الاحمدي يكتب.. الهلال سيعود ليُعانق البطولات    أمير الشرقية يستقبل السفير البريطاني    أمانة الرياض توقع استضافة "مؤتمر التخطيط"    "ترمب وإفريقيا.. وصفقة معادن جديدة    رؤية 2030.. كشف حساب للإنجازات قبل موعدها    فيصل بن مشعل يتسلم تقرير "أمانة القصيم"    المملكة تقدم 134 مليار دولار مساعدات ل172 دولة    العلاقات السعودية الأميركية.. الفرص والتحديات    إسبانيا: الحكومة والقضاء يحققان في أسباب انقطاع الكهرباء    محمد بن ناصر يزف 8705 خريجين في جامعة جازان    نجومية جمال تمنح برشلونة الأفضلية    رهيب والله رهيب يا أهلي    مجلس الوزراء: تبرع ولي العهد للإسكان حرص على تعزيز الحياة الكريمة للمواطنين    أمير الرياض يكرّم المتطوعين والمشاركين في {منقذ}    سعود بن نهار يثمن مبادرة "الطائف المبدعة"    "هيئة العناية بالحرمين": (243) بابًا للمسجد الحرام منها (5) أبواب رئيسة    مسؤولو الجامعة الإسلامية بالمالديف: المملكة قدمت نموذجاً راسخاً في دعم التعليم والدعوة    مدير عام الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من مبادرة طريق مكة بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة    بدء المسح الصحي العالمي 2025    "الداخلية" تحتفي باليوم العالمي للصحة المهنية    مستشفى الملك خالد بالخرج يدشن عيادة جراحة السمنة    الاتحاد السعودي للهجن يؤكد التزامه التام بتطبيق أعلى معايير العدالة وفق اللوائح والأنظمة    فريق فعاليات المجتمع التطوعي ينظم فعالية بعنوان"المسؤولية الإجتماعية للأسرة في تعزيز الحماية الفكرية للأبناء"    إيلون ماسك يقلق الأطباء بتفوق الروبوتات    سان جيرمان يقترب من التأهل لنهائي "أبطال أوروبا" بفوز في معقل أرسنال    أسباب الشعور بالرمل في العين    اختبار للعين يكشف انفصام الشخصية    سيناريوهات غامضة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة على لبنان    نائب أمير منطقة مكة يستقبل محافظ الطائف ويطلع على عددًا من التقارير    قصف مستمر على غزة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية    أمين منطقة القصيم: مبادرة سمو ولي العهد تجسد حرص القيادة    قلعة شامخة    القبض على 4 وافدين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    تنوع جغرافي وفرص بيئية واعدة    أمير تبوك يستقبل محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    المسار يسهم في نشر ثقافة المشي والتعرف على المواقع التراثية وجودة الحياة    الصوت وفلسفة المكان: من الهمسات إلى الانعكاسات    ورم المحتوى الهابط    من شعراء الشعر الشعبي في جازان.. علي بن حسين الحريصي    "سيماكان" مدافع النصر : فريقنا سيقدم أفضل ما لديه من أجل الفوز والوصول إلى النهائي الآسيوي    الداخلية تعلن اكتمال الجاهزية لاستقبال الحجاج    الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    للعام السابع.. استمرار تنفيذ مبادرة طريق مكة في 7 دول    انطلاق أعمال الملتقى الصناعي السعودي المصري    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    محمد بن ناصر يتسلّم التقرير الختامي لفعاليات مهرجان "شتاء جازان 2025"    كشف النقاب عن مشروع «أرض التجارب لمستقبل النقل» في السعودية    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    الضيف وضيفه    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    الفالح: 700 فرصة استثمارية في الشرقية بقيمة 330 ملياراً    بحث مع عراقجي مستجدات «محادثات مسقط».. وزير الخارجية ونظيره العماني يناقشان الأوضاع الإقليمية والدولية    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    نائب أمير مكة يشهد حفل تخريج الدفعة العاشرة من طلاب وطالبات جامعة جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرصاص الأسرائيلي لا فرق بين مدني ومقاتل وشيخ وطفل وامرأة 5500 معوق فلسطيني في سنتين !
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2003

عندما اعترفت اسرائيل، قبل أيام، وللمرة الأولى، باستعمالها سلاح "الفلاشط" المحرم دولياً، وجد رزق اشتية نفسه يقهقه بصوت عال، وهو يجلس على كرسي المقعدين وسط ذهول افراد عائلته الذين لم يفهموا لماذا يضحك. فقط عندما شاهدوا كيف اندمجت دموع بكائه بضحكته الغاضبة، أدركوا معنى هذه الضحكة ومعنى هذا الاعلان الاسرائيلي.
وترك رزق ردهة الاستقبال، وبجهوده الذاتية حرَّك كرسيه العتيق ودخل غرفته هرباً. لقد اراد ان يخفي غضبه. فلو بقي بينهم سيعرفون حاله، اذ ان جسده المعوق يهتز ويرتعد عندما يغضب. فلحقت به زوجته لتقوم بتلك المهمة المرهقة التي تنفذها اكثر من مرة في اليوم بمساعدته على النهوض عن الكرسي والاستلقاء على السرير.
وراح رزق ينظر الى سقف الغرفة محاولاً ان يعيد الى ذاكرته ما حدث له في ذلك اليوم المشؤوم الذي اخترق فيه الصاروخ الاسرائيلي غرفة النوم، وهو في عز نومه، وطيّر ساقه من مكانها واعضاء اخرى من جسده فشعر كأنه فيلم رعب حقيقي. حاول ان يغمض عينيه حتى لا يبقى كابوس ذلك اليوم يسيطر عليه، لكن آلامه وعجزه عن الحركة وبكاء طفليه وتعاسة زوجته كانت اقوى من ان ينسى الحادث. ولم ينس ايضاً ما بثته الفضائيات عن الاعتراف الاسرائيلي، وتساءل: اذا كان ممكناً ان تغيب عن احد أكذوبة اسرائيل الكبرى وكأنها للمرة الأولى تستعمل هذا السلاح المحرم او انها لا تستعمل غيره. وكان يتمنى ان يطلق صرخته كواحد من مئات الفلسطينيين الذين أصيبوا بالاسلحة الاسرائيلية، المحرمة دولياً، وباتوا معاقين لا أمل لهم بالعلاج لان ذلك يحتاج الى سفر للخارج ومصاريف واجراءات.
رزق اشتية 38 عاماً من نابلس، واحد من بين 5500 فلسطيني، بين طفل وامرأة وشاب، أصيبوا خلال انتفاضة الاقصى جراء الاعتداءات الاسرائيلية، بعضهم يلازم الفراش بجثة متحركة بسبب اصابة في الدماغ، وهناك من اصيب اصابات قاسية في رأسه سببت له فقدان الذاكرة، ومعظمهم فقد أطرافه وبات مقعداً يتنقل من مستشفى الى آخر ومن مركز الى مركز ومن مؤسسة الى أخرى في محاولة للحصول على دعم لتلقي العلاج في الخارج بسبب خطورة الاصابة وتعقيد عملية العلاج.
فالمأساة الحقيقية التي يعيشها هؤلاء هي كونهم في خانة المنسيين، وربما الظروف الصعبة التي تعيشها المناطق الفلسطينية جعلت قضيتهم في قاع سلم الاولويات على رغم الجهود التي تبذل هنا وهناك لتقديم المساعدة لهم.
معظم هؤلاء المعاقين من المدنيين الذين أصيبوا في بيوتهم او في الحي في وقت لم يحملوا السلاح ولم يشكلوا اي خطر على الجيش الاسرائيلي، وجاءت اصابتهم لمجرد انهم فلسطينيون. ووفق تعليمات صادرة عن المؤسسات العليا، والتي ضبطت نسخ منها أثناء الاجتياح الاسرائيلي في اوائل العام الماضي، هناك تعليمات واضحة بضرب حتى المدنيين. وتحاول اسرائيل التي تجد نفسها اليوم في قفص الاتهام وخطر تقديمها الى المحكمة الدولية لجرائم الحرب، ان تخفف من حدة هذه التهم من جهة باعتبار ما يجري مع الفلسطينيين هو حرب، ومن جهة اخرى التنصل من مسؤوليتها تجاه هؤلاء المعاقين بوضع شروط قاسية تحول في معظم الحالات دون الحصول على تعويضات عن هذه الاضرار البالغة التي سترافقهم طوال حياتهم، وبالتالي تكون جريمتها مضاعفة بقتلهم مرتين وهم احياء.
5500 فلسطيني عاشوا خلال السنتين الماضيتين مأساة حقيقية، ووراء كل واحد منهم معاناة عائلة في معظم الحالات يتجاوز عدد أفرادها السبعة، فإن كان المعاق شاباً تحول من صاحب المصدر الوحيد لمعيشة العائلة الى مقعد عاجز او طفل فقد طفولته برمشة عين ولم يعد يميز بين النهار والليل ولا يعرف سوى سريره، أو أم لاطفال كانت تقضي يومها بالاعتناء بهم وتحولت الى عاجزة تستصرخ تقديم العون لها، غير قادرة حتى على احتضان اطفالها. قصص كثيرة ومآس مؤلمة وحياة تعيسة وراء كل واحد من هؤلاء.
كل حال من العجز والاعاقة مؤلمة، لكن تبقى مأساة الامهات والاطفال الاكثر ايلاماً، فمن يرافق حال ايمان عبيد من مخيم جنين وهي أم لأربعة اطفال يدرك لماذا تقول انها مأساة. فهي اليوم عاجزة عن القيام بأي خدمة لاطفالها. حتى ان ابنها الصغير الذي لم يتعد تسعة اشهر وكان في احشائها وقت اصابتها يرفضها بعدما حرم من حنانها بسبب علاجها وتنقلها من دولة الى اخرى لتلقي العلاج على أمل تحسين وضعها.
وايمان، ام خالد، عاشت كبقية الفلسطينيين في مطلع شهر نيسان ابريل من العام الماضي، بداية الاجتياح الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية، حياة خوف ورعب. كانت تلازم مع زوجها وأطفالها 13 و12و11 عاماً البيت خوفاً على حياتهم، وهي بشكل خاص كانت تعيش فترة قاسية جداً حيث متوقع ان تنجب في كل لحظة: "كان وضع المخيم مرعباً. اطلاق الرصاص في كل مكان والقصف يتزايد على المخيم وكل منا يجلس في بيته والخوف يحيط الجميع. فكلما سمعنا القصف من جهة ننتقل الى غرفة اخرى بعيدة عن جهة القصف، حتى شعرنا بالبيت يهتز بنا، واذ بقذيفة تصيب احدى الغرف. كان من حظنا أننا انتقلنا من هذه الغرفة قبل دقائق قليلة، لقد ارتعب الجميع، فالقذيفة لم تسبب الاضرار لسقف الغرفة التي اخترقتها فحسب بل لكل غرف البيت، وبتنا نشعر أننا سنموت، ولم يكن أمامي الا الهرب من البيت وكان ألم المخاض قد تزايد، فاتفقنا ان يلحق بي زوجي وأطفالي بعد انتهاء الاعتداء". تحدثنا أم خالد وتضيف: "بعد أمتار قليلة من مغادرتي البيت تصاعد اطلاق الرصاص والقذائف، وكان جندي يتمركز على سطح بيت الجيران، علمت فيما بعد انه قناص، وقد وجه سلاحه باتجاهي مع انه شاهدني كيف كنت مرتعبة وغير قادرة على الجري بسبب الحمل. فاطلق الرصاص علي وأصابني بساقي. شظايا رصاصة أصابت ساقي اليسرى فيما اخترقت رصاصة ساقي اليمنى وهشمتها تماماً، وكما علمت في ما بعد فانها كانت من نوع الدمدم".
عند اصابة ايمان عبيد لم يدرك زوجها ما الذي أصابها. وكانت هي قد اقتربت من بيت أقارب لها، لكن أحداً لم يتجرأ على مخالفة أوامر الجنود والاقتراب منها لمعالجتها: "بقيت ملقاة على الارض حوالى الساعتين أنزف وأتألم. وشعرت أنني سأنجب في الشارع، حتى وصلت امرأة مسنة من سكان الحي، وشاهدت حالتي. فتوجهت الى أحد الجنود وطلبت منه السماح لها بأن تنقلني الى مقربة من باب البيت. فوافق بعد رجاء طويل ونقلوني الى ساحة البيت وهناك انتظرت ما لا يقل عن ساعة اضافية حتى وصلت سيارة الاسعاف. كنت قد فقدت الوعي فطلبت قريبة لي من جندي السماح لها بمرافقتي الى المستشفى. لكن الجنود رفضوا ذلك ونقلت لوحدي ولم أعد أدري ما يجري من حولي".
اضطر الاطباء الى توليد ايمان ثم اجريت لها عمليات جراحية عدة في ساقيها وتبين ان رصاص الدمدم الذي اخترق ساقها مزقها من الداخل الى حد سيصعب عليها العودة الى حالها الطبيعية.
ومع هذه الاصابة بدأت ايمان حياة جديدة لا تعرف فيها الراحة ولا السعادة ولو للحظة، فالآلام ترافقها طوال الوقت وعجزها عن رعاية اطفالها وتركهم اسابيع طويلة بسبب علاجها خارج المناطق الفلسطينية جعل حياتها جحيماً: "ماذا يمكن ان تفعل الأم عندما لا تستطيع ارضاع طفلها أو احتضانه ورعايته وتتحول في لحظات من انسانة مسؤولة ترعى الجميع الى عاجزة تنتظر من يأتي ليرعاها. أسابيع طويلة تركت عائلتي وطفلي كان في أشهره الاولى وسافرت الى عمان للعلاج، وهناك عشت مرحلة قاسية جداً فليس من السهل ان تعيش وأنت عاجز بعيداً عن عائلتك".
اليوم تنتظر ايمان ترتيب مواعيد لها في الكويت للتوجه للعلاج هناك بعدما تبنت معالجتها لجنة كويتية. وهذا الأمر يعني ان تترك عائلتها لأشهر مرة أخرى على أمل ان ينجح العلاج، ولكن، كما قال زوجها: "انا مضطر لمرافقتها وهذا يعني انني لا استطيع العمل مع أن العمل اصلاً غير متوافر لنا، ولكن كل هذا يسبب معاناة حقيقية للعائلة بأكملها. فاصابة زوجتي لا تقتصر على مأساتها الشخصية وآلامها بل على ما يرافق ذلك والأمر الذي يحتاج الى دعم مالي لا نحصل منه الا على القليل".
والحديث عن الدعم المالي وجدناه لدى معظم من التقيناهم. فالوضع الذي عاشته السلطة الفلسطينية خلال العامين الاخيرين احدث فوضى في بعض القضايا تحول دون ملاحقة المشاكل بالشكل المطلوب او على الاقل بشكل يلبي مطالب المواطن الفلسطيني، وواحدة من هذه القضايا استمرار رعاية جرحى الانتفاضة خصوصاً الحالات المستعصية التي لا تقتصر حاجتها على العلاج بل على كل ما يرافق ذلك من حاجة هذا المصاب اليومية.
أرقم أبو الهيجاء في الرابعة والعشرين من عمره، يعاني اليوم من شلل بسبب رصاصة اخترقت عنقه وشظايا رصاصة أصابت رأسه عندما كان متوجها الى الصيدلية لشراء الدواء لوالده. الامل الوحيد لانقاذ حياته هو اجراء عملية جراحية تعتبر من أخطر العمليات في المانيا وتحتاج الى عشرات ألوف الدولارات لا يملك منها سوى عشرات الدولارات.
"حياتي انهدمت خلال دقائق" قال لنا والغضب يخنق أحاسيسه: "كنت في طريقي مع صديقي الى الصيدلية لشراء الدواء لأبي، وفجأة شعرنا بوابل من الرصاص على سيارتي فأصيب صديقي برصاصة في كتفه، وشعرت أننا سنموت. وكادت السيارة تنقلب بعد فقداني السيطرة عليها الى ان شعرت بالدنيا تدور بي بعد اصابتي التي أدت الى فقداني الوعي، وفيما بعد علمت ان رصاصة اخترقت عنقي وادت الى اصابة فقرات في العمود الفقري أدت الى شللي، اضافة الى شظايا اخترقت رأسي ولم ينجح الاطباء باخراجها حتى اليوم".
الفترة الأولى من علاج أرقم كانت في المناطق الفلسطينية، بين جنين ورام الله ونابلس ثم سافر الى المملكة العربية السعودية للعلاج، لكن حاله استعصت على الاطباء. وبعد مراسلة تقارير طبية وبالتنسيق بين السعودية والمانيا عبر المركز الالماني - السعودي اتفق على اجراء عملية في المانيا لكن بتكاليف باهظة جداً "طبعاً المبلغ المطلوب مني اعتبره خيالياً ولا استطيع توفيره، ومهما تلقيت من مساعدات من صناديق لدعم الجرحى في الدول العربية لا يمكنني ان أوفر هذا المبلغ". يقول أرقم ويضيف: "وزارة الصحة الفلسطينية أبلغتني بشكل واضح انها غير قادرة على مساعدتي وهي لا تملك الاموال لهذه المساعدات. وأنا من جهتي أسعى هذه الايام بمساندة من أصدقائي والعائلة، الى الوصول الى صناديق داعمة لي من الدول العربية حتى أتمكن من التخلص ولو قليلا من هذا العذاب".
والد أرقم، يعيش منذ وقوع الحادث حياة تعيسة، اذ يرافقه الشعور بالذنب لأن ابنه أصيب وهو في طريقه الى شراء الدواء له: "كيف يمكنني ان أشاهد ابني الذي كان شعلة نار بحركته وعمله ونشاطه مقعداً عاجزاً وغير قادر على القيام بأبسط متطلباته، وأتحمل مسؤولية هذا الوضع. انني أتمنى الموت لنفسي كل يوم لأنني وصلت الى حال أشعر انني عاجز عن تحمل صورة ابني أمامي". يحدثنا الوالد الذي أصيب بشلل جزئي بعدما ورده خبر اصابة ابنه التي كانت خطيرة جداً الى حد الاعلان عن استشهاده، وكان شفاؤه بمثابة اعجوبة.
مراكز التأهيل بلا أجهزة
توفر السلطة الفلسطينية لهؤلاء الجرحى المعاقين مراكز تأهيل في مختلف البلدات الفلسطينية، في نابلس ورام الله وجنين وغيرها، وكما يقول مدير المركز في جنين عامر رحال فإن العديد من الحالات من أطفال ونساء وشباب تصل الى المركز للعلاج لكن الأكثرية هي من الشباب المقعدين.
ويتركز عمل المركز كما أشار رحال على تأهيل المعاق للتأقلم مع حاله الجديدة والقيام على الاقل بالاحتياجات الضرورية في حياته اليومية.
لكن هذه المراكز تفتقد لأهم حاجات المعاق وهي الأجهزة الطبية الحديثة التي تساعده على استمرار حياته بشكل أسهل، خصوصاً المحتاجين للكراسي المتحركة. فالكراسي الموجودة في كل المراكز الفلسطينية لا تزال من النوع القديم تعمل يدوياً من قبل المعاق في حين يتمتع المعاقون في كل اقطار العالم بمقاعد كهربائية متحركة تخفف من معاناة المصاب وتسهل عليه حياته.
أرقم واحد من الذين يعانون من هذا النقص، فبيته في الطابق الثالث ومجرد تنقله على مقعد يعني عجزه عن مغادرة البيت لوحده. وحاولت عائلته ايجاد بديل عن سلم الدرج، كشارع مثلا، لكن طبيعة الكرسي لا تتيح له ذلك كونه مريضاً وغير قادر على السيطرة على تحركاتها.
ويقول رحال: "قلة من الفلسطينيين المعاقين تسكن في بيوت طبقات ارضية، فمعظمهم يسكنون في طوابق علوية وهذا بحد ذاته يشكل مصاعب حقيقية". ويضيف ان المراكز والمستشفيات الفلسطينية تعاني نقصاً في الاطراف الاصطناعية وهذه بحد ذاتها تسبب معاناة حقيقية للكثيرين. ونلاحظ ان الاطفال اكثر الذين يعانون من هذا النقص بسبب حاجتهم الى كف أو ساق حتى يتمكنوا من التنقل والدراسة.
وحسب الاحصاءات المتوافرة في الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني فإن نسبة الاشخاص المعاقين في الاراضي الفلسطينية تصل الى 1.8 في المئة من مجمل السكان وتقع أعلى نسبة معوقين بين سكان المخيمات. وأدى هذا التضخم في انتفاضة الاقصى الى مضاعفة المسؤوليات لدى المؤسسات، الا ان عدم جاهزيتها في مجال رعاية المعاقين وتأهيلهم وعدم وجود الاجهزة المساعدة والطواقم الكافية تؤدي الى صعوبات في تقديم العلاج المطلوب للمعاقين.
الباحث بسام ابو حشيش من المركز الفلسطيني لحقوق الانسان قال في دراسة أعدها عن حجم الاعاقات الناتجة عن الاعتداءات الاسرائيلية واحتياجات هذه الفئة من منظور حقوق الانسان، ان حجم فئة المعوقين في فلسطين يشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الفلسطيني، لأن المطلوب منه تجنيد امكاناته وطاقاته حتى يتجاوز هذا التحديث على أسس سليمة خصوصاً مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي وتصاعد وتيرة انتهاكاته لحقوق الشعب الفلسطيني.
وزارة الصحة الفلسطينية من جهتها أولت اهتماماً للموضوع بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والدولية التي تعنى بشؤون المعاقين، طالبة رعاية واعادة تأهيل المعاقين. وبادرت هيئة الهلال الاحمر الاماراتية، الى دعم مشروع للتأهيل المهني في عدد من المناطق الفلسطينية الا ان تدهور الأوضاع الأمنية وتشديد قبضة الاحتلال على السلطة الفلسطينية والفلسطينيين يجعلان من هؤلاء المعاقين مأساة فلسطينية بحد ذاتها
شبح المحاكم
واجهت اسرائيل خلال الانتفاضة الاولى مئات الدعاوى التي رفعها فلسطينيون في اعقاب اصابتهم برصاص جنود الاحتلال وهم من المدنيين الأبرياء الذين أصيبوا أثناء وجودهم في بيوتهم وأماكن عملهم والمدارس وسببت لهم الاصابات اعاقات صعبة، وأدين جنود اسرائيليون وحصل عدد من المعاقين على تعويضات. إلا أن اسرائيل حرصت أثناء انتفاضة الأقصى على انقاذ نفسها من ورطات كهذه لئلا تستخدم أدلة تدينها ليس فقط أمام المحاكم الاسرائيلية بل أمام محاكم أخرى في العالم، وهي تضع نصب عينيها هدفاً يرمي الى الحيلولة دون تسجيل اي ملف في انتفاضة الأقصى يظهر فيه ان اسرائيل دفعت تعويضات لفلسطينيين جراء اصابتهم المتعمدة من قبل جنودها لأن ذلك سيشكل ادلة قاطعة لادانة اسرائيل أمام المحاكم الدولية.
وأجرت اسرائيل تعديلات على قانون تعويضاتها للفلسطينيين بحيث تصعب عليهم رفع الدعوى من حيث تحديد فترة زمنية واحضار أدلة قد يصعب على الفلسطيني الذي اصيب في بيته ان يحضرها للمحكمة بموجب التعديل الجديد، كما نجحت اسرائيل من خلال الاعلام في الترويج وكأنها ترفض النظر في قضايا كهذه، الامر الذي جعل الفلسطينيين لا يفكرون في موضوع رفع الدعاوى. وباستثناء عشرات من هذه الحالات لم تقدم الى المحاكم الاسرائيلية دعاوى تعويضات ضد الجيش الاسرائيلي أو الحكومة الاسرائيلية نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.