لم تتراجع عملية خطف الاطفال والتجارة بهم، على رغم الجهود والمساعي التي تقوم بها الهيئات واللجان العالمية المختصة بإغاثة الطفولة وحقوق الانسان. وتكفي في ألبانيا خمسة آلاف دولار وجهاز تلفزيون لشراء طفل، بينما يقدّم الوسيط في افريقيا قروشاً قليلة ووعوداً كثيرة فيحصل على الصغير مجاناً، وفي الهند يضطر الاهل في معظم الاحيان، الى بيع اطفالهم تفادياً للجوع والفقر واملاً بمستقبل افضل، كما يوجد في بلاد الشرق اكثر من 15 في المئة من الاطفال والمراهقين بين سن الرابعة والخامسة عشرة يعملون، وغالباً في مهن تتسم بالخطر ويعانون من الاستغلال وسوء المعاملة. الفقر الحقيقي، بل الجوع الذي ينتج عنه هو السر الكامن وراء تجارة الاطفال في العالم، هذه العبودية التي منعتها الاطراف الدولية منذ زمن طويل لم تنته بعد، بل هي تزدهر في كثير من البلدان خصوصاً في افريقيا. واذا اضفنا اليها ما يتعرض له اطفال العالم الثالث من اهمال واستغلال وفقر وجوع وحروب انتهت ولم تنته بعد، لأدركنا مدى صعوبة ان يكون الانسان طفلاً في العالم الثالث وفي القرن الواحد والعشرين، عصر حقوق الانسان والمناداة بالحرية والمساواة والعدالة. 250 مليون طفل مهما تنوعت اسباب خطف الاطفال، فهي تحمل، حتى في حالات التبني المثالية، هدف التجارة والربح، اي العبودية والاستغلال، وهذا ما يعاني منه اكثر من 250 مليون طفل في العالم، يعملون بأرخص الاثمان واسوأ الشروط. ففي الهند، وهي من اكبر الديموقراطيات في العالم، هناك 60 مليوناً من الاطفال يستخدمون كأيدٍ عاملة رخيصة في اعمال ينفر منها الكبار، ويعتبر عملهم هذا جزءاً من الاقتصاد المحلي. وغالباً ما يبيع الاهل اطفالهم آملين من وراء ذلك توفير حياة أفضل لهم، خصوصاً اذا كان البيع بقصد التبني. وفي العاصمة الهنديةنيودلهي وحدها حوالي 1200 مكتب تعمل في تجارة الاطفال، وتقوم بتأجيرهم لفترة محددة كخدم او عمال في مصانع او مستخدمين في المطاعم الرخيصة والحانات وبيوت الدعارة. اضافة الى مئات آلاف الاطفال ممن يستغلهم وسطاء من الاقرباء، كالعم والخال او وسيط من المافيا المحلية، وهم يعيشون في عبودية رغماً عنهم غالباً لرد المال الذي دفعه الوسيط للاهل مع الفائدة للحصول على حريتهم حتى بعد تجاوزهم سن الرشد. في افريقيا يتحالف الفقر والجهل فتزدهر تجارة الرقيق. ومن الصعب معرفة العدد الفعلي لضحايا هذه التجارة من الاطفال، كونها تتم سراً. لكن الاحصاءات الميدانية تدل على وجود اكثر من مليون ونصف مليون طفل ضحايا هذه التجارة. وفي افريقيا الغربية وحدها حوالي 200 ألف طفل سنوياً، بسبب الجهل والثقة بالوسيط وعدم ادراك المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل في حياته الجديدة. ان غالبية العائلات الافريقية في هذه المنطقة، ترغب في التخلص من اولادها بسبب الفقر والجوع، لذلك تعتقد بأنها بقبول العرض الذي يقدمه الوسيط غالباً ما يكون وعوداً بتأمين العلم او العمل الاكيد، حسب عمر الطفل، من قبل مؤسسات خيرية وهمية او رجل غني قدير ومحب لعمل الخير فإنما تفسح المجال امام الطفل للتخلص من حياة الفقر والعوز، ونادراً ما تقبل هذه العائلات المال. النزاعات المسلحة والواقع ان الجهل وحده ليس السبب، فهناك النقص الكبير للمرافق الحيوية في المنطقة، من الناحيتين الاقتصادية والتعليمية اضافة الى المشاكل السياسية والنزاعات المسلحة في بعض البلدان الافريقية. وهناك دور الوسيط والمافيا الخاصة بشبكات تجارة الاطفال. ثم زوال المفهوم التقليدي للعائلة في تلك المنطقة، ومعه وحدة العائلة وتماسكها. كما يدفع الفقر بعض العائلات لبيع طفل واحد من اطفالها لانقاذ بقية الاطفال من الجوع، وبالطبع الطفل الضحية في هذه الحالة يكون صغير السن 5 سنوات بقصد التبني او فتاة قبل سن البلوغ. ويدفع الفقر ايضاً البعض الآخر من الاهل، لقبول عملية تأجير اطفاله وقبض الأجر، وبالفعل يقدم الوسيط مبلغاً من المال كدفعة اولى، ثم يختفي ومعه الطفل. تستثمر شبكات التجارة بالاطفال، ضحاياها حسب عمرهم وقدرتهم الجسدية ومزاياهم ايضاً: فصغار السن يعتبرون سلعة رابحة، ويتم بيعهم لمن يدفع الثمن، بينما يستثمر القسم الاكبر في الاعمال المنزلية الفتيات بشكل خاص وبيع المحاصيل الزراعية في الاسواق، وفي الاعمال الصعبة والشاقة الخاصة بالزراعة كقطاف القطن، وفي المصانع وورش البناء ومراكب الصيد وحتى في المناجم. اما الطفل الضعيف البنية فيستخدم في عملية الاستجداء والسرقة لمصلحة الوسيط. وغالبية الاطفال من الجنسين الذين يعملون في المنازل والمصانع يُستثمرون في تجارة الجنس، وتتكرر عملية بيعهم من مالك الى آخر، كما يتم بيع الصبيان في سن 13 وحتى 17 سنة لتجنيدهم في النزاعات المسلحة في مناطق يجهلون لغتها وفي بلد لا يملكون حق الدخول اليه من دون تأشيرة. ان تجارة الرقيق بشكل عام، والاطفال بشكل خاص آفة قديمة تزدهر وتتجدد باستمرار وتضرب اكثر افراد المجتمع ضعفاً، فتنتهي الطفولة عندما تبدأ العبودية. والتجارة بالانسان ليست فقط مشكلة تعدٍ على حقوق انسان، انما هي ايضاً مشكلة تطور. ان الصعوبات المرتبطة بالبلدان النامية، كالفقر والانهيار الاقتصادي وعملية التنقل الدائمة للمواطنين بسبب البحث عن العمل والامن، اضافة الى فقدان المؤسسات التعليمية الكافية والتمييز الذي تتعرض له الفتاة والقيمة القليلة المعطاة لحياة النساء والاطفال، كلها من الاسباب التي تساهم في خلق عينة من الافراد الضعفاء الذين اخضعهم الفقر لسلطانه واصبحوا فريسة سهلة لتجار الرقيق. وهناك التواطؤ غير المعلن لبعض المسؤولين واصحاب الشأن مع شبكات تجارة الاطفال. في مواجهة هذا الواقع المأسوي لاطفال افريقيا والهند بل العالم الثالث بكامله، لم تستطع المنظمات العالمية المختصة الدفاع عن حقوق الانسان والطفل، الا بالاعلان عن استنكارها لهذه الحقيقة المخجلة، فقد وقفت عاجزة امام امكان الحد من تفاقم هذا النوع من التجارة، وعلى رغم ذلك، استطاعت مساعدة بعض الدول الافريقية على وضع قوانين تمنع هذه التجارة وتحاكم الوسطاء وتجار الرقيق ايضاً الجوع يقتل الفقراء يبقى الجوع السبب الاول والرئيسي للموت في العالم. هذا ما اعلنه البرنامج العالمي للتغذية في تقريره السنوي قبل ايام. ففي الوقت الذي تتلف فيه دول العالم الصناعية فائض انتاجها الغذائي حفاظاً على التوازن الاقتصادي للبلاد، يعاني اكثر من 800 مليون شخص من الجوع في العالم، وكلما مرّت سبع ثوان من الزمن يموت طفل ما دون العاشرة من العمر، في مكان ما من العالم، وبالاحرى في مكان ما من العالم الثالث. يومياً يموت مئة الف انسان ضحية الجوع او بسبب سوء التغذية، وكل 4 دقائق يفقد شخص نظره في العالم للسبب نفسه. وقد ازداد عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم من 815 مليوناً عام 2001 الى 840 في سنة 2002. وسبق للمنظمات العالمية المختصة ان وضعت برنامجاً يهدف الى خفض نسبة الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية في العالم الى النصف عام 2015 لكن هذا الهدف لن يتحقق مع الارتفاع الهائل لنسبة الاشخاص الذين يعانون من الفقر والجوع، الا في سنة 2040 على الاقل. وحالياً يحتاج صندوق برنامج التغذية العالمي الى 4.3 بليون دولار ليستطيع تقديم الغذاء لحوالي 110 ملايين شخص في العالم. وعلى رغم الهبات الدولية ينقص هذا المبلغ حتى يكتمل حوالي 600 مليون دولار. والواقع ان الجوع في العالم يبقى في عصرنا هذا خجلاً انسانياً وفضيحة تطاول الدول الغنية. لكن الجوع ايضاً مسألة سياسية اكثر منها انسانية. فبين سنتي 1999 و2002 انخفضت المساعدات الغذائية من 15 مليون طن الى 9.6 مليون طن، والعون الذي قدمته الدول لاقليم كوسوفو كان بنسبة 47 دولاراً للشخص الواحد خلال الازمة الكبيرة عام 1999. بعد ذلك بعام واحد وعندما ضرب الجفاف اثيوبيا وصلت نسبة المساعدات الدولية بالكاد الى مبلغ دولارين لكل مواطن اثيوبي. ان الدول الغنية تخصص سنوياً 300 بليون دولار مساعدات مالية لمزارعيها، وهو مبلغ يكفي لسد حاجة غذائية ملحة للعالم الفقير ولمدة سنة كاملة.