مؤشرات البورصة الأمريكية تغلق على تراجع    البديوي يرحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار "إنهاء الوجود غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة"    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    «الروع» تعزز الوهم وتنشر الخرافة..    السعودية تطرق أبواب العالم    وكالات التصنيف: الاقتصاد السعودي في المسار الصحيح    المواطن عماد رؤية 2030    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    هل تريد أن تعيش لأكثر من قرنين ونصف؟    لماذا يُفضل الأطباء البياجر    492 قراراً أصدرها المجلس العام الماضي    «الأحمران» يبحثان عن التعويض أمام الأخدود والخلود    "بيولي" يقود النصر أمام الاتفاق .. في جولة "نحلم ونحقق"    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    «صرام» تمور الأحساء !    حضن الليل    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    أحياناً للهذر فوائد    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    إصدار 32 رخصة تعدينية جديدة خلال يوليو 2024    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    انطلاق المؤتمر السعودي البحري 2024.. نائب وزير النقل: ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي    12 لاعب احتياط في كأس الملك    الزعيم يعاود تحضيراته    الكل يتوعد خصمه ب«القاضية» فمن سيتأهل للنهائي؟    رابيو: استغرقت وقتا قبل قراري بالانتقال إلى مارسيليا    في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة في ضيافة موناكو.. وأتالانتا يواجه آرسنال    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. الأمير عبدالعزيز بن سعود ينقل تعازي القيادة لأمير الكويت وولي عهده    أمريكا «تحذر» من أي «تصعيد» بعد انفجارات لبنان    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    سلامة المرضى    315 مختبراً شاركوا في اختبار الكفايات اللغوية    دعم الأوقاف تُطلق مبادرة "الحاضنة" للقطاع الوقفي بالمملكة برعاية أوقاف الضحيان    أمير منطقة تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج الثابت للمملكة داخلياً وخارجياً    وزير «الشؤون الإسلامية» : الخطاب الملكي يؤكد حرص القيادة على تقرير مبدأ الشورى    محافظ حفر الباطن ينوه برعاية الدولة للقطاع الصحي    مجلس الشورى خلال دورته الثامنة.. منهجية عمل وتعزيز للتشريعات    فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية بضيافة تقني الشرقية    المملكة ترحب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بشأن «إنهاء الوجود غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة»    "دوائي" تحذر من أضرار الخلطات العشبية على الكلى    مهرجان المسرح الخليجي يختتم فعالياته ويعلن عن الفائزين    أمانة الشرقية والهيئة العامة للنقل توقعان مذكرة تفاهم    كسر الخواطر    كلام للبيع    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    الرياض تستضيف الاجتماع التشاوري العالمي لخبراء منظمة الصحة العالمية    الأرصاد: رياح مثيرة للأتربة والغبار تؤدي إلى تدني مدى الرؤية في تبوك والمدينة    خادم الحرمين يأمر بترقية 233 عضواً في النيابة العامة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



... واستؤنفت الحرب الباردة
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 2001

حدث ما توقعته واشنطن، أو دفعت إلى حدوثه، فقد وقعت موسكو وبكين معاهدة صداقة وتعاون تجدد - أو تضيف إلى - الاتفاق الذي توقف العمل به منذ عشرين عاماً أو يزيد. الرمز في هذه المعاهدة الجديدة أهم من المحتوى المعلن. ففي المحتوى قائمة بمشاريع تعاون تشترك فيها دولتان جارتان تربط، أو تفصل، بينهما حدود تزيد على ثلاثة آلاف وخمسمئة كيلومتر. أما الرمز فمرتبط بالتوقيت والتطورات الاخيرة في السياسة الخارجية الاميركية وبالضغوط الاقتصادية والاجتماعية الداخلية في كل من الصين وروسيا الاتحادية. الرمز في هذه المعاهدة يشير إلى أن الدولتين الغاضبتين من التصرفات الاميركية قررتا تعزيز التعاون بينهما لحماية مصالحهما في مواجهة إصرار الولايات المتحدة على فرض هيمنتها على العالم.
يقول جوزيف ناي، عالم السياسة الاميركي، إنه اذا استمرت واشنطن في معاملة بكين عدواً فسينتهي الأمر بالصين وقد احتلت خانة العدو. ولا شيء في السياسة الدولية أكثر صدقاً من هذه العبارة، وهي تنطبق على كل العلاقات بين كافة الدول لكنها تنطبق خصوصاً على العلاقات الاميركية مع كل من الصين وروسيا. وقد لا أتفق تماماً مع القائلين بأن ادارة الرئيس بوش مسؤولة مباشرة عن الوضع الذي آلت إليه علاقات اميركا مع كل من الصين وروسيا. فعلاقات واشنطن مع الصين كانت على الدوام محل شد وجذب لدى كل الحكومات التي تعاقبت على البيت الأبيض منذ الزيارة الشهيرة لكيسنجر إلى بكين في السبعينات من القرن الماضي. كانت الصين تجسد، بالنسبة الى الرأي العام الاميركي، فكرة الشرق الغامض المليء بالأسرار والمؤامرات، وتحدياً مناسباً في نظر كثيرين، لكنها كانت ايضاً عملاقاً راقداً على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفياتي، شيطان ذلك الزمان. وانتصرت وجهة النظر القائلة بتشجيع هذا العملاق على النهوض ليقلق الاتحاد السوفياتي، وتعددت النظريات والآراء المؤيدة لخطة اقامة تحالف سياسي اميركي - صيني موجه ضد الاتحاد السوفياتي.
وحدث مصادفة أن ترافق سقوط الاتحاد السوفياتي مع نهوض الصين، فدخلت السياسة الخارجية الاميركية عندئذ مرحلة ارتباك كبرى، إذ تعودت الولايات المتحدة على ادارة سياسة خارجية تعتمد وجود عدو واحد على الأقل" كانت اسبانيا العدو الاساسي في القرن التاسع عشر، ثم كانت دول المحور واليابان خصوصاً ثم كان الاتحاد السوفياتي. ومع الغياب المفاجئ للاتحاد السوفياتي وجدت السياسة الخارجية الاميركية نفسها وقد فقدت أعز ما تملك، وتصرفت الولايات المتحدة على أكثر من صعيد دولي كما لو كانت دولة بلا هدف، وسياسة خارجية من دون "سبب وجود". ثم حدث ما أضاف إلى الارتباك ارتباكاً أشد، إذ وجدت الدول الأخرى، أي الطرف الآخر في السياسة الخارجية الاميركية، نفسها عاجزة عن وضع سياسات خارجية ذات معنى ومضمون، واكتفت غالباً باتخاذ قرارات واجراءات من نوع رد الفعل. إن أدق وصف للسياسة الروسية في عهد بوريس يلتسن، وسياسات حكومة بكين حتى منتصف عهد كلينتون، وسياسات الاتحاد الاوروبي هو أنها كانت ردود فعل مرتبكة بدرجة ارتباك الفعل الاميركي نفسه.
كان مفهوماً أن تجد مؤسسة السياسة الخارجية الاميركية صعوبة في التأقلم مع وضع لا أعداء لها فيه. تنافس المنظّرون في تلك المؤسسة على تقديم بدائل وتوصيات. واستقر الرأي في عهد كلينتون على اختيار عدد من "الظواهر الاجتماعية الدولية" لتحتل مواقع "الأعداء" في السياسة الخارجية الاميركية، وكان بينها الارهاب والمخدرات وغسيل الأموال. و"اكتشف" منظّرون آخرون، ثم اثبتوا، أن هذه "الخيارات" سببت ارتباكاً أكثر، وأدت عن غير قصد، مع اسباب اخرى، إلى اثارة موجات من الكراهية في انحاء متفرقة من العالم ضد الولايات المتحدة، موجات متفرقة جغرافياً، أو متصلة بقضايا معينة وظروف محددة. ولم تترجم هذه الكراهية نفسها خطراً مباشراً على المصالح القومية الاميركية، وأثبتت انها غير كافية لتعبئة موارد اضافية تضاعف بها واشنطن قدراتها العسكرية والأمنية.
عادت المؤسسات الاميركية تبحث مرة أخرى عن أعداء حقيقيين. ويرجع الفضل في هذه العودة إلى اعضاء جهاز المستشارين المحيط بالرئيس الجديد جورج بوش. جاء هذا الجهاز بأفكار لها تاريخ عن السياسة الخارجية الاميركية والدور الدولي لواشنطن، وهو مدرك تماماً بأن الكيان السياسي الاميركي لن يحافظ بكفاءة على مقومات قوته وتفوقه إلا اذا دخل في مواجهة مع "أعداء" حقيقيين من دول قوية أو مؤهلة لأن تصبح قوية، دول تحتفظ بجيوش قوية أو قادرة على تجنيدها، ولديها قنابل نووية وصواريخ عابرة للقارات. أما الأعداء الوهميون من نوع "الظواهر الاجتماعية الدولية" التي وقع عليها اختيار اجهزة الحزب الديموقراطي والأمن القومي في عهد كلينتون، فلا يمثلون التحدي المناسب الذي يمكنه دفع الشعب الاميركي نحو دعم سياسة عسكرية قوية تتناسب مع طموحات الكيان الاعظم ومصالح الدولة العظمى المهيمنة، أو التي يجب أن تظل مهيمنة. هؤلاء الأعداء لا يبررون، بأي درجة، حاجة الجمهوريين والمؤسستين العسكرية والصناعية إلى تجديد ترسانتها الصاروخية والانطلاق بها نحو استراتيجية للدفاع غير الارضي خارج الكوكب.
وفي غمار التحول من خط سياسي الى آخر حدثت زلاّت لسان وأخطاء في الممارسة كشفت عن حقيقة النيات. فقد صرح الرئيس بوش في مرحلة مبكرة من ولايته بأن الصين تمثل خطراً مباشراً لأنها المنافس الاقتصادي الاستراتيجي للولايات المتحدة مستقبلاً. ثم قيل إن هناك مؤامرات تحاك ضد اميركا. ولم يختلف الاميركيون عن غيرهم من القادة والسياسيين الذين يتهمهم الإعلام الاميركي بالانصياع لنظرية المؤامرة في التحليل والتخطيط. قيل إن مؤتمر كيوتو والاتفاقية الناتجة عنه المتعلقة بحماية الغلاف الجوي والبيئة من التلوث "مؤامرة" تدبرها الصين المتحالفة ضمنياً مع الاتحاد الأوروبي لعرقلة النمو الاقتصادي الاميركي، إذ أن الاتفاقية تفرض على اميركا اتخاذ اجراءات ضد التلوث المنبعث من صناعات قائمة واستخدامات للطاقة لا يمكن تغييرها إلا بكلفة باهظة. وقيل إن الصين وروسيا متآمرتان ضد مشروع درع الصواريخ لأنهما تعرفان مدى الفائدة التي ستعود على التكنولوجيا والصناعة في اميركا من وراء تنفيذ هذا المشروع. وقيل - ولعله اغرب ما قيل حتى الآن في واشنطن وأخطره - إن المعاهدات والاتفاقات الدولية مؤامرة على اميركا، فهي مثل قميص التكتيف الذي تستخدمه المستشفيات لشل حركة المرضى ومنعهم من التحرك، في إشارة الى اتفاقيات كيوتو والحد من الصواريخ البالستية لعام 1972 وتلك المعروضة حالياً الخاصة بالرقابة على الاسلحة الجرثومية والكيماوية واتفاقية روما بشأن انشاء محكمة جنايات دولية. ولا يخفي كثير من منظّري السياسة والعلاقات الدولية المتعاطفين مع فلسفة الحزب الجمهوري ومبادئه، خصوصاً التيار المتشدد فيه، اعتقادهم عن صدق بأن السلام العالمي ممكن عبر الهيمنة المنفردة التي تمارسها الولايات المتحدة، الدولة الامبراطورية الفريدة في سماحتها وعقلانيتها وواقعيتها. ولا يختلف هذا الرأي كثيراً عن الرأي الشاروني - البيريزي الذي يتصور ان الشرق الاوسط يحيا ويزدهر في سلام اذا تحققت لإسرائيل الهيمنة على كل الاقليم.
ولتأكيد عزم واشنطن على "صنع" عدو في روسيا وآخر في الصين توالت خلال الاسابيع الاخيرة الاتهامات الاميركية والعمليات الاستفزازية. فقد تصاعدت الحملات الديبلوماسية والاعلامية التي تتهم الدولتين بانتهاك حقوق الانسان، باعتبار أن حقوق الانسان صارت احد أشد أسلحة العصر الحديث فتكاً، أو أشد الضغوط ثقلاً، كما زادت عمليات إرسال الجواسيس الاميركيين من أصول صينية أو روسية للقيام بأعمال ضد "الدولة" الأم، ثم إثارة الرأي العام الدولي احتجاجاً على اعتقالهم أو محاكمتهم. وتضخمت عمليات بث المعلومات المشوهة عن كلتا الدولتين، مثل الفساد وإعدام المجرمين وتجار المخدرات ومهربي السلاح. والمثال البارز الحملة على الرئيس الروسي بوتين شخصياً بسبب خلافه مع الاعلامييْن اليهودييْن الشهيرين: بريزوفسكي وجوزنسكي، إلى جانب الاستمرار في التدخل السري، واحياناً المباشر العلني، لتوسيع رقعة التمرد في التيبت والشيشان، وتعقيد شبكة الخلافات عن طريق التدخل في جورجيا وأوكرانيا واذربيجان وارمينيا وطاجيكستان وغيرها من الجمهوريات الواقعة في فلك النفوذ الروسي.
يعرف الذين تابعوا تطور الصين عبر عقود أنها ليست دولة توسعية، ولم يُعرف عنها حتى في ظل العهود الامبراطورية انها سعت إلى التوسع على حساب غيرها. الصين سعت، ولا تزال، إلى أن يكون لها دور اقليمي في منطقتها. وهذا السعي أحد أهم أسباب الحملة الاميركية الراهنة ضدها. فالدور الاقليمي للصين لا يتماشى والدور العالمي الذي تنشده الولايات المتحدة لنفسها. أما روسيا فكانت تاريخياً دولة توسعية، لكنها لم تفعل، منذ سقوط الشيوعية، ما يشير إلى عودتها إلى هذا النهج في السياسة الخارجية. لكنها تريد، مثل الصين، ان يكون لها الدور الاكبر في تسيير امور منطقتها، بينما تراقب بقلق وخوف شديدين تمدد حلف الاطلسي، اي اميركا، نحو حدود روسيا الغربية. هنا ايضاً لا يتماشى الدور الاقليمي والتقليدي لروسيا مع الدور العالمي للولايات المتحدة.
لا دورَ اقليمياً للصين وإلا صنفت عدواً، ولا دورَ اقليمياً لروسيا وإلا ستصنف هي الاخرى عدواً. هكذا دفعت الولايات المتحدة الدولتين لتلقي كل منهما بنفسها في احضان الاخرى حماية لها ضد الاخطار المتوقعة نتيجة هيمنة دولة واحدة على مصائر بقية دول العالم. وهكذا ... تُستأنف الحرب الباردة.
يبقى أن نحذر من أن تستدرجنا واشنطن إلى هذه الحرب، فندخل في خصومة لا مصلحة لنا فيها مع روسيا أو الصين أو مع ما تمثلانه في صراعهما المستأنف مع اميركا.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.