ينشغل اليمن بقضيتي التحقيق في تفجير المدمرة الأميركية "كول" في ميناء عدن، والبحث عن الديبلوماسي الألماني بيرنر بيرتس المخطوف منذ 27 تموز يوليو، وتردد توقعات وتسريبات وتكذيبات ومعلومات متناقضة حول وجود مطالب وشروط أميركية ترتبط بتأجيل محاكمة المتهمين وفتح ملفات التحقيقات من جديد مع 200 من العناصر المشتبه بها ومدى قبول أو رفض السلطات اليمنية لهذه الشروط. وسارعت المصادر الرسمية الى نفي وجود أي شروط، خصوصا ما تردد من الموافقة على أن يحقق الأميركيون مع شخصيات سياسية وعسكرية يمنية، مؤكدة، أن التعاون بين المحققين من الجانبين اليمني والأميركي يسير بصورة طبيعية على أمل إغلاق الملفات قريباً، لتبدأ محاكمة المتهمين المحتجزين في تشرين الأول المقبل الذي يصادف الذكرى الأولى لتفجير المدمرة "كول"، وهو الحادث الذي أودى بحياة سبعة عشر من المارينز على متنها. وفي الوقت نفسه ، تماثلت هذه القضية مع خطف الملحق التجاري لدى السفارة الألمانية في صنعاء، لجهة ما وصلت إليه تطوراتها من تعقيد، فضلا عن الغموض الذي أحاط بها منذ البداية، سواء فيما يتعلق بهوية الخاطفين ومكان احتجازهم للرهينة أو أسباب الخطف وأهدافه، على رغم أن السلطات وأجهزة الأمن اليمنية أعطت العملية قدراً وافياً من الاهتمام، واتخذت مختلف الوسائل والإجراءات والوساطات للكشف عن الخاطفين من دون جدوى، حتى أصبحت القضية الأولى من بين حوادث الخطف في اليمن ، لغموضها وفترة سيطرة الخاطفين عليها واستعصائها على الحلول بصورة غير مسبوقة سببت كثيرا من الحرج للحكومة اليمنية، لا يقل عن قلق المسؤولين في وزارة الخارجية الألمانية والسفارة الالمانية في صنعاء، خصوصا أن مصادر رسمية يمنية في وزارتي الخارجية والداخلية كررت في تصريحات لها منذ الأسبوع الأول لحادث الخطف تأكيدها كشفها الخاطفين ومكان احتجاز الرهينة، إلا أن تلك التصريحات اتسمت بالتضارب والتناقض ، في تحديد منطقة الخاطفين وهوياتهم بين منطقة أوقبيلة و أخرى وبين مجموعات قبيلة إلى منظمات أصولية، حتى أنتهت إلى تأكيد أن الخاطفين ثلاثة من أسرة الزايدي من قبيلة جهم، في منطقة صرواح، في محافظة مأرب 170 كيلومتراً شرق صنعاء. وحددت صحيفة شبه رسمية، نقلاً عن "مصدر أمني" أسماء الخاطفين، وقالت إن الأجهزة الأمنية تواصل جهودها وضغوطها للإفراج عن الملحق التجاري الألماني "سلميا ودون قيد أو شرط". غير أن الجهود تبذل بواسطة مشائخ القبائل في المنطقة الذين وجه إليهم وزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي رسالة، طالبهم فيها بتحمل مسؤوليتهم والضغط على الخاطفين لإطلاق الديبلوماسي الألماني. ومع ما يظهر من تصريحات مصادر الأمن، وما ذهب اليه مراقبون في صنعاء من أن الإفراج عن المخطوف بات وشيكاً، فإن كثيرا من التساؤلات تبقى قائمة، خصوصاً ما يتعلق باتكال السلطات على الوساطات القبلية، من دون اتخاذ أي إجراء عسكري مباشر ضد الخاطفين، حتى بعد اكتشافها لمنطقتهم وتحديد أسمائهم حسب المصدر المشار إليه. ومع أن مصدرا يمنياً مطلعاً أكد ل"الوسط" أن الغموض ما يزال مسيطرا على العملية، إلا أنه عزا إمتناع أجهزة الأمن عن إتخاذ أي إجراء عسكري الى الحرص على سلامة الأبرياء في المنطقة. وأجمع المسؤولون على أن تطورات القضية وغموضها تطرح تساؤلات مهمة: ما مدى صحة القول بأن سلطات الأمن أخفقت على مدى شهر كامل في تحديد هوية الخاطفين ومكانهم؟ وإذا صح هذا الإحتمال، وهو وارد، فما هي أسباب التمويه والتعتيم؟ إن تناقض المعلومات والتصريحات عن مطالب الخاطفين، ومن ذلك مبالغ نقدية تحدد مرة بمليون دولار ومرة أخرى بخمسة ملايين ريال، وثالثة بإطلاق سجناء مما يسمى "تنظيم الجهاد" واشتراطهم التفاوض مع الألمان وليس مع غيرهم، كل هذا التناقض يشير إلى احتمال وجود مطالب أخرى لم يعلن شيء منها. ورجح هذا الإحتمال كون المخطوف ليس سائحا أو خبير آثار أو عاملا في شركة نفطية، وأن أهميته وصفته الديبلوماسية سواء لدى اليمنيين أو الألمان ، قد تجعلان فديته في نظر الخاطفين "بوزنه ذهباً". وإضافة إلى ما سلف، فإن تصريحات مصادر الأمن اليمنية تطرح جانبا جديداً من تطورات القضية محاطا بمزيد من الغموض وعلامات الإستفهام في ما يتعلق بتحديد مكان الخاطفين وهويتهم، إذ إن مشائخ القبائل في محافظة مأرب أكدوا للمسؤولين "استعدادهم للتعاون مع الدولة معبرين عن إدانتهم و شجبهم لهذا العمل التخريبي، والوقوف ضده وتبرئة ساحتهم أمام الدولة ممن يرتكبون مثل هذه الأعمال السيئة للوطن ومصالحه". ومن ثم فإن ما يعنيه هذا من أن الخاطفين الثلاثة فقط هم الذين نفذوا عملية الخطف وأصروا عليها وتحملوا أعباءها أمر يصعب تقبله بسهولة، لأنه يعني أن هؤلاء الثلاثة في قضية بهذا الحجم والخطورة وعلى مدى أكثر من شهر يقفون وحدهم هذا الموقف بكل ما فيه من تحدٍ واستفزاز، في مواجهة السلطات ومجموع المشائخ والقبائل التي ينتمون إلى إحداها ويحتجزون الرهينة وسطها. وهذا ما تتفق المصادر على انه "لا يمكن أن يحدث ولا يملك أفراد أو جماعات القدرة عليه من دون وجود قوى أكثر وأكبر تسند الخاطفين وتوجههم بصفة مباشرة". وتبقى الإجابة عن السؤال عن هوية هذه الجهات أو القوى الواقفة وراء الواجهة معلقةً حتى تتبلور حقائق هذا الحادث-اللغز المستعصي على كل الحلول