تلقى الروس "صفعة" مهينة في معرض لوبورجيه الجوي الفرنسي الأخير حينما فوجئوا بعرض نموذج لطائرة "سوخوي 25" وعلى جناحيها نجمة داود الإسرائيلية الصفعة الثانية التي تلقوها في المعرض نفسه هي محاولة مصادرة أحدث مقاتلة روسية "سوخوي 30م ك ك" بدعوى أقامتها شركة "توغا" السويسرية للمطالبة بديون قديمة في ذمة روسيا، وقد "فرت" الطائرة بجلدها طلباً للنجاة. كان الروس في المعارض السابقة يجدون مخططات وتصاميم أجنبية لعصرنة طائراتهم السوفياتية لا غير. أما في معرض لوبورجيه فقد واجهوا "نماذج حية" جديدة ل"طائراتهم" تحمل علامات دول أخرى. طائرة "م 346" التدريبية لشركة "ايروماكي" الايطالية نسخة طبق الأصل تقريباً عن طائرة "ياك 130" ياكوفليف الروسية، وطائرة "ميغ 24" الأوزبكية مزودة بتجهيزات من صنع شركة "ساجم" الفرنسية، والنماذج التي تنوي الشركات الليتوانية والرومانية اخراجها إلى الوجود هي نسخ مكيفة من طائرات "الميغ" الروسية 8 و17 و21 و29. إلا أن الطائرة الهجومية "العقرب" اسمها الإسرائيلي أو "سوخوي 25ك م" اسمها الروسي الأصلي كانت الضربة الأشد بالنسبة إلى الروس. وعُلم ان مقاتلة اثيوبية من طراز "سوخوي 27" وصلت إلى إسرائيل لغرض التكييف. ومعروف أن سبع طائرات روسية مستهلكة من هذا النوع بيعت إلى اثيوبيا العام 1998. وبسبب غموض الصياغة في عقد البيع والشراء وجد المصممون الإسرائيليون ثغرة "قانونية" للحصول على هذه الطائرة التي تشكل أساس القوة الجوية الروسية و"السلعة" الرائجة الأولى في صادرات الأسلحة من روسيا. وتأتي خطورة هذه الخطوة من أن إسرائيل يمكن أن تعرض على الصين التي تصنع "سوخوي 27" حسب ترخيص روسي خدماتها في تجديد هذه الطائرة. وليس ذلك بالأمر الصعب كون بكين وتل أبيب تتعاونان منذ سنوات طويلة في صنع مقاتلة "اف 10" الخفيفة. غير أن مشروع تطوير طائرات الهجوم "سوخوي 25" ربما كان أكثر خطورة لسعة نطاقه ومضاعفاته. فالمشروع مبني على أساس التعاون العسكري الواسع بين إسرائيل وجورجيا. ومضاعفاته المحتملة هي أن دولاً أخرى قد تلجأ إلى الاستفادة منه. فتشيخيا مثلاً تنوي بيع 28 طائرة من هذا النوع، لكن بعد تجديدها على النمط الإسرائيلي، وستحذو سلوفاكيا حذوها، فهي تمتلك 14 طائرة. وتزداد المسألة أهمية كون 800 من هذه الطائرات منتشرة في شتى أرجاء العالم، والقسم الأكبر منها موجود في حوزة جيوش تشكل نقاط ضعف في المعادلة، مثل اذربيجان وارمينيا وبيلوروسيا وترتكمانستان وأوزبكستان وأوكرانيا وجورجيا التي لا تمتلك قوانين تضبط حقوق ملكية النتاج الذهني، ما يسهل مهمة الإسرائيليين في الشراء والاغراء، خصوصاً إذا كانت "السلعة" على هذا القدر من البهاء. فلطائرة "سوخوي 25" بهويتها الروسية مواصفات مدهشة: فهي مقاتلة هجومية نفاثة مدرعة، تصنع بطرازات مختلفة: ثلاثة أنواع للتصدير وثلاثة للتدريب وواحد مضاد للدبابات ونموذج مرافقة الأهداف وغيرها. وطولها مع "الأنف" المستقيم 53.15 متر وارتفاعها 8.4 متر ومساحة الجناح 1.30 متر مربع والمسافة بين نهايتي الجناحين 36.14 متر وقاعدة الهيكل 95.3 متر والمسافة بين العجلتين 5.2 متر. وزنها مع الحمولة القصوى 17533 كلغ ووزنها خالية 9315 كلغ واحتياطي الوقود 3000 كلغ ووزن ذخيرتها الكاملة 4400 كلغ ووزن محركها 625 كلغ وسرعتها القصوى 970 كيلومتراً في الساعة، وأعلى ارتفاع للتحليق 7 آلاف متر ومدى التحليق 1250 كيلومتراً. أما سلاحها فهو 10 معلقات تحت الجناحين تحمل الواحدة منها 500 كلغ من صواريخ جو - جو وغيرها من أنواع الذخيرة 32 نوعاً بما فيها سلاح الاصابة البالغة الدقة. وطاقمها شخص واحد، وسعر التصدير 3 ملايين دولار. أما كبير مصممي الطائرة فهو المهندس فلاديمير باباك. وتم أول تحليق تجريبي لطائرة "سوخوي 25" في الاتحاد السوفياتي في 22/2/1975. وتخصص في صنعها مصنع الطائرات في تبليسي حيث انتج أولى طائرتين من هذا النوع العام 1979، وفي العام 1980 صنع عشر طائرات أخرى. وإلى ذلك، بدأ مصنع الطائرات في أولان - أوده عاصمة جمهورية بورياتيا الروسية في تركيب هذه المقاتلات للتصدير العام 1984، وتجاوز اجمالياً بمختلف الأنواع 1000 طائرة، بيعت إلى بلغاريا 42 طائرة وكوريا الشمالية 34 وأنغولا 14 والعراق 84 وتشيكوسلوفاكيا 42 وغيرها. وكانت الحكومة الجورجية تعهدت دعم مؤسسة "تبيلافيا ستروي" الأسم الجديد لمصنع الطائرات في تبليسي في مشروع تطوير طائرة "سوخوي 25" بالتعاون مع شركة "البيت سيستمز ليمتد" حيفا. وبرر وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة الجورجي ايفانو شخارتيشفيلي ضرورة صنع الطائرة المذكورة كون عشرات الدول أبدت اهتماماً بها، خصوصاً أن المقاتلة الجديدة باتت قادرة على الهجوم ليلاً. ويتوقع الخبراء الجورجيون أن يصل إلى تبليسي قريباً عدد من المهتمين بشراء الطائرة المكيفة التي تبلغ قيمتها، بعد التحسينات الإسرائيلية التي أجريت عليها، حوالي خمسة ملايين دولار. ويذكر أن سبع مقاتلات هجومية من طراز "سوخوي 25" تمارس الحراسة والدورية في القوة الجوية الجورجية. إلى ذلك، تمادت شركة إسرائيلية أخرى هي "ازرايل ايركرافت اندوستريز ليمتد" في التوغل في "الأجواء الروسية" وازاحة الصناعيين الروس من سوق تحديث صناعاتهم الجوية. وكانت أقنعت مكتب "كاموف للتصاميم" بالمشاركة في برنامج تسويق "هليكوبتر كا 50" فتوافرت للجانب الروسي فرصة أكبر للفوز بمناقصة تجهيز القوة الجوية التركية بمروحيات "كاموف" الروسية - الإسرائيلية الصنع، إلا أن البرنامج الإسرائيلي لتكييف الهليكوبتر الروسية "ميغ 25/35" للقوات الجوية الهندية كان مفاجأة مزعجة بالنسبة إلى الروس. وعندما أعلنت وزارة الدفاع الهندية عن مناقصة تحديث 40 مروحية "ميغ 25/35" من صنع روسي، لم تستلم أشهر مكاتب التصميم الروسية الدعوة للمشاركة في المناقصة. وقال مسؤول عسكري هندي إن الروس تأخروا في تقديم اقتراحاتهم فيما كان الجيش الهندي بحاجة ماسة إلى هليكوبتر جديدة. ولذا جاءت الاقتراحات الإسرائيلية لتحديث هذه الطائرة في الوقت المناسب، ما جعل الشركات الروسية تضيع عقداً مربحاً. وفي معرض "ايرو انديا 2001" في مدينة بنغالور، فاجأت شركة "ازرايل ايركرافت" الروس من جديد ببرنامج تحديث 120 مروحية "ميغ 8/17" من موجودات الجيش الهندي، على أن يشمل البرنامج تحسين نظام التنشين البصري الالكتروني وتوافر إمكانية العمل الكامل ليلاً وفي الرؤية المتردية وإمكان حمل السلاح الروسي والأوروبي في آن، وتأمين مكافحة الوسائل اللاسلكية والالكترونية المعادية. وبالطبع، يواجه الإسرائيليون صعوبة في تحديث الطائرات الروسية من دون مشاركة منتجيها، ولذا حاولت الشركة الإسرائيلية مراراً إشراك الخبراء الروس بصفة مستشارين، إلا أنهم رفضوا عروضها. وكان رفض "مكتب سوخوي للتصميم" أيضاً عرض شركة "البيت سيستمز ليمتد" الإسرائيلية في شأن تجديد مقاتلات "سوخوي 25" دفع الأخيرة إلى الالتفاف على موسكو والدخول من نافذة تبليسي. فجاءت طائرة "سوخوي" مكيفة لمتطلبات حلف شمال الأطلسي بفضل "المجددين" الإسرائيليين. وفي المقابل، يسلك التعاون العسكري الروسي - العربي طريقاً متعرجاً في اتجاه واحد، وتطبق روسيا في معاملة الأقطار العربية سياسة "معوجة"، على حد تعبير رمضان عبداللطيفوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي، الذي زار بغدادوالكويت أخيراً على رأس وفد برلماني وعاد بخيبة أمل يصعب اخفاؤها. ومن أوجه الاعوجاج في السياسة الروسية التي أشار إليها عبداللطيفوف أن حكومة موسكو أحبطت مشاريع استثمارية كثيرة تقدم بها العرب، وهي لا تدعم مادياً مشاركة الروس في المناقصات العربية التي تفترض دفع بدل اشتراك هو نسبة معينة من قيمة المناقصة. وعلى سبيل المثال عرضت الكويتوروسيا مدينة لها بحوالي بليون دولار منذ العهد السوفياتي قرضاً ب60 مليون دولار لإعمار ميناء مورمانسك بأدنى فائدة مئوية ممكنة 4 في المئة، إلا أن الحكومة الروسية لم تعط تعهداً بكفالة المبلغ وضمان تسديده في ما بعد. وفي وقت سابق دعي وفد كويتي إلى موسكو لبحث مسألة جدولة الديون الرسمية، إلا أن الوفد لم يحظ حتى بمقابلة نائب وزير المال الروسي. ومن حق الكويتيين، كما يقول عبداللطيفوف، ان يرفضوا التعامل مع الروس على هذه الصورة. وعلى رغم ذلك، لم يطرح الجانب الكويتي مسألة تسديد الديون فوراً، حتى أنه أبدى استعداداً للتنازل عن جزء منها، على أن يستثمر الباقي في صناعة الطائرات وبناء السفن وغيرها. ويعبر عبداللطيفوف عن استغرابه شراء الروس طائرات "بوينغ" الأميركية، فيما يستثمر رجل الأعمال المصري ابراهيم كامل، مثلاً، مئات الملايين من الدولارات في شراء طائرات "توبوليف 204" الروسية، ويسير هذا المشروع بطيئاً بطء السلحفاة. ويتابع عبداللطيفوف: "نحن لا نحترم أنفسنا ولا نقدّر مصنوعاتنا التي تستجيب لمعايير الجودة العالمية. المصريون يشترون توبوليف ونحن نشتري البوينغ!". تلك هي مفارقات السياسة في روسيا.