رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 27 اتفاقية    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    طرح تذاكر السوبر الايطالي في الرياض    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    السفير ابن بيشان يقدم أوراق اعتماده لسلطان عُمان    الفيفا ينشر «البوستر» الرسمي لبطولة كأس العالم للأندية 2025    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    جامعة أم القرى تحصد جائزة أفضل تجربة تعليمية على مستوى المملكة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    وزير الخارجية يلتقي وزير خارجية فرنسا    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    «خدعة» العملاء!    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    عاد هيرفي رينارد    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    مقياس سميث للحسد    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعارات بغداد لم تتغير . عودة العراق : اختراقات وعقبات
نشر في الحياة يوم 22 - 01 - 2001

هل أضاع العراق فرصة جديدة؟ وهل تؤدي المواقف التي أعلنتها القيادة العراقية في الذكرى العاشرة لإندلاع حرب الخليج الى تسهيل مهمة ادارة جورج دبليو بوش في ترميم الحصار المفروض عليه؟ وهل تشهد المرحلة المقبلة مزيجاً من خطوات العودة العراقية في موازاة "ضربات التأديب والتذكير" الأميركية؟
أسئلة قفزت الى الواجهة عندما تحدث الرئيس العراقي في الذكرى العاشرة للحرب التي أدت إلى تحرير الكويت وفرض الحصار على بلاده. كرر صدام حسين ان العراق انتصر في "المنازلة التاريخية" وكان "السندان الذي تكسرت عليه كل المطارق". ومن كلام صدام الذي خلا من أي مراجعة أو قراءة هادئة الى كلام نجله عدي عن ضرورة ادخال الكويت في خريطة العراق الكبير وصولاً الى قول طارق عزيز ان غزو الكويت هو "أقل ما يستحقه حكامها" يتأكد استمرار المأزق.
في الشهور الماضية نجحت السلطات العراقية في تسجيل نقاط عدة في اختراق الحظر والحصار. وهي استفادت من مجموعة عوامل بينها ثروة العراق النفطية واهتمام دول قريبة وبعيدة بمصالحها فيه. كما استفادت من تعاطف عربي واسلامي مع معاناة الشعب العراقي وبمعزل عن الموقف من سياسات الحكم في بغداد. ولعلها أفادت أيضاً من الشعور بأن عودة العراق يمكن أن تساهم ولو إلى حد في تصحيح الخلل الذي ضرب التوازنات في المنطقة. لكن الرغبة في مساعدة العراق عادت إلى الاصطدام بموقف سلطاته الذي يجعل عودة العراق معركة مفتوحة في الفترة المقبلة.
عشر سنوات منذ حرب الخليج الثانية، يعود العراق بعدها الى الساحتين الاقليمية والدولية: الى الساحة السياسية، والى الساحة النفطية والى المعادلة الاقليمية. واحدى ابرز المفارقات في هذه العودة، هي ان الرجل الذي كان رئيساً لأركان الجيوش الأميركية خلال المواجهة مع العراق كولن باول اصبح الآن ناظراً للخارجية الاميركية: صراع عسكري، وصراع سياسي في آن.
كيف تفسر هذه العودة باعتبارها تحدياً للسياسة الاميركية؟ وما هو تأثير المكانة الاستراتيجية لبلاد الرافدين في هذه العودة؟ وهل سيكون للعراق دور في رسم السياسة النفطية ل"أوبك"؟ وما هي حدود قدرة العراق على استعمال النفط كسلاح سياسي؟
أولاً: مؤشرات العودة
خرج العراق من حرب الخليج الثانية بلداً مكبلاً ومنكوباً:
سياسياً، بوضعه تحت الوصاية الدولية.
عسكرياً، بضرب قسم كبير من قدراته العسكرية في الرجال والعتاد.
اقتصادياً، بوضع نفطه تحت مراقبة الأمم المتحدة.
اجتماعياً، بحرمانه من تأمين الدواء والغذاء لقسم كبير من مواطنيه بحيث هبطت نسبة العمر الى 62 سنة وارتفعت نسبة وفيات الاطفال الى 140 بالالف.
وسيادياً، بوضع جنوبه وشماله تحت رحمة الطيران الاميركي / البريطاني وحظر اجوائهما على الطيران العراقي.
وتسليحياً، بتكليف لجنة تابعة للامم المتحدة "اونيسكوم" التفتيش عن سلاح الدمار الشامل وتدميره ومنع انتاجه ووقف برامجه الذرية والكيماوية والبيولوجية بالاضافة الى الصواريخ ذات المديين القريب والبعيد القادرة على حملها.
وجغرافياً، بترسيم حدوده مع الكويت وفقاً لقرار مجلس الامن الرقم 687 تاريخ 3/4/1991 وضد ما ادعاه دائماً وأسماه "مصالحه وحقوقه التاريخية في الخليج".
باختصار لقد تم وضع العراق في قفص "الاحتواء المزدوج" للسياسة الاميركية في المنطقة وهو يشمل العراق وايران ويقوم على الضرب والانهاك والاستنزاف ويتمثل طبقاً للسياسة الاميركية بالأمور الآتية:
- الابقاء على المقاطعة لبغداد والعمل على اسقاط الرئيس صدام حسين.
- ايجاد المبررات لضرب القدرة العسكرية العراقية.
- دعم واستمرار انظمة التفتيش داخل العراق.
- استنزاف القدرات البشرية والعملية للعراق.
- الحيلولة دون قيام محور عربي يضم العراق.
ونتيجة لهذا الوضع هبط الدخل العراقي في الاعوام الخمسة الاولى 1991 - 1996 من 4.9 مليار دولار عام 1990 الى 680 مليون دولار عام 1996 وهو ما عرّض الشعب العراقي الى شبه مجاعة. ازاء ذلك عمد مجلس الامن الى اقرار مبدأ "النفط مقابل الغذاء" 20/5/1996، وبدأ العراق بتصدير كميات محدودة من النفط 15/12/1996. بما يزيد على اربعة مليارات دولار يتم صرفها بإشراف الامم المتحدة. راجع جدول العائدات وارتفعت عائدات النفط خارج كوتا اوبك بسبب الحظر من 5.4 مليار دولار عام 1997 الى 7.6 مليار عام 1998 فإلى 4.13 مليار عام 1999. وهكذا استعاد العراق جزءاً مهماً من توازنه المالي وبالتالي الاقتصادي والسياسي.
المؤشر الثاني الى "عودة العراق" ارتفاع الدعوات العربية الرسمية والشعبية في بعض الاقطار العربية بما فيها بلدان خليجية بضرورة رفع الحصار عن الشعب العراقي وعدم تدفيعه الثمن السياسي مهما كانت وجهات النظر مختلفة حول سياسة العراق الرسمية. وقد ادى هذا التوجه في الاوساط الشعبية الى حدوث تحول في المواقف العربية الرسمية، بدءاً بجامعة الدول العربية والعمل العربي المشترك مؤتمرات القمم واجتماعات وزراء الخارجية العرب التي انتهت أخيراً الى تأليف لجنة عربية مهمتها العمل على رفع العقوبات عن العراق.
وساعد الوضع الاقليمي، لا سيما الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان عناقيد الغضب 1996 وصولاً الى انتفاضة الاقصى في فلسطين، في تشجيع عملية اندماج العراق التدريجي في النظام العربي كونه يمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً على الجبهة الشرقية، وشارك اكثر من مرة في القتال ضد اسرائيل وكانت صواريخه الاولى والوحيدة التي تسقط على تل أبيب وقرب ديمونا حيث المفاعل النووي في حرب الخليج الثانية. وبدا واضحاً من تصرفات عدد من الدول العربية انها على استعداد لتطوير اوسع للعلاقات مع بغداد، لكنها تخشى الانتقام الاميركي!
مؤشر آخر ظهر عبر الانشقاق في سياسة الدول الكبرى ازاء العقوبات المفروضة على العراق. فقد انقسم مجلس الامن الى جبهتين: الاولى اميركية / بريطانية تتمسك بالعقوبات والحظر وبموقف متصلب. وجبهة ثانية اقل تصلباً وأكثر واقعية تضم فرنسا وروسيا والصين وهي تدعو الى ايجاد نظام جديد للحظر يأخذ في الاعتبار اوضاع الشعب العراقي.
وتأكيداً لإصرار اميركا على موقفها قامت القوات الاميركية والبريطانية بضرب عشرات المواقع العراقية في عملية ثعلب الصحراء 1998 مستعملة صواريخ توماهوك ومستهدفة ضرب مقرات الحرس الجمهوري والمراكز العسكرية، من دون اخذ موافقة مجلس الامن. وكان هذا التصرف بمثابة توجه أميركي الى اعتماد وحدانية القرار خارج مجلس الامن وانطلاقاً مما ذكرته "واشنطن بوست" آنذاك من ان "اميركا وبريطانيا هما اكثر امانة لأهداف الامم المتحدة من الامم المتحدة ذاتها".
وقد أدى هذا التصرف الاميركي الى مفاعيل عكسية:
- طرد خبراء أونيسكوم من العراق.
- زيادة التعاطف مع العراق في أوساط عربية واسلامية.
- افادة استراتيجية للرئيس صدام حسين وليس اضعافه.
وساعد على ذلك ما تكشّف من علاقة بعض مسؤولي اونيسكوم بالاستخبارات المركزية الاميركية وبالموساد الاسرائيلي مما احرج الامم المتحدة.
اخيراً، قيام دول اجنبية وعربية بكسر حظر الطيران الى العراق وتسيير رحلات الى بغداد.
ثانياً: العراق من منظور جيو - سياسي: الثوابت الاستراتيجية.
ان عودة العراق الى الساحة الدولية لا تعود الى مجرد ظروف سياسية مرحلية، بل انها، وبمعزل عن اي نظام سياسي فيه ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تعود الى واقع العراق الجيو - سياسي من حيث "الجغرافيا السياسية" أو من حيث "الجيوبوليتيك" العراقي.
1- فالعراق من حيث حجمه واتساعه يصنف في عداد الدول الوسطى: مساحته 4.437 ألف كلم2. وهي تعادل نحو ربع مساحة إيران وخمس مساحة السعودية و25 ضعفاً مساحة الكويت، وضعفين وثلث مساحة سورية وأربعة اضعاف ونصف مساحة الاردن ونصف مساحة تركيا. وهي الدول المحيطة بالعراق. اما شكله فهو اشبه ما يكون بجرس مقلوب رأسه في الخليج وقطر دائرته السفلى يمتد من الاردن غرباً الى ايران شرقاً مروراً بسورية وتركيا. وليس مربعاً ولا مستطيلاً ولا دائرياً. ومع ان المسافة بين زاويته الشمالية الشرقية والخليج هي في حدود 1000 كلم وقريبة منها المسافة بينها وبين زاويته الجنوبية الغربية على التقاء الحدود العراقية - السورية - الاردنية فإن واجهة العراق على الخليج تبلغ 56 كيلومتراً فقط. فهي اضيق نقاطه مع انها اهم منافذه وأكثرها اهمية، تجارياً واستراتيجياً. وهي المدخل لفهم الكثير من مشاكله مع جيرانه، خصوصاً مع دولة الكويت.
هذا العراق بشكله المخروطي يخترقه نهر دجلة لجهة الشرق ونهر الفرات لجهة الغرب ليلتقيا في شط العرب. ويتألف من جبال عالية وصعبة في الشمال معاقل الاكراد ومن مستنقعات في الجنوب معاقل الشيعة وتحكمه قوى الوسط السنّة حول بغداد، لذا عانى دائماً من مشكلة الاندماج وقدرة الدولة في السيطرة على كامل اجزائه. ولذا نسب الى كيسنجر قوله ان العراق طائر بثلاثة اجنحة الجناح الثالث يعيقه عن التحليق.
2- أما موقع العراق فهو في الزاوية الشمالية - الشرقية للعالم العربي. وهو على علاقة مباشرة عادة ما تكون صدامية مع دول الجوار الجغرافي: ايران وتركيا وهما دولتان قويتان بشرياً وعسكرياً وثقافياً وتشكلان تحدياً مستمراً لعروبة العراق. ان موقع الزاوية لا يمنح العراق مميزات الدولة المركزية او الوسطى في العالم العربي شأن مصر لذا فإن تأثيره عادة ما يكون محدوداً على الواقع العربي. يضاف اليه ان العراق بموقعه هذا يعاني من:
أ- تبعيته المائية بالنسبة الى تركيا حيث ينبع نهرا دجلة والفرات.
ب- تواجد الاكراد الجغرافي في كردستان التي تضم اقاليم من تركيا والعراق وايران وسورية مما يسمح بعدم الاستقرار الناتج من عدم التجانس السكاني وفي ظل مقولة عدم الاعتراف بالآخر كما يسمح بالاختراق التركي للداخل العراقي وهو ما حدث ويحدث بشكل متكرر.
ج- تواجد الشيعة الجغرافي في مناطق المستنقعات جنوباً مما يفرض على السلطة المركزية العمل للسيطرة على التمرد شمالاً وجنوباً وتلك مهمة ليست سهلة نظراً الى طبيعة الاراضي الصعبة جبال ومستنقعات، ولكن عادة ما تتميز عملية اخماد التمرد على الجانبين بالقسوة والبطش.
د- الصراع الحدودي مع دولتين مجاورتين:
أ- الصراع على شط العرب وهو في اساس حرب الخليج الاولى مع ايران كسبب ظاهر ومعلن على الاقل.
ب- الصراع على حقل الرميلة وعلى المنفذ البحري لا سيما جزيرتي وربه وبوبيان مع الكويت وهو في اساس حرب الخليج الثانية كسبب ظاهر ومعلن على الاقل.
ه- قرب العاصمة بغداد من الحدود مع ايران بحيث انها كانت تتعرض للصواريخ من داخل الاراضي الايرانية في اوائل الحرب مداها 150 كلم. ولم يستطع العراق ان يرد بالمثل ويضرب العاصمة الايرانية طهران الموجودة على بعد 600 كلم من حدود العراق الا بعد ان طور صاروخ سكود الروسي الى 650 كلم. وكان هذا الحدث بمثابة تحول في مسار حرب الخليج الاولى.
و- تركز ثروات العراق النفطية الاساسية في اقاليمه الشمالية اجمالاً مناطق كردية لا سيما في مناطق كركوك والموصل وهو ما يفتح شهية الداخل الكردي لاستغلال هذه الثروات، كما يفتح شهية الخارج التركي للمطالبة مجدداً بمنطقة الموصل ذات الغالبية السنّية.
3- من حيث القدرات الديموغرافية، يصل عدد سكان العراق حالياً الى حدود 22 مليون نسمة 3/1 سكان ايران و3/1 سكان تركيا. والشعب العراقي بفضل واقعه الجغرافي - التاريخي وجد نفسه بشكل مستمر على "حدود الخطر الدائم". لذا فهو شعب مقاتل بامتياز. ونسبة العسكريين فيه الى المعلمين هي اربعة الى واحد. فهو شعب مسيّس ومعسكر يعيش هاجس الاستقلال لأنه محاط دائماً بالخطر الداخلي والخطر الخارجي. لذا، يقول احد الباحثين "رفع شعار الاستقلال الوطني الى مستوى ديانة الدولة". وهذا ما يفسر انشداده الى الروح العسكرية وصل تعداد الجيش العراقي في بداية التسعينات الى نحو مليون رجل وصار يحسب في الغرب بأنه الجيش الخامس في العالم. كما يفسر اكثر كيف ان الجيش العراقي ظل على تماسكه وصموده وولائه لبلاده في حرب الخليج الاولى مع ان كثيرين كانوا يتصورون العكس بسبب تركيبته السكانية.
ثالثاً: القدرات الاقتصادية / العسكرية: النفط!
1- يعتبر العراق في الظروف العادية بلداً ذا قدرات اقتصادية / عسكرية جيدة، فهو يعتمد في اقتصاده على النفط والزراعة المروية والصناعة خصوصاً الحربية فهو بلد متقدم قامت مكانته الاستراتيجية ميزانه الاستراتيجي على عناصر عدة، من اهمها: العقيدة العسكرية " الصناعات الحربية " التكنولوجيا العسكرية " التدريب " الاتصالات والاستخبارات " القدرات القتالية، خصوصاً الارادة السياسية لاستخدام القوة وتوظيفها في خدمة اهداف حددتها السياسة. ومن المؤكد ان هذه العوامل تستدعي لدى الدولة العراق ثلاثة شروط هي: متانة الاقتصاد وامكانات الديموغرافيا والاستقرار السياسي. وهذه بعض الارقام المعبرة لما قبل الحرب وما بعدها.
- انفق العراق مئة مليار دولار لشراء الاسلحة 1975 - 1990. وكانت نسبة الانفاق على الدفاع في موازنته 27 في المئة وهي الاعلى في العالم.
- طوّر برامج متقدمة مستعيناً بخبراء غربيين ، خصوصاً ألمان وشرقيين روس لانتاج وتطوير اسلحة الدمار الشامل: القنابل والصواريخ. وكان على وشك انتاج قنبلة ذرية وفي فترة اقرب بكثير مما كانت تتوقعه الاستخبارات الاميركية والاسرائيلية.
- على رغم الضربات التي تلقاها العراق، ولا يزال، على يد التحالف الغربي، وعلى رغم برنامج تدمير وازالة وتفتيش ومراقبة قدراته العسكرية فإنه لا يزال يمتلك حتى الآن بحسب معهد الدراسات الاستراتيجية - لندن 2700 دبابة و380 طائرة و120 طائرة هليكوبتر مسلحة و1600 مركبة و2100 قطعة مدفعية وعدة فرق مدرعة اهمها الحرس الجمهوري.
- في رأي الخبراء العسكريين ان العراق على رغم فقدانه ما يقارب 40 - 60 في المئة من قدرته العسكرية في الحرب فإنه لا يزال من القوى العسكرية المحلية الفاعلة في المنطقة.
2- في اساس كل ذلك مكانة النفط في الاقتصاد العراقي، وفي نظرة سريعة الى انتاج النفط العراقي وعوائده قبل الحرب وبعدها راجع الجدول تتبين القدرة المالية التي كانت تسمح للعراق، قبل الحرب، بتخصيص 3 مليارات دولار سنوياً للدفاع. لقد كانت المعادلة واضحة في مسألة الحظر: وقف تدفق النفط لوقف تدفق الاموال لوقف تدفق الاسلحة بهدف تحجيم وشل طاقات العراق العسكرية. لذا وضع العراق خارج "كوتا" اوبك.
ان سيطرة العراق على الكويت جعلته يتحكم بنحو 22 في المئة من احتياط النفط العالمي كما سمحت له بالتحكم بأسعار النفط داخل اوبك قبل الحرب وهو ما لم تقبل به الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. لكن العراق شرع أخيراً في اعتماد سياسة جديدة هي السعي لاستغلال ازمة سوق النفط العالمية حيث ارتفع سعر البرميل ثلاثة اضعاف من 10 دولارات الى 30 دولاراً. وازاء ما سمي الصدمة البترولية الثالثة اعتمد العراق تكتيكات سياسية / اقتصادية للضغط على دول القرار بهدف رفع العقوبات عنه، اي انه سعى لاستغلال مسألة النفط كسلاح سياسي. من ذلك:
أ- اصراره على ان تدفع عائداته النفطية باليورو الاوروبي وليس بالدولار الاميركي. وهو مطلب له معانيه الاقتصادية والسياسية. فمن جهة يحارب السياسة الاميركية ومن جهة اخرى يشجع الموقف الاوروبي.
ب- اعلانه عن وقف ضخ النفط عبر تركيا لفترة معينة كي يزيد من وضع عدم الاستقرار في سوق النفط ويؤثر في الاسعار.
ج- طلب زيادة 40 سنتاً على كل برميل مباع على ان تدفع هذه الزيادة باسم الحكومة العراقية وتكون خارج صندوق العائدات الذي تديره الامم المتحدة.
د- العمل على اعادة ضخ النفط عبر خط بانياس السوري وربما في وقت لاحق طرابلس اللبناني. وعلى رغم تعهد سورية التزام قرارات مجلس الامن، كما يؤكد الاميركيون، فإن قسماً من النفط يضخ الى سورية نحو 150 ألف برميل / يوم لاستعمال السوريين.
اخيراً، ومهما كانت نتائج استعمال النفط العراقي كسلاح سياسي بين بغداد وواشنطن، فإن الامر المهم الذي لا يشار اليه عادة في الغرب باعتباره سراً استراتيجياً هو ان احتياط العراق النفطي ليس فقط 5.112 مليار برميل اي ما يعادل نسبة 9.10 في المئة من الاحتياط العالمي، بل هو احتياط يصل الى 261 مليار برميل بحسب دراسات قدمت الى مؤتمر للنفط عقد في نيويورك آذار 1999. وهذا هو السر الذي لا يتحدث عنه احد، وربما يكون احد الاسباب الاساسية بل الاكثر اهمية في فهم الاصرار الاميركي / البريطاني على احتواء العراق سلماً او حرباً!
رابعاً: بعض الاستنتاجات العامة.
اذا كان لنا ان نخرج ببعض الاستنتاجات الاساسية على ضوء ما طرحناه حول العراق لأمكن اختصار ذلك بالامور الآتية:
1- قدرة العراق: وقوته جزء من قدرته باعتبار ان القدرة تشمل وضع كل طاقات الدولة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية، بالاضافة الى قوته العسكرية في خدمة اهدافه السياسية. فقد اجتمعت للعراق اربعة عوامل اساسية:
- قدرة شعبه، المقاتل المسيس.
- اهمية انتاجه النفطي الثاني في الدول العربية والخامس في العالم عام 1990.
- الحكم الايديولوجي القوي الذي يحمل مشروعاً جيوبوليتيكياً لتحقيق الوحدة العربية مهما كانت وجهة النظر في هذا المشروع من حيث الممارسة.
- بلورة قوة عسكرية صلبة ومدربة ومجهزة بأفضل أنواع الاسلحة، لا سيما من أوروبا وروسيا في حربه مع ايران.
بمعنى آخر اصبح للعراق بدعم من الغرب في مواجهة ايران طاقة عسكرية كبيرة، وعندما توقفت حرب الخليج الاولى عمل الرئيس العراقي على استخدام هذا الرصيد في اتجاهات اخرى فاستدار نحو سورية عبر لبنان ومن ثم باتجاه الكويت.
2- ليس العراق قوة بحرية: على كبر قدرته البرية والجوية لم يكن العراق، ولن يكون، قوة بحرية. وضربته عادة ما تأتي من البحر من حاملات الطائرات. هذا الوضع يعود الى اسباب جيو - سياسية ويفسر الى حد كبير صراعه المزمن مع الكويت. فهو ينظر الى دولة الكويت على انها "حاجز استعماري" يحول دون انطلاقه عبر البحار عبر الخليج وبالتالي يقيّد حريته وقدرته وتحركه السلمي البضائع والحربي الجنود والعتاد والانساني الافكار، لذا طالب دائماً بتوسيع واجهته على الخليج وذلك على حساب الكويت.
3- شرايينه الى العالم: بناء على ما تقدم، لم يعد امام العراق كي يرتبط بالعالم سوى استعمال احد شرايينه الاربعة التي توصله بالبحار: اما الكويت باتجاه الخليج واما سورية وتركيا باتجاه المتوسط واما الاردن باتجاه البحر الاحمر. وفي رأي بعض المحللين ان القيادة العراقية، وحتى النخبة العراقية، لم تستوعب اهمية الاعتناء والبناء على هذه الشرايين الاربعة لأنها لم تدرك اهمية الموقع في الجغرافيا السياسية للدولة. وبالتالي فإن على العراق التعويض عن "فقره البحري" عبر سياسة علاقات حسنة مع الدول المجاورة القادرة على ايصاله الى عمق البحار المحيطة. فهي القادرة على ان تفتح امامه ابواب العالم. وعلى العكس من ذلك كانت علاقات العراق بهذه الدول علاقات سلبية بشكل عام.
4- المأزق الاميركي تجاه العراق: اعتمدت الولايات المتحدة، ولا تزال، سياسة متصلبة ازاء العراق وبالتحديد ضد الرئيس صدام حسين. ولكن هذه السياسة لم تنجح الا جزئياً بتدمير وشل جزء مهم من الترسانة العسكرية العراقية من دون ان "تحتوي العراق" وتزيح الرئيس صدام عن السلطة. والمأزق الاميركي عائد الى محاولة أميركا التوفيق بين ما ليس متوافقاً في نظرتها الى العراق، اي احتواء دوره الاقليمي من دون اسقاط النظام. بمعنى آخر تحقيق ثلاثة اهداف متعارضة: تجريد العراق من السلاح واسقاط صدام حسين وابقاء العراق موحداً.
هذه النظرة تواجه اربعة عوائق:
أ- عدم تعاون اجنحة المعارضة مع اميركا. وهي معارضة مشرذمة اتنياً وسياسياً وايديولوجياً وتزداد تشرذماً كلما لقيت دعماً واهتماماً دوليين بها بما فيه التمويل الاميركي بحيث قفزت من 4 معارضات عام 1990 الى 80 فصيلاً عام 1998 غداة موافقة الكونغرس الاميركي على قانون "تحرير العراق".
ب- تحفظ دول الجوار العراقي تركيا وسورية وايران عن المشاركة في دعم التوجه الاميركي لأنه سابقة خطرة ستفتح الباب على احتمالين ليسا في مصلحة دول الجوار هذه وهما: تهديد وحدة العراق ومن ثم تهديد وحدة كل من هذه الدول المجاورة.
ج- تعمق الخلاف داخل مجلس الامن حول المسألة العراقية بين تيارين معروفين: أميركا وبريطانيا في جانب وفرنسا وروسيا والصين في جانب آخر.
د- التخوف الاميركي من النتائج التي تستتبع سقوط صدام حسين مما يفسح في المجال لقيام حرب من اجل السلطة في الداخل، واستفادة ايران من ذلك لكي تمد نفوذها الى الجانب الآخر من الخليج. ومثل هذا الاحتمال يرتبط اما بعمل عسكري واما بانقلاب عسكري واما بثورة شعبية، وهي احتمالات حاضرة دائماً في اذهان المخططين الاميركيين ولكنها غائبة مرحلياً عن الوضع العراقي.
5- من الاختناق الى المغامرة!
في التصنيف الذي يضعه هنري كيسنجر للقيادات في العالم، يفرق وزير الخارجية الاميركي السابق بين نوعين منها: القيادة الطوباوية ورجل الدولة.
الاول هو قائد "طوباوي" يفرض رؤيته على الواقع ويتمسك بآرائه كمبادئ ومسلمات.
والثاني هو قائد واقعي يتعاطى بعقله مع الواقع ويقول بتعدد الخيارات طبقاً لمسار الاحداث ولجدلية الفكر والواقع.
والرئيس صدام حسين هو من الصنف الاول بحيث تحددت مسلماته في ضوء ايديولوجيتين ظهرتا بوضوح في مقاربته لحرب الخليج: البعد الاسلامي والبعد العروبوي كما تجسدها عقيدة حزب البعث وترجمتهما في شعار الاسلام على علم راية العراق والوحدة العربية.
باختصار كلي: ان العراق على ما فيه من طاقات بشرية ومادية يعاني فعلياً من اختناقين: اختناق داخلي بسبب تركيبته الاتنية، واختناق خارجي بسبب محدودية اطلالته على البحار خصوصاً على الخليج. وفي وضع كهذا: قيادة متمسكة بآرائها من جانب واختناق جيو - سياسي من جانب آخر، فإن النتيجة المؤكدة لاجتماع هذين العنصرين هي قيام المغامرة كتعبير مباشر و"منطقي" للطوباوية والاختناق. وهذا ما فعله الرئيس العراقي في حربه الاولى مع ايران وما ردده اكثر في حربه الثانية باجتياح الكويت
معطيات أساسية عن العراق في التسعينات
السكان: 8.21 مليون نسمة
المساحة: 4.437 ألف كلم2
الكثافة: 7.48 في كلم2
معدل الحياة: 62 عاماً
وفيات الاطفال: 104 بالألف
الدخل القومي: 500.18 مليار 1998
مرتبته في التنمية البشرية: الدولة 127 من اصل 174 دولة.
معدل النمو: - 7.19 ما بين 90 - 95 " 25 في المئة عام 97 و" 16 في المئة عام 1998.
معدل التضخم: 100 في المئة عام 93 و300 في المئة عام 94 و250 في المئة عام 95 و225 في المئة عام 96 و200 في المئة عام 97 و140 في المئة عام 1998.
المراجع: Lژtat du Monde 1999 - RAMSES 2000 IFRI
عائدات العراق من النفط 1991-1990-1985
بليون دولار اميركي
1985 10685
1990 9463
1991 380
1992 325
1993 365
1994 365
1995 370
1996 680
1997 4590
المرجع : المستقبل العربي عدد 261 - 11 - 2000


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.