بعد مرور أكثر من عام على دخول القوات الأميركية العاصمة الأفغانية كابول، نتساءل عما وصلت اليه اليوم، عملية تحرير المرأة التي اعتبرها الرئيس الأميركي جورج بوش هدفاً مهماً من ضمن أهداف الحرب في افغانستان. وأعطت الادارة الأميركية، بمساعدة الإعلام، هذا الهدف بعداً انسانياً مميزاً، يجمّل فعل الحرب الشنيع ويبرز اميركا كقوة عالمية تناضل من أجل حرية الشعوب، خصوصاً نساء أفغانستان. وفعلاً، مع دخول القوات الأميركية كابول، نشرت وسائل الاعلام صوراً لنساء افغانيات يبتسمن أمام عدسات المصورين، وكأنهن يعطين كل الحق للحرب التي حررتهن. لم تتحرر المرأة الافغانية ولم يتغير فعلاً وضعها. أما أميركا فنسيت الكلام عن الحرية، وهي في الواقع لم تهتم يوماً بحقوق النساء في افغانستان أو غيرها من البلدان. على العكس تماماً أثبت تاريخ سنوات الحرب الأفغانية، ان اميركا ضحّت، بوعي كامل وعن سابق تصميم بحرية ومصير المرأة في افغانستان وذلك من أجل مصالحها الشخصية. فالطبقة الحاكمة اليوم، هذا الخليط من القوى المحلية صاحبة النفوذ في الماضي والحاضر، ليست سوى امتداد لعقلية "طالبان" التي تنظر الى المرأة نظرة دونية. كيف دفعت المرأة الأفغانية الثمن الباهظ للهيمنة الأميركية في تلك المنطقة؟ ولماذا؟ للاجابة على هذا السؤال، علينا العودة الى الوراء، الى قصة وصول "المجاهدين" الى الحكم، وفي الحقيقة هم يحكمون اليوم أيضاً. في عام 1978 وحتى قبل أن يجتاح الجيش الروسي افغانستان، أعلن شيوخ القبائل والسلطات الدينية "الحرب المقدسة" ضد حكومة نور محمد طرقي التي أجبرت الأفغان على ارسال الفتيات الى المدارس أسوة بالفتيان، ومنعت بعض العادات المتزمتة التي كانت تمارس ضد النساء وتعمل على استغلال المرأة هنا نتطرق الى الأحداث السياسية من زاوية تتعلق فقط بوضع المرأة سابقاً وحالياً. وعرفت البلاد نهضة نسائية كبيرة، في الفترة بين 1978 و1992، في مختلف المجالات، وكثر عدد الطبيبات والمحاميات والمدرسات وغيرهن. بالطبع اتخذ المجاهدون من المكتسبات التي حققتها المرأة، ذريعة لاعلان الحرب، واعطى الوجود السوفياتي بعداً وطنياً لها. أما اميركا فقد وافقت على تقديم مساعدتها لكسر نفوذ عدوها اللدود الاتحاد السوفياتي، في المنطقة، ضاربة بحقوق المرأة عرض الحائط، على رغم ادراكها الكامل المصير الذي ينتظر افغانستان والنساء فيها بشكل خاص. وبعد خروج الجيش السوفياتي، استمرت الحرب الأهلية التي مهدت الطريق أمام تسلم "طالبان" الحكم، بمساندة الولاياتالمتحدة ومباركتها. الحرب التي أخرجت "طالبان" من الحكم، لم تحدث الا تغييراً بسيطاً في وضع المرأة، وفي بعض المناطق من البلاد. حالياً، في كابول وغيرها من المدن، بدأت المرأة تشك في دوام هذه المعطيات ومدى صدقها. فمنذ فترة قصيرة، أخذت الشعارات المطالبة النساء بارتداء "البوركا" أي الحجاب الأزرق الذي يغطيهن من الرأس حتى القدمين، تملأ جدران الساحات والمنازل، وكلها تحمل توقيع "المجاهدون الأفغان" ولم يستطع أحد معرفة من الذي يقف خلف هذه الشعارات. قد يكون عملاً فردياً لمراهق أو مسلح ما، وقد يكون نتيجة أمر تلقته قوى الأمن، فنفذته. وازداد خوف النساء عندما تحولت الشعارات المكتوبة الى شتائم وتهديدات علنية يطلقها أي رجل بحق امرأة تسير في الشارع مرتدية الحجاب لكنا تكشف عن وجهها. تدعي الحكومة الأفغانية انها قدمت للمرأة بعض الحريات لتحسين وضعها. لكن الواقع يختلف كلياً عن الكلام الرسمي. ففي قلب الحكومة الحالية، وفي احدى دوائرها التابعة لوزارة ما، يقرر أحد الوزراء ما يجب أن ترتديه المرأة في الشارع العام، وهو يحدد الموضة واللون ايضاً: "يجب ان يكون الرداء معطفاً فضفاضاً غامق اللون، يغطي الجسم من الكاحل حتى المعصم ، مع غطاء على الرأس بحيث لا يظهر سوى الوجه خالياً من المساحيق". ويسرع الموظفون، خصوصاً الموظفات، الى تنفيذ أوامر الوزير والمزايدة احياناً عليها. وفي حالات عدة، لا تكتفي الموظفة بتهديد وانذار المخطئة، بل تعود معها الى المنزل لتهدد وتوبخ ولي أمرها. لذلك تفضل غالبية النساء العودة الى ارتداء، البوركا الزرقاء، فهي على الأقل، تستطيع السير في الشارع من دون أن يشتمها أو يهددها أحد. وتبقى المشكلة الأمنية هي الأهم، خصوصاً في بعض المناطق الريفية، التي تعاني باستمرار من نزاعات بين شيوخ القبائل والعشائر، وسط غياب كامل للسلطة، فالمرأة في هذه المناطق، تتعرض لنتائج مأسوية، خصوصاً الشابات منهن، أما الاقتصاد المنهار والاشتباكات التي تتكرر في الريف، فقد أرغمت العائلات على تزويج بناتهن في سن مبكرة وعلى العودة الى تقليد المهر بمفهومه الصحيح. اليوم عادت البوركا الزرقاء الى شوارع مدن افغانستان. داخلها تعيش النساء، مسرعة الخطى تاركة المساحات للرجال. واليوم ايضاً، تتواجد النساء الأفغانيات على الطرقات، تحت الخيم وفي مخيمات اللجوء مع عائلاتهن، ويزيد حالياً عدد اللاجئين خارج البلاد على مليون شخص عما قبل الحرب، اضافة الى مليون شخص يتنقلون باستمرار داخل البلاد هرباً من حروب محلية. كثيرون منهم معرضون للموت جوعاً وبرداً ومرضاً