جمعية منتدى المواطنة، هي احدى الجمعيات الناشطة في مجال دمج المهاجرين العرب والمسلمين الى فرنسا. قامت هذا العام بمحاولة لتجميع تواقيع ناخبين مسلمين في فرنسا، لتقديم هذه اللائحة الى الاحزاب والمرشحين مرفقة بمجموعة من المطالب التي تهم الجالية. هذه العملية كانت محاولة لتحويل الأصوات العربية الى قوة مؤثرة في اتجاهات الناخبين. حكيم الغثاثي هو أحد ناشطي هذه الجمعية، ورئيس تحرير دوريتها "المدينة"، وكان لنا معه هذا الحديث: ما هو حجم مسؤولية الجالية المسلمة عن تشكل خلايا "ارهابية" في أوساطها؟ أولاً الحجم الاعلامي الذي أعطي ل"القاعدة" كبير جداً، وبالتالي عندما نتحدث عن "القاعدة" يعطي ذلك انطباعاً بأن كل المسلمين ينتمون الى هذه الجماعة. وهذا منافٍ للحقيقة. المسلمون المتواجدون في فرنسا وفي أوروبا بصفة عامة يفوق عددهم ال13 مليون مسلم والجهات المتطرفة لا تمثل أي نسبة مئوية من هؤلاء. التطرف موجود، وهو يمكن ان يكون عنفياً، ولكنه محدود جداً. والملاحظ الآن بعد التحقيقات والاستجوابات مع المعتقلين في فرنسا أو في أوروبا، هو انهم بعيدون عن الدين الاسلامي لجهة شعائره وواجباته، وبالتالي كانوا يقضون لياليهم قبل ان يقوموا بهذه العمليات في الحانات والمراقص. الموسوي مثلاً، تصريحات عائلته تؤكد انه قُلِبَ بين عشية وضحاها من شخص لم يكن موجوداً في التيار الاسلامي الذي يتحرك في الساحة، الى شخص متطرف قد يقوم بأعمال اجرامية. لا أريد ان أحصر المسلمين في "القاعدة". الاشخاص الذين قاموا بهذه الأعمال، ليس لهم أي صلة لا بالاسلام ولا بالمسلمين. هناك مجموعة من الظروف أدت بهم الى هذا الأمر، ونلخصها ب: 1 عدم المعرفة في الاسلام، وهذا راجع الى ان الاسلام في هذه البلاد كان يعامل من قوات الأمن فقط، وبالتالي كان هناك تهويل في مواجهة الاسلام في فرنسا والناس لا يشعرون بأنهم أشخاص يمكن ان يقوموا ببناء هذه البلاد، وبالتالي قضية تهميش المسلمين وقضية عدم اعطائهم الفرصة بالتواجد بصفة إيجابية أدتا بمجموعة من الاشخاص الى التطرف والى القيام بأعمال تتنافى مع الروح الدينية والاجتماعية والانسانية. عدم المعرفة بالاسلام ناتجة من نقصان المؤسسات التكوينية، مثل مؤسسة تكوين الأئمة. والتعريف بالاسلام في المناهج الدراسية غير موجود وإذا عرّف به فمن طريق الجهاد. الصورة التي تتوافر في البرامج التربوية هي ان الاسلام دين السفح والحرب، وعندما يكبر الشاب لا يفكر إلا في هذا الجانب. 2 ليس هناك أطر كافية للتعريف بالاسلام. الأئمة مثلاً لا يملكون معرفة كافية بالمجتمع الفرنسي ولا بالاسلام وبالخطاب الذي يجب ان يُبلغ للمسلمين. معظم الباحثين والمهتمين بقضايا الاسلام اهتموا بالاسلام فقط من الناحية السياسية، فتحدثوا عن الاسلام السياسي، وتجاهلوا البعد الثقافي للاسلام لأن خيال المجتمع ربط الاسلام بالجهاد والحرب. هذا الأمر حدث في اوساط الفرنسيين، وفي أوساط بعض الشباب المتطرف الذي ليس له أي معرفة بالاسلام. 3 في فرنسا هناك نحو 5 ملايين مسلم، ولكن هذا العدد غائب عن المؤسسات السياسية والاقتصادية. هؤلاء الخمسة ملايين، على رغم انهم يقومون بواجباتهم، ليس لهم تواجد فعلي في الوسط الفرنسي، وهذا يعطي الفرصة لمجموعة من المهمشين، ليقولوا شاهدوا كيف تعاملنا السلطة، وبالتالي يقع نوع من الانعزال يولد عدوانية فيظهر لنا قلقال وموسوي، وهم اشخاص مروا بمحن وبالسجن، وفي النهاية رجعوا الى اسلام عنفي. برأيك، الشاب المسلم من الجيل الأول أو الثاني أو الثالث، اثناء محاولاته الدخول الى المجتمع الفرنسي من هوامشه، ومن الحياة السفلى، تحدث لديه ردة عنفية الى الاسلام. هذا يحمل أمرين هما عدم قدرة على الاندماج، وأيضاً احتفاظه ببعض التركيب النفسي الاسلامي الذي يمكن العودة اليه وإن بعنف؟ لقد عُلم هؤلاء ان الاسلام هو فقط جهاد. وان الجهاد هو فقط قتل الكفار والأبرياء، ملئ هذا في ذهنهم، سواء عبر البرامج الثقافية للدولة التي عندما تتحدث عن الاسلام تتحدث فقط عن جانب العنف في الاسلام. أم الصحافة التي عندما تتحدث عن الاسلام تأتي بما يحدث في الجزائر، وبما يحدث في فلسطين وفي إيران والسودان، وتأتي بما يحدث في الفيليبين وفي كشمير. فقط كل الجوانب العنفية. وهذه الأشياء يعطي عدم اخذها في سياقها العام صورة سيئة عن الاسلام. هل يمكن ان تعدد لنا المناصب الرسمية التي شغلها مسلمون في فرنسا؟ الآن مع شيراك كان الحدث الأساسي انه للمرة الأولى يعيّن شخص ينتمي الى الجالية المسلمة وهي الوزيرة تقية صيفي، والشخص الثاني سكرتير دولة وهو حملاوي ميكاخيري من أصل جزائري "حركي" وهو مكلف بقدامى المحاربين كاتب دولة. المسلمون موجودون في المناصب العلمية والمناصب التي ليس لها تأثير مباشر في الحياة السياسية والاقتصادية لفرنسا. في الجامعات وفي مراكز البحث الوطني، وفي المجالات الاقتصادية. في مجلس النواب ليس ثمة أي مسلم. ترشح اكثر من 126 عربياً، وبحكم ان الاحزاب السياسية ترفض ان ترشح هؤلاء على لوائحها، لم ينجح احد من العرب، وأقصى النسب التي حصلوا عليها هي 4 في المئة. كل الاحزاب رفضتهم. اليسار رشح 3 مرشحين من أصول عربية، وهؤلاء الاشخاص لم يكن لديهم أي حظ بالنجاح، الشيء نفسه بالنسبة الى اليمين الذي قدم 3 اشخاص وأيضاً لم يكن لهم أي فرص للنجاح. لا نجد أي مسلم في البلديات أو في المراكز العليا في الاحزاب. أنتم كجمعية ما هي المهمة التي تفترضونها لأنفسكم أثناء عملكم مع المهاجرين؟ المهمة الأساسية التي أسست جمعية منتدى المواطنة من اجلها كانت اشعار الجالية بدورها في هذه البلاد، وبلورة وعي سياسي لدى ابنائها لأنهم بعدم احساسهم بأنهم جزء من هذا المجتمع سينطوون وبالتالي ستظهر حركة متطرفة، وأشخاص ليس لهم علاقة بالواقع الفرنسي، وجلّ همومهم متركزة على بلادهم الأصلية، وهذا لا يساهم في ايجاد مكان في هذه البلاد للعرب والمسلمين. المهاجرون يأتون الى هنا وتبقى علاقتهم عضوية في بلدهم الأصلي. هل لهذا تأثير في بقائهم خارج المجتمع الفرنسي؟ الجالية مرت بمراحل عدة: 1 المغاربيون الذين أتوا الى هذه البلاد، جُلبوا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي سنة 1940 جُلب أكثر من 30 ألف حزبي من المغرب الى فرنسا ورميوا في ميادين الحرب، ووضعوا رأس حربة. 2 المرحلة الثانية هي مرحلة العمالة. ففرنسا كانت بحاجة الى يد عاملة، فأتت بأشخاص للمجهود الاقتصادي ولبناء البنية التحتية لهذه البلاد. وضع هؤلاء الاشخاص في منازل من الصفيح، ورغبتهم الأساسية كانت ان يأتوا الى العمل هنا حتى يجنوا بعض الأموال وأن يرسلوها الى بلادهم. 3 الآن، مع ظهور جيل ثانٍ وجيل ثالث تغير الوضع. هذا الجيل نشأ في فرنسا وفي المدارس الفرنسية. ولهذا عندما نتكلم عن قلقال أو موسوي اللذين نشآ في المجتمع الفرنسي تقول ان المجتمع الفرنسي انتجهما وليس المجتمع المسلم وليس الاسلام. وبالتالي تشبعا بالروح الفرنسية وبالثقافة الفرنسية. الآباء اختاروا ان يبقوا مع أولادهم في هذه البلاد. وبالتالي سنلاحظ ان هؤلاء الآباء سيقل استثمارهم في بلادهم الأصلية من الناحية الاقتصادية، ويتوقف بناء المنازل، وبالتالي العلاقة مع البلاد الاصلية راحت تتراجع. صحيح ما زالت هناك علاقة، ولكن العلاقة بدأت تتراجع. ومع الأسف المسؤولون في الدول الاصلية لم يقوموا بدراسة واقع الجاليات في هذه البلاد، فظلوا يعيشون على فكرة ان هؤلاء الاشخاص سيعودون... فلم تكن هناك سياسة لحماية هؤلاء الاشخاص في مغترباتهم. هؤلاء الاشخاص المهاجرون يملكون الثقافة الفرنسية، ولكن بحكم ألوان وجوههم سينعتون دائماً بأنهم مسلمون وعرب، وبالتالي هم يشعرون بنوع من الفصام الداخلي. فهم يعتبرون انفسهم فرنسيين، ولكن الشخص الذي في مقابلهم يقول انهم عرب. انهم غريبون عن الثقافة العربية وغير مقبولين في المجتمع الذي يعيشون فيه. ما هو برنامجكم من اجل المهاجرين؟ مهمة المهاجرين الأولى، ان يعتبروا انفسهم جزءاً كاملاً من هذه البلاد. يجب ان يعتبروا ان لهم حقوقاً وعليهم واجبات، ومن بين الواجبات، يجب ان ينددوا بكل اعمال العنف في هذه البلاد، وأن يقوموا بإصلاح ذواتهم وأن يتوحدوا وأن يقوموا بمشاريع تبين أنهم نافعون في هذه البلاد، وليس مجرد باحثين عن "الشوماج" تعويض البطالة عن العمل. يجب ان نبين لسكان الضواحي وللأجيال الناشئة حديثاً ان هناك امكاناً للنجاح في هذه البلاد. وبالتالي نحن ابتداء من السنة المقبلة سنزور اكثر من 100 مؤسسة اصلاحية تتواجد فيها فئات كبيرة من العرب والمسلمين، وسنأتي بأشخاص نجحوا في حياتهم الدراسية والاقتصادية والاجتماعية لاعطاء امثلة عن امكان النجاح والوصول، وبالتالي نقول لهم عليكم ان تقوموا بمجهود لإتمام دراستكم ولأن تكونوا مواطنين صالحين في هذه البلاد. الجالية مشتتة ومبعثرة وهي جالية لاجئة وبالتالي تحتاج الى وقت حتى تفرض ذاتها. الجانب الآخر، هو كيف نتناسق مع الثقافة الفرنسية من الناحية الدينية والثقافية والحضارية. رؤيتنا للاسلام مختلفة عن الرؤية في البلاد العربية والاسلامية وطبيعة الخطاب مختلفة، يجب على المجتمعات المسلمة في هذه البلاد ان تأخذ في الاعتبار انها ليست موجودة في بلاد اسلامية.