تزعمت فرنسا بقيادة الرئيس جاك شيراك سياسة مناهضة للولايات المتحدة في موضوع الأزمة العراقية. وكان لهذه السياسة الجريئة نتائجها المباشرة على السياسة الدولية سواء في مجلس الأمن أم في أوروبا والغرب أم في العالم العربي ما دفع بعضهم الى القول ان الرئيس الفرنسي أصبح زعيم الشارع العربي بلا منازع. وبالفعل فإن الموقف الفرنسي كان في أساس التحولات التي أدت الى استقطابات جديدة ما أربك الموقف الأميركي ووضع الولاياتالمتحدة في موقع الدفاع بعدما كانت، عسكرياً وسياسياً، في موقع الهجوم. هذا "الكباش" الفرنسي - الأميركي: ما هي خلفياته؟ وأبعاده وانعكاساته ونتائجه؟ أولاً في الخلفيات. يعترف الأميركيون والفرنسيون على السواء بوجود مشاعر لدى بعض الشعبين معادية للشعب الآخر: الفرنسيون يسمونها الانتي - أميركانية والأميركيون يسمونها المشاعر المعادية للفرنسيين Francophobie. ومع ان الاميركيين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية الى جانب فرنسا ونزلوا على شواطئ النورماندي "لانقاذ فرنسا عام 1944" فإنهم ينتظرون دائماً موقف الشكر من الفرنسيين الذين يردون كما قال وزير خارجية فرنسا دو فيلبان بأنهم الشعب الأوروبي الوحيد الذي لم يقاتل الشعب الأميركي، بل ساعده على الاستقلال: واحدة بواحدة! إلا ان بروز الخلاف بين الولاياتالمتحدةوفرنسا بدأ مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول في الخمسينات وكان يدور حول مفهوم حلف شمال الاطلسي الذي عملت الولاياتالمتحدة على إقامته في أوروبا كي يكون سداً في وجه الاتحاد السوفياتي. فالرئيس ديغول المعروف بنزعته الوطنية الاستقلالية، رفض ان يكون كغيره من دول أوروبا، مجرد بيدق يدور في فلك أميركا، بل اختار استراتيجية الخيار الاستقلالي النووي كتتمة للاستقلال السياسي الوطني وتعبيراً عنه، فلا تبقى فرنسا في كل شيء، لا سيما في قدرتها الردعية، مرتهنة لأميركا. فالرئيس ديغول يؤمن بأن فرنسا بلد له خصوصيته وقدراته وامكاناته وظروفه التي تختلف في كثير أو قليل عن أميركا. وهذا المنحى الاستقلالي المبني على الكبرياء الوطنية التي عرف بها الرئيس ديغول كانت ولا زالت مع تلميذه جاك شيراك تزعج القيادات الاميركية في البيت الأبيض. وهي قيادات كان ولا تزال تنظر الى أوروبا على انها تابع لأميركا أكثر مما هي حليف لها. وتعبيراً عن سياسته الاستقلالية تلك اتخذ ديغول جملة مواقف واجراءات أثارت سخط الاميركيين: منها الاعتراف بالصين الشعبية 1964 وانتقاد التدخل الأميركي في فيتنام 1966 والوقوف الى جانب العرب بعد الحرب العربية الاسرائيلية 1967، في حين وقفت اميركا بالكامل الى جانب اسرائيل بالاضافة الى موقفه من حلف شمال الاطلسي وهو الأهم الى الحد الذي دفع بعضهم الى التساؤل: هل يمكن القول ان الرئيس ديغول، وبعيداً عن شخصيته الاستقلالية، كان في العمق رجلاً انتي أميركياً؟ وهو سؤال طرحه وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر على وزير خارجية فرنسا السابق رولان دوما في التسعينات يوم قال: "هل أنتم معنا أم ضدنا؟". وبلغ الأمر بصحيفة "واشنطن بوست" ان اعتبرت فرنسا خصماً استراتيجياً، ولهذا استبعدت بعد حرب الخليج الثانية عن اعادة إعمار الكويت وعن مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. هذه الخلفيات ظهرت أخيراً على ألسنة السياسيين لا سيما رامسفيلد ووسائل الاعلام في البلدين حيث استعملت تعابير قاسية ايقظت المشاعر الأنتي اميركية والأنتي فرنسية على جانبي الأطلسي ولا مجال لسردها، ولعل أبرزها قول وزير الدفاع الأميركي ان "فرنساوألمانيا تمثلان أوروبا القديمة" ما دفع وزيرالخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان الى الرد غير المباشر في جلسة مجلس الأمن 14/2/2003 اذ قال بأسلوبه الشاعري الذي استحق تصفيق الحضور: "ان بلدي العتيق فرنسا لا ينسى أبداً ويعرف كل شيء وما يتوجب عليه ازاء مقاتلي الحرية الآتين من أميركا. ومع ذلك فهو لا يزال واقفاً إزاء التاريخ وأمام البشر أميناً لقيمه ومؤمناً بقدرتنا جميعاً على بناء عالم أفضل". ثانياً في الابعاد. يشكل الصراع الفرنسي الأميركي نموذجاً للصراع بين الثقافات في عالم يتجه نحو الاستقطاب الواحد من خلال العولمة. فأميركا تستعمل أربعة وسائل للسيطرة على العالم: القوة العسكرية والقوة الاقتصادية، والقوة المالية البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والقوة التكنولوجية الاعلامية. إن فرنسا تمثل تمرداً على التسطيح الثقافي/ الحضاري ويعبّر موقفها السياسي عملياً عن موقف اعتراض ثقافي ضد الهيمنة والتماثلية Uniformisme والامتثالية Conformisme، والسؤال المطروح هنا هو: هل تترك اميركا لوحدها قوة "قطبية" واحدة وبلداً ذا نزعة امبراطورية تقوم "بترتيب" أو "تشكيل" العالم وفق رؤيتها الاستراتيجية المرتبطة اساساً بمصالحها وفي عديد من الحالات برؤى مستشاريها المؤمن القومي، من زمن كيسنجر... الى زمن كوندوليزا رايس؟ ام أن العالم هو مجموع ثقافات، كما يردد دائماً شيراك، ولا بد من احترامها ومعاملتها على قدم المساواة والتعاون في ما بينها كمدخل للتضامن والتفاهم بين الشعوب والأمم؟ ثالثاً في الانعكاسات. تبلور الموقف الفرنسي الرافض "لمبدأ الحرب المبرمجة سلفاً على العراق" لدى مناقشة القرار 1441 الصادر عن مجلس الأمن. وتمسكت فرنسا بالمبدأ القائل ان كل موقف من العراق بموجب القرار 1441 ينبغي ان يستند حكماً الى نتائج عمل فرق التفتيش وان قرار الحرب هو الأسوأ... وهو الأخير بعد استنفاد جميع الوسائل. وفي حين كانت الولاياتالمتحدة تحشد قوات ضخمة حول العراق كانت فرنسا تدعو الى اعطاء المفتشين الوقت الكافي للقيام بمهامهم، وانها على قناعة بامكانية تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل من دون حرب. منذ بداية الأزمة تمسك شيراك بثلاثة مبادئ أساسية ولم يحد عنها: الأول: ان لا يمتلك العراق أسلحة دمار شامل يمكن ان تقع في أيدي الارهابيين. الثاني: إعطاء الوقت الكافي للمفتشين للقيام بمهامهم في العراق. الثالث: ان الحرب على العراق يمكن ان تتخذ شكل حرب من الشمال على الجنوب او شكل حرب يقوم بها الغرب على العالم العربي الاسلامي، وهذا هو بالضبط ما يريده ويسعى اليه ويعمل من اجله اسامة بن لادن! وبالتالي ستكون له عواقب وخيمة على الجميع. هذا الموقف الفرنسي الذي جرى التعبير عنه مباشرة على لسان المسؤولين الفرنسيين او من على المنابر الدولية، خلق ما يشبه "حالة دولية جديدة" وأدى الى بروز تحولات في الموقف العراقي والموقف الدولي والموقف العربي. ففي العراق كان الرئيس صدام حسين قد أعلن منذ العام 1998 رفض بلاده قبول مفتشين دوليين ورَبَط ذلك بوقف الحصار المفروض على العراق. ومع صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1441 ترددت السلطات العراقية بين القبول والرفض فصدرت عنها تصريحات متناقضة. ثم عادت فقبلت القرار، وبفعل الضغط العسكري الأميركي ونصائح الجهات الدولية، خصوصاً الفرنسية تحول الموقف العراقي من واقع القبول الحذر الى شكل من أشكال التعاون الذي اتخذ منحى تصاعدياً: - من الترحيب بالمفتشين الدوليين حتى ولو وصفهم الرئيس العراقي بالجواسيس. - الى تسهيل مهامهم: إقامة وتحركاً. - الى السماح لهم بدخول اي مكان وتفتيشه بما في ذلك قصور الرئيس صدام. - ومن ثم السماح، بعد تردد وممانعة وشروط باستجواب العلماء العراقيين من دون حضور مندوب عن السلطات العراقية وبالتالي امكانية استجوابهم خارج العراق. - تقديم معلومات عن وضع العراق التسلّحي وكان ذلك في 12 ألف صفحة. - قبول السلطات العراقية، بعد تردد، بالسماح للمفتشين استعمال طائرات استكشاف فوق العراق اميركية وفرنسية وروسية. - وأخيراً لا آخراً، صدور مرسوم جمهوري عراقي، وافق عليه مجلس الشعب، يحظر استيراد او انتاج كل ما له علاقة بأسلحة الدمار الشامل. هذه التحولات التصاعدية في الموقف العراقي ترافقت مع تحرك سياسي داخلي وعربي ودولي تركّز على ثلاث نقاط: أ - التزام العراق الكامل بتنفيذ القرار 1441 بكافة بنوده ومندرجاته. ب - ليس لدى العراق أسلحة دمار شامل من أي نوع كان وليس على علاقة ب"القاعدة". ج - ان اميركا تهدف من وراء حشودها الى الاستيلاء على ثروات العراق النفطية وفرض حل اقليمي لمصلحة اسرائيل وإجراء تغيير في نمط الحياة العربية الاسلامية. أما على الصعيد الدولي، والأوروبي تحديداً، فقد قام تحالف فرنسي الماني مناهض للحرب. ودافعت فرنسا بشدة وبشجاعة وبقدرة اقناعية عن هذا الخيار. وبناء عليه بدأت تستقطب حولها مواقف دول كبرى، كروسياوالصين، الى حد القول انها ربحت المعركة الديبلوماسية على اميركا في منازلة مجلس الأمن الشهيرة في 14 شباط فبراير 2003 حيث كان وزير الخارجية الفرنسي بليغاً وحازماً ومقنعاً مستعملاً لغة فرنسية اريستوقراطية ومؤثرة مدافعاً عن خيارات فرنسا وأوروبا وشعوب العالم في خطاب اعتبر من أبرز المرافعات التي شهدها مجلس الأمن على الاطلاق. ولقد ذكرت مصادر فرنسية ان هذا الخطاب جرت مراجعته كلمة "كلمة" بين شيراك ودو فيلبان. هذا التوجه الذي تزعمته فرنسا أدى الى امرين مهمين: الأول: بروز شرخ في مجلس الأمن انعكس على الحلف الاطلسي والاتحاد الأوروبي، إذ قامت ثماني دول اوروبية بينها بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا باصدار بيان تؤيد فيه الموقف الأميركي. كما رفضت فرنساوألمانيا وبلجيكا تغطية تركيا من جانب حلف الاطلسي في حال وقوع حرب على العراق. الثاني: خلق دينامية عالمية مناهضة للحرب تمثلت في تظاهرات في العديد من مدن العالم شارك فيها الملايين من المتظاهرين الذين رفعوا اليافطات ضد الحرب وضد اميركا. ومع ذلك، فإن ثنائي شيراك دو فيلبان لم يكن يهدف الى خلق شرخ مع الولاياتالمتحدة وإنما العمل على تلافي مثل هذا الشرخ وهو ما أكده شيراك لمجلة "التايم". من جهة ثانية، كانت الكنائس، وعلى رأسها الكنيسة الكاثوليكية تقوم بحملة مناهضة للحرب. فالبابا يوحنا بولس الثاني أوفد الكاردينال اتشيغاري الى بغداد للعمل على تجنب الحرب. وكما وصفته صحيفة "اوبسرفاتوري رومانو" فالبابا هو "شحّادْ السلام". وفي رأيه "ان الحرب ليست قدر البشرية بل هي علامة فشل الحياة البشرية"، انها الشاذ وليست القاعدة. وهذا التوجه تلاقى مع توجهات مختلف الكنائس في جميع انحاء العالم، بما في ذلك داخل الولاياتالمتحدة، وبشكل خاص كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي. باختصار، كان الموقف الفرنسي أشبه بكرة ثلج راحت تكبر حتى شملت العالم أجمع! ولم يُخف دو فيلبان رؤية فرنسا للعالم عندما دعا الى عالم متعدد الاقطاب. وليس احاديّ القطبية كما دعا الى ضرورة قيام أوروبا قوية وموحدة على تفاهم مع أميركا وليس على تبعية لها. هذا الكباش الفرنسي الأميركي ليس مجرد طروحات نظرية بل له ابعاد روحية/ ثقافية ومادية مصلحية وجيواستراتيجية: من الناحية الروحية/ الثقافية تمثل فرنسا تراث الفكر الأوروبي الفلسفي، بما فيه البعد السياسي القائم على قاعدة المبادئ. في حين ان أميركا تبني فكرها الفلسفي على قاعدة البراغماتية، ما يخلق اختلافاً لئلا نقول تناقضاً في النظرة الى العالم. ويقوى هذا الاختلاف عندما يعمل كل جانب على الاستئثار بقيم كبرى مشتركة ولكن منظوراً اليها كل من زاويته من مثل: الفكر المطلق وحقوق الانسان والديموقراطية ورؤية العالم. إن التأني في دراسة خطاب فيلبان في مجلس الأمن يؤكد انه يعطي أميركا "درساً" في هذه المجالات ويرفض ان يتعلم منها الدروس لأنه استاذ "قديم" وهي دولة "فتيّة". من الناحية المادية/ المصلحية هناك دور وحصة الشركات النفطية الفرنسية في العراق وسعي أميركا عبر الحرب لوضع يدها على ثروات البلاد وتجيير الاقتصاد، لا سيما النفط الى الشركات الاميركية. وهناك حرب اليورو والدولار والانكماش في الاقتصاد الأميركي والسعي للخروج منه عبر بوابة الحرب. من الناحية الجيو - استراتيجية، أرست فرنسا الأسس لقيام عالم متعدد الاقطاب تشكل فيه أوروبا قوة يحسب لها حساب: قوة سياسية واقتصادية. من هنا العتب الذي ابداه الرئيس شيراك على الدول الحديثة الانضمام الى أوروبا الموحدة بأنها تسرّعت في اتخاذ مواقف ليست في مصلحتها على المدى البعيد. كما أفسحت فرنسا في المجال امام كل من روسياوالصين لابراز اختلافهما عن الموقف الأميركي والانضمام الى المعسكر الأوروبي بقيادة فرنسا، وقد كانتا، كل واحدة لأسبابها الخاصة، تتجنب المواجهة مع أميركا لأسباب اقتصادية او سياسية. التحول في الموقف العربي كان من الطبيعي ان ينعكس الموقف الفرنسي على الموقف العربي الرسمي والشعبي. فالأنظمة العربية عادة ما تتجنب المواجهة والصدام مع أميركا: إما استحياء وإما خوفاً وإما حقداً على الرئيس العراقي، ولكن البداية كانت بموافقة سورية على القرار الرقم 1441 في مجلس الأمن. وبعد انطلاق الأمور من عقالها عبر الشارع العالمي تمثل الشارع العربي والأنظمة العربية وتمّت الدعوة الى مؤتمر لوزراء الخارجية العرب ومن ثم لقمة عربية. لقد كان الحذر سيد الموقف ثم جرى التفتيش عن حل بإزاحة الرئيس صدام حسين من دون حرب. ثم وجدت بعض الدول العربية باباً للتحرك بتلبية دعوة تركيا الى اجتماع اسطنبول. لكن الأمور تبدلت بعد اعلان وزير الخارجية الأميركي كولن باول في مجلس الشيوخ ان الحرب على العراق ستؤدي الى اعادة تشكيل الشرق الأوسط. هذا الكلام وضع معظم الأنظمة في المنطقة أمام مصيرها وأظهر ان لأميركا اهدافاً كبرى تتجاوز العراق والحرب على صدام وأسلحة الدمار الشامل بل هي تتخطاها الى رسم خريطة جديدة للمنطقة انطلاقاً من العراق وستكون في ذلك جميع الأنظمة مهددة بشكل أو بآخر وستكون الحصة الكبرى لمصلحة آرييل شارون واسرائيل وبالتالي ليس هناك ما يخسرونه زيادة فكانت دعوتهم "لتأكيد الموقف الفرنسي" والاصطفاف خلف التوجه الفرنسي في وقت كانت الاساطيل والطائرات الاميركية تتحرك في اجواء المنطقة كلها. وفي وقت كان شارون يحقق أكبر نصر لحزب الليكود في تاريخ اسرائيل بحصوله على حوالى ثلث نواب الكنيست! وفي وقت بدا فيه ان شارون ينتظر بدء الحرب الأميركية على العراق ليبدأ هو حربه انطلاقاً من جنوبلبنان! أمام هذين الخطرين المحدقين تحول شيراك الى قائد للتيار الانتي أميركي والاسرائيلي وقيل عنه انه تحول الى زعيم العالم العربي، لأنه لا يوجد زعيم قادر على رفع الصوت بوجه اميركا! لبنان ومؤتمر القاهرة وفي الوقت الذي كانت الآمال تعقد، بنسبة او بأخرى، على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة برئاسة وزير الخارجية اللبناني محمود حمود، بهدف الدعوة الى قمة عربية يكون اهم اعلان عنها بالتأكيد دعم الموقف الفرنسي، إذا بالأمور تتحول الى انتكاسة عربية ولبنانية، إذ لم يتفق وزراء الخارجية العرب على موعد للقمة العربية، ما اعتبر فشلاً في وقت اعترضت الكويت بقوة على البيان الذي أصدره وزير الخارجية اللبناني والذي أدى الى اندلاع أزمة بين الكويت ولبنان قد تكلف لبنان الكثير اقتصادياً في ظروف صعبة. وقد أعاد هذا الموقف بتداعياته السلبية الى الذاكرة الخط الثابت للسياسة الخارجية اللبنانية من زمن حميد فرنجية الى فيليب تقلا وصولاً الى فؤاد بطرس وهو القائل: إن لبنان مع العرب اذا اتفقوا وهو على الحياد في ما بينهم اذا اختلفوا، وإلا فسيدفع غالياً ثمن خروجه على هذا المبدأ... وهو ما نشهده الآن! في النتائج وإذا كان لنا ان نجمل النتائج المتوقعة للصراع في تداعياته الحالية لأمكن القول: - ان الشرخ قائم وقد يتسع بين أميركا وأوروبا من دون ان تسعى اوروبا - شيراك الى حدود القطيعة: تأكيد الذات والتفاهم واستنفاد خيار السلام قبل الوصول الى خيار الحرب، ولهذا فهي ضد قرار جديد لمجلس الأمن. - اميركا ستحاول استصدار بيان جديد عن مجلس الأمن إما لأنها كفلت 9 اصوات وتريد من فرنسا ان تستعمل حق النقض وإما غسلاً ليديها من دم الأممالمتحدة على قاعدة: استشرناكم فلم تتجاوبوا. إذاً سنتصرف منفردين. - ستحاول أميركا بالتأكيد تدفيع فرنسا الثمن، لا سيما في أفريقيا انطلاقاً من ساحل العاجل وتدفيع شرودر في ألمانيا وهو ما برز في الانتخابات الأخيرة. - ستقوم أميركا بتدفيع بعض الأنظمة العربية الثمن. - إذا تأكد قرار الحرب، وهناك من يقول انها حتمية، فإن أميركا ستحرم أوروبا من منافعها الكبرى في العراق وستفرض حلاً للقضية الفلسطينية وتتحكم ببترول الشرق الأوسط وبالتالي بالإمدادات لليابان وأوروبا وحتى الصين على مدى ربع قرن مقبل. الخلاصة ان الرئيس شيراك اتخذ ما يسمونه بالفرنسية رهاناً بمخاطر كبيرة. حتى الآن كان رهانه ناجحاً في فرنسا وأوروبا والعالم العربي والعالم. لكن الى متى يبقى ذلك في ظل الآلة الأميركية القادرة على تغيير الأوضاع وتدفيع الأثمان لكل من لم يلتحق بالمشيئة الأميركية. ومهما يكن من أمر فإن فرنسا الديغولية تعتبر نفسها الأقرب والأكثر فهماً لواقع حوض المتوسط ودول الشرق الأوسط، إن على مستوى الروح ام على مستوى المصالح. ولا شك في ان وقوف شيراك في وجه الغطرسة الأميركية جعله زعيم الشارع العربي. لكن الى متى؟