يوم كانت الشاشة المحلية اللبنانية فارغة من الوجوه كانت رلى حمادة وحدها سيدة الشاشة وبطلتها بامتياز لمدة خمس سنوات تربعت خلالها في عين اللبناني، تلعب أدوار النساء جميعاً حتى وصلت شهرتها الى المغرب العربي وأستراليا بعدما دبلجت أعمالها الى الانكليزية لا سيما مسلسلي "نساء في العاصفة" و"العاصفة تهب مرتين". امرأة المسرح التي أدت أدوار البطولة مع جواد الأسدي ونضال الأشقر وغيرهما من المسرحيين العرب، تتربع اليوم شاشة التقديم، في اختبار جديد ونوعي. تقول رلى حمادة: للنجاحات قمم. كل قمة تلغي الأخرى، والمشاهد طبعه نخبوي ولا يرضى بالغباء. ومن هذه القمم. ومن تلك الأفكار تستقي حمادة طريقها الى التمثيل فتبتعد حين لا يكون الدور مقنعاً، حتى لو كثرت الاشاعات والأقاويل حولها من أنها أغلى الممثلات ثمناً. حول الشهرة والفن والحياة هذا الحوار مع رلى حمادة. نرى اليوم الممثلة رلى حمادة مقدمة برنامج تلفزيوني. فما هذه النقلة النوعية؟ - ليست المرة الأولى التي أقدم فيها برامج، اذ لي تجربتان سابقتان. التقديم المباشر هو الجديد علي في هذا الاطار، لا أعرف السبب الذي دفع القيمين على محطة "تلفزيون الجديد" لعرض عمل تقديمي خاص بي. الحال انني كنت انا التي قدمت حفل افتتاح هذا التلفزيون ولربما أعجبتهم طريقتي فوقفوا عند امكاناتي في هذا المجال. ما الجديد لدىك في مجال التقديم وبماذا تختلفين عن سواك؟ - هناك برامج عدة تشبه البرنامج الذي أقدمه. لكن الشكل شيء والمضمون شيء آخر. فأنا أعتبر انني أمتلك هامشاً من الثقافة أوظفه في هذا المجال وهذا ما يميز برنامجي عن سواه. الى أي مدى بدأت تشعرين بأنك مذيعة ومقدمة برامج؟ - لا أريد ان أفكر للحظة بأنني مقدمة برامج. وهذا لا يعني بأنني أنتقص من مقدمي البرامج، على العكس فهي مهمة صعبة وخطيرة، فالغلط ممنوع لا سيما في البث المباشر، وعلى المقدم او المقدمة امتلاك حس كبير للقيام بهذه المهمة. لكنني أعتبر نفسي ممثلة أولاً وأخيراً. والمهمة التي قمت بها في التقديم مجرد خبرة ليس الا، فأنا في داخلي ممثلة وهذا ما أريد الحفاظ عليه. قلت بأن للفنان الناجح قمماً متعددة، وأن كل نجاح يلغي الآخر، ودوماً هناك قمم يجب الوصول اليها، فما هو نجاح اليوم ونجاح الغد؟ - لا أعرف ماذا يحمل لي الغد. أما ما أقوم به اليوم فهو مجرد متعة ليس الا واذا كنتِ تحبين ان تسميه نجاحاً فلا مأخذ لدي. طالما انني أستمتع بهذا العمل الذي أقدمه سأثابر عليه وعندما أكف عن الاستمتاع سأقلع عنه. يقال بأن المقدم يجب ألا يمثل بل ان يظل على طبيعته. الى أي مدى تلغين الجانب التمثيلي من شخصيتك في التقديم؟ - أنا ألغي الكثير من الجانب التمثيلي لكي لا يبقى منه الا القليل. المقدمة فيّ هي أقرب الى طبيعتها من رلى الممثلة. فالتمثيل نصفه عفوية ونصفه شغل واحتراف، في التقديم أكون أكثر عفوية وأظهر على حقيقتي الطبيعية لكن يبقى 20 في المئة في داخلي كوني ممثلة. وهذا مفروض ان يبقى حتى يكون هناك عصب لشخصيتي فلا أكون رخوة. مسلسل "نساء في العاصفة" يعرض على الشاشة الاسترالية بعدما تمت دبلجته الى الانكليزية، فما هو شعورك؟ - لقد قرأت هذا الخبر في الصحف وعرفت أيضاً بأن "العاصفة تهب مرتين" يعرض على الفضائية التونسية والمغربية، وهذا يعني لي الكثير، لأن الجهد الذي وضع في هذين العملين لا يوصف وهذا الانتشار لهما مجرد مكافأة لي أعتز بها. بعد هذا النجاح الذي حققته في أعمالك التلفزيونية حان الوقت لأن نتكلم عن العالمية لدى الممثل اللبناني؟ - رأيي الشخصي في هذه المسألة هو أنني لا أفكر بهذه الطريقة، لأنه لدى كل بلد ما يفوق احتماله من الممثلين ومن الأعمال. ومن المستحيل ان يصل اي عمل الى العالمية ان لم يحقق نجاحاً محلياً، فعالميتنا تظهر من خلال نجاحنا وتفوقنا محلياً ليس الا. طالما اقترن اسمك باسم الكاتب شكري أنيس فاخوري الى ان أطلّ عمله الأخير "غداً يوم آخر" وفوجئ الجمهور بصدمة غيابك. فكيف تبررين ذلك؟ - هذا المسلسل أعتبره عملاً ناجحاً والناس تشاهده بمتعة على رغم ان كل شيء نسبي. لكنني أعتبر انه لو كان لي حظ في هذا العمل لما ذهب الى الصديقة دارينا الجندي، ما يعني انه لها ومنذ البداية على رغم انه مرّ بواسطتي اليها. بكلمة أخرى ليس لي نصيب فيه. يعني انه لم يقع "الطلاق" بينك وبين شكري أنيس فاخوري؟ - من جهتي لم يقع الطلاق، وربما لاحقاً سيكون هناك نص جيد ودور جيد أقوم به خصوصاً ان الذي يجمعني بفاخوري "عشرة عمر". لكن يقال بأنك بالغت في شروطك فذهب العمل الى سواك؟ - قيل الكثير ولا أريد الخوض في التفاصيل. لنقفل الموضوع أرجوكم. هل تقبل رلى حمادة دوراً من دون القمة؟ - ما هي القمة في التمثيل؟ عندما يختار الممثل دوراً ما يختاره لأنه مقتنع به، والقناعة هنا تعني القيام بالعمل على أتم وجه، فهذه رؤيتي للدور الذي أقوم ببطولته. والدور ليس بطوله او بقصره. اذ سبق ان قدمت عملين وكان ظهوري في أحدهما لمدة دقيقة ونصف دقيقة وفي الآخر ثلاث دقائق، وقدما على شاشة "ال بي سي" ولم يسئني ذلك. هل أنتِ في انتظار دور ما؟ - أنا دوماً في انتظار دور ما. أنا أنتظر هذا الدور في حياتي اليومية وأعمل من أجله. العمل الحقيقي للممثل ليس أثناء العرض بل خلال ما يسبق هذا العرض، حتى عندما لا يكون هناك عمل. أنا ارتحت سنوات في البيت ولم أكن مرتاحة عملياً. اذ كنت أعمل على نفسي في المحترفات، لا أقعد زاهدة بل أتعلم وأثقف نفسي، أشاهد المعارض والمهرجانات وأتابع آخر الرسومات والمنحوتات وهذا كله يصب في صميم شغلنا. الممثل عمله فيه بعض من كل شيء. والا كيف يفتح خياله، الممثل بلا خيال ليس ممثلاً. يقال بأن الممثلة رلى حمادة هي الممثلة الأغلى ثمناً فهل هذا صحيح؟ - ما المفروض ان يطلبه الممثل حتى يكون غالي الثمن؟ هذا الممثل الذي يعيش تسعين حياة، وتسعين مرة في الشقاء؟ هذا الكلام حول المال هو نسبي، يعني اذا دفع لممثل مبلغ ما ودفع له آخرون مبلغ زائداً دولاراً واحداً هل يصبح أغلى ثمناً؟ ان هناك أقاويل كثيرة حولي مفادها انني متطلبة وأنني... على كل حال أنا أؤمن بأن على الفنان ان يكون متطلباً ليس مادياً بل متطلباً في كل شيء، لأنه حين "ينسج" شغله يجب ان يقدم مثل الازياء الراقية Haute Couture وليس الازياء الجاهزة Pret a Porter موجودة في كل مخزن وكلها تشبه بعضها البعض. هذا هو التميز في العمل. فالممثل يحب شكله ان يكون أفضل حتى لا يؤذي عين المشاهد ويجب ان يكون نصه أفضل نص حتى لا يؤذي أذن المشاهد ودوره أفضل دور حتى لا يؤذي احساس المشاهد. فالمسألة مسألة تقدير لهذا الجمهور الذي ينتظره ويقدره في المقابل. تبدين وكأنك" نخبوية بمعنى او بآخر؟ - أنا لا أدعي النخبوية، لكنني أؤمن بأن الجمهور الذي يشاهدني جمهور ذكي ومتفوق لذلك لا أقلل من قيمته. حتى ولو كان اختياري بعض الأحيان خطأ، بأنه يكون أفضل اختيار. والناس تعرف هذا الشيء وتسامحني. أنا أؤمن بأن الآخر الذي أمامي له قيمة عالية لذا أقدم له الأفضل. فإذا كانت هذه هي النخبوية فأنا منها وعلى رأس السطح لأن الناس تريد هذه النخبة ولا مكان للأقل منها أبداً. الجمهور مستهلك وليس غبياً وهناك فرق شاسع بين الاستهلاك والغباء. العالم اليوم لا يسمح بهامش الخطأ خصوصاً أمام انفتاح الفضائيات وصغر الكون، فكل هذا يقع في منهجية الانسانية التي تفرض علينا الالتزام وعدم الاستسلام وعدم الوقوع في السيئ. رلى حمادة الممثلة تلعب بصوتها كل طبقات المخاطبة. هل أنت في الحياة تتلاعبين بطبقاتك الصوتية فتصححين علاقاتك فتكونين بهذا اللؤم وبذاك الحنان وبتلك الرقة؟ - في الحياة أكون ذاتي مئة في المئة، فلا أعنف هذه الذات بينما في التمثيل هناك تعنيف للذات حتى تتطوع وحتى تصل الى العفوية. التمثيل ليس عفوية مطلقة فالعفوية في التمثيل خطأ وفشل. التمثيل هو عمل دؤوب حتى نصل الى العفوية، لحظتها نشعر بأن هذا الانسان أي الممثل يعيش معنا وهو عكس الحياة. عادة أنا أعيش حياتي الداخلية كما تملي عليّ الظروف التي أواجهها، أما في التمثيل فأشتغل للوصول الى ما تتطلبه الشخصية والدور فأصل الى العفوية. ألا تخافين الزمن والعمر معاً؟ - أنا أخاف كثيراً على شبابي، سواء من زاوية المرأة، فأنا ككل الناس أحب دوماً أن أكون صبية، او من زاوية الممثلة إذ أخاف أكثر لأنه لا يوجد في هذا الشرق كتّاب يكتبون لامرأة فوق ال25 سنة، ولامرأة ليست مغرومة. وكأن حياة المرأة تنتهي بعد هذا العمر وتصبح النصوص والشخصيات سطحية وأفقية ولا توجد فيها تحولات. الظاهر انك تجدين طريقك بصعوبة، هل هناك مكان تحبين لو كنت ولدت فيه؟ - أنا فخورة كوني امرأة عربية وأنا أحب هذا البلد وناسه، وأتمنى ان كانت هناك حياة أخرى، أن أولد في هذا البلد فأنا متعلقة كثيراً بعروبتي وثقافتي وحضارتي. كأنك امرأة مسنونة على الألم أكثر منك على الفرح؟ - ليس صحيحاً، أنا أجرب أن أدوس نفسي حتى أصل الى المكان الذي أريد وأن لا أعيش على حافة الحياة بل في قلبها، فأنا أتعامل مع الألم والفرح بالطقوس التي يجب ان أتعامل فيها حتى أكون في حالة أفضل. أين العصر الذهبي لرلى حمادة؟ - منذ سنة 1994 وحتى اليوم وأنا أعيش كانسانة سعيدة ولا أعرف متى تنتهي هذه المرحلة