مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    وزير الصناعة من قلب هيئة الصحفيين بمكة : لدينا استراتيجيات واعدة ترتقي بالاستثمار وتخلق فرصا وظيفية لشباب وشابات الوطن    السعودية الأولى عالميًا في رأس المال البشري الرقمي    استقرار أسعار الذهب عند 2625.48 دولارًا للأوقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    سجن سعد الصغير 3 سنوات    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    حرفية سعودية    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    ألوان الطيف    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    القتال على عدة جبهات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    كلنا يا سيادة الرئيس!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهيب بن شيخ مفتي مرسيليا "نجم الاسلام التقدمي" الحياة مقدسة والعنف باسم الاسلام إجرام
نشر في الحياة يوم 11 - 11 - 2002

لفت مفتي مرسيليا الشيخ سهيب بن شيخ الأنظار بسبب مواقفه ونظرياته الحديثة. ويعتبره أصدقاؤه وأخصامه على حد سواء "النجم الصاعد في سماء الاسلام التقدمي"، حسب تعبير جريدة "لوموند"، اذ يرون فيه رجل الدين المعتدل والمنسجم مع عصره. وعلى رغم انه لم يتجاوز الأربعين من عمره فإن بن شيخ أصبح مرجعاً اسلامياً، فهو حائز على دبلوم من المعهد الاسلامي في الجزائر، وتابع دروسه الفقهية في الأزهر الشريف، وحصل على دكتوراه في العلوم الدينية من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس. وهو اضافة الى كل ذلك نجل الشيخ عباس بن شيخ الحسين، العميد امام السابق لجامع باريس.
بلغة القرآن الكريم ولهجة جزائرية ناعمة، تخالطها لكنة فرنسية راقية يحاول جاهداً ان يعرّب ملامحها، تحدث سهيب بن شيخ بصراحة الى "الوسط".
يقال ان مرسيليا هي أول مدينة جزائرية على البحر الأبيض المتوسط، ما رأيكم؟
- ويقال أيضاً، عندما يتوجه أي شخص من باريس الى داكار، أول مدينة عربية يقابلها هي مرسيليا. وأنا أريد أن أسألك ما هي اللغة الثانية في مرسيليا؟
العربية؟
- لا، الفرنسية. نظراً الى تغلب التواجد العربي في مركز المدينة، فربع المدينة من أصل عربي خصوصاً من الجزائر، فسكان مرسيليا يبلغ عددهم حوالي 800 ألف نسمة، أما العرب والمسلمون فتبلغ نسبتهم 25 في المئة أي حوالي 200 ألف، ربما عدد المسلمين في ضواحي باريس أكثر، لكنهم في مرسيليا احتلوا وسط المدينة. وهذا الأمر قد يقلق كثيرين من الفرنسيين اذ يرون فيه تقريباً أسلمة لمدينتهم.
يقال ان المسلمين يشكلون الطائفة الثانية في فرنسا كلها، فهل لهم الحقوق كاملة برأيكم؟
- حقوقهم لا تزال مهضومة، والمسؤولية يتقاسمها الطرفان. فرنسا دولة علمانية لا دين لها رسمياً، لكن مع هذا يبقى نظرياً وقانونياً بحتاً، أما في الواقع فالمسلمون بعيدون عما يتمتع به غيرهم من المسيحيين واليهود أو حتى بعض الأقليات الأخرى، لأن الفرنسيين يخشون هذا الدين ويعتقدون بأنه يحمل في طياته العنف والكراهية للآخر، ولم يجدوا بين المسلمين العدد الكافي من القادرين الأكفاء لشرح تعاليم الاسلام وانسانيته. فكثيرون من أبناء الجالية الاسلامية يكرسون هذا الخوف المتواجد عند الفرنسيين بتصريحات وتصرفات تنم عن جهل وبعد عن روح الاسلام وعن المجتمع الفرنسي المتحضر المؤدب. لكن هذا مسألة وقت فقط، لأن الجالية الاسلامية بدأ يصعد فيها كثيرون من أبنائها، وهم بصدد تسلق هرم المجتمع في كل الميادين، بما في ذلك الميادين المهنية والاقتصادية بل وحتى السياسية.
صحيح ان المسلمين ليسوا حتى الآن ممثلين في البرلمان، وقد تمثلوا للمرة الأولى في الحكومة الحالية باعطائهم وزارتين، لكن تمثيلهم في المعاهد والجامعات ومراكز البحث بعدد هائل من الطلبة والأساتذة والباحثين، يبعث الأمل في ازدهار مستقبل هذه الجالية في فرنسا.
بعد 11 أيلول سبتمبر، كيف تتعامل الدولة الفرنسية معكم، ومع رجال الدين المسلمين؟
- فرنسا هي ربما أكثر الدول الغربية والأوروبية التي يميزها بعض الاعتدال وبعض التفهم، اذ صرح رئيس الجمهورية جاك شيراك وحتى رئيس الحكومة السابق ليونيل جوسبان آنذاك بأنهم يحاربون كل خلط ما بين الاسلام وبين أي عنف أو وحشية تقترف باسم الاسلام، الأمر الذي أراحنا بعض الشيء. لكن المجتمع ترسخ في ذهنه أن الاسلام وليس المسلمون هو الذي يحض اتباعه على كره غير المسلم.
أما نحن فنعاني من ألمين: الأول كباقي الانسانية، نحن ضد العنف والتخريب والدمار وقتل الأبرياء. اما الألم الثاني فيأتي من كوننا نعلم ان الاسلام بريء من هذه التصرفات، بل هو أول من يدينها. فعوض ان نشارك الفرنسيين كافة في ادانتهم وفي نفيهم، نتحول الى محامين والى معلمين. وأنا أقول لهم: احذروا، لا تزيدوننا ألماً بادانتهم لديننا، بادانتكم لروحانيات يحملها خمس البشرية، عقيدة أكثر من مليار انسان، بادانتكم لتعاليم لها أكثر من 14 قرناً من القدم يرثها جيل عن جيل.
صحيح ان الاسلام ربما أو المسلمين بصفة أخص يعيشون أزمة تأقلم مع الحداثة، لكن الأديان كلها بما في ذلك المسيحية، عاشت هذه الظروف ومرت بهذه الملابسات، فالصراع بين فرنسا الكنسية وفرنسا العلمانية في القرن التاسع عشر هو أكثر من معروف لدى مثقفي هذا البلد.
كيف تفسرون لجوء بعض الشباب المسلم والعربي الى العنف في الجزائر وفي مرسيليا، وفي فرنسا بشكل عام؟
- كل محاولة لتفهم أوضاعهم لا تنفي عنهم أبداً صفة الاجرام ولا تنزع عنهم المسؤولية أمام الله والعباد. فكل من يرتكب أعمال عنف باسم الاسلام نجده دائماً شخصاً يجهل الدين وتعاليمه. والقضية في الأساس غضبة مقدسة وصيحة مدوية في وجه الاستبداد والديكتاتورية، لكنها وياللأسف الشديد اختفت وراء أهداب الدين واستعملته بأيديولوجية عنيفة للمعارضة السياسية البحتة. أنا أحترم المجتمع الذي يضم أحزاب المعارضة، اذ هو مجتمع تعددي، حر، يأبى الضيم ويرفض الاستغلال، لكن على الأحزاب في محاولتها للتمكن من السلطة ألا تستعمل الدين بل عليها أن تقدم لنا مشاريع انسانية قابلة للنقد، تتحمل القبول أو الرفض. اما إذا تكونت أحزاب وجماعات تعادي السلطة في الوقت الذي تحتكر على الناس فهم الدين، فهذا يؤدي بنا الى فتنة ونحن نعيش الى يومنا هذا عواقبها القتالة المميتة في الجزائر وغير الجزائر.
ان الجماعات المسلحة في الجزائر لا تحاول كسب ثقة الشعب كما هي عادة كل الأحزاب السياسية، ولا تحاول حتى غسل مخه كما هو ديدن الايديولوجيات الدنيوية، بل هم اعتصموا بجبال الجزائر وبغاباتها، ليغيروا بين الحين والآخر فينفذوا التقتيل والتشريد بل حتى ويا للعجب سبي النساء الشريفات واسترقاقهن، مما جعل كل الشعوب المحيطة بنا تستغرب الأمر ولا تكاد تصدقه.
هل يمكن للمسلمين والعرب الذين حازوا على الجنسية الفرنسية ان يندمجوا في المجتمع الفرنسي؟
- الاندماج بمعنى ان يتفهم المسلمون خفايا المجتمع ولطائفه للارتقاء فيه والتعامل معه هذا شيء حسن حميد. أما إذا كان الادماج أو الاندماج مسخ لشخصيتهم وانعتام لهويتهم، فهذا ما سنعارضه ونعمل كل ما في وسعنا لمحاربته. إذ المطلوب من المسلمين وغير المسلمين في هذه البلاد لينالوا كل حقوقهم احترام القوانين والعمل بها، خصوصاً انه ليس هناك بند في الدستور ولا مادة في القانون تلزمهم بنسيان اسلامهم والتملص من عروبتهم.
هل تلحظون بوادر صراع يهودي - اسلامي في المنطقة؟
- في الشرق الأوسط طبعاً نلحظه، وهو صراع يعلمه العام والخاص في الانسانية كلها، لكن هذا الصراع انتقل الى الغرب الذي يحتضن أقليات يهودية واسلامية، فكثير من معابد اليهود ومدارسهم حُرقت أو هدمت في فرنسا وفي كثير من الدول الأوروبية، وأصابع الاتهام اتجهت نحو المسلمين سواء من قبل اليهود أو غيرهم.
هنا في مرسيليا، في الأحياء الشرقية، حرقت بيعة من بيعهم، وأنا شخصياً أول من دان هذا الاعتداء على بيت من بيوت الله، فقررت أن أسارع الى الادانة حتى لا يستغله بعض متطرفي اليهود لتحريض المجتمع الفرنسي والدولة الفرنسية ضد المسلمين، وناشدت الجميع انه في حالة ما إذا اكتشفت العدالة وقوات الأمن ان الفاعل من أصل مسلم، ناشدتهم أن يقدموه كمذنب ومعتد لا كمسلم.
فرنسا كانت منذ كثير من العقود تعمل ألف حساب لليهود قبل أي تصريح رسمي يخص الشرق الأوسط، وقبل اتخاذ أي مواقف في ما يتعلق بالنزاع اليهودي - العربي، لأن اللوبي اليهودي فرض نفسه في كل الأوساط الإعلامية والاقتصادية والسياسية، لا بعدده وكمه، بل بالمستوى العالي المثقف المميز لأبنائه. أما الآن، فهذه أول مرة في تاريخ فرنسا، يشعر الجميع بوزن وحضور عربي مسلم، وقد لاحظنا ان الساسة والمسؤولين لا يستطيعون أبداً كما في السابق الاستخفاف بالعرب وبقضاياهم لأسباب انتخابية بحتة. واستطيع ان اؤكد لك ان سقوط الاشتراكيين كان من ضمن أسبابه تحول المسلمين الى "الخضر" والى "شيراك" أثناء فترة الانتخابات، كنت أسأل العوائل الفرنسية من أصل عربي: "هل أرسلتم أبناءكم للانتخاب؟"، و"الى من أدلوا بأصواتهم؟". كان جوابهم: "نحن لا ننتخب من أجل الصهيوني" والمقصود جوسبان.
فهناك صورتان رسختا في أذهان كل مسلمي فرنسا: الصورة الأولى هي صورة شيراك وهو في حال غضب شديد ضد الجنود اليهود الذين كلفوا بحمايته في القدس المحتلة اذ دان بشدة الأعمال التي تصدر عادة عن الجيش الاسرائيلي. والصورة الثانية هي عندما ذهب جوسبان الى فلسطين المحتلة ودان "حزب الله"، يا ليته دانه لتشدده في فهمه للدين، وانما دانه ووصفه ب"الارهاب" في الوقت الذي كان فيه أفراد "حزب الله" يموتون من أجل تحرير جنوب بلدهم. وقد تأكد لدينا بعد ذلك، انه بفضل استبسالهم وشجاعتهم استطاعوا أن يدفعوا ظلم أقوى سلطة عسكرية في الشرق الأوسط وإرغامهم على الانسحاب من بلدهم. هاتان الصورتان كانتا كافيتين من أجل تحول العرب، وهم عادة من اليسار في فرنسا، الى اليمين المعتدل، فكافأهم الرئيس شيراك بأن عين اثنين من الجالية الاسلامية وزيرين، وما هذه إلا بداية.
كيف تفسرون الحملات التي تحاول ربط الاسلام بالارهاب؟
- "هما ضدان، لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً" كما يقول القدماء، فأحدهما يقصي حتماً الآخر. القرآن لا ينهانا بصريح آياته عن مودة وبر غير المسلمين إذا لم يحاربونا ولم يخرجونا من ديارنا، والقرآن يحثنا على أن نعدل معهم ونقسط نحوهم. والقرآن يدفعنا بصريح آياته أيضاً الى أن نحاول دفع اذاهم ان كان هناك أذى بالتي هي أحسن لكي نجد الذي بيننا وبينه عداوة متحولاً الى ولي حميم، حسب التعبير القرآني.
أما الارهاب فهو تصرف رجل غاضب موتور ناقم على الدنيا وأهلها الى درجة التقتيل وضرب الأبرياء. أول من يدين بشدة وبحزم هذا التصرف غير الانساني هو الاسلام نفسه، الذي جعل الحياة مقدسة لا تنتزع من مخلوق إلا بحق الدفاع عن النفس أو بحق العدل المنبثق من القضاء والحكم.
فالله سبحانه وتعالى كرّم أبناء آدم، مسلماً كان أو غير مسلم وجعله خليفته في أرضه وحمّله أمانة تسييرها وتعميرها، فلا يعقل أبدا ان يهون الانسان وييأس الى درجة ان يقتل لأي سبب ولغير سبب.
ما رأيكم بتصنيف "حزب الله" و"فتح" و"حماس" وغيرها، ضمن لائحة الارهاب من قبل المجتمع الدولي؟
- لا وألف لا، على رغم انني لا أشاطرهم تماماً فهمهم للدين ولا أقاسمهم نظرتهم التي أرى فيها بعض الشدة والحرفية، لكنني لا أشك في اخلاصهم وأحيي بطولتهم وصمودهم لمواجهة عدوان غاشم انتزع منهم أرضهم وداس كرامتهم وقتل ابناءهم، فلولا صمود هذه الجماعات الحرة الشريفة لنُسيت فلسطين ولما وجدنا اليوم في الرأي العام العالمي من يتكلم عن أي حق من حقوقها.
كيف تصنفون العمليات الانتحارية أو بالأحرى الاستشهادية؟
- أنا شخصياً أتأسف لقتل اسرائيليين مدنيين غير مسلحين، لكنني أتفهم اليأس والبؤس الذي يعاني منه الفلسطينيون كل يوم، فيرون أنفسهم مطالبون بالنضال والجهاد بأي وسيلة وجدت أمامهم لبث الرعب في قلوب أعدائهم.
ديناً لا يجوز قتل من لا يقاتلنا، لكن هؤلاء الشبان الفلسطينيين لا يستطيعون مواجهة المدفع بالحجارة، ومقابلة القنابل بالصدور العارية. يصعب البت في هذه القضية انسانياً. فالشاب الفلسطيني لا يجد أمامه لمواجهة صلف العدوان الا ان يفجر نفسه من أجل أن يعلو دينه ويكرم وطنه ويتحرر، فبكل ذاتية مني يصعب عليّ ادانته بصريح العبارة.
ثمة شكوى من تصرفات اليمين الفرنسي المتطرف ضد المهاجرين الأجانب، كيف تصفون هذا الأمر؟
- السيد جان - ماري لوبان رجل يعرفه الفرنسيون بتطرفه وبعمى بصيرته قبل أن يكتشفه العرب المهاجرون أنفسهم. عندما استطاع ان يكون الرجل الثاني في انتخابات نيسان ابريل الماضي، قامت عليه الدنيا ولم تقعد، وانتفض المجتمع الفرنسي انتفاضة رجل واحد ليقطعوا أمامه الطريق قبل أن يتحرك العرب أو المسلمون، اذ ليست من عوائدهم وهم جدد في فرنسا الخوض في هذا النوع من الملاحم السياسية والاجتماعية.
وأنا شخصياً خرجت من طوق الصمت والتحفظ الخليقين برجل الدين لتحريض المسلمين وغير المسلمين بأن يستعملوا سلاحهم الأوحد، لكنه الأخطر، وهو التصويت في صناديق الاقتراع لاضعاف غريمهم لوبان وسد أبواب الفوز في وجهه.
ميزك الرئيس شيراك هذه السنة بمنحك وسام الاستحقاق الوطني، لماذا؟
- قد يكون هذا نتيجة تدخلي في معامع انتخابات نيسان، ظناً منه ان تصرفي كان لمصلحة فوزه بالرئاسة. قد يكون ذلك صحيحاً لكن هدفي لم يكن إنجاح شيراك بقدر ما كان اسقاط خصمه ومنافسة جان - ماري لوبان.
لو كانت المنافسة بين اليسار المعتدل واليمين المعتدل هل كنتم ستحرضون المسلمين على التصويت لمصلحة شيراك؟
- أبداً، لو كان الأمر كذلك، لما أبحت لنفسي التدخل في أمور لا تعني رجل الدين مباشرة ولا تزيد في احترامه وهيبته. فالرجل الذي يمثل ديناً من الأديان في فرنسا، عليه أن يعلو كل هذه الصراعات السياسية وأن لا يصرح بهوى نفسه، حتى اذا ما أخطأ لا يجر بذلك كل الجالية التي يمثلها الى الخسران.
ما هو موقفكم من الاسلام السياسي في شمال افريقيا؟
- أكبر رزء أصاب الاسلام في بداية قرنه الخامس عشر هو تشكيل هذه الاحزاب السياسية التي تحاول كبقية الاحزاب الاخرى الحصول على السلطة، لكنها امتازت عنها بمحاولة احتكارها للدين، فكل من خالفهم يرى نفسه رغماً عنه معارضاً للدين نفسه، مما خلق في مجتمعاتنا الاسلامية أزمة كبرى لا نزال نتذوق ألوان عذابها.
لا أحد من الناس يخول له الحق ان يضع يده على هذا الدين الحنيف ولا أن يفرض وصايته عليه خصوصاً اذا كانت أغراضه دنيوية بحتة، وأساليبه أساليب المسيسين التي يعرف عنها المكر والدهاء والمراوغة، فعلى المسلمين الأكثر إيماناً أن يصيحوا من أجل ان ترفع عن دينهم هذه الأيادي العابثة خصوصاً وهم اتباع دين لا يعرف الكهنوت ولا الرهبان، ولا أي نوع من انواع الأوصياء على الدين أو أي ضرب من ضروب الوساطة بين الرب ومخلوقه.
ما هي علاقتكم بالشباب العربي والمسلمين في مرسيليا؟
- علاقتي بالشباب في مرسيليا تزيد يوماً بعد يوم ندارة، لشدة انشغالي واهتمامي بالشباب خارج مرسيليا أو خارج فرنسا نفسها، لسبب تكاثر الدعوات وتزايد المؤتمرات واللقاءات المخصصة للبحث في شأن من شؤون الاسلام أو علاقته بالحداثة أو بالعلم أو بالمدنية ونحو ذلك.
لكنني أخاطب المسلمين وغير المسلمين عن طريق وسائل الاعلام بما في ذلك الصحف والاذاعات مما يضمن وصول الخطاب الى أكبر عدد ممكن من القراء والمستمعين. أخاطب المسلمين وغير المسلمين لسببين مختلفين، اختلاف هذين المستمعين. أخاطب الشباب المسلم وغايتي هي تحصينهم بالاسلام الصحيح المؤسس على قواعده المتينة والحاوي لتعاليم الانسانية من رحمة واخوة وعفو واعتدال، والفضائل الجمة الكثيرة التي تنفعهم في دينهم ودنياهم وتضيء أمامهم طريق الصلاح والفلاح في مستقبلهم. بهذا لا يسقطون ضحايا سائغة سهلة أمام كل من يحاول أدلجتهم وجلبهم الى ادعاءاته المسيسة الخطيرة.
وأخاطب الشباب غير المسلم وهدفي تطبيعهم وتعويدهم على سماع هذا الدين والاحتكاك به، فهم مطالبون في حاضرهم ومستقبلهم بمعايشة المسلمين ومعاشرتهم فلا يمكنهم أن ينجحوا في ذلك إذا ظلوا يخشون هذا الدين ويتوقعون منه كل الخطر وكل ما يهدد رغيد عيشهم وهناء مجتمعهم.
اذا اردت ان تملأي قاعة بعدد غفير من الناس، مختلفي الاجناس والثقافات والاديان عليك ان تعلني ان موضوع الاجتماع او المحاضرة يتعلق بالاسلام، فهناك من يأتي ليزداد علماً ويعمق فهمه له لايمان في نفسه، وهنالك من يأتي مدفوعاً بفضوله لاكتشاف هذا الدين، وهنالك من يأتي شغوفاً تواقاً متطلعاً ليملأ شغفه بهذا الدين الصامد، دين الفقراء، دين المغلوبين، لكنه شوكة تنغص عيش الاقوياء الجائرين، وهنالك من يأتي منهم ومعه حسابات عدة ليفضها مع الاسلام، معتقداً انه يجد في ذلك الفرصة السانحة لينهال عليه بكثير من الاسئلة ويحسب انها اسئلة معجزة او محرجة لا جواب عليها، هذا هو وضع الاسلام في هذه البلاد غير المسلمة.
هل يوجد في مرسيليا مركز ثقافي اسلامي للاجتماع مع الشباب العربي، واين اصبح مشروع بناء جامع مرسيليا الكبير؟
- نعم، يوجد مركز كبير جداً لكنه في عالم المثل والخيال، لم يتحقق بعد، لكننا خطونا الكثير من الخطوات لتنفيذه، فنحن في صدد بنائه، وقد اجرينا الكثير من الاتصالات والمقابلات مع عمدة هذه المدينة ومعاونيه لتحقيق هذا المشروع النافع والمفيد لمرسيليا بكاملها، فهو نافع للمسلمين اذ سيرون ان خصوصيتهم الدينية والثقافية تصبح فجأة اثراء وتجميلاً لهذه المدينة.
اما في ما يتعلق بغير المسلمين فان بناء هذا المشروع وهو مشروع مسجد ومعهد اسلامي كبير، اذا ما رأوا الاسلام واضحاً جلياً جميلاً، وبالاضافة الى ذلك يشيع علماً ويسطع ثقافة وفناً، فهذا حتماً سيساعدهم على قبولنا وعلى السيطرة على الحذر المبالغ فيه تجاه هذا الدين الذي يجهلونه كل الجهل.
في بداية الامر كانت اكبر العراقيل التي تقف امام بناء هذا المشروع، هي رفض عمدة البلدية نفسه جان بول غودان ، ثم استطعنا بعد مجادلتنا له ومحاورتنا معه ان نغيّر من رأيه وان نلطف من تعنته، وشيئاً فشيئاً اصبح يدعو معنا مقتنعاً بضرورة تحقيق هذا الانجاز ويرى فيه صلاحاً لمدينة مرسيليا وسكانها. اما الآن ففوجئنا ببعض العراقيل وهي من نوع آخر منطلقها وللاسف الشديد بعض الجماعات المسلمة المتطرفة التي تخشى ان يزيل عنها هذا المشروع بعض نفوذها ويفوت منها بعضاً من مصالحها. فيا للعجب ترين الرجل المسلم يريد ان يمكث اميراً على مصلاه الصغير المدفون في احد دهاليز مرسيليا وكاراجاتها، ويرفض ان يكون له دور ثانوي في امبراطورية مؤسسة احسن تأسيس ومشيدة تشييداً محكماً. بعضهم يخشى النور لانه تعود ان يضيء سراجاً خافتة في الظلام الحالك فاذا طلع النهار ينطفئ القنديل.
هل تتصلون برجال الدين اليهود والمسيحيين في مرسيليا او غيرها؟
- نعم نتصل بهم بصفة اعتيادية، احياناً ندعوهم لأن يدلوا معنا ببعض التصاريح المفيدة لنا جميعاً، واحياناً ينادوننا ليروا ان كنا موافقين على اتخاذ مواقف جماعية لفائدة كل منا، وبغضّ النظر عن هذه الاتصالات العملية لا نشكو من اي نفور او حساسية بين ممثلي الاديان في مرسيليا، لا تنسي ان مرسيليا مدينة اقتصادية، انها سوق كبيرة لتداول التجارة بين ضفتي البحر الابيض المتوسط، والمدينة التي تحتضن سوقاً كهذه، لا يمكن الا ان تكون متعددة الاجناس والاديان، يسود علاقة بعضها ببعض التسامح والصفح، كما هي الحال في جميع الحواضر الكبرى التي تعرف هذا النوع من العيش، مثل طنجة في المغرب والاسكندرية في مصر وقبرص ولبنان.
هل تتصلون مع ائمة بقية المدن الفرنسية؟
- نعم نتصل بهم مختارين لمودة بيننا واحياناً نتصل بهم مجبرين، لاننا على رغم تباعد وجهات نظرنا واختلاف مفاهيمنا نحاول الاتفاق على كلمة تجعلنا موحدين في هذا البلد الذي يتشتت فيه المسلمون.
ما هي اوضاع الجاليات الاسلامية في مرسيليا؟
- مختلفة، اغلبهم تجار، وبدأ يظهر منهم من نجح نجاحاً ساطعاً في اعماله التجارية، اما الآن فكُثر من المسلمين الطلبة، والباحثون وكبار الموظفين والاطباء والمحامون… وجامعتا مرسيليا واكس تزخران باعداد هائلة من الباحثين والاساتذة المعلمين والطلبة المتتلمذين، وهذا جديد بين المسلمين في فرنسا لكنه ينم عن مستقبل ساطع يضمن لهذه الجالية ادماجاً من غير ذهاب شخصية ونجاحاً من غير فقدان دين.
ما الذي طلبتموه من الحكومة الفرنسية ولم تحصلوا عليه؟
- افضل ان تسأليني ماذا طلبته من الحكومة الفرنسية واجابت عليه.
لا شيء. على رغم ان علاقتي بالمسؤولين السياسيين في فرنسا علاقة يسودها الاحترام، وربما اجاب عندما اسأل عن مصلحة لأحد افراد الجالية الاسلامية، لكن مطالبي الكبرى هي ان يعامل الاسلام كما تعامل الاديان الاخرى، وان يعامل العرب معاملة الرجل الحر الكريم، خصوصاً في ميادين طلب العمل والمساواة في فرص النجاح.
هل تربطكم علاقات صداقة بالمسؤولين الفرنسيين؟
- نعم، تربطني علاقة صداقة مع مسؤولين بارزين سواء يساريين او يمينيين، والرجل المسؤول في جالية من الجاليات اذا كان يحترم نفسه لا يصرّح بهواه السياسي حتى لا يجرف معه الجميع الى اخطائه ان اخطأ او انهزم حلفاؤه السياسيون، وانا لا اعلن ابداً ما هي علاقاتي بالمسؤولين وما درجة المودة التي تربطني بهم.
في الجامع هل تتكلم باللغة العربية ام بالفرنسية؟ خصوصاً ان الشبان العرب هنا لا يتكلمون العربية.
- اول من ادخل الخطاب الفرنسي في "الدرس" الذي يسبق الخطبة هو مخاطبكم بن شيخ، وقد انزعج كثيرون من المسلمين المتقدمين في السن لعدم تعودهم سماع لغة اجنبية عن الاسلام، فقد بدا لهم الامر وكأنهم في كنيسة من الكنائس في فرنسا، لكنني كررت ذلك لانني لاحظت ان الشباب العربي في فرنسا لا يحسن اللغة العربية، كما ان هناك كثيرين من الشباب المسلم غير العربي، من قمريين وافارقة واتراك وغيرهم… فاذا اردنا ان نؤكد ونرسخ في الاذهان ان الاسلام دين عالمي شامل هنا في فرنسا، علينا الا نلصق خطابه حتماً باللغة العربية، فالهدف قبل كل شيء هو البلاغ، والاسلام بلاغ، والمبلغ يبلغ رسالته بلغة المبلغ اليه.
وماذا عن اوضاع النساء المسلمات في فرنسا؟
- اقدرهن تقديراً كبيراً ومستقبل الاسلام في فرنسا يتعلق بفتياتنا، فأول من يعطي الايمان للاطفال هي الام. وانا شخصياً، من اعطاني الايمان هي امي، اخذته مع رضاعي منها، وان كان ابي في ما بعد، هو من صقل ذهني وشحذ قريحتي ودفعني نحو العلوم والمعارف الاسلامية. فالأم هي التي تورث الدين وان اعطى الحظ للأب توريث الاسم. لهذا عنايتنا بالفتيات اشد واهم، لعلمنا ان فسادهن فساد كبير وصلاحهن صلاح كبير، ولاسباب اجتماعية كثيرة ولثقافة متوسطية ملؤها السيطرة للرجل على المرأة في العائلات المسلمة في فرنسا. فبجدها واجتهادها في المدرسة والمعهد تكتشف ان الذكاء والمهارة والحفظ والاتقان هي مواهب اعطاها الله بصفة متساوية للاخ والاخت والابن والبنت وكرم الاثنين معاً، ومسؤوليتهما واحدة امام الله وامام المجتمع، لذلك نرى البنت احياناً تفوق اخاها في تحصيل العلوم واحراز الشهادات الكبرى ما يجعلها اكثر منه فخراً للعائلة وتشريفاً لها.
هل تصلين في الجامع؟
- كلا. قليلات منهن. المصليات لا تكفي الرجال، فما بالك ان تفتح ابوابها للنساء اللواتي يرغبن في اداء صلاة الجمعة. هناك بعض المصليات الكبرى حيث حجزت لهن غرف، فيتكدسن فيها بصورة لا مريحة ولا لائقة لعبادة الله سبحانه وتعالى.
لكن في مشروعنا الذي ننوي بحول الله تحقيقه ابتداء من السنة المقبلة بناء جامع مرسليا تخصيص مكان قرب الجامع نجعل منه مكاناً مخصصاً لحضانة الاطفال ولرعايتهم، حتى تتفرغ النساء لأداء صلاتهن وبذلك يشاركن في امور الدين والثقافة فينهلن من مناهل الاسلام الروحية والثقافية.
هل توجه اليكم انتقادات حول خطابكم الديني والسياسي وحول مظهركم او هندامكم؟
- الاوساط الجامدة المتحجرة غالباً ما تنتقدني، لكن هذا يسرني ويدخل الفرح الى نفسي ويجعلني اقرب الى الثقة بنفسي، اما اذا لم ينتقدوني فان ذلك يجلب لي الحيرة والاستغراب.
يقول المتنبي: واذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل.
انا لست رجلاً سياسياً ولا اريد ان اعجب الجميع، ولا ابغي ارضاء الكل، احاول ان اجتهد في ديني ما ينفع الاسلام والمسلمين، ولأنني عربي أرى نفسي منجرفاً تمام الانجراف في قضايا العرب كلها، فمن هذين المنطلقين لا اريد الا رضى ربي وضميري، وانا قمين بالخطأ، ليست بمعزل عن الزلل لكنني افضل اتباع خطئي فذلك خير لي واشرف من اتباع خطأ غيري. اما عن هندامي ومظهري فأنا اتبع في ذلك سنة نبينا محمد صلعم عكس ما يقال، فكما كان محمد صلعم في مجتمعه يتهندم بهندام قومه ويتزيّ بزيهم، فإن كانت له لحية، فلحية ابو جهل وهو اشد اعدائه اليه، اوفر. وان كانت له عمامة، فعمامة اعدائه اوفر وافخم. فكما لم يكن رسولنا الحنيف شاذاً غريباً في زيه ومظهره عن مجتمعه فعلى المسلمين الا يكونوا غرباء في زيهم، فالاسلام لا يعرف زياً ولا يلزم بارتداء نوع معين من الثياب.
ما هو السؤال الذي كنت تتوقع او تتمنى ان اطرحه عليكم ولم افعل؟ وما هو جوابكم عليه؟
- عن ضرورة الاجتهاد وفتح بابه، خصوصاً واننا اقلية محاصرون من كل جانب منتقدون من الجميع، ما يجعلنا اكثر من غيرنا في البلاد الاسلامية في حاجة الى ايجاد الاجوبة الصائبة المقنعة لنا ولمنتقدينا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.