على رغم انقضاء نصف عام فقط على تولي جورج دبليو بوش الرئاسة، انخفضت نسبة الذين يؤيدون سياساته الى أقل من خمسين في المئة. فقد نجح بوش في إغضاب أعداء أميركا وأصدقائها في الخارج على السواء. فأصدقاء أميركا واعداؤها يعارضون نظام الدفاع الصاروخي الوطني الجديد الذي يوصف بأنه تجديد لفكرة حرب النجوم القديمة. والهدف من هذا النظام ظاهرياً مواجهة الدول "الخارجة على القانون" أي العراق وايران وكوريا الشمالية، لكن الحقيقة هي أن النظام الجديد موجه نحو "الخطر" الذي تمثله الصين. كذلك نجح بوش في إغضاب الدول الصناعية السبع الكبرى وروسيا باعلانه التراجع عن معاهدة كيوتو الرامية الى حماية البيئة العالمية. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الدول الأخرى الموقعة على المعاهدة انها ستمضي قدماً في تنفيذها على رغم اعتراض أميركا، اعلنت اليابان انها لن تشارك في تنفيذ المعاهدة الى أن تعود واشنطن الى الالتزام بها. والاعتراض الأميركي الأساسي على المعاهدة هو ان الصين والهند تضمان معاً حوالي ربع سكان الكرة الأرضية ولكن المعاهدة تعفيهما من اتخاذ أي خطوات خلال السنوات الخمس الأولى. ولهذا أعلن بوش ان واشنطن ستطبق بصورة مستقلة ما تعتقد أنه ملائم لتخفيف انبعاث الاشعاعات والغازات. ثم ان الصينوروسيا والمانيا وفرنسا، وحتى بريطانيا، تعارض رغبة بوش في الغاء معاهدة العام 1972 لتحريم الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية. اذ ان الدول الأوروبية وكندا تريد الابقاء على هذه المعاهدة لكن بوش يقول ان الزمن عفا عليها، ولم يعد لها أي ضرورة منذ نهاية الحرب الباردة. ونتيجة لهذه السياسة التي قرر بوش انتاجها نجح في دفع روسياوالصين الى توقيع معاهدة جديدة مما يعني أنه دفع الدولتين المعروفتين بخصومتهما الى تشكيل جبهة جديدة ضد برنامجه الصاروخي الجديد. وفي الخامس والعشرين من تموز يوليو الماضي خرج بوش على الملأ باعلان مفاجئ قرر فيه رفض توقيع معاهدة حظر استخدام الأسلحة الجرثومية ،بدعوى ان مسودة النص المؤلفة من 210 صفحات ستسمح للمراقبين الدوليين ب"مضايقة وإزعاج" المختبرات الوطنية الأميركية و"سرقة الأسرار الصناعية". وهكذا استطاع بوش خلال فترة قصيرة جداً اغضاب حلفائه من أمثال كندا ودول الاتحاد الأوروبي واليابان. وكان المفروض أن تحل هذه المعاهدة مكان ميثاق عام 1972 للأسلحة الجرثومية الذي وقعت عليه 143 دولة بما فيها الولاياتالمتحدة. لكن مشكلة الميثاق هي انه يفتقر الى اجراءات التحقق والمراقبة، ولذا جاءت المعاهدة الجديدة لتحل مكانه. كذلك أعلنت الحكومة الأميركية في تموز يوليو انها لن توقع المعاهدة الدولية الجديدة التي تفرض القيود على السوق الدولية "للأسلحة الصغيرة" على أساس ان هذه المعاهدة تتعارض مع التعديل الدستوري الأميركي الذي يعطي جميع الأميركيين حق "حمل السلاح". والصورة الواضحة التي يمكن للمرء أن يخرج بها من هذه السياسة الأميركية هي ان بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد يريدان إعادة تنظيم سياسة الدفاع الأميركية: بخفض عدد القوات المتمركزة في الخارج من بحرية وبرية وجوية في الشرق الأوسط وأوروبا والتركيز عوضاً عن ذلك على نظام الصواريخ الوطني الجديد والأقمار الاصطناعية وحرب النجوم وحرب الكومبيوتر ومكافحة الارهاب والخطر الصيني. وهذا كله في حقيقة الأمر من بنات أفكار أندرو مارشال، أحد كبار المسؤولين المدنيين في البنتاغون، مع انها أفكار تثير غضب الجنرالات وكبار القادة العسكريين وغضب عدد من أعضاء الكونغرس الذين يمكن أن تؤدي هذه السياسة الى اغلاق القواعد العسكرية في ولاياتهم ودوائرهم الانتخابية، علاوة على اللوبي التقليدي للصناعات العسكرية التقليدية مثل صناعة السفن الحربية بدلاً من صناعة الكومبيوتر. ومن الخطوات الأخرى التي أثارت غضب كثيرين أيضاً اعلان بوش انه لن يواصل الحوار الذي كان سلفه بيل كلينتون بدأه مع كوريا الشمالية. ويبدو أن غوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي هي التي اقترحت هذه الفكرة. ويكفي للتدليل على مدى ما أثارته خطوات بوش ومبادراته السياسية خلال فترة الأشهر الستة التي تولى فيها السلطة ان الرئيس السابق جيمي كارتر صرح أخيراً لاحدى الصحف المحلية في ولاية جورجيا انه "يشعر بخيبة أمل في كل شيء وكل خطوة اتخذها بوش تقريباً". وألقى كارتر باللوم على بوش في اغضاب حلفاء أميركا بسبب موقفه من كيوتو ومعاهدة الأسلحة الجرثومية ومقاطعة مؤتمر ديربان الدولي لمكافحة العنصرية لأن المؤتمر كان سيبحث قضية الصهيونية ومسألة التعويض عن تجارة العبيد وعدم حزمه في التعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، ولموقفه من معاهدات الحد من الأسلحة الاستراتيجية وحظر الصواريخ الباليستية. ولا تقتصر مشاكل بوش على الساحة الخارجية فحسب، بل يواجه انتقادات قوية على الساحة الداخلية، لا سيما في ميدان العلاقة بين البحوث الطبية والمعتقدات المسيحية اليمينية وقضية الاجهاض وقانون حقوق المرضى. ومع هذا فإن مشكلات بوش المباشرة الآن تتركز على الكونغرس حيث يتمتع الديموقراطيون بالغالبية، كما يتوقع ان يفوزوا بغالبية ايضاً في انتخابات سنة 2002. وها هو بوش يطلب الآن صلاحيات خاصة للتفاوض على اتفاقات تجارية مع الحكومات الأجنبية قبل انعقاد مؤتمر منظمة التجارة العالمية في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر المقبل. ووسط كل هذا يستمر الاضطراب في السوق المالية، كما ان نسبة البطالة ارتفعت الى 4.5 في المئة