نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بجمهورية العراق يصل إلى الرياض    عودة أكثر من 6 ملايين طالب لاستكمال الفصل الدراسي الثاني.. اليوم    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    نجوم لبنان يتنفّسون الصعداء ويحتفلون بانتخاب الرئيس    حساب المواطن: 3.1 مليارات ريال لمستفيدي دفعة يناير    المملكة تخصّص 10 مليارات ريال لتفعيل الحوافز المعيارية للقطاع الصناعي    الأدوار في الحياة    وفاة والدة فهده بنت فهد آل سعود    أوكرانيا تعلن أسر جنديين كوريين شماليين يقاتلان مع القوات الروسية في «كورسك»    لك وإلا للذيب؟    جسور الإنسانية    الاحتلال يقيم بؤراً استيطانية جديدة    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    كلاسيكو مثير في نهائي كأس السوبر الإسباني بالجوهرة.. برشلونة يتطلع للثأر من ريال مدريد    في ختام الجولة ال 16 من دوري" يلو".. الطائي يستضيف أبها.. والعين يواجه الفيصلي    الزعيم العالمي خماسية وصدارة.. الفيحاء يفرمل العميد.. السكري يسدد فاتورة الكأس    خادم الحرمين يتلقى رسالة من رئيس السنغال    تحية لسالم الدوسري    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    أضواء الحميدان في ذمة الله    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    شرطة للنظافة في «الدار البيضاء»    وصول الطائرة الإغاثية التاسعة مطار دمشق.. مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية للمناطق السورية    تبرعوا بالأقراص وشاركوها    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    الهوية ودورة الحياة للمكون البصري    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    المرأة الثرية تؤثر على نفسية زوجها    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    فصيلة دم «o» أقل عرضة لأمراض القلب    الذكاء البشري في مأزق    «المنظمة العربية للطاقة».. رؤية سعودية جديدة للتعاون الإقليمي والدولي    مواطن مستبصر    عودة الأمل اللبناني    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    هل أشرقت شمس النصر الجديد؟    ماتياس والرئيس    متى نقترب من النسبة الصفرية للبطالة ؟    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    خطيب المسجد الحرام: امتثلوا للأوامر واجتنبوا الكبائر    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    فحص الزواج غير مطابق ولكن قيس يريد ليلى    10 فائزين بجائزة صيتة للتميز الاجتماعي    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    لقاح الإنفلونزا والغذاء الصحي.. نصائح مهمة للوقاية من نزلات البرد    الرياض: القبض على مقيمين لترويجهما 5 كيلوغرامات من «الشبو»    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    خطيب المسجد الحرام: قيدوا ألسنتكم عن الوقيعة في الأعراض    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات الحرب على العراق : الانتصار المادي الأميركي هزيمة أخلاقية
نشر في الحياة يوم 28 - 04 - 2003

مع ان الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن تداعيات الحرب على العراق فإنه من المهم تلمّس هذه التداعيات كما تعكسها الوقائع العراقية والاقليمية والدولية: بعضها ظاهر للعيان، وبعضها في طريق الظهور وبعضها الثالث سيظهر من دون شك في المستقبلين القريب والبعيد. ذلك ان هذه التداعيات ليست بنت التصورات بل بنت الواقع والتحليل الموضوعي. وعليه نحاول ان نختصر في عناوين عريضة ما نراه من نتائج هذا الزلزال العسكري - السياسي الذي ضرب العراق ومدى انعكاساته السياسية والعسكرية والاقتصادية على العراق والشرق الأوسط والعالم.
أولاً: تداعيات الحرب على العراق
لا شك بأن التداعيات على العراق كبيرة وكثيرة وعميقة على المستويات الثلاثة: السياسية والعسكرية والاقتصادية ومن أهمها:
* على الصعيد السياسي
1- ظهور شكل جديد من أشكال النظام السياسي في العراق يقوم على عمادين كانا ولا يزالان مفهومين مغيبين في العالم العربي: الديموقراطية والفيديرالية. انهما مفردتان جديدتان في قاموس الأنظمة العربية، من السودان الى العراق. حتى وإن كان تعبير الديموقراطية في قاموس اليساريين العرب شعاراً من دون مضمون! نحن اذن امام تجربة سياسية جديدة، بل لنقل فلسفة سياسية جديدة تكتسب لها موقعاً ولو موقتاً في بغداد عاصمة الفكر السياسي العربي الوحداني المركزي اليعقوبي Jacobin. فإلى أي مدى ستنجح هذه التجربة، وكيف ستحصل؟ نترك الاجابة للنظام الجديد الذي سيقوم في عراق الغد القريب، وهو لن يقف على رجليه الا بدعم أميركي. ولعل المفارقة ان هذا الدعم يمنح النظام رجلين عسكريتين قويتين ورأساً سياسياً ضعيفاً!
2- هذا النظام السياسي الجديد يقوم على توازن جديد داخل السلطة العراقية يعكس الى حد معين ثقل القوى البشرية والديموغرافية العراقية خارج أسلوب القمع والاستبعاد والتمييز الطائفي والعرقي الذي اعتمدته الأنظمة السابقة. بمعنى أوضح سيكون للشيعة دورهم في السلطة الذي يتناسب مع ثقلهم الديموغرافي في البلاد وهم بحسب آخر احصاءات "لوموند" 54 في المئة مع 23 في المئة سنّة عرب و21 في المئة سنّة أكراد و2 في المئة سريان مسيحيون وتركمان نصفهم سنّة ونصفهم شيعة، ويتأثر هذا الدور السياسي بدورهم الروحي المرتبط بمراكزهم الدينية المقدسة في النجف وكربلاء. كما سيكون للأكراد دورهم أيضاً من خلال الفيديرالية التي يتمسكون بها والتي تخلق لهم حساسيات على الجانب الآخر من الحدود مع تركيا. ويبدو ان الأكراد ضبطوا تحركهم هذه المرة على وقع الأمر الأميركي فجنّبوا وتجنبوا الوقوع في الفخاخ التي تنصب لهم.
3- لقد انتهى عهد الحزب الواحد والقائد الواحد في العراق، كما انتهى عهد الزعيم الأوحد. وبديلاً للحزب الواحد نشأت جماعات متعددة، بعضها سياسي وبعضها أثني وبعضها طائفي يتزعمها رجال الدين، بعضها كان مقموعاًَ داخل العراق وبعضها الآخر انضم الى حركة المعارضة العراقية التي تسعى للاستفادة من الانتصار العسكري الأميركي لتؤكد وجودها ودورها في حياة العراق السياسية. لكن هذه المعارضة لا يجمعها سوى مناهضة حكم الرئيس صدام حسين وكل ما عدا ذلك يفرّقها. لذا سيكون دورها كتحالف معارض محدوداً لأنها غير قادرة على الجمع بين التوجه الوطني العراقي من جانب والتبعية للتحالف الغربي من جانب آخر: فهي تريد الشيء وضده في آن! لقد كانت فكرة العروبية هي الإطار الجامع للشعب العراقي ولكن التجربة التي قدمها حزب البعث أضعفتها الى حد كبير.
4- ان التعبير السياسي والديني / الطائفي في التظاهرات في بغداد والنجف، خصوصاً في تجمع كربلاء الكبير هذا التعبير هو سلاح ذو حدين بالنسبة الى العلاقة بالأميركيين: فمن جهة يطرح شعارات معادية لأميركا ويطالب بخروج قوى الاحتلال من العراق. ولكنه من جهة ثانية يدرك في أعماق قلبه انه لولا القوات الأميركية لما استطاع ان يعبر عن رأيه بمثل ما يفعل الآن سواء في كربلاء أم في غيرها من المدن العراقية.
وهنا يشعر العراقي بالصدمة النفسية ويتذكر ان العملية الأميركية وضعت تحت عنوان "الحرية للعراق"، وأن مؤشرات هذه الحرية تبرز عبر قدرته على التظاهر وحريته في ترداد الشعارات ضد أميركا ذاتها على بعد أمتار من الدبابات الأميركية.
ومرة جديدة تختبر محنة الحرية في العالم العربي عبر العراق.
5- ان النظام السياسي الجديد الذي سيقوم او سيقام في بغداد سيكون بكل تأكيد نظاماً موالياً لأميركا وبالتالي نظاماً غير معاد لإسرائيل: سيكون نظاماً مسالماً في دولة مسالمة تشارك في عملية السلام للنزاع العربي - الاسرائيلي، وتوافق بالتأكيد على مشروع الرباعية، المعروف ب"خريطة الطريق". وعلى الدخول في الحل السلمي!
* على الصعيد العسكري:
ان الوضعية العسكرية لعراق ما بعد الحرب تتمثل في الأمور الآتية:
1- انهيار شبه تام للبنية العسكرية العراقية وغياب قدرة المبادرة بالنسبة الى سلاح التدمير الشامل في حال وجوده. وبالتالي تحجيم القوة العسكرية للدولة العربية التي كانت، في ظروف معينة، تملك رابع جيش في العالم. فقد انتقل الوضع الجديد في العراق من اطلاق الصواريخ الى اطلاق التظاهرات!
2- أكثر من ذلك، سيتعرض العراق لحملة منهجية من جانب قوى التحالف تطاول كل الحقائق والأسرار العسكرية والأمنية المتصلة بثلاثة أمور جوهرية: البرامج التسلحية، وأسلحة الدمار الشامل والعلماء المقصود علماء التسلح لا علماء الدين. وتقوم الآن في العراق وحوله أعمال تفتيش وتحقيق تطاول المسؤولين السابقين المطلوبين وذلك لجلاء الحقيقة حول أسلحة العراق. ويجهد الأميركيون في هذا المجال لتحقيق هدفين كبيرين: الأول: تدمير كل أثر لسلاح الدمار الشامل في العراق. والثاني: تبرير وشرعنة حربهم على العراق من خلال الواقع على الأرض الذي لم يكشفه المفتشون وإنما كشفته الحرب وبذلك أصبحت شرعية الواقع أقوى من شرعية مجلس الأمن الدولي، وما سيقدمه العلماء العراقيون الذين سيحقق معهم سيكون ربما أهم وأخطر مما قدمه مفتشو الأمم المتحدة.
3- ان عراق ما بعد الحرب سيحتفظ بقدرات عسكرية محدودة دفاعية وليست هجومية مما يؤكد النظرية القائلة بسقوط العمق الاستراتيجي للجبهة الشرقية مع اسرائيل والتي تشمل سورية والعراق.
4- ان الدراسة المتأنية لأهداف أميركا من حربها في العراق تؤكد ان أميركا ستبقي بكل تأكيد على وجود عسكري لها في العراق لمدى غير منظور. وهو ما أكدته وزارة الدفاع الأميركية "نيويورك تايمز" في 20/4/2003 عن بقاء أربع قواعد عسكرية أميركية في العراق: واحدة قرب الناصرية في الجنوب لحماية حقول النفط في مقابل إيران وضمن المنطقة الشيعية. وثانية قرب بغداد لإبقاء العاصمة تحت الحماية الأميركية. وثالثة قرب الحدود السورية والأردنية كموقع سياسي / عسكرية وقرب جنوب النفط النائم في صحراء العراق. ورابعة في المنطقة الكردية وقرب الحدود التركية للاشراف على الموصل وكركوك في آن.
بمعنى آخر ان العراق يواجه عملية احتلال طويلة المدى: الحرية للناس في حمى الدستور والنفط لأميركا في حمى القواعد العسكرية! وستكون هذه القواعد شبه بدائل لتركيا والخليج ونقاط رقابة على البترول ودعم معنوي ومادي لأية سلطة في بغداد وهي بحاجة اليه للاستمرار في الحكم.
* على الصعيد الاقتصادي / النفطي
لعل التداعيات الأكثر خطورة وجذرية هي تلك التي ستطاول قطاع النفط في العراق والعالم. وفي هذا الإطار نشير الى التطورات الآتية:
1- سعي أميركا لرفع العقوبات عن العراق بعدما أصبحت الرقابة عليه مباشرة من القوات الأميركية فلا يستعمل مداخيله النفطية لتقوية ترسانته العسكرية! وسيصبح الأمر معكوساً هنا لأن دول الاعتراض فرنسا وروسيا وألمانيا ستتريث في الأمر بانتظار حصصها ودورها. وربما تجعل من هذه المسألة مدخلاً للتصالح مع الولايات المتحدة.
2- السعي لاستبدال سياسة تأميم النفط بسياسة خصخصة النفط والتحكم بملكيته واستخراجه وتصفيته وتوزيعه وتسعيره وذلك انطلاقاً من انقلاب مزدوج على السياسة النفطية للدولة العراقية التأميم وعلى العقود الموقعة مع شركات بترول عالمية فرنسية وروسية وصينية وستسعى أميركا للاحتفاظ بحصة الأسد ولن تعدم الوسائل القانونية وغير القانونية للتملص من عقود وُقّعت واستبدالها بعقود جديدة باعتبار هذه العقود الموقعة بمثابة رشاوى سياسية لبعض الدول المؤثرة في مجلس الأمن. وكما يؤكد ريتشارد بيرل: "ان على الحكومة العراقية "الجديدة" ان تعيد النظر في عقود شركات النفط".
3- تحكّم أميركا بميزان الانتاج العالمي للنفط وبالتالي وضع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمام الأمر الواقع، ما يؤدي عملياً اما الى الانهيار الكامل للكارتل النفطي واما الاستمرار من دون فعالية. ومثل هذا الوضع يسحب ورقة أساسية من يد الدول العربية المنتجة.
4- ان الوجود الأميركي في العراق سيزيد من واقع "دولرة" العملة العراقية ما يعطي دعماً للدولار على حساب اليورو الأوروبي الذي كان صدام حسين يسعى لاعتماده مكان الدولار في التعامل في سوق النفط العالمية.
5- فتح الباب على مصراعيه أمام الشركات المدعوة لإعادة اعمار العراق، وأول الغيث شركة "بكتل" الأميركية بعقد يصل الى 680 مليون دولار. وسيكون لهذا المجال تأثير على شركات الدول الصناعية وبالتالي على سياسة حكوماتها تجاه العراق والوجود الأميركي فيه وسلطته الجديدة.
6- ولعل النتيجة الأبرز للوضع الجديد تتمثل في فتح القنوات والأنابيب العراقية باتجاه معظم دول الشرق الأدنى وتركيا: اي باتجاه البحر المتوسط: جيحان في تركيا وطرطوس في سورية وطرابلس في لبنان وحيفا في اسرائيل مما يساعد على اندماج اسرائيل الاقتصادي في المنطقة. يضاف اليه احتمال مد خط الى العقبة عبر الأردن وآخر باتجاه ينبع على البحر الأحمر. باختصار ربما يكون النفط الوسيلة الأكثر جاذبية لبناء شرق أوسط اقتصادي متصالح مكمّل ومرافق لشرق أوسط سياسي مسالم ومتصالح بين العرب واسرائيل!
ثانياً: تداعيات الحرب على المنطقة
ان حشد ربع مليون جندي أميركي في العراق وحوله لم يكن هدفه العراق وحده بل المنطقة كلها انطلاقاً من العراق. وكان اللافت في هذه الحرب، خصوصاً بالنسبة الى دول المنطقة كافة، العربية وغير العربية، أربعة أمور بارزة:
1- ان أميركا أعلنت الحرب العالمية الرابعة على الارهاب: بكل أشكاله وفي كل مواقعه. وعليها في مهمتها تلك ان تعمد الى "تجفيف المستنقعات" كما يقول هنري كيسنجر.
2- ان أميركا اذا بدأت حرباً ذهبت فيها الى نهايتها مهما كان الثمن ومهما كانت النتائج.
3- ان أميركا استعملت في هذه الحرب قوة نارية ضاربة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
4- ان أميركا، كما يذهب كولن باول، لا تفرّق في هذه الحرب، بين أمن الولايات المتحدة وحرية العراقيين وديموقراطية الشرق الأوسط. وعليه، فإن التداعيات على المنطقة يمكن اجمالها كما يلي:
- إحداث صدمة نفسية للشارع العربي أشبه بنكسة 1967، ذلك ان تضخم الآمال العربية وتصاعد الانفعالات العربية ضد قوى الآخر أميركياً كان ام اسرائيلياً تتحول الى ألم واحباط ازاء الهزيمة العسكرية مما يولّد الكثير من الحقد والضغينة على هذا الآخر والأصح الآخرين ويساعد على بروز المواجهة المقاومة بعد فترة زمنية في أسلوب ما يعرف بالحرب غير المتوازنة، باعتبارها الأسلوب الوحيد الممكن في مواجهة الحرب التكنولوجية الحديثة.
- هذا الواقع سيؤدي حكماً الى تداعيات ايديولوجية - سياسية قد تتخذ الطابع العسكري، وخلاصتها تقوية عملية الاندماج بين التيارين الاسلامي والقومي لدى الشارع العربي وبالتالي خلق حال استنهاض "استشهادية" لمواجهة الهجمة الأميركية - الاسرائيلية. وقد يكون هذا الاحتمال المرجح أبرز تداعيات الحرب الأميركية على العراق بالنسبة الى وضعية الجماهير العربية.
- ان دوائر الحجر الأميركي الذي ألقي في "مستنقع" العراق ستنداح بالتأكيد لتطاول مختلف بل كافة دول المنطقة، العربية وغير العربية، وهذا يعني خلق معطى جيو - استراتيجي جديد في المنطقة. وستكون الترجمة العملية والمباشرة له بثلاث وسائل: التهديد، والشروع في العمل ضد بعض الأنظمة مباشرة او مداورة وأخيراً سيف الحرب في حال الضرورة. ولعل أبرز معطيات هذا الوضع الجديد بالمعنى الجيو - استراتيجي وجود الجيش الأميركي حول إيران أفغانستان والعراق وحول سورية في الشرق واسرائيل في الجنوب. وانطلاقاً منه يجري تهديد سورية ولبنان والعمل على تحجيم ايران واحتواء تركيا وتوعد الحركات المتطرفة او المتشددة وعلى رأسها "حزب الله". وهذا الضغط الأميركي العسكري - السياسي ستكون له مفاعيل على مختلف أنظمة المنطقة بحيث تعيد حساباتها على ضوئه: إما استسلاماً وإما تفهماً وإما مواجهة. ولكل من هذه المواقف حساباتها ونتائجها المحسوبة وغير المحسوبة.
- السير في سياسة بوش القائلة بضرورة تغيير العالم كمدخل لحل القضية الفلسطينية وليس العكس. وهذه الأولوية تعني ضرب الارهاب واعتماد الديموقراطية والليبرالية ثم معالجة المشكلة الفلسطينية انطلاقاً من "خريطة الطريق".
- السعي لإقامة نظام عربي اقليمي معتدل من حكومات "صديقة" كما يصفها دونالد رامسفيلد. أي إقامة نظام عراقي برو - أميركي ونظام اقليمي أوسع برو - أميركي مما يسهل قيام سلام بين العرب واسرائيل مبني على "شرعية" الحاجات للجانبين وليس على شرعية "الكلمات" الملتبسة والغامضة التي تحفل بها قرارات مجلس الأمن.
- هذا النظام البرو - أميركي سيخلق شرخاً داخل الجامعة العربية كمؤسسة اقليمية مما يفرض اعادة النظر في كثير من الأمور: دورها ونظامها وأسلوب عملها وفعاليتها. ولعل الجدل القائم بين أوساط كويتية والأمين العام عمرو موسى مؤشر على هذا التحول.
- ومن التداعيات التي ستبرز تباعاً، سعي الأميركيين، لأسباب معروفة، الى كشف كثير من أسرار العلاقات المخفية انطلاقاً من الوثائق التي وضعت اليد عليها بين نظام الرئيس العراقي المخلوع والعديد من الشخصيات والمؤسسات السياسية والعسكرية والاعلامية العربية والأجنبية، الرسمية والخاصة، قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، بما يشكل مضبطة كبرى للعديد من الدول والشركات والأشخاص.
- التداعيات الاقتصادية المتمثلة بدعم دول النفط للتنمية العربية وهو دعم سيتراجع وفي بعض الأحوال سيتوقف بسبب عاملين: العامل المالي الناتج عن تدني أسعار النفط وهو يطال دور الدول النفطية العربية في دعم المشاريع العربية. والعامل السياسي وهو المتعلق بالكويت خصوصاً والتي قد تعمد الى سحب قروض التنمية من الدول التي وقفت ضدها وهاجمتها خلال الحرب، وهذه التداعيات ستؤثر بالتأكيد سلباً على الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان.
ثالثاً: تداعيات الحرب على العالم
من الصعب الدخول في تفاصيل هذه التداعيات نظراً الى تشابكها وصعوبتها، وسنكتفي هنا بالاشارة الى العناوين العامة:
1- تثبيت معادلة جديدة في النظام الدولي تنعكس مفاعيلها على مختلف المؤسسات والمنظمات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها.
2- صياغة نظرة جديدة لمعنى "الشرعية الدولية" ومضمونها.
3- تأكيد وتثبيت القطبية الواحدية والنزعة الامبراطورية في الممارسة الأميركية.
4- وقد اختصر المفكر السياسي الفرنسي جاك جوليار في "نوفيل اوبسرفاتور" 17/4/2003 مختلف هذه التداعيات بما معناه: ان احتلال العراق ليس سوى المرحلة الأولى من مخطط هادف الى قلب الأوضاع في المعطيات الجيو - استراتيجية العالمية. ويمكن اختصار إدارة الرئيس بوش بأربعة أمور:
1- إيمانها بأميركا دولة الخير ضد دولة الشر.
2- عقيدتها الحرب الوقائية.
3- أسلوبها المكيافيلية.
4- هدفها تدمير الأمم المتحدة او تحويلها الى سوبر - صليب أحمر. وهكذا بضرب الأمم المتحدة تراهن أميركا على القوة المادية بديلاً للقوة الأخلاقية للديموقراطية. وتعطي الأولوية المطلقة للقوة على الحق.
وهذه أسوأ هزيمة يواجهها الغرب منذ زمن الفاشية هتلر وموسوليني.
هذه هي باختصار تداعيات الحرب على العراق. وقد تكون أول الغيث. لكن المؤكد ان هذه التداعيات ستكون عميقة وشاملة في العراق والمنطقة والعالم. وسيكون اللافت فيها أمران جوهريان لعلهما الأعمق والأخطر.
الأول: العمل على تحويل جنوب العراق الى جنوب لبنان آخر فتقع الولايات المتحدة في ما وقعت فيه اسرائيل، وهو الهروب من "خطر" منظمة التحرير أي صدام بفتح باب القمقم للمارد الشيعي.
الثاني: ان المعادلة الأميركية في العراق ستختصر بما يلي: ستكون أرض العراق محكومة بالعراقيين أنفسهم بكل تأكيد أما ما هو تحت الأرض... فهذا شأن آخر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.