلاقة المتشابكة بين أميركا وقيم مهاجريها. بين الحداثة والأصالة. ولكن ما لنا هنا نستبق الأمور؟ وما لنا لا نقول منذ الآن ان هذا كله، أتى لاحقاً على المشروع. ذلك ان فيلماً ك"العرّاب" ما كان يمكنه ان يتكون في ذاته وان يتخذ كل دلالاته من فوره؟ كان عليه ان تكون له أسطورته وحكايته الخاصة التي تدور خارج الفيلم من حوله، قبل ان يصبح العمل الكبير الذي نعرف. ولعل أول مظاهر هذه الأسطورة ان الشركة التي أنتجته واشترت حقوقه منذ كان رواية لا تحظى بأي نجاح كبير، أرادت له أولاً ان يكون فيلماً صغيراً، ضئيل الموازنة، وذلك على ضوء الفشل الذي كان حققه أكثر من فيلم عن المافيا في اواخر ستينات القرن العشرين. والشركة اذ اتصلت بكوبولا، عن طريق صديقه المنتج روبرت ايفانز، كانت تتمنى ان يرفض. وهو رفض بالفعل. لكن الأمور، حين اضطربت، استدعت العودة اليه، اذ من ناحية رفض كثيرون من مخرجين آخرين خوض المغامرة، ومن بينهم ريتشارد بروكس وكوستا غافراس، ومن ناحية أمام خطورة الموضوع تنبهت بارامونت الى ان عليها اختيار مخرج ذي اسم ايطالي لأسباب عدة أبرزها مجاراة جماعات الضغط الايطالية - الأميركية. ومن هنا، حين عاد كوبولا الى المشروع عاد على مضض ووضع شروطاً، كان أصعبها على الشركة، اصراره على ان يلعب مارلون براندو دور العرّاب. ماذا؟ براندو؟ صرخ مسؤولو الشركة مضيفين: ولكنه نجم انتهى ولم يعد له مكان في شباك التذاكر... ثم انه صعب المراس. لكن كوبولا أصر وجاراه في ذلك ماريو بوتزو، كاتب القصة وشريكه في كتابة السيناريو. في ذلك الحين كان براندو في السابعة والأربعين. وحلّت المعجزة اذ اثر تجربة تصوير رضي براندو القيام بها، على عكس توقعات الشركة التي حاولت ان تناور طالبة من كوبولا اجراء تجربة لبراندو، وهي واثقة من ان هذا سيرفض انطلاقاً من كبريائه الفني. وهكذا، ما ان شوهد المشهد التجريبي لبراندو حتى حدثت المعجزة: لن يكون العرّاب لا روبرت ردفورد، ولا لورانس اوليفييه. ولا أي نجم آخر من الذين رشحتهم الشركة. نجوم من استوديو الممثل في ذلك الحين، بداية العام 1971، كان الحديث لا يزال عن "العرّاب" في جزئه الأول. وبالكاد كان أحد يفكر بأن يكون هناك جزء ثان. و"بارامونت" نفسها كانت تعتقد ان المليون دولار التي ستنفقها على الفيلم انما هي مال ترميه في سلة المهملات. لكن الفيلم عاد وكلّف خمسة أضعاف ذلك. واليوم نعرف ان عائداته تجاوزت المئة مليون دولار، في أقل من عامين، ما شجع على الفور على خوض تجربة الجزء الثاني. غير ان هذا كله كان لا يزال في الغيب يوم بدأ التصوير. والحقيقة ان كوبولا قبل التصوير كان قد استكمل كل حلقة ممثلي الفيلم آتياً بمعظمهم، اما من وسطه العائلي المباشر واما من "استوديو الممثل" مركز "المنهج" الذي كان يحركه لي ستراسبرغ، الذي سيلعب دوراً لافتاً في الجزء الثاني. وكان هذا الأمر أيضاً خروجاً على قواعد بارامونت. ولكن مرة أخرى وجدت الشركة نفسها تساير كوبولا وقد أُسقط في يدها... سائلة عمن يمكنه ان يختار جيمس كان وروبرت دوفال ودايان كيتون ثم خصوصاً آل باتشينو، الذي لم يكن فقط شبه مجهول في ذلك الحين، بل ان التجربة التصويرية التي قام بها أمام كوبولا جاءت مريعة. ولكن شيئاً ما خفياً، جعل كوبولا يصر عليه. ومن جديد سكتت الشركة. لكن قادتها كانوا في أعماقهم يتحينون الفرصة للامساك بكوبولا عند أول هفوة واستبداله. بمن؟ بإيليا كازان. وبالفعل ما ان شوهدت اللقطات الأولى المصورة وتبين ان التصوير يسير بأبطأ مما هو متوقع وان التكاليف سترتفع، حتى تم الاتصال بكازان... فقط باعتبار ان التورط مع براندو قد تم، وان كازان هو الوحيد القادر على ترويض براندو وتصويره. ولكن هنا أتت معجزة صغيرة ثالثة: رفض براندو حلول أي شخص مكان كوبولا. وهكذا كان على الشركة ان ترضخ، وأن تراقب بعين الحزن الفيلم وهو يصوّر. والموازنة وهي تتضاعف والمشاهد وهي تكدس في العلب. والصحافة وهي تحطم العمل كله تحطيماً. اليوم، حين نشاهد هذا العمل مكتملاً في أجزائه الثلاثة، سيصعب علينا ان ندرك لماذا كان ذلك كله؟ وعلام كانت مواقف الشركة سلبية الى هذا الحد؟ وما الذي جعل الصحافة تحطم الفيلم قبل انجاز أي قسم منه؟ لكن المهم في الأمر ان كوبولا تمكن من انجاز الفيلم الأول، الذي أتى كالأعجوبة الصغيرة: انه بدلاً من ان يكون فيلماً أسود وعنيفاً عن حياة العصابات، ها هو يمثل فيلماً كبيراً عن السلطة والخلافة. واستطاع كوبولا ان يقول معلقاً على فيلمه، منذ ان اكتمل الفيلم، انه "كناية عن أميركا وتكوينها، بالمعنى الشكسبيري للكلمة". وان كان بعضهم سخر من كلامه هذا في ذلك الحين، فإننا نعرف اليوم ان "العرّاب" - وفي أجزائه الثلاثة، مع التفاوت في القيمة بين الجزء والآخر - هو حقاً واحد من أعمق تأملات فن السينما، في التاريخ. ولعل أقوى ما فيه انه عرف كيف يعبر عن ذلك التاريخ من خلال حكاية عائلية حميمة. ولكن أيضاً وخصوصاً، من خلال رسم مناخ تلك المرحلة الشديدة الخصوصية من تاريخ أميركا، ولكن منظوراً اليه من الخارج ومن الداخل في آن معاً، وبنظرة طقوسية وواقعية معاً. ولعل كوبولا عبّر خير تعبير عن هذا كله حين قال يوماً: "إرثي الايطالي ساعدني كثيراً في صوغ هذا العمل وانجازه. فمنذ البداية اتخذت قراري بأن أجعل هذا الفيلم محملاً بكل أنواع الطقوس الكاثوليكية الايطالية". أميركا في توتراتها في هذا الاطار يمكننا ان ندرك اليوم كيف ان "العرّاب" ككناية عن أميركا، عرف كيف يحتوي على اللحظات الهادئة ولحظات التوتر الصاخبة في آن معاً، تماماً كالعمادة التي تتزامن وتتقاطع مونتاجياً حتى، مع المجزرة. وتماماً مثل الصراع الذي يدور داخل مايكل آل باتشينو الذي هو الأكثر أميركية بين أبناء العرّاب، الى درجة اقترانه بالأميركية كاي دايان كيتون واخفائه عنها كل ممارساته منذ حسم أمره، اثر زيارته لأبيه في المستشفى، واتخاذه القرار بأن يرث العائلة ويدير شؤونها. والحقيقة ان "العرّاب" في أجزائه الثلاثة معاً، مشغول من مثل هذه الثنائيات المدهشة: التقابل بين أميركا وصقلية، بين زواج مايكل من ريفية إيطالية حسناء، ستقتل بانفجار سيارة، ثم من فتاته الأميركية بعد عودته. التقابل بين أخلاقية فيتو كورليوني وعمله كزعيم ل"العائلة". بين قانون الدولة وقانون العصابات. بين لحظات الحنان ولحظات العنف. بل ان الثنائية تصبح، بنيوياً، موضوع الجزء الثاني كله، اذ سار الجزء منذ بدايته في اتجاهين: من ناحية غاص في الزمن البعيد ليستعيد سيرة فيتو كورليوني، منذ كان شاباً متمرداً في قريته في جزيرة صقلية، حتى وصوله الى أميركا وانخراطه في عالم الجريمة المنظمة لعب الدور في الجزء الثاني روبرت دي نيرو، الذي كان بدوره مبتدئاً، كما كان بدوره من تلامذة "استوديو الممثل"، بديلاً لبراندو، الذي من ناحية رفع سعره كثيراً، بعدما كان مثل "العرّاب" الأول من دون مقابل تقريباً، ومن ناحية ثانية بدا، سنّاً، أكبر من ان يلعب دوره ان كان شاباً. إذاً، من ناحية غاص "العرّاب" الثاني في بدايات كورليوني، في الوقت الذي تابع فيه مسيرة ابنه مايكل، وقد أضحى عرّاباً يصعد في طريق السلطة والجريمة، هو الذي كان يريد ان يعيش حياة أميركية خالصة، لكن مقتل شقيقه سوني، وموت والده، وكون شقيقه الآخر أضعف شخصية من ان يرث الزعامة بدّل مساره. المهم ان مايكل، الذي كان منذ نهايات الجزء الأول قد أبدى من العنف ما استنكف عنه والده، سيزداد غوصاً في العنف أكثر وأكثر، ما سيدمر حياته مع زوجته "الأميركية" كاي. والجزء الثاني هو هذا. ولكنه أكثر من هذا أيضاً. ذلك ان كوبولا، وماريو بوتزو - صاحب الرواية وملحقها - تابعاً، الجانب الشكسبيري الى درجة يخيل الى المرء أحياناً، انه أمام واحد من تلك الأعمال التي كتبها شكسبير متتبعاً فيها تاريخ تداول السلطة الدموي في بريطانيا القرن السادس عشر. اذاً، لئن كنا في "العرّاب" الأول قد تتبعنا رصداً لحياة العرّاب فيتو كورليوني وعلاقته بأسرته، وسيطرته بالتدريج على مقدرات الجريمة المنظمة، ضمن "أخلاقية مهنية" معينة، فإننا في الجزء الثاني نتبع الكيفية التي أنقذ بها مايكل كورليوني "العائلة" - بالمعنيين الحرفي والمجازي - من التفكك ليصبح هو العرّاب الجديد. ولعل اللافت هنا، هو ان كوبولا حقق بين "العرّاب" الأول و"العرّاب" الثاني، واحداً من أهم أفلامه "المحادثة" من بطولة جين هاكمان. هنا في هذا الفيلم الذي صور في العام 1974، تناول كوبولا وجهاً آخر من وجوه السلطة، في جانبها الأكثر خفية: تأمين استمراريتها من طريق التنصت على الآخرين ومعرفة كل ما يدبرون. وهنا أيضاً تبدو السلطة متمفصلة تمفصل "العائلة" في "العرّاب"، وان كان للمظاهر ان تلعب دورها. والحقيقة ان كوبولا نفسه كان في حاجة الى "المحادثة" والنجاح الكبير الذي حققه خارج الولاياتالمتحدة "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" لذلك العام للتعويض على سوء الفهم الذي كان قد استقبل به "العرّاب" الأول، من جانب نقد يساري كان مسيطراً، فانفلت من عقاله مهاجماً الفيلم انطلاقاً من مواقف معادية لأميركا شديدة البدائية والسطحية، أساءت فهم الفيلم، وأساءت التغلغل الى أعماقه. ولكن موقتاً فقط، ذلك ان هذا النقد نفسه، كان منذ ظهور "العرّاب" الثاني، ثم "العرّاب" الثالث بعد ذلك بعشرين عاماً، من وضع الثلاثية كلها، و"الثنائية" من قبلها في موقع متقدم جداً. ولقد كان ذلك النقد محقاً جزئياً. اذ اليوم فقط يمكننا ان ندرك ان الأجزاء الثلاثة، حتى وان كانت قابلة لأن تستقبل مفرقة، تشكل كلاً واحداً، من حيث جوهر موضوعها. ولكن أيضاً من حيث اضافتها الى لغة السينما. نحو ثالث أقل جودة واذا كان "العرّاب" الثاني 1974 أيضاً قد تبدو أسهل تنفيذاً واقناعاً من الأول، فإنه، أيضاً، وفي نظر كثيرين من النقاد يفضلونه فنياً، اذ ان ممثلي كوبولا الرئيسيين كانوا قد أضحوا أسلس تعاملاً مع موضوعه، ناهيك عن أن كوبولا، بفضل النجاح الجماهيري ل"العرّاب" الأول، ثم النقدي ل"المحادثة" كان قد أصبح أكثر حرية في تعامله مع موضوعه، وأكثر اشراقاً في لغته السينمائية. وهو هنا اذا كان قد جعل من الاحتفالات نقاط المفصل في الفيلم، لا سيما من جنازة الأم كورليوني أحد مشاهده الأساسية، فإنه كان من الأمور ذات الدلالة ان يختتم هذا الجزء على مايكل في وحدته المطلقة وكأننا هنا أمام ديكتاتور "خريف البطريرك" لغارسيا ماركيز. الحقيقة ان "العرّاب" الجزء الثالث، الذي حقق في العام 1991 - جاء أضعف من سابقيه الى حد ما، بسبب افتعال في موضوعه، وربما لأن كوبولا كان قد بدأ يسأم تلك الحكاية كلها، غير انه جاء أيضاً عملاً لا غنى عنه لاختتام الثلاثية فمايكل أضحى الآن عجوزاً، ويغرق أكثر وأكثر، في وحدته. ولكن هنا نعايشه من خلال توليف ثنائي، يقوم عنصره الأساسي على حفل أوبرا تغني فيه ابنة مايكل قامت بالدور صوفيا كوبولا ابنة فرانسيس التي ستصبح لاحقاً المخرجة التي تبدع عبر فيلمين هما "العذراء تنتحر" و"ضاع في الترجمة"، فيما يقوم عنصره الآخر على خطة لعملية مالية ضخمة مع الفاتيكان - على خلفية صراع على السلطة يذكّر الى حد بعيد بالصراع على السلطة داخل "العائلات" الايطالية - الأميركية! هنا أيضاً الاحتفالات العائلية، ولكن أيضاً مايكل الساعي الى الحصول على الاحترام المطلق - أي شرعية السلطة المطلقة - عن طريق علاقته بالفاتيكان، فيما منافسوه يدبرون مؤامرة ضده، خلال حفل الأوبرا. وهذا الحفل يستغرق جزءاً طويلاً من زمن الفيلم. وهو على بطئه ليس أضعف ما في هذا العمل، بل لعله أقوى ما فيه شرط ان ننسى انه استكمال للجزءين الكبيرين والأساسيين من "ثلاثية" تظل من أعظم ما حققه فن السينما. ومن أقوى ضروب حضور شكسبير والهموم الشكسبيرية في الفن السابع على مدى تاريخ هذا الفن. حتى وإن كنا نعرف ان شكسبير لا علاقة له بهذا العمل لا من قريب ولا من بعيد فرانسيس فورد كوبولا في معنى من المعاني يعتبر فرانسيس فورد كوبولا المولود في العام 1939 في مدينة ديترويت من أبوين ايطاليي الأصل عرّاباً حقيقياً. فهو من ناحية "عرّاب" السينما الهوليوودية التجديدية التي ظهرت مع جيل "أصحاب اللحى" منذ بداية سبعينات القرن العشرين باعثة دماً وحيوية جديدين في رماد سينما كانت تحتضر الى جانب دي بالما ولوكاس وسبيلبيرغ وسكورسيزي. وهو من ناحية ثانية رب عائلة وابن أهل، تتحلق حياتهم جميعاً حول السينما والموسيقى: أبوه كارميني موسيقي، وأمه ايطاليا ممثلة، وابنه رومان مخرج، وابنته صوفيا مخرجة، كما ان زوجته حققت فيلماً متميزاً عن تصوير فيلم "القيامة الآن" الذي فقد خلال تصويره ابناً آخر كان مصوراً. دخل فرانسيس السينما باكراً عبر أفلام تجريبية، ثم عبر فرص أتاحها له روجر كورمان بأفلام رخيصة الكلفة. ثم كتب سلسلة سيناريوات لقيت اقبالاً مثل "باريس هل تحترق؟" و"باتون" و"غاتسبي العظيم"، قبل ان يبدأ تحقيق أفلامه تباعاً، من "الليلة بالتأكيد" 1961، مروراً ب"ديمانسيا 13" 1961 أيضاً، وصولاً الى القفزة النوعية في "أنت صبي كبير الآن" 1966 لتتلوه أفلام معظمها صار علامات في تاريخ السينما، وأبرزها "قوم المطر" 1969، ثم "العرّاب 1" 1972 ف"محادثة" 1974 و"العراب 2" ف"القيامة الآن" 1979 الذي يعتبر من أهم الأفلام التي حققت عن حرب فييتنام وعن الحرب عموماً، وان كان اقتبسه من رواية لجوزف كونراد، تدور أحداثها أصلاً في الكونغو. وبعد ذلك أتى الفيلم - الكارثة الذي أفلسه "واحد من القلب" 1982 ف"رامبل فيش" و"كوتون كلاب" و"بيغي سو تتزوج" وصولاً الى "برام ستوكر - دراكولا". اليوم، فرانسيس فورد كوبولا، في الخامسة والستين من عمره يستعد لتحقيق فيلم "ميغالوبوليس".