هل يشعل الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر ناراً مدمرة جديدة في جنوبالعراق بعدما أخفقت القوات الأميركية، على الأقل حتى الآن، في اطفاء النار التي اشعلتها إطاحتها نظام الرئيس المخلوع صدام حسين؟ وهل يخلط الصدر من جديد أوراق اللعبة الشيعية في العراق بعدما اختلطت هذه الأوراق بشكل معقد اثر مقتل آية الله محمد باقر الحكيم، زعيم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" في العراق؟ وهل ينتقم الرجل الذي نهض من رماد أبيه من الولاياتالمتحدة بأيدٍ عراقية وعزم إيراني بعدما فضل حلفاء إيران السابقون، خصوصاً في "المجلس الأعلى" وحزب "الدعوة" الإسلامية الخروج، ولو بشكل محدود، من تحت العباءة الإيرانية؟ يصعب ايجاد ردود معقولة وواضحة على هذه الأسئلة التي تشغل المشهد السياسي العراقي مع بروز ظاهرة مقتدى الصدر في جنوبالعراق. فالصدر، الذي يتميز بدهاء سياسي غير قليل، يدعو مرة إلى رحيل فوري للقوات الأميركية عن العراق، ويعود في مرة ثانية للمطالبة بجدولة الانسحاب الأميركي وفق سقف زمني قصير الأجل، ويحض مرة الجنود الأميركيين على ضبط تصرفاتهم وعدم المساس بكرامة العراقيين وتقاليدهم ودينهم، لكنه يسارع في مرات أخرى إلى انشاء ميليشيات مسلحة وتوزيع السلاح على أنصاره، داعياً اياهم إلى السيطرة على أكبر عدد ممكن من المراقد وأماكن العبادة والمباني الأساسية في مدينتي النجف وكربلاء تحضيراً للمواجهات الشاملة. أياً تكن الحال، أصبح الزعيم الشاب الذي لم يلحظ أحد وجوده قبل سبعة أشهر أحد أهم المعادلات السياسية في العراق وأكثرها سخونة واحتقاناً. فهو لا يهدد الأميركيين فحسب بحرب موازية لحرب الرمادي وتكريت والفلوجة، أو بحكومة في النجف موازية لحكومة مجلس الحكم العراقي في بغداد، إنما يهدد الحركات الشيعية التقليدية، بما فيها المرجعيتان الدينية والسياسية، بالهيمنة والتحجيم. وما الاشتباكات المسلحة التي حدثت بين أنصار السيستاني وأفراد "جيش المهدي" التابع للصدر في مدينة كربلاء، أحد أهم معاقل الشيعة في العراق، إلا ناقوس انذار للأميركيين بجدية الخطر المقبل، وناقوس انذار آخر للشيعة العراقيين بضرورة الانتباه إلى التشققات التي أصبحت تصيب تكوينهم السياسي في إطار الوضع العراقي الجديد. الشيعة بين الداخل والخارج تزامنت الحملات القاسية ضد الشيعة في العراق مع الصعود الثاني لحزب "البعث" المنحل إلى السلطة في عام 1968. في الأعوام اللاحقة شهدت الطائفة الشيعية تطوراً جديداً في أحوالها، السىئة أصلاً، في إطار الدولة العراقية. وتمثل التطور في شروع الشيعة، خصوصاً في أوساط رجال الدين والمثقفين والكوادر السياسية، بالهجرة طوعاً أو قسراً إلى المنافي. والواقع أن الاضطرار الشيعي للهجرة لا يرتبط بصعود "البعث" إلى السلطة، بل تعود جذوره إلى بدايات تأسيس الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي. لكن اللافت أن هذه الهجرة شهدت زخماً كبيراً مع وصول "البعث" إلى السلطة المركزية في بغداد عام 1968 واندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في مطلع الثمانينات. وكانت التهمة الرئيسية التي اكتوى بنارها الشيعة العراقيون هي موالاتهم لإيران على أساس الشراكة المذهبية مع الدولة الإيرانية. واللافت في هذه الحملات التي أعقبت الحرب، أن ضحاياها لم يتوجهوا إلى إيران فقط، كما كانت العادة في السابق، بل توجهوا أيضاً إلى الدول الأوروبية، خصوصاً العاصمة البريطانية التي بدأت تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين العراقيين مع اندلاع الحرب بين العراقوإيران. وعلى رغم هذا، ظلت طهران وقم وكرمنشاه بمثابة الساحة الأساسية للعمل الشيعي العراقي المعارض، خصوصاً في إطار حزب الدعوة الإسلامية وبعده في "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية". اللافت أن هذه الحال كرست واقعاً جديداً على نسيج الوضع السياسي والديني للشيعة العراقيين، خصوصاً مع استمرار الحرب العراقية - الإيرانية لمدة ثماني سنوات، وتفاقم حملة القمع ضدهم في الداخل العراقي. وتجسد أهم ملامح هذا الواقع في نشوء حالتين شيعيتين متمايزتين: داخلية، حيث أعداد غفيرة من الشيعة الفقراء والجموع الصامتة في الداخل. وخارجية، حيث نخبة من صفوة رجال الدين والساسة الشيعة في الخارج. والملح الأول في ذلك كله، أن شيعة الداخل بدأوا يفتقرون مع ازدياد زخم الهجرة إلى مرجعية قادرة على الفعل السياسي وتكتيل مختلف الطوائف الشيعية حول شعارات محددة وواضحة. وما فاقم الحال ان المرجع الديني الشيعي الأكبر آية الله أبو القاسم الخوئي، الذي كان يقيم في النجف، فضّل الابتعاد عن الحياة السياسية، في وقت افتقر زعماء الشيعة في الخارج إلى القاعدة الشعبية العريضة التي تمنح شعاراتهم وبرامجهم السياسية الشرعية اللازمة. والواضح ان هذا التوزع الجديد بين مساري الداخل والخارج في الوسط الشيعي لم يفض الى حالة انقسام بين شيعة العراق. لكن الاكيد انه اوجد فراغاً كبيراً لم ينتبه الى حقيقته زعماء الشيعة خارج العراق. ولاحقاً ازدادت هوة الفراغ اثر وفاة المرجع الاعلى الخوئي في العام 1992. يتفق كثيرون من الشخصيات الشيعية على ان حال الفراغ في الداخل افضت في النهاية الى مجموعة من النتائج منها: انقطاع الصلة بشكل عام بين الداخل والخارج. وازدياد الفرصة امام السلطة العراقية السنية السابقة للتدخل في الشؤون الداخلية الشيعية والتأثير في حوزتها العلمية. ونشوء مراكز قوة جديدة داخل الشارع الشيعي في العراق بينها مرجعية محمد باقر الصدر والد مقتدى الصدر. وفي نتيجة اضافية، لا يستبعد كثيرون ان يكون السبب الرئيسي وراء الالتفاف الشيعي الواسع حول مقتدى الصدر في الأشهر الستة الماضية هو بقاؤه مع والده واخوته بين الشيعة الفقراء في العراق على رغم التهديدات الحكومية التي كلفته حياة الوالد واثنين من اشقائه. واستطراداً، تصح الاشارة الى محطة اضافية لتوسيع الشرخ في الزجاج الشيعي العراقي، اذ قبل وفاة الخوئي، حدثت "انتفاضة" في جنوبالعراق في اعقاب اندحار القوات العراقية في غزو الكويت ربيع العام 1991. والواضح ان "الانتفاضة" افتقرت الى قيادة مركزية لتسيير امورها نتيجة وجود معظم القادة الشيعة في الخارج: ايران واوروبا. لكن مع هذا أيّدت مراجع دينية ظلت تعيش في العراق الانتفاضة وشعاراتها، وفي مقدمهم السيد محمد صادق الصدر احد ابناء عمومة المرجع الاعلى محمد باقر الصدر الذي اعدمه النظام العراقي السابق عام 1980. وعلى رغم ان الاخير تميز بباعه الطويل في الميدانين الفقهي والسياسي، إلا أن الاول برز بشكل لافت على المسرح الشيعي العراقي بعدما تسلم راية "مظلومية الصدر" في العراب اثر اعدام السلطات العراقية لابن عمه محمد باقر الصدر. لم تستمر الانتفاضة فترة طويلة اذ قمعها النظام السابق بقسوة شديدة، وكان بين المعتقلين محمد صادق الصدر الذي وجهت اليه السلطات العراقية تهمة دعم الانتفاضة. ويلمح كثيرون من الاوساط الشيعية في العراق الى ان اطلاق النظام السابق سراح الصدر بعد أشهر على اعتقاله جاء نتيجة صفقة سياسية قضت بإطلاق سراحه في مقابل تأييد الصدر لأطروحة النظام السابق بضرورة تولي شخصية دينية عراقية مقاليد المرجعية في النجف. والواقع ان الصدر كان يؤكد قبل اعتقاله ان مشكلة شيعة العراق تكمن في افتقارهم الى مرجع شيعي عربي عراقي. ولا تستبعد اوساط شيعية عراقية حصول الصدر الأب على دعم حكومي عراقي خفي في عهد النظام السابق مشيرين الى ان الحوزة العلمية، من خلال موقعها الجغرافي بين النجف وقم، كانت احد محاور الصراع الساخنة بين بغدادوطهران. وفي ما بعد اخفقت محاولات الصدر في اقامة مرجعية شيعية عربية في النجف لان الاجماع تركز على آية الله غلبايكاني. لكن المشكلة ان هذا المرجع الذي اقام في مدينة قم توفي بعد ستة اشهر من توليه المرجعية، ما ادى الى تولي آية الله علي السيستاني في النجف مقاليد المرجعية. وكان بروز السيستاني الايراني الاصل، ملمحاً آخر الى تراجع حظوظ الصدر في حل اشكالية الطابع العربي او غير العربي للمرجعية الشيعية. في استطراد آخر، يضيف بعض اوساط شيعة الخارج، ان الصدر لم يتراجع عن دعواه الى تأسيس مرجعية. بل ان حكومة صدام حسين دعمته في هذا الاتجاه حينما منحته حق اصدار اذونات بالاقامة للطلاب الشيعة الاجانب الذين يتوافدون على مدينتي النجف وكربلاء للتحصيل الدراسي الديني في الحوزة العلمية. كما سمحت له بالحصول على اموال وتأسيس المدارس الدينية وارسال موفدين عنه الى العشائر العربية الشيعية في الجنوبوبغداد لضمان دعمهم لمرجعيته. الى ذلك يشير اكثر من طرف شيعي الى ان موقف محمد صادق الصدر الذي لقيت دعواته الى مرجعية عربية استحساناً وتأييداً واسعاً في اوساط الشيعة الفقراء خصوصاً في مدينتي الثورة والشعلة، بدأ يتجه الى تعارض واضح مع موقف السلطة العراقية بعدما ثبّتت مرجعية السيستاني اقدامها في النجف واضطرت الحكومة العراقية الى القبول بها. هذا التعارض الذي ما فتئ بالازدياد دفع في نهاية المطاف الى قيام السلطات العراقية باغتيال الصدر الأب مع اثنين من ابنائه في عام 1999. والأرجح ان موضوعاً آخر لعب دوراً في تعميق الشقة بين شيعة الداخل والخارج، هو اختلاف مصادر الثقافة الايديولوجية العامة بين الطرفين. اذ فيما هيأت المنافي ظروفاً جيدة امام تفاعل الكوادر الشيعية في الخارج مع تجارب وثقافات وافكار اخرى، ظل شيعة الداخل اسرى الثقافة الاحادية للسلطة العراقية. واذ فرضت المنافي على شيعة الخارج مبدأ الالتقاء مع الآخرين والابتعاد قدر الامكان عن مبدأ ولاية الفقيه لما رأوه في ايران من مساوئ لهذا المبدأ. كما هيأت المنافي ظروفاً ملائمة امام تحاور شيعة مع اوساط واطراف دولية، في مقدمهم الاميركيون. كل هذا في الوقت الذي ظل فيه شيعة الداخل معرضين لانقطاع شبه تام عن الخارج، وثقافة سلطوية لا مجال فيها سوى للوحدانية والشمولية والقساوة التي ما زالت تطبع بعض الصفحات الخفية لحركة مقتدى الصدر وتميزها عن حركة المجلس الاعلى وحزب الدعوة المعروفان بتعاونهما مع الوضع العراقي القائم. نموذج الشيعي الثوري عندما اندلعت الحرب العراقيةالايرانية كان مقتدى الصدر قد ولد لتوه في كنف عائلة دينية ورعة في النجف. وحينما اندلعت انتفاضة ربيع عام 1991 بعد هزيمة القوات العراقية في الكويت كان في الحادية عشرة من عمره. وحينما اغتيل والده كان في التاسعة عشرة. لكنه مع هذا استطاع ان يحتفظ بالسيطرة على مكان ابيه بعدما اغتيل الاخير. بل انه بدأ منذ هذا الوقت المبكر دخول ساحة الصراع مع مرجعية السيستاني والحكيم واتهامهما بأنهما يمثلان المرجعية الصامتة التي تتحمل مسؤولية مقتل والده الذي مثل في رأيه المرجعية الناطقة. والواقع ان هذه الدعوة المكبوتة لقيت بعض الرواج في أزقة مدينتي الثورة والشعلة ذات الغالبية الشيعية المسحوقة. والواقع ان كثيرين في الاوساط الشيعية لم يتنبهوا الى التطورات التي كانت تحصل في النسيج الداخلي العراقي الشيعي. بل ان جماعات المعارضة العراقية التي نشطت قبل الحرب الاميركية الاخيرة ضد العراق لم تتنبه الى ضرورة اشراك حركة مقتدى في مساعيها السياسية الرامية الى تغيير النظام في العراق. كما ان الاميركيين من ناحيتهم لم يعرفوا بوجود هذه الحركة ولم يتعاملوا معها في اطار محاولاتهم لضمان التعاون مع مختلف الاطراف الشيعية في فترة ما قبل الحرب. لهذا فوجئ العراقيون، كما الأميركيون، ببروز مقتدى الصدر على الساحة السياسية العراقية بعدما وضعت الحرب أوزارها. أما في الزاوية الايرانية، فإن الايرانيين لم يتمتعوا طوال الفترة قبل الحرب بأي صلات واضحة مع حركة الصدر، اذ رأوا فيها تياراً متعاوناً مع العراق يبغي زرع الشقاق بين الشيعة العراقيينوالايرانيين. لهذا اعتمدوا في تحالفاتهم على ثقل "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في العراق ومكانة زعيمه الراحل آية الله محمد باقر الحكيم. أما مقتدى الصدر فلم يستطع تطبيع علاقاته مع ايران الا بعد الحرب الاميركية بأشهر حينما دعته طهران واستقبله عدد من كبار المتشددين في المؤسسة السياسية والدينية الايرانية، في مقدمهم الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وآية الله محمد كاظم الحائري، اضافة الى مرشد الثورة آية الله علي خامنئي الذي وجه للصدر كلاماً مفاده: أنت تمثل حسن نصر الله العراق. انت ستخرج الاميركيين من العراق كما أخرج نصر الله الاسرائيليين من لبنان. وكانت ايران التي دخلت علاقاتها العدائية مع الولاياتالمتحدة مرحلة جديدة من التدهور والتفاقم في تلك الفترة تتطلع الى مد نفوذها الى مختلف التكوينات السياسية الشيعية في العراق. وما ساعدها في ذلك ان واشنطن ظلت منشغلة بالمجلس الأعلى وحزب الدعوة حتى بعد اطاحة نظام صدام حسين وتشكيل مجلس الحكم العراقي. وفي هذا الاطار، يؤكد مقربون من المجلس الأعلى ان رئيس المجلس عبدالعزيز الحكيم حمل معه الى طهران في زيارته الأخيرة مجموعة من الوثائق التي تؤكد ان بعض قيادات الحرس الثوري الايراني تلعب دوراً خفياً في تشجيع الصدر وتصعيد التوتر بين الأطراف الشيعية، وأشاروا الى حادث مقتل عبدالمجيد الخوئي في النجف وما تردد عن تورط أطراف شيعية داخلية وخارجية في مقتله. وفي تعزيز لهذا الرأي يشير المقربون من المجلس الأعلى الى الانشقاق الذي أصاب حركة مقتدى الصدر بعد وفاة الخوئي، هذا الانشقاق الذي قاده الشيخ أحمد موسى اليعقوبي وأسس مكتباً خاصاً به في مدينة البصرة يعرف بمكتب الفضلاء، بدأ على نقيض الصدر، يدعو الى ضرورة الحوار والمنافسة السياسية السلمية لحل الخلافات الشيعية الشيعية. يعتمد مقتدى الصدر في طروحاته على لغة ثورية مشبعة بالمفاهيم الدينية. ويتميز عند القاء خطبه بنظرته الثاقبة، لكن المطأطأة، في تقليد واضح للإمام الراحل الخميني. ومع ان بعضهم يفسر ذلك بأنه تعبير عن روح الخجل التي تطبع شخصية مقتدى، إلا أن ذلك يعطيه كاريزما دينية كبيرة خصوصاً بين مؤيديه في مدينة الثورة، أو مدينة الصدر منذ اطاحة صدام حسين. لكن خطاباته تفتقر الى تأكيد واضح على مبدأ ولاية الفقيه. غير أن المقربين من حلقته يؤكدون انه من أشد دعاة ولاية الفقيه، وأنه يتميز بالتشديد على أحقية عائلته في تسنم المرجعية. الى ذلك، تؤكد أوساط شيعية ان مقتدى يغلي غيظاً على الاميركيين نظراً الى دعمهم غير المباشر للمجلس الأعلى ومرجعية السيستاني. كما تعتبر الأوساط نفسها أن مبادرته الى اعلان حكومة مستقلة في جنوبالعراق تعبير عن غربته في الانتقام من الأميركيين لمواصلتهم تجاهل حركته وشخصه ضمن معادلات السياسة العراقية بعد صدام حسين. لكن أوساطاً اخرى لا تستبعد وجود شكوك قوية لدى الأميركيين ازاء النسيج المحيط بمقتدى، خصوصاً لجهة تسرب عناصر شيعية موالية للنظام السابق الى "جيش المهدي". وفي مربع آخر، يشير آخرون الى علاقة خفية بين مقتدى وزعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله. وعلى رغم ان درجة الصلات بين حركة الصدر وحزب الله اللبناني لا تزال غير واضحة، إلا أن أكثر من مصدر شيعي يؤكد الإعجاب المتبادل بين الصدر ونصرالله، بل يشير هؤلاء الى شراكة الرجلين في توجهاتهما الاسلامية الممزوجة بروح القومية العربية. والى اعجاب خفي لدى الصدر بسورية ودورها في المحيط الاسلامي والعربي وأهمية التعاون معها لحل المشكلة العراقية. اضافة الى قناعة الرجلين بأن الخطر الأكبر على الاسلام والمسلمين في العصر الراهن لا ينبع من الحكام المحليين أو الأنظمة السياسية الحاكمة، بل من الولاياتالمتحدة واسرائيل. في نهاية المطاف، يظل السؤال ملحاً: الى ماذا يهدف الصدر في محاولاته تمييز نفسه عن بقية الأطراف الشيعية في العراق؟ هل ان مطالباته برحيل الاميركيين وتهديده غير المباشر باللجوء الى القوة المسلحة عبر تشكيله جيش المهدي، هي مجرد تهديدات لفظية؟ أم انه بالفعل جدي فيها؟ يصعب الرد على هذه الأسلة بشكل أكيد. لكن بعضهم يعتقد بأن الصدر يحاول تنبيه الاميركيين الى أحقيته بتمثيل الشيعة في العراق. فيما يرى آخرون انه بالفعل زعيم كاريزمي ناهض وواعد في الوقت الذي يفتقد فيه العراق الى زعيم قادر على تنظيم الصفوف لمواجهة الاحتلال الاميركي. ولا يستبعد آخرون ان يكون مقتدى الصدر تعبيراً عن محاولات طهران لمدّ نفوذ واسع لها الى الشارع العراقي بعدما خذله حلفاؤه السابقون، بغية تعميق التورط الاميركي في المستنقع العراقي. أياً تكن الحال، لا بد للأميركيين من اعادة حساباتهم في الداخل العراقي. فالعراق الذي تصوروه ممراً آمناً تلتهمه النيران من كل الجهات: الوسط عبر الاحزاب والحركات الدينية المتطرفة وبقايا نظام الرئيس صدام، والجنوب عبر تعاظم قوة الصدر واتساع نطاق جيشه، والشمال عبر التدخل التركي المرتقب ومعارضة الأكراد الشديدة على رغم مباركة الاميركيين مقتدى الصدر: حركة غامضة بلا اسم ولا عنوان لم يطلق الزعيم الشيعي مقتدى الصدر اسماً واضحاً ومحدداً على حركته الاسلامية على رغم انها عُرفت في بداية انطلاقتها بعد اطاحة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بحركة الحوزة العلمية، وفي ما بعد أصبحت تعرف بحركة الحوزة الناطقة في مقابل الحوزة الصامتة. واخيراً عرفت بحركة الصدر. كما لا يعرف الشيء الكثير عن بدايات تأسيس هذه الحركة التي تتركز بشكل اساسي في الحي الشعبي الشيعي المكتظ "الثورة" في العاصمة بغداد. واذ يرى بعض المراقبين انها انطلقت في خضم الفوضى التي رافقت اطاحة نظام الرئيس صدام ، يرى آخرون ان جذورها الأولى تعود الى منتصف التسعينات من القرن الماضي، حينما بدأت الملامح الرئيسية لحركة الصدر الأب بالتشكل في مدينة النجف والتركيز على الطابع العربي للمرجعية الشيعية في العراق. الى ذلك، تظل الهوية السياسية والفقهية لحركة الصدر غامضة ومشوشة الى حد كبير. ففيما لا يتردد مقتدى الصدر في استخدام مصطلح الديموقراطية في خطبه والإشارة الى استعداده للتعايش مع بقية الأطياف الشيعية والاسلامية وبقية التكوينات العرقية والدينية في العراق، يؤكد بعض المراقبين بأن حركته تمثل احدى اكثر الحركات الاسلامية المتطرفة تشدداً في معاداة الثقافة الغربية والعلمانية وعدم التسامح مع معتنقيها. ومع ان الحركة عاشت صراعات خفية وعلنية مع ايران وحوزتها العلمية في قم في فترة الصدر الأب، يشتهر الصدر الإبن بعلاقاته الوطيدة مع الرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني وأية الله محمد كاظم الحائري في قم، اضافة الى انبهاره اللافت بنموذج الخميني. اخيراً، تتميز حركة الصدر بدعواتها الى تعريب وتعريق المرجعية الشيعية وتخليصها من الهيمنة الايرانية، ما يضعها على الدوام في تعارض وتناقض مع المرجعية التقليدية لأية الله علي السيستاني في النجف.