كنت اعتقد ان هناك نوعين من الادمان، ادمان على الخمر، وادمان على المخدرات. غير انني علمت شيئين وغابت عني أشياء فقد قرأت أخيراً عن مصح ميدوز الاميركي، قرب مدينة توسون في ولاية اريزونا، حيث تفاخر الادارة بالنزلاء وبعضهم من أشهر ممثلي السينما والممثلات والشخصيات المعروفة. وبين هؤلاء من ابتلي بالخمر أو المخدرات، ولكن المصح يعالج أيضاً الادمان على الانترنت، وعلى الحب، وعلى الجنس، وعلى الثروة وغير ذلك. وهناك حوالى 600 نزيل يمرون في مصح ميدوز كل سنة، ويقضي الواحد من هؤلاء حوالى خمسة أسابيع قيد العلاج. ووجدت ان "الطب" تقدم كثيراً منذ جماعة "المخمورون المجهولون" التي أسست سنة 1935، ولا تزال حتى الآن تعالج المدمنين على الخمر ببرنامج من 12 خطوة. في مصح ميدوز النزيل يبحث عن "ذاته الحقيقية"، أو عن "الطفل الداخلي" فيه. ولا أقول في مثل هذا العلاج سوى أن من الأفضل لبعض الناس ألا يجدوا ذاتهم، لأنهم لا يطاقون. اما الذي يرتكب جريمة ثم يزعم ان السبب ان أمه ضربته صغيراً، فمن الواضح انه يستحق الضرب لأنه كان لا يطاق صغيراً، كما انه لا يطاق كبيراً. هذا عند "الخواجات" فماذا عندنا؟ أشهر ادمان عربي هو الادمان على الفشل، والكولونيل الذي ادمن الفشل العسكري، دبر انقلاباً وحكم، وادمن الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وعندنا وعندهم بعض أنواع الادمان تعكس طبيعة متطرفة لصاحبها، وأعرف صديقاً انتقل من يسار تروتسكي الى يمين جورج بوش الابن، من دون أن يمر على الوسط بينهما. وهناك الرجل الذي يدخن أربع علب سجاير في اليوم ويسعل كمصدور. وهو اذا أوقف التدخين أصبح يحاضر في مضاره، ويزعج الناس ممتنعاً كما ازعجهم مدخناً. ثم هناك المرأة التي تريد أن تحافظ على رشاقتها، وتمتنع عن الأكل وتصاب ب"انوركسيا" أو النحول المرضي، وهي اذا حاولت استرداد ما فقدت تتحول الى السمنة المرضية أو "بوليميا". طبعاً الادمان على الجنس، أو مرض مايكل دوغلاس، هو مجرد ادمان على الكذب، فالانتصارات المزعومة والفتوحات لم تحدث الا في خيال صاحبها، وهو لكثرة ما يرددها يصدقها في النهاية. لا أريد أن أتفاخر، ولكن أنا أمهر ما أكون في السرير... فأنا أجلس فيه لاكتب مقالي. وأرجو الا يكون القارئ أساء الظن، ولكن اذا فعل فانني أزيد له انني أحب الموسيقى، واحياناً أحب من دون موسيقى، واعترف بانني لم أفهم لماذا يريدون علاج ادمان الثراء، فأنا لو ادمنت الثروة وجاء من يعالجني لقتلته، الا انني ادرك انني لن اثري، وبالتالي لن احتاج الى قتل من يحاول علاجي. اعترف كذلك بأن ليس عندي ادمان من أي نوع، فأنا لا اشرب، ولم ادخن يوماً مع اني حاولت صغيراً. بل انني لا أحب الطعام كثيراً، ولا أفهم انساناً لا يستطيع غلق فمه، فهذا هو "الرجيم" الوحيد المنطقي والفعال. ومع ذلك فأنا ادرك ان هناك من يحب الطعام، وقد يدمن عليه كالخمر أو المخدرات. وكنت تابعت اخيرا سلسلة من المحاضرات في لندن بسبب عنوانها فقد كان "الأكل كطقس ديني وسحر". ولم يخب أملي، ففي احدى المحاضرات قال المؤرخ فيليب فرنانديز ارمستو "لا أقبل وجهة النظر ان أكل لحم البشر خطأ، طالما ان الانسان ميت". وهو زعم ان افراد قبيلة هوا في غينيا الجديدة يأكلون رجالها ليحتفظوا بأرواحهم، وهكذا فالاكل عندهم عبادة لا تغذية. لو كنت حاضراً لقلت للمؤرخ "تطلع روحك"، خصوصاً انه ساوى بين أكلة لحوم البشر الذين يعتبرون عملهم طقساً دينياً والنباتيين الذين يمتنعون عن أكل اللحم بسبب المبدأ لا التغذية، اما رأيي الشخصي فهو ان النباتي انسان لا يحب الحيوان، ولكنه يكره النبات. ولكن ما هو تعريف الادمان؟ هو في القواميس مرتبط اساساً بالمخدرات، ولكن قرأت انه ممارسة أي شيء يضر في النهاية. كذلك قرأت تعريفاً عاماً له هو انه أي شيء تضطر الى الكذب لتخفيه. وربما فسر هذان التعريفان ادمان الحب، فلا أتصور ان "المرضى" ذهبوا الى المصح لأنهم يحبون زوجاتهم، وانما لأنهم دخلوا تجربة حب ممنوع، ويكذبون، وقد يصابون بالضرر اذا ضبطوا. ومايكل دوغلاس لم يزعم انه مصاب بمرض الجنس الا بعد ان ضبطته زوجته بالجرم المشهود. الحب العذري ممكن بين زوج وزوجته فقط، الا ان هذا ليس مشكلة تستحق الذهاب الى اريزونا لعلاجها، فكلنا في الهم زوج. ونعرف ان الحب أعمى، الا انني أجده مغفلاً أيضاً، فالعاشق يعتقد أن معشوقته أجمل انسانة في العالم، غير انه اذا اختلى بها في مكان يطفئ النور. وربما كان هذا سبب ان الرجال يفضلون الشقراوات، لأن رؤيتهن في الظلام أسهل. أترك العشاق في عماهم، أو على غفلتهم، وأقول لكل زوج ان يهدي ورداً الى من يحب... وألا ينسى زوجته