أصدر مركز زايد للتنسيق والمتابعة، في ابو ظبي، دراسة تحت عنوان : " النفط في السياسة الخارجية الأمريكية : حسابات النفط في الحرب العراقية " في إطار توجهاته الرامية إلى المتابعة الجادة لكافة المستجدات على الساحة العربية بأبعادها المختلفة ، وبما يسهم في طرح الرؤى حولها من قبل المتخصصين وأهل الفكر والرأي ، وصولاً إلى الإدراك الواعي ، والإلمام المستنير بتأثيراتها على واقع ومستقبل الأمة العربية . وكمدخل لتناول الدراسة لموضوعها أشارت إلى أن الاهتمام الأمريكي بالنفط لم يأت مصادفة ، أو بتفكير سطحي للبعض ، أو بسياسات عشوائية ، إنما هو محور أساسي من محاور الحركة الأمريكية على مستواها الإستراتيجي والعسكري ، فالتدقيق يثبت فاعليته في كثير من خطوات التحرك الأمريكي على المستوى العالمي . وأظهرت الدراسة صورة التحول الأمريكي على الساحة العالمية ودوافعه، والتي جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م لتحفز هذه الإدارة على كشف مضامين إستراتيجيتها في إطار تأكيد زعامتها وهيمنتها، وأعلت من شأن أزمة الطاقة بارتفاع الأسعار، ودعوات التخلص من التبعية النفطية الأجنبية التي وصلت إلى حوالي 60% من احتياجاتها النفطية ، وبرزت المسألة العراقية وضرورة حسمها لتعيد حسابات النفط الإستراتيجية الأمريكية والحرص الأمريكي الجاد على السيطرة على الثروات النفطية هناك . وباستعراض الدراسة لأبعاد الإستراتيجية الأمريكية وموقفها في السياسة الخارجية الأمريكية أوضحت الضرورات التي دفعت الولاياتالمتحدة على الإصرار على إنهاء الأزمة العراقية بالأعمال الحربية ، لأن الهدف المعلن وهو نزع أسلحة الدمار الشامل وتدميرها، هدف تعلم الولاياتالمتحدة قبل غيرها أنه تحقق فعلاً ، وأن تغيير النظام العراقي والهيمنة على مقدرات العراق وخاصة النفطية هو الهدف الرئيس، فالنفط العراقي أمامه مستقبل كبير لو توفرت الاستثمارات اللازمة لتطويره، وأن من يسيطر على النفط العراقي سوف يسيطر على ثروة ضخمة تسمح له بالسيادة الاقتصادية لعقود طويلة . كما أبانت الدراسة أن العراق الذي يأتي في مسار الحزام الأمني الأمريكي الممتد من البلقان حتى جنوب آسيا وشرقها مروراً بمنطقة الخليج ومنطقة قزوين ووسط آسيا ( أفغانستان ) ووصولاً إلى الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان ، هو استكمال الحلقات ، والتي تستكمل حصار إيران من الغرب وأيضاً يكون التواجد الأمريكي في هذا البلد، علاوة على هيمنته على مقدراته وثرواته ، فإنه يتيح له تواجداً عسكرياً واقتصادياً مؤثراً في المنطقة، ويساعد الإستراتيجية الأمريكية إلى حد بعيد في رسم سياستها تجاه الأصدقاء أو الأعداء ، وخاصة في جانبها الاقتصادي من خلال سياسة المنح والمنع . وأظهرت الدراسة مدى التقاء الأهداف الإسرائيلية والصهيونية في الحرب على العراق، وأوضحت دور اليمين الصهيوني الأمريكي في تصعيد دواعي الحرب وتأجيجها، وهو الأمر الذي أثارته الأوساط الإعلامية نفسها داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ، والذي أعلنته إسرائيل مراراً على لسان مسئوليها ، حتى أن هؤلاء المسئولين أخذوا يطالبون بالإسراع بالحرب وقد أوضحت الأوساط الأمريكية جهوزية التنسيق بين البلدين في هذا الاتجاه . وأشارت الدراسة إلى أن الحكومة الأمريكية راهنت على النفط العراقي في إطار استقطابها للحلفاء في حربها ضد النظام العراقي ، حيث حدد تقرير لمدير معهد أكسفورد لدراسات الطاقة المهام المستقبلية للنفط في ظل أي نظام عراقي ، وهي : تعويض الأضرار التي لحقت بحقول النفط وغيرها من إمدادات النفط بسبب النقص في أموال الاستثمارات وقطع الغيار والمعدات والصيانة غير الكافية . وخاصة على ضوء ما يمكن أن يحدث لهذه الحقول أو مواقع الإنتاج الخدمي لها من أضرار بسبب الحرب ؛ والتفاوض مع شركات نفط أجنبية على شروط اتفاقيات تقاسم الإنتاج للاستثمارات والعمليات في كل من حقول النفط الجديدة والقديمة ، وخاصة إذا ما تم تغيير النظام العراقي الحالي ؛ إن الشروط الحالية للشركات ترتبط بمعايير الاتفاقات الخاصة بتقاسم الإنتاج النفطي وهي شروط قائمة منذ زمن بعيد وبالتالي فإن ذلك سيصعب الإقرار بأية شروط للشركات أكثر إرضاء من تلك التي هي قائمة الآن . وقطعت الدراسة بأن النفط العراقي ومشاريع تطويره والاستثمارات التي من المنتظر أن تقوم بها الشركات النفطية سوف توفر عوائد نقدية كبيرة ترغب الولاياتالمتحدة من خلالها سداد الديون وتكاليف الشركات إعادة الإعمار والتي من المنتظر أن تكون أمريكية في أغلبها ، وسداد مستحقاتها من عوائد النفط . وهكذا فإن النفط العراقي سيكون مسؤولاً عن فاتورة الحرب والتي لن تقل عن مائة مليار دولار، وبالتالي فإن النفط العراقي سيكون رهناً للإدارة الأمريكية حتى يستكمل سداد الديون المتراكمة على العراق للخزانة الأمريكية حسب تقديراتها . وخلصت الدراسة إلى أن أسباب الحرب ضد العراق متعددة، وإن كان النفط كما أكدته الدراسة هو أحد الأسباب الرئيسة ، إلا أن أهداف التغيير السياسي والثقافي والتأثير على العرب كافة لا يمكن أن يبتعد عن فطنة الخبير والمدقق . فلقد أظهرت الأحداث الأخيرة مدى القصور في مفهوم التضامن العربي وجدواه ، وأيضاً أظهرت غياب الإستراتيجية العربية الواضحة في إطار عالم متغير يموج بالحركة والصراعات ، ولا تحكمه سوى المصلحة ، فالحرب محنة يمر بها عالمنا العربي تستهدف ثروة غالية من ثرواته وهي النفط ، ولكن الأخطر أن المحنة استهدفت أيضاً عقل وفكر عالمنا العربي . هذا وقد تناولت الدراسة في عرضها لموضوعها في إطار من المنهجية العلمية العديد من المحاور ، لعل من أبرزها : الدور المحوري للنفط في مستقبل الطاقة ؛ والوضع الحالي للسوق الدولي للنفط ؛ والإدارة الأمريكية وإعادة تحديد الأولويات ؛ والارتباط الصهيوني واليمين الأمريكي ؛ ودور النفط في الحرب ضد العراق .