«فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    سكري القصيم «عقدة» رائد التحدي    استهداف 34 ألف لاعب تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 9 سنوات    بحضور وزير الرياضة.. انطلاق منافسات سباق "سال جدة جي تي 2024"    نائب رئيس مجلس الإفتاء السويدي: المملكة ناصرة للدين الإسلامي    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    معرض "أنا عربية" يفتتح أبوابه لاستقبال الجمهور في منطقة "فيا رياض"    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاريع ايديولوجية اسطورية وخطط هيمنة عالمية تحرك متطرفي بهارتيا جاناتا . هل يفجر الاصوليون الهندوس شبه القارة الهندية ؟
نشر في الحياة يوم 27 - 05 - 2002

هل هي الحرب هذه المرة بين الهند وباكستان؟
المخاوف كبيرة للغاية .
لقد وعد وزير الدفاع الهندي جورج فرناندز، بأن بلاده لن تشن هجوماً عسكرياً على باكستان "خلال الاشهر القليلة المقبلة". لكن ماذا قد يحدث بعد "هذه الاشهر القليلة المقبلة"؟
فرناندز لم يجب. لكن الاجواء العابقة بروائح الحرب والتصعيد في نيودلهي، تغني عن أي تعليق.
فالصواريخ النووية لا تزال مصّوبة نحو المدن. وهناك مليون جندي واكثر من 600 طائرة مقاتلة وقاذفة وحاملة الطائرات وعشرات السفن الحربية الهندية الاخرى ما زالت منذ كانون الثاني يناير الماضي في حال استنفار على طول حدود برية يبلغ طولها 2900 كيلومتر، وعلى خطوط مواجهة جوية وبحرية لا حدود معروفة لها، في حين أن رئيس الوزراء الهندي المعتدل أتاي بيهاري فاجبايي في حال صحية صعبة، فيما خليفته المحتمل وزير الداخلية أدفاني يزداد تصلباً.
وفوق هذا وذاك، يجمع الديبلوماسيون الغربيون في العاصمة الهندية، ومعهم دوغلاس فايث نائب وزير الدفاع الاميركي، على ان "خطر الحرب قائم وحقيقي"، وأن شبه القارة الهندية "تمر بأوقات خطرة للغاية".
والهجوم الاخير على الباص في كشمير الذي أودى بحياة العشرات من أفراد عائلات الجنود الهنود، قد يكون نذيراً بما هو أعظم.
وعلى أي حال، الكل كان يعلم أنه في بداية الشتاء الماضي قررت الهند تأجيل، وليس إلغاء، ما بدا آنذاك انه قرار نهائي بشن هجوم عسكري واسع على باكستان. وهذا التأجيل تم بسبب عاملين إثنين: الوعود الاميركية بتغيير سلوكيات الجنرال برويز مشرف في كشمير، والطقس الجليدي الذي يعيق حركة القوات والآليات.
ولذا كانت القيادتان العسكرية والمدنية في نيودلهي أكثر من سعيدة في الموافقة على الرغبة الاميركية بتأجيل "العمليات الجراحية الحربية" كما أسمتها الحكومة الهندية بضعة أشهر.
بيد أن هذه الشهور مرّت من دون ان تحصل الهند على ما تريد، فلا إسلام أباد سلمّتها من تسميهم الارهابيين العشرين المتهمين بالهجوم الانتحاري على البرلمان الهندي. ولا العمليات الفدائية تراجعت في كشمير. لا بل حدث العكس: تزايدت العمليات اكثر من السابق، وسقط فيها اكثر من 400 عسكري هندي. هذا في حين كان مشّرف يبلغ الهنود، عبر الاميركيين، بأنه غير قادر على معالجة قضية كشمير الملتهبة بسبب إقتراب الانتخابات التشريعية في بلاده.
والآن، ومع إقتران تحّسن الاحوال الجوية مع تدهور الاوضاع الامنية - السياسية، قد تجد نيودلهي العديد من المبررات لنقل الصراع مع باكستان من مرحلة الحرب الباردة الى عتبة الحرب الساخنة. في طليعة هذه المبررات شعور القيادة العسكرية الهندية بأن الولايات المتحدة "تبلفها". إذ ان واشنطن، برأيها، تدعوها الى تجنب الحلول العسكرية، ليس لأنها حريصة على السلام بل بسبب حاجتها الى إستكمال حربها الخاصة في أفغانستان - باكستان ضد تنظيمي "القاعدة" و"طالبان".
وهكذا، اذا ما إنتهت هذه الحرب فقد لا تكون واشنطن مستعدة كما هي الآن لاعتبار كل الحركات الاسلامية المسلحة، بما في ذلك الكشميرية، حركات إرهابية. وهذا قد يضّيع على هذه القيادة فرصة ذهبية لا تعّوض لمحاولة الاجهاز على حركة التحرير الكشميرية، ومن ثم إطلاق يد الهند للعب أدوار استراتيجية عالمية، خصوصاً في منطقة آسيا - المحيط الهادي.
وما يفكر به العسكريون، يداعب أيضاً خيالات المدنيين المتطرفين في حزب بهاراتيا جاناتا، الذين يجدون هم أيضاً في الضربة العسكرية المحتملة فرصة ومدخلاً في آن: فرصة لوقف التدهور المستمر في مواقع الحزب الانتخابية منذ العام الماضي، ومدخلاً لتحقيق طموحات القوميين الهندوس بتحويل الهند الى دولة كبرى. وهذا تطور يفترض أولاً العمل على بسط هيمنة نيودلهي على شبه القارة الهندية، ثم الانطلاق منها الى مد نفوذها نحو بقية شرق آسيا ووسطها وربما غربها ايضاً.
وكما في الهند كذلك في باكستان، حيث دوافع التصعيد لا تقل إغراء. فالصراع على السلطة بين الجنرال مشرف من ناحية، وبين القوى الاسلامية من ناحية ثانية، يفسح في المجال امام احتمال عودة الاحزاب العلمانية المعارضة الى واجهة الاحداث، خصوصاً اذا ما تطوّر هذا الصراع، كما هو متوقع، الى مواجهات امنية. وحينها قد يكون التصعيد في كشمير هو كعكة الحلوى الاكثر دسماً التي ستتنافس عليها كل القوى الباكستانية، بسبب الحساسية القومية - الدينية الكبرى لهذه القضية الكشميرية لدى الشعب الباكستاني.
الأصولية الهندوكية
هل ثمة فرصة لتجنب كارثة المواجهات العسكرية، التي قد تتحّول الى تبادلات حرارية نووية؟
الجهود الديبلوماسية لم تستنزف كلياً بعد، لكن الخوف هو أن تؤدي التحولات الكبرى التي تجري حالياً في الهند، الى إعصار يطيح كل الفرص السلمية.
في مقدم هذه التحولات، الصعود الكاسح للأصولية الهندوكية. بالطبع، الازمة الراهنة في كشمير قد تكون كافية بحد ذاتها لتكون الصاعق المفّجر للاحتقان. وهي، على أي حال، كانت سبباً مباشراً في إشعال ثلاث حروب منهكة بين الهند وباكستان في النصف الثاني من القرن العشرين.
بيد أن كشمير ليست الدافع الوحيد للتصعيد. ثمة ما قد يثبت بعد حين أنه أخطر بكثير: الخطر الاصولي الهندوسي الصاعد.
فعلى رغم ان حزب بهارتيا جاناتا أصيب اخيراً ببعض النكسات الانتخابية، الا أن الحركة الهندوسية العامة التي تقودها "راشتريا سواياميشيفاك سانغ" منظمة المتطوعين القوميين التي تأسست في عشرينات القرن العشرين، تواصل اختراقاتها الناجحة لكل مجالات الحياة السياسية - الاجتماعية والأيديولوجية - الثقافية في الهند. وكما هو معروف، تستقي هذه الحركة سياستها الشعبوية من نموذج موسوليني الفاشي، وهي تتحرك على المحاور الآتية:
اولاً، اعادة كتابة تاريخ الهند، ومعه مناهج التربية والتعليم، بهدف توحيد الدين الهندوكي مع الأديان الاخرى الشقيقة له مثل السيخية والبوذية وغيرهما، وإخراج الاسلام والمسيحية من الدائرة القومية الهندية بصفتهما أديان "غزو خارجي".
ثانياً، تحقيق ما تسميه "الهندوفتا"، أي "المجتمع الهندوكي النقي"، الذي تتحّول فيه آلهة الهندوك، خصوصاً رام وكريشنا، من شخصيات أسطورية، الى عناصر "قومية" فاعلة في صنع ماضي الهند وحاضرها ومستقبلها.
ثالثاً، التركيز على ان الآريين الذين بنوا الهند، لم يأتوا من آسيا الوسطى وبلاد فارس كما تؤكد كل الأدلة التاريخية، بل انطلقوا من الهند نفسها، وكانوا هم ورثة "الفيدا" الفلسفة الهندية التي، برأيهم، اكتشفت منذ 7 آلاف سنة "كل" حقائق الكون والوجود، بما في ذلك حتى أسرار القنبلة النووية وتقنيات الطائرات ….
قد يقال هنا أن هذه التوجهات الاصولية الهندوسية، لا تختلف بشيء عملياً عن توجهات باقي الحركات الاصولية في العالم. فهي مثلها تسعى الى إحياء الماضي عبر تدمير الحاضر. وهي مثلها أيضاً، تبني كل ترسانتها الفكرية - الايديولوجية على تاريخ ذهبي مزعوم يوصف عادة بأنه كامل، او مقدس، او سحري. وهذا صحيح.
بيد ان الصورة، مع ذلك، تبدو أخطر في الهند.
فغلاة الهندوس لن يستطيعوا نقل أساطيرهم الى ارض الواقع، إلا عبر شن حرب مع الحضارات الاخرى، وفي مقدمها بالطبع الاسلام الذي يعتبره هؤلاء الخطر الاكبر على "نقاء" الامة الهندوكية المنبعثة من لهب الفيدا "المقدسة".
وهنا تبرز المخاطر الحقيقية على سلام شبه القارة الهندية واستقرارها. فحين تتقاطع الطموحات الجيوسياسية مع الاساطير الدينية والقومية، تولد مناخات عامة يسود فيها المطلق على النسبي، وتكون اليد العليا للتطرف الاعمى بدلاً من الاعتدال والتسامح.
والهند تقف الآن عند هذا التقاطع الخطر، بعدما نجحت الاصولية الهندوكية في تعبئة المجتمع الهندوكي المتسامح عادة وراء آلهتها الغاضبة، وبعدما وصلت الى السلطة السياسية عبر ابنها الشرعي بهاراتيا جاناتي الذي يحمل اضافة الى الايديولوجيا طموحات استراتيجية غاية في الخطورة.
يقول الباحث الاسلامي غريب حنيف أنه منذ نهاية الحرب الباردة، بدأت الهند بوضع الخطوط العامة لتوجهات تهدف الى تحويل نفسها الى دولة كبرى، منطلقة في ذلك من تحليل يبدو صائباً للوضع الدولي الجديد، حيث التحالف الذي يربط الولايات المتحدة بمنطقة آسيا - المحيط الهادي يصبح، وسيصبح، اكثر اهمية من التحالف الاطلسي الحالي الذي يربط اميركا بأوروبا. وهذا بسبب:
الاهمية الاقتصادية، وبالتالي السياسية، المتنامية لمنطقة آسيا- المحيط الهادي.
تناقص اعتماد اوروبا على الولايات المتحدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
ومع بدء حلول نظام عالمي جديد مكان النظام الذي ولد بعد العام 1945، بدأت مؤسسات النظام القديم، خصوصاً الامم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مسيرتها نحو الانحدار. وبدلاً من هذه المؤسسات، بدأ تجمع السبعة الكبار "جي- 7" وهو تجمع يضم الدول الصناعية الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، او هو بكلام أكثر دقة "تجمع السبعة ونصف" بسبب المشاركة الجزئية لروسيا فيه يلعب دور المنبر الرئيس لكل الادارة السياسية العامة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، بسبب تقاعس مجلس الامن الدولي، وحلف الاطلسي ومؤتمر الامن والتعاون في أوروبا عن لعب مثل هذا الدور من حيث قدرته على ضم لاعبين رئيسيين. هذا على رغم ان المؤسسات الاخرى ستواصل لعب أدوار مهمة في بعض القضايا.
يشير غريب الى أن التهديدات للنظام العالمي الجديد تتغير بسرعة، وان انماطاً جديدة منها تنمو باستمرار. وهذا بالتحديد ما يعطي مجموعة السبعة الكبار الدور الرئيس في السلطة الامنية العالمية كونها قوة تستطيع الرد بمرونة وفي الوقت المناسب على التحديات الامنية الجديدة.
وهذا النظام يتكون من العديد من "القوى العظمى"، على عكس النظام العالمي القديم الذي كان يضم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي فقط. والهند ترى نفسها الآن كإحدى هذه القوى العظمى في النظام الجديد المتشكل الآن، وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة. وبالتالي فإن الهند تحاول الآن فك الارتباط مع كل المشاكل الاقليمية والنزاعات المباشرة التي تجرها بعيداً عن النشاطات العالمية. وكشمير هي اهم هذه المشاكل.
فلننظر الآن باختصار الى التغييرات العالمية التي حدثت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي:
أولاً: ان موت قوة عسكرية كبرى الاتحاد السوفياتي ترك الولايات المتحدة بوصفها الدولة الاقوى بين العديد من القوى العسكرية القوية في العالم.
ثانياً: التحالفات العسكرية التي كانت معتمدة على الاتحاد السوفياتي، تبخرت واختفت.
ونتيجة لهذه التغيرات، يتفق كل المحليين تقريباً على القول ان وضعاً شبيهاً للغاية باوروبا القرن التاسع عشر قد برز. فهناك العديد من القوى القوية والمتنافسة، لكن ليست ثمة امة طاغية القوة بحيث تتمكن بمفردها من السيطرة على جدول الاعمال العالمي وتشكيله. الولايات المتحدة بالطبع تواصل التطلع الى الهيمنة العالمية لكنها لا تمتلك القدرات المطلوبة. انها لا تستطيع ممارسة شرطي العالم بمفردها، ودافع الضرائب الاميركي ليس مستعداً لمثل هذا الالتزام.
وهناك اسباب عدة اخرى، منها ما قاله هنري كيسنجر، على سبيل المثال، من ان "القوة أصبحت اكثر انتشاراً"، الامر الذي قلص من قدرة الولايات المتحدة على القيام بدور حاسم في الشؤون العالمية.
ست قوى
مع بروز نظام - دول جديد يشبه نظام أوروبا القرن التاسع عشر، فإن الترتيب الوحيد الذي يبدو قابلاً للحياة هو نوع من نظام التناغم الذي تستطيع الدول الرئيسة في النظام العالمي الجديد العمل ضمنه. مثل هذا النظام طبق في اوروبا بعد 1814 ودام حتى الحرب العالمية الاولى.
ومجموعة السبعة الكبار تمثل بالفعل نظام تناغم، حيث ان قدراتها السلطوية تنبع من امتلاكها كل مقومات هذا النظام. وكما هو معروف تستند انظمة التناغم اكثر الى "القيم المشتركة" منها الى القواعد الثابتة كما الأمر مثلاً مع الامم المتحدة التي لا تعتبر نظام تناغم، نظرياً على الاقل، بسبب استنادها الى ميثاق.
ويرى هنري كيسنجر ان ست قوى ستبرز في النظام العالمي المستقبلي، هي: الولايات المتحدة، اوروبا، الصين، اليابان، روسيا و"ربما" الهند. وستنشأ بين الدول الرئيسة علاقة "شراكة"، حيث ستكون لكل منها حصتها المتساوية من أكلاف تنفيذ جدول اعمال النظام العالمي.
كما سيكون للنظام أبعاد استراتيجية وعسكرية كاسحة. ومن اللافت هنا ان مبدأ التوسع الكلينتوني عّدل لاحقاً ليصبح مبدأ "المشاركة" العسكرية - الاستراتيجية. وهو مبدأ شرحه العام 1994 الجنرال جون شاليكاسفيلي، رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية، بأنه استراتيجية "تشتمل على منع التهديدات الكبرى للاستقرار والشراكة الاقليمية مع الاصدقاء والحلفاء، لمساعدتهم على تسنم مسؤوليات اكبر في فرض السلام والاستقرار في مناطقهم.
مؤسسات النظام
ان النظام الجديد سيعمل عبر مؤسسات عالمية في كل من المستويين العالمي والاقليمي. وهذه المؤسسات ستعمل لتحقيق هدف مزدوج هو توسيع الاسواق وتحقيق الاستقرار الاقليمي. وعلى سبيل المثال، مجموعة السبعة هي المنظمة العالمية على المستوى الدولي التي يمكن من خلالها للنظام العالمي ان يعمل. فهي تعزز جدول الاعمال السياسي - الاقتصادي للنظام العالمي الجديد، وتضع الخطوط الرئيسة للاستراتيجيات الخاصة بالامن العالمي.
وبالمثل، الاتحاد الاوروبي هو نموذج لمؤسسة عالمية على المستوى الاقليمي التي يعمل من خلالها النظام.
وفي آسيا، تندمج منطقة آسيا - المحيط الهادي بسرعة في النظام والمنظمات الناشئة، مثل آسيان منظمة دول جنوب شرقي آسيا والمنبر الاقليمي آي. آر. أف وأسرة آسيا - المحيط الهادي الاقتصادية أبيك. وكل هذه المنظمات قد تندمج في المستقبل في منظمة رئيسة واحدة يمكن من خلالها للنظام العالمي أن يعمل في هذه المنطقة.
ان النظام العالمي "سيستقر" من خلال ميكانيزم ميزان القوة بين اللاعبين الكبار الذين سيحققون مصلحتهم من خلاله.
ويبدو واضحاً الان ان استراتيجيي النظام العالمي الجديد يريدون نظام ميزان القوة في آسيا. وهذا سيكون نظاماً عالمياً يتكون من خمس دول والعديد من القوى متوسطة الحجم. الدول الخمس المقترحة تضم اضافة الى الولايات المتحدة، روسيا والهند والصين واليابان. ومن بين الدول المتوسطة تايلاندا وفييتنام وتايوان والكوريتان.
ان ميزان القوة هو ميكانيزم يتحقق بموجبه التوازن بين قوى متساوية و متنافسة. وعلى هذا الاساس فهو يتعلق بالدرجة الاولى بالاستقرار.
بريطانيا كان لها سبق الفضل في صياغة هذا المفهوم وفي تطبيقه بشكل ناجح في القرن التاسع عشر. ونظام ميزان القوى يستند الى استغلال المخاوف المتبادلة بين القوى المتساوية او شبه المتساوية. وهكذا، على سبيل المثال، ستستغل الولايات المتحدة المخاوف المتبادلة لمختلف القوى المتنافسة في آسيا لتعمل كعامل توازن بينها كونها الاقوى. وبالتالي فإنها ستتمتع بالقوة النهائية. كما ان نظام ميزان القوة سيشرعن من شرعية طموحات القوة لدى قوى شرهة، مثل الهند وروسيا، عبر منحها وضعية الدول الكبرى. وبما ان هذا النظام يستند الى أن ثمة قوى اكبر وقوى أصغر، فإن اي محاولة من دول "أصغر" مثل باكستان للتساوي مع دولة "كبرى"، ستعتبر تهديداً للنظام وللاستقرار. وبديهي بعد ذلك ان يكون نظام ميزان القوة مستنداً اساساً الى القوة العسكرية.
ان نظام ميزان القوة متعدد الاقطاب في آسيا مصمم ليكون له هدفان: النمو الاقتصادي بلا حدود وتأمين الامن الاقليمي. وهو يبدو الاطار الافضل لحماية المصالح الاميركية في القرن الحادي والعشرين. ومن بين هذه المصالح، على سبيل المثال، حرية الملاحة في اعالي البحار، بما في ذلك الطرق البحرية عبر جنوب شرقي آسيا. لكن المصلحة الأهم هي الحفاظ على دور مهيمن وقوي في المنطقة. ونظام ميزان القوة ذو القوى الخمس هو أفضل رهان للاسباب الآتية:
العقل الاستراتيجي الغربي مهووس بالصين بسبب قدرتها على القاء قفاز التحدي في وجه الدور الاميركي في المنطقة. ونظام ميزان القوة وسيلة للتجمع ضد كل من يسعى الى الهيمنة عدا أميركا. ومن خلاله يمكن للولايات المتحدة ان تمنع الصين من ان تصبح القوة المهيمنة في المنطقة.
بيد ان الهند، التي اعتبرت دوماً موازناً للصين، لا تستطيع وحدها القيام بهذا الدور. وحده نظام ميزان القوة الخماسي يستطيع ذلك.
مع تنافس القوى المتساوية في القوة على النفوذ مع بعضها البعض، يصبح الوضع الامني سائلاً. وهذه السيولة، التي تتطور بالضرورة في نظام ميزان القوة، تناسب بشكل أفضل المصالح الاميركية في آسيا - المحيط الهادي او في المنطقة الآسيوية بشكل عام، او حتى في اي منطقة اخرى. وبما ان ميزان القوة، كما أسلفنا، يستند الى القوة العسكرية، فإن الولايات المتحدة بصفتها القوة العسكرية الاقوى تستطيع وحدها ضمان عدم ظهور لا تماثل او لا تساوي قوة خطر في المنطقة.
وهكذا، وفي مثل هذه الاوضاع السائلة، يرى كيسنجر ان الولايات المتحدة يمكنها ان تكون "الورقة الرابحة" كما كانت بريطانيا حين حافظت على ميزان القوة الاوروبي في القرن التاسع عشر.
يشّدد الباحث غريب على أن دور الهند كقوة رئيسة في النظام العالمي الجديد يشمل الآتي:
"مسؤوليات" اقليمية اوسع أي أوسع من شبه القارة الهندية في المنطقة الآسيوية.
التعاون الوثيق مع القوى المسيطرة، خصوصاً الولايات المتحدة، حول القضايا الحيوية لجدول اعمال النظام العالمي الجديد.
وهذا الدور سيتضح حين يأخذ النظام العالمي شكلاً محدداً على المستويين الدولي والاقليمي. بيد أن المؤشرات الى هذا الدور المحتمل لم تكن تتراكم طيلة السنوات الاخيرة من جانب مؤسسات الدراسات الاستراتيجية، وكلها تشير الى أن الهند سيكون لها اساساً دور استراتيجي - عسكري، فهي ستكون لاعباً في كل الخطط المتعلقة بالاستراتيجيات والعلاقات والتحالفات المتعلقة بالاهتمامات الامنية للنظام العالمي الجديد والتي تعتبر الصين تهديداً محتملاً.
على صعيد الدور العالمي الجديد للهند، تبرز العلاقة الدفاعية بينها وبين الولايات المتحدة. وهذا ليس تطوراً جديداً، فهي بدأت منذ عهد جون كيندي في مطلع الستينات، و تبلورت في الدعم الاميركي غير المباشر للبناء الصاروخي والنووي الهندي.
لكن الجديد في العلاقات الهندية - الاميركية هو بدء "الحوار الاستراتيجي" بين الطرفين حول الامن في النظام العالمي الجديد وليس فقط في شبه القارة الهندية.
وعلى الصعيد الاقليمي ستبرز النشاطية الهندية من خلال ثلاث مسائل: اشتراكها في نظام ميزان القوة الآسيوي، واشتراكها في منظمات عالمية مثل آسيان والمنتدى الآسيوي، وفي تمدد نفوذها السياسي - الثقافي نحو آسيا الوسطى.
ان الهدف من الاشتراك في نظام ميزان القوة سيكون موازنة الصين. والغرب واثق من ان الهند ستكون تابعة له حتى لو نشبت حرب الحضارات التي يتحدث عنها هانتيغتون بين الغرب وتحالف الصين واليابان.
اما الاشتراك في آسيان فيهدف الى منح الهند مداخل الى عملية صنع القرار السياسي - الامني في منطقة آسيا - المحيط الهادي، والحصول على المنافع الاقتصادية، وخدمة المصالح الاميركية هناك.
وسيكون هدف التمدد نحو آسيا الوسطى خدمة جدول اعمال النظام العالمي الجديد، خصوصاً ما يتعلق منها بمواجهة "الاصولية" الاسلامية في المنطقة.
بيد أن قدرة الهند على لعب هذه الأدوار المهمة مقيدة ببعض العوائق منها:
- انشغالات الهند الامنية في شبه القارة الهندية، خصوصاً مع باكستان.
- التهديدات للامن الهندي وهي في معظمها داخلية ناجمة عن عوامل دينية وثقافية ونزاعات عنصرية.
وبالتالي، كي تستطيع الهند لعب دورها العالمي المفترض، يجب ان تتخلص أولاً من "هوسها الباكستاني"، ويجب ان تعيد النظر بمبادئها الامنية الاساسية. كما يتعين أساساً ان تتخلص من تورطها في الازمة الكشميرية التي تعتبر اخطر القيود على الحركة الهندية العالمية وعلى الامن الهندي في آن.
وليس من المبالغة القول أن النخبة الهندوكية لم تتصالح بعد مع فكرة استقلال باكستان، واستمرار ازمة كشمير حية - وبشكل عنيف - تكهرب كل العقل الهندوكي وتخلق حالة من عدم الاستقرار لديه وتجعله منهمكاً اكثر فأكثر بالهاجس الباكستاني.
ولهذا السبب بالتحديد تعتبر كشمير العائق الاكبر أمام الدور العالمي الهندي، فهي تعيد النقاش في الهند الى تلك النقطة في التاريخ التي كان سيعاد فيها تنظيم شبه القارة الهندية بعد رحيل البريطانيين. فالازمة في هذه الولاية التي احتلت الهند ثلاثة ارباعها العام 1947 تطلق نبضات عدم استقرار في مناطق الهند الاخرى، وربما ايضاً حركات انفصال واسعة اخرى.
وثمة جذر تاريخي آخر للازمة: فالفكر القومي الهندي يعتبر انه كان هناك عصر ذهبي هندوكي تمزق مع وصول الاسلام. وحركة التحرر التي أطلقها غاندي كانت تهدف الى احياء هذا العصر الذهبي الذي يدعى "رام راجيا" وهي تعني حكم رام أحد اهم آلهة الهندوس. عندما استقلت المناطق الاسلامية في شمال غربي الهند وشرقها، تعززت مخاوف الهندوك من ان الاسلام يقف عائقاً في وجه احلامهم في ابتلاع كل شبه القارة الهندية.
والآن، ومع عودة السخونة مجدداً الى خطوط المواجهة الباكستانية - الهندية، يطل كل هذا الكوكتيل من الاعتبارات الايديولوجية والاستراتيجية الهندية برأسه ليهدد بدفع شبه القارة الهندية برمتها الى حافة الانفجار. وما لم تتحرك الطبقة الوسطى الهندية لوقف تقدم الاصوليين الهندوس، وبالتالي إنقاذ الديموقراطية الهندية من حروب الحضارات والطموحات الاسطورية، فإن انجراف شبه القارة نحو الكارثة سيكون أمراً محتماً.
وهذا قد يحدث حتى خلال "الاشهر القليلة المقبلة"، على رغم كل تطمينات وزير الدفاع الهندي وتأكيداته
كشمير تاريخياً
تقول الاساطير ان كشمير كانت أساساً بحيرة قام قاشاياب بتجفيفها ثم قطنها البراهمينيون. دخلت البوذية الى المنطقة وازدهرت في عهد كوشان في القرن الثاني بعد الميلاد، بيد ان الهندوكية بقيت الديانة المسيطرة.
وفي القرن السابع الميلادي، تم تأسيس سلالة كاركوتا على يد دورالبهافاردهانا. وفي العام 1346 تم استبدال آخر حاكم هندوكي لكشمير بشمس الدين الذي حكمت عائلته حتى 1586 حين سيطر امبراطور المغول أكبر على كشمير وضمها الى مملكته.
في سنة 1757 سيطر أحمد شاه دوراني على المنطقة وضمها الى افغانستان. وفي 1819 غزاها رانجيت سينغ وجعلها جزءاً من الامبراطورية السيخية. وفي 1846، حين هزم البريطانيون السيخ وضموا البنجاب، باعوا كشمير الى غولاب سينغ الذي عين نفسه مهراجاً في مقابل 7 ملايين ريال وفق معاهدة أمريستار. ووقع هذا الاخير
معاهدة مع البريطانيين تعطيه وضعية الامارة المستقلة. توفي غولاب سينغ العام 1857 وخلفه رامبير سينغ 1857 - 1855، ثم جاء اثنان من المهراجات بارتاب سينغ 1885 - 1925 وهاري سينغ 1925 - 1949.
حكم غولاب وخلفاؤه كشمير بشكل استبدادي وقمعي. وانتفض سكان كشمير، 80 في المئة منهم مسلمون، ضد المهراجا هاري سينغ، لكنه قمع الانتفاضة بشكل وحشي في 1931. وفي 1932 شكل الشيخ عبدالله اول حزب سياسي هو المؤتمر الاسلامي لجامو وكشمير أعيدت تسميته الحزب القومي في 1939 وفي 1934 سمح المهراجا بديموقراطية محدودة.
ووفقاً لخطط تقسيم الهند للعام 1947، أعطيت الامارات حق الانضمام إما الى الهند وإما الى باكستان أو ان تصبح مستقلة. لكنها نصحت مع ذلك بالانضمام الى الهند. بيد ان المهراجا في كشمير تردد. فالسكان المسلمون تمردوا حين رأوا القوات الهندية، وخرجت الامور من يديه. ومن الواضح ان سكان كشمير كانوا يطالبون بالانضمام الى باكستان. بيد أنه استسلم في النهاية للضغوط الهندية ووافق على الانضمام الى الهند في 26 تشرين الاول اكتوبر 1947، شرط اجراء استفتاء على ذلك. بيد ان الهند لا تزال تعرقل هذا الاستفتاء حتى اليوم.
نشب قتال عنيف في 1947 - 1948 بين القوات الهندية والباكستانية حول كشمير. وفي اول كانون الثاني يناير 1949 اعلن وقف اطلاق النار الذي خلق اول خطوط سيطرة.
وفي 1957 ضمت الولاية فعلياً الى الاتحاد الهندي في ظل دستور جديد، من دون العودة الى السكان المحليين.
واندلع القتال مجدداً العام 1956 بين الهند وباكستان بسبب كشمير، ووقع بعدها رئيس الوزراء الهندي لال بداور شاستري والرئيس الباكستاني أيوب خان معاهدة طشقند التي تعهدت بحل النزاع بالطرق السلمية. في 1971 اندلعت الحرب الاهلية في شرق باكستان وقاتلت القوات الهندية مجدداً القوات الباكستانية في كشمير. والنتيجة، وقف اطلاق نار آخر وتوقيع معاهدة شيملا من جانب كل من انديرا غاندي وعلي بوتو.
ومنذ حرب 1971 بقي الوضع في طريق مسدود، حيث سيطرت الهند على معظم كشمير. وفي 1989 بدأ الكفاح المسلح في كشمير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.