نصف قرن وأكثر وما زالت السيرة الفنية مفتوحة الذراعين أمام الفنانة ليلى كرم، التي قضت زهرة عمرها على المسرح والشاشة الصغيرة. خبرة السنين لم تجف فما زالت الفنانة قادرة على العطاء، لكنها تفتح مزدوجين لتقول ما لا يقال عن الفن اليوم في لبنان. تفتح نارها في كل الاتجاهات نحو المنتج والمخرج والممثل وتقول: "كل شيء اندثر والتجارة أضاعت زهرة العمر، فأنا الممثلة الوحيدة خلال عقدين، أنظر اليوم حولي فأجد "جنادب" الفن يتألقون والنجوم في منازلهم من دون عمل". الحوار مع ليلى كرم له نكهة خاصة. فهي تسمي الأشياء بأسمائها من دون خجل او بروتوكول. ولا تترك أحداً ينجو من "شرّها". فكما تمثل بصدق، كذلك تجاوب وتقول: "نعم أنا مخابرات لبنانية اذا كان هذا يخدم مصلحة وطني". في منزلها في منطقة برج حمود فتحت قلبها ل"الوسط" لتقول إن أسياد الدراما الحقيقية لا يموتون... وغير ذلك أشياء أخرى كثيرة. شاركت في احد البرامج الخفيفة على محطة "ال.بي.سي"، يحمل اسم "أنا ومرتي" ... - تبادر قبل اكتمال السؤال بماذا خرجت من هذا العمل؟ انه عمل سيئ جداً. "بهدلة"، لا يساوي قرشاً. تركت التصوير بعدما تشاجرت معهم، وقلت لهم لا أقبل بمثل هذه الحوارات الخفيفة. وفي احدى الحلقات التي لم يرها المشاهد فرضتُ حوارات وخرجت عن السيناريو وقلت لهم اما ان يكون الحوار ذا مستوى وله غاية، او أغادر الاستديو. كيف يمكن الانسحاب من البرنامج؟ ألا يوجد عقد عمل موقع؟ - وإن يكن هناك عقد موقع، لا يعني لي هذا الكلام شيئاً ان كان العمل سيئاً، وكله ثرثرة. ما هي شروطك للموافقة على العمل؟ - عندما يكون العمل محترماً وله قيمة، يمكن للمرء ان يضع شروطاً. ولكن عندما يكون العمل عادياً جداً، ولبنانياً مئة في المئة، وعبارة عن علاقة حمى بالكنّة لا يمكن أن أضع شروطاً، لأن الاتفاق قائم سلفاً. خلال مشاركتك في هذا العمل لا بد انك لاحظت الاختلاف بين الدراما اليوم والعمل في السابق؟ - الدراما اللبنانية اليوم تساوي صفراً، خصوصاً الدراما التي يعمل فيها الشباب، اذ لا مضمون ولا حوار، ولا شيء. انها أعمال فارغة وتافهة. يبدو كأن لك موقفاً من أعمال الشباب. - أنا أشارك في العمل الدرامي عندما يكون له قيمة، سواء يرعاه الشباب او الجيل القديم أمثالي. فهناك شباب يريد ان يقدم عملاً جيداً وبعضهم يريد ان يكون مجرد عارضي أجساد وأزياء. من الذي يصنع الفنان: معاهد الفنون ام التجربة؟ - بالطبع التجربة هي التي تصنع وتصقل الفنان اذا كان يتحلى بالروح الفنية. ومعاهد الفنون لا يمكن ان تصنع فناناً اذا لم يكن ذا موهبة. الى ماذا يرجع هذا الهبوط الفني التمثيلي في لبنان طالما ان هناك معهد فنون وشباباً موهوباً؟ - هذا الهبوط مرده الى الروح التجارية الرخيصة البعيدة عن المنافسة الحقيقية وتكاثر المواهب والأداء التمثيلي الرائع والمتقدم. ولكن المنافسة قائمة على شروط من النوع الفضائحي، اي الفتاة التي تبرز مفاتنها أكثر، وتعرض جسدها أكثر هي التي تربح. ألهذا السبب أنتِ في البيت من دون عمل؟ - طبعاً لهذا السبب. وأنا لست الوحيدة التي من دون عمل، كل الرعيل الأول من الفنانين في بيوتهم. لكن بعض الأعمال يتطلب وجود الرعيل الأول؟ - أولاً نحن أسعارنا أغلى من سوانا، اضافة الى ان لا مكان لنا في هذه الفرقعة التي لا معنى لها. فهم لا يحتاجون الى ممثلين ذوي خبرات وتاريخ. يفضلون من هم دون موهبة، خصوصاً أن هذه الأعمال مسطحة. هناك صديق قريب جداً مني قدم عملاً استثناني منه، لأنه بالمبلغ الذي سيدفعه لي استطاع ان يحضر ثلاثة ممثلين. وعلى هذا المنوال هناك كثيرون الذين يفكرون بهذه الطريقة. من يعرف قيمتك أكثر في وطنك أم خارجه؟ - بالطبع خارج لبنان يقدرونني أكثر، وإلا ما معنى ان أشارك في الدراما العربية سواء في الكويت او السعودية او الأردن ولا أعمل دراما محلية؟ في بيتي لا أشاهد المحطات التلفزيونية المحلية، لأنها فارغة ومعيبة جداً للمشاهد. ويجب ان يكف التلفزيون اللبناني عن الاستمرار في هذه المهزلة، لأن الفن اللبناني كل عمرو فوق. أين دور النقابة من هذا الانحدار في التمثيل؟ - للأسف نقابة الفنانين لا تستطيع ان تحارب كل الذي يحدث لأنه لا يوجد لديها قانون مدني. وربما للدولة يد في الذي يحدث والا لكانت أستنت قانوناً يحمي هذا الفن. وأريد ان أقول اني شاهدت على قناة "الجزيرة" مواطناً عربياً يقول للمذيع: أعرف أن في لبنان بنات جميلات، لكن ما أراه يتخطى الحدود والجمال. بكلمة أخرى صرنا مقولة للمهزلة والصورة المشينة في وطننا العربي. ما رأيك في الدراما السورية التي بدأت تأخذ مكانة رفيعة في وطننا العربي؟ - أنا من حقي ان أكره الدراما السورية، ليس لسبب الا لأن ممثليها السوريين كانوا كومبارس وصاروا اليوم أسياداً في الفن. بصراحة أنا أتابع الكوميديا السورية باندهاش واعجاب وأقول ان لديهم فناً رفيعاً جداً. بعد ان كنا نحن أسياد الشاشة العربية. كل عمل تلفزيوني في السابق كان الممثل اللبناني بطله والممثلون الآخرون ثانويين. طالما لعبت أدوار المرأة ذات الشخصية القوية فهل تحبين ان تبرزي دور المرأة بهذا الاطار من القوة؟ - مثلت كل الأدوار البسيطة والضعيفة والقوية. أنا ممثلة منذ عام 1959 ولم أترك شخصية الا ومثلتها. والأدوار كانت ذات قيمة لأني كنت الممثلة الوحيدة في بيروت ومن بعدي أتت لمياء فغالي وناديا حمدي ووفاء طربيه. مثلت المرأة بعمر التسعين، ومثلت الفتاة بعمر العشر سنوات، ومثلت دور بنت الهوى ودور القائدة والراهبة. ما هو الدور الذي يروق لك أكثر من غيره؟ - أحب الأدوار الكبيرة والمعقدة التي تحتاج انفعالات وشغلاً وتعباً، ولا أحب الأدوار البسيطة، التي لا حول ولا قوة للممثل فيها، مثل دور مريضة أو حبيبة، فالحمّال في الشارع يستطيع ان يقوم بمثل هذه الأدوار ويكون صادقاً أكثر من بعض الممثلين، أحب في التمثيل ان أقنع المشاهد بحقيقة الدور الذي أؤديه. في مصر قاعدة فنية، ومهما تدنت المستويات تبقى هناك أعمال ذات أهمية لا تؤثر عليها المفاهيم التجارية، فلماذا في لبنان لا توجد مثل هذه القاعدة؟ - هذا كلام غير صحيح. في مصر لا توجد قاعدة فنية، المسرحية الوحيدة التي حققت استمراراً في مصر كانت لمحمد صبحي الذي أعتبره فناناً حقيقياً وكبيراً وواعياً ومثقفاً. ومن تبقى من مسرحيين مصريين لا معنى لهم على الاطلاق. لكن لو تضافرت جهود الممثلين وكتاب السيناريو والمخرجين في لبنان ربما استطاعوا ان يحافظوا على الفن اللبناني. - لقد شهد لبنان العصر الذهبي في التمثيل بفضل جهودنا وقد تعبنا وعرقنا وقدمنا حياتنا من أجل هذا الفن وبقينا الأوائل في العالم العربي حتى مطلع الثمانينات بعدما اندلعت الحرب في لبنان. وبعدها بدأ التقهقر وضاع كل شيء وما زلنا الى الآن نتقهقر من دون ان نعرف كيف نضع حداً لهذا التدني في المستوى الفني. وصار كل شخص بحوزته ألف دولار يأتي بصبية جميلة ويتعاقد من أجلها على انتاج تلفزيوني. وصار مستوانا تحت الأرض. ويقولون هذه الأعمال بتحلي وبتسلي وبتطعم الحمار أيضاً، غير آبهين للمستوى. لقد شاركت مع أكبر المسرحيين في لبنان، لا سيما الرحابنة ونبيه أبو الحسن لكنك لم تعملي مع شوشو، لماذا؟ - ليس لسبب ولكن شوشو لم يكن يدفع مبالغ مجزية للعاملين معه وذلك ليس بخلاً منه لكنه لم يكن معه. هل وضعك المادي اليوم يوازي المستوى والتاريخ الفني الذي عشتيه؟ - أنا عشت الفن من أجل الفن، ربيت العديد من العائلات الفقيرة، والآن أربي أبناء أخي الذي توفاه الله. واملك من البيوت والأراضي، ولم أحتج أحداً على رغم أني بقيت فترة طويلة من دون عمل. ولكن الذي يحزنني هو ان أشاهد بعض الأعمال، وأجد أني ولدت من أجل هذا الدور أو ذاك ولم يطلبوني. هل اختلف معنى النجومية اليوم عن السابق؟ - النجومية هي النجومية، ففي الماضي كانت سيارتي أفضل من سيارة رئيس الجمهورية. وكان الموكب الذي يرافقني أفضل من موكب أكبر رئيس. هل النجم يبقى نجماً ويموت نجماً؟ - هذا كلام لا أفهمه فمادونا اللبنانية طالت القمر ذات يوم والآن لا يوجد معها ثمن رغيف خبز. من هم أصدقاؤك في الوسط الفني؟ - كلهم أصدقائي، أهم شخص في حياتي كانت المرحومة فريال كريم والآن الجميع تربطني بهم علاقة جيدة من نهى الخطيب الى سميرة بارودي وجيزال نصر، وحين أشتم أحداً منهم يعرف أني أشتمه لمصلحته. في هذا الوطن العربي الكثير من الممثلين. بمن تأثرت؟ - أحب دريد لحام، أما في مصر فنجمهم سريع الصعود. كل شخص قام ببطولة ما دعي نجماً، ولكن النجم عندي مسيرة أعمال فنية عظيمة ولها تاريخ وليست "فقاقيع" هوائية، فأنا عندي سناء جميل أهم من فاتن حمامة، مع احترامي لها. وهناك أيضاً عزت العلايلي وسميحة أيوب هؤلاء بالنسبة لي أبطال ونجوميتهم مستمرة. ألا تجدين أن صراحتك قد تولد لك مشاكل من نوع ما؟ - لا يهمني أحد على الاطلاق. يبدو انك غير راضية عن أي شيء؟ - لا يمكن ان أرضى عن الخطأ. وما هو الشيء الذي ينال رضاك اليوم في لبنان؟ - لبنان في داخله كل أنواع الزيف والكذب. فكيف يمكن ان أرضى عن هذا الوطن حيث الأخ لا يسأل فيه عن أخيه والأخت لا تحب أختها والعائلات مفككة. خلونا ساكتين أفضل. يقال أنك كنت في الماضي من أفراد "المكتب الثاني"؟ - شو يعني "مكتب ثاني"؟ يعني مخابرات! - مخابرات على من؟ على لبنان؟ أنا مستعدة ان أعمل أي شيء من أجل خدمة لبنان، فإذا كان المكتب الثاني يخدم لبنان فأنا مكتب ثاني. ماذا تنصحين تلاميذ معهد الفنون؟ - أنصحهم ان يتركوا المعهد لأنه لا يوجد فن في لبنان، وليكن الفن عندهم هواية وليجدوا شيئاً آخر يطعمهم خبزاً. وإذا صار في لبنان يوماً ما فن يمكنهم ان يعملوا كما عملنا نحن من دون شهادة. برأيك لماذا معهد الفنون اذن؟ - قلت مراراً للوزير المختص ان يقفل معهد الفنون وأخيراً قلت هذا الكلام للسيدة بهية الحريري التي استنكرت أقوالي، فهذا المعهد لا يخدم أحداً، بل على العكس يبقى الطالب يشقى لمدة أربع سنوات وبعد ان يأخذ شهادة يصطدم بالواقع ويبقى بلا عمل، او يأتون بأحدهم من الشارع لكي يمثل