كشفت ازمة السيولة التي تعاني منها المصارف المصرية عن ضخامة الديون المتعثرة والتي قدرت باكثر من عشرة مليارات جنيه نحو 2.5 مليار دولار، وتدرس ادارات المصارف الدائنة رفع دعوى قضائية ضد رجال الاعمال المتعثرين غير الجادين، بعدما وصلت المفاوضات الى طريق مسدود بسبب عدم جدية هؤلاء في تنفيذ ما اتفق عليه حسب خطاب النيات الذي وقعه الجانبان. وكانت الحكومة بدأت في آب اغسطس 2000 مفاوضات مع عملاء المصارف المتعثرين سعيا للوصول الى حلول ترضي الطرفين العملاء والمصارف وطلبت تقريرا شاملا للوقوف على المشاكل التي تواجه القطاع المصرفي ورجال الاعمال بعد الضجة التي أثيرت بسبب فرار رجال اعمال بارزين، وذلك حرصا منها على تهدئة الاوضاع والوقوف الى جانب العميل المتعثر حتى يصحح مسيرته شرط الحفاظ على حقوق كل الاطراف، لكن لم يتحقق شيء حتى الآن بسبب عدم الشفافية في التعامل، ونتيجة لذلك بات على المعنيين سد الثغرات في العلاقة المشتركة بين المصارف ورجال الاعمال بدلا من حدوث كارثة تؤثر سلبا على الاقتصاد القومي بعد الهزات التي اصابته من جراء ازمة سيولة وتجاوز المصارف حدود الامان في منح القروض. وقد طالبت المصارف المصرية البنك المركزي بضرورة ضخ 650 مليون دولار بصفة عاجلة لتغطية مراكزها المكشوفة امام عملائها، ثم ارتفع المبلغ الى 785 مليون دولار، وحذرت في مذكرة خطية، من التراخي في تلبية طلباتها وتغطية احتياجات المستوردين، خصوصاً ان البنك المركزي ساهم في ارتفاع احتياجات البنوك من الدولار نتيجة تجاهله تلبية طلبات المصارف من النقد الاجنبي منذ اكثر من شهر. واشارت المذكرة الى ان قائمة المصارف التي تقدمت بطلبات لتغطية مراكزها المكشوفة تضم 9 مصارف تابعة لقطاع الاعمال العام والاستثمار، ومصارف تجارية مشتركة، موضحة ان بنك الاسكندرية تصدر القائمة بنحو 94 مليون دولار فيما بلغت اصغر قيمة مطلوبة 10 ملايين دولار للبنك المصري الاميركي، مع العلم ان طلبات المستوردين للحصول على النقد الاجنبي شهدت تراجعا ملحوظا في الاشهر الأخيرة، الا ان المصارف ما زالت عاجزة عن تلبية هذه الطلبات نتيجة للتراجع الحاد في مواردها من النقد الاجنبي حيث استحوذ سماسرة العملة على معظم تعاملات حائزي الدولار الذين يبحثون دائما عن السعر الاعلى. وفي اطار تنظيمها للعمل المصرفي وتفعيله في المشاريع الاستثمارية، تعكف الحكومة المصرية على وضع خطة لاندماج عدد من المصارف وانشاء مؤسسات مالية لتقديم التمويل المتوسط والطويل الاجل، مع العلم ان رئيس اتحاد المصارف محمد عبدالسلام عمر تلقى من رئيس الوزراء عاطف عبيد نحو 18 تكليفا تركز على تمويل المصارف للانشطة السياحية وتنشيط التمويل في السوق العقارية وآليات تحفيز المدخرات المحلية وتنميتها في المصارف والارتقاء بجودة الائتمان. سيطرة الحكومة وتحظى قضية دمج البنوك باهمية بالغة داخل الاوساط الاقتصادية. ويعتبر المعارضون ان الدمج سيزيد من سيطرة الحكومة على النشاط المصرفي وزيادة الوضع الاحتكاري ومضاعفة المشاكل القائمة في مصارف القطاع العام، فيما يرى المؤيدون ان دمج المصارف الصغيرة سيظهر كيانات مصرفية قوية وقادرة على المنافسة محليا ودوليا. ويتضح من الاتجاهات العالمية في الصناعة المصرفية وواقع القطاع المصرفي في مصر ان هناك حاجة ملحة لدمج البنوك وتملكها لان الكيانات المالية الكبيرة هى الاقدر على المنافسة وبسبب سرعة العولمة وانفتاح الاسواق. ويبدو انه من حيث المبدأ، يمكن ان تشمل عملية الدمج جميع المصارف العاملة في مصر، باستثناء المصارف المتخصصة نظراً الى طبيعة عملها القائم على التخصص والتي تصنف عادة على انها مؤسسات وساطة مالية لا تقبل الودائع. ويستدل من ذلك ان هناك 39 مصرفا يمكن ان تشملها عملية الدمج، وهي 28 مصرفا تجاريا بينها 4 مصارف مملوكة للقطاع العام و 11 مصرف استثمار واعمال. وفي هذا المجال تبرز مخاوف من ان تؤدي عملية الدمج الى الاحتكار على رغم وجود قانون يمنع الاحتكار ويحدد معاييره بدقة. وقبل ان تعلن الحكومة خطتها لتنفيذ عملية الدمج بين المصارف، بدأ عدد من المصارف الاجنبية العاملة في مصر البحث في عمليات دمج وتأسيس مصرف مشترك، وتشمل: الاندماج بين "اتش - اس - بي - سي" البنك المصري البريطاني سابقا، وبنك الائتمان الدولي مصر، بعد قيام البنك البريطاني بشراء بنك "كريدي كومرسيال دو فرانس" بالكامل وهو المساهم الرئيسي في بنك الائتمان الدولي مصر، وتجري في الوقت الراهن الاجراءات الخاصة بالدمج بعد موافقة البنك المركزي المصري ليصبح البنك الجديد بنكا مصريا مشتركا. الاندماج بين مصرف "باريبا" الذي يملك فرعا له في مصر وبنك "ناسيونال دو باري" المساهم الرئيسي في بنك القاهرةباريس في مصر. وهناك مباحثات لاجراء عمليات دمج بين عدد من المصارف الاجنبية، منها بنك مصر الدولي الذي انجز كل الدراسات اللازمة المتعلقة بامتلاك بنك "مصر اكستريور". وتأتي عمليات الدمج في وقت حصلت فيه متغيرات في السوق المصرفية المصرية، خصوصاً بعدما زادت حصة المصارف المشتركة والاجنبية في السوق، في مقابل تراجع حصة المصارف العامة القاهرة، مصر، الاسكندرية، الاهلي من 75 الى 50 في المئة من حجم النشاط المصرفي، ولا يزال التراجع مستمرا رغم تزايد حجم السوق نفسها