متمرد لكنه صادق. عفوي يحكي الأشياء من دون قفازات. انطلق مع الرحابنة، فعرف في المسرح الغنائي أولاً، ثم عاد ليشق طريقه في الوسط الغنائي، فكان الملحن والمغني و"الموسيقار". انه ملحم بركات الذي قال عنه محمد عبدالوهاب "هذا الشاب شغلة كبيرة في الفن". لا شيء يستفزه لأنه "مستفز منذ زمن". "ناقم على الدولة لأنها لا تحمي الفن، تحول الفن الى سوق تجارة رديئة". "ناقم على أصوات المغنين الذين ينعقون كالغربان". "ناقم على كل هذا الكذب والتملق الذي يعيشه الناس ما جعل الفن سلعة والوطن في مهب الريح". يعتبر نفسه نكرة على رغم الشهادات والألقاب. ملحم بركات يفتح صدره ل"الوسط" فيتكلم عن الفن وعن نفسه من دون حرج، مؤمناً بأن النجومية الحقيقية هي التي تسطع لتدوم "لأن قوامها الموهبة أولاً وأخيراً". هل صحيح انك ناقم على الأغنية الموجودة اليوم وما هي مآخذك؟ - الفن اليوم فيه الكثير من الابتذال والكذب والانتحال، هناك موجة الفلتان وسرقة الألحان التركية واليونانية. أمور تجري من دون ضوابط او رقابة، حتى تحول الفن الى سوق نخاسة. فنانون أصواتهم أشبه بالنقيق يصنعون أغنية يقال عنها "تضرب"، وبالتالي "تضرب" على ذوق المستمع فتصفعه وتعيّشه بهذا الهبوط الفني الذي لم نشهده في السابق، حين كان أكبر فنان يخضع لأقلام النقد، ولامتحان كبار الموسيقيين. لقد بتنا نعيش أجواء فنية غير طبيعية، أنا لا أفهم: أين هم الملحنون الحقيقيون والموسيقيون الكبار الذين يتعلمون في المعاهد الموسيقية؟ ربما هذا هو عصر الانحطاط بكل ما للكلمة من معنى. من يتحمل مسؤولية هذا الهبوط الفني اذن؟ - الكل يتحمل مسؤولية ما يجري، ابتداء بالفنان الذي يغني الأغنية الخليجية مثلاً ولا يعرف مخارج الحروف ولا يجيد اللهجة، أو الأغنية المصرية التي هي بطبيعتها أغنية رقيقة، فيأتي الفنان اللبناني ليغنيها ولا يعرف كيف يعيش أجواءها لأنه أصلاً بعيد عنها. المطلوب ان يبحث كل فنان عن شخصيته فلا يكون مقلداً ببغائياً وصولاً الى الدولة التي عليها تقع المسؤولية الكبرى، اذ يطلب منها ان تحمي أعمال الفنان وتراقب الموجات الغنائية السائدة، لكن للأسف الدولة اللبنانية متلهية بحلحلة شؤونها السياسية فحسب، وتعتبر الفن شيئاً ثانوياً متناسية ان الفن هو تاريخ الشعوب وانعكاس رقيها. تبدو شديد النقمة... - كيف لا أكون ناقماً، وكل شيء يتهاوى. نحن نريد ان نصنع وطناً بات كل فرد فيه اذا وفر ثمن تذكرة سفر يغادره، والفنان الملتزم بعمله والذي يشقى ويتعب من أجل صنع أغنية ما ان يسجلها حتى تسرق وتباع على "البسطات" ولا حياة لمن تنادي. الحقيقة الكبرى هي ان كل شيء يموت، الجميع في لبنان تعب، وعندما يتعب الشعب يرحل الوطن. وفي الرحيل لا يوجد ابداع لذا أقول: الفن انتهى وعلى الدنيا السلام. أين يقع المستمع في دائرة تقويمك؟ - المستمع هو هذه السوق التجارية التي يريد القراصنة ان يمارسوا عليها غوغائيتهم. المستمع مغلوب على أمره يردد ما يسمع، لكن كلّي ثقة به لأنه يعرف الجيد من السيئ، والا فما معنى ان يردد ويتلقف كل ما أقدمه له على رغم الحروب التي تشن في وجهي. الى هذا الحد تمدح نفسك! فهل أنت أول الغيث ام آخره؟ - أنا لا أدعي شيئاً لا أملكه، أنا لا أخضع فني لفترات الزمن، بمعنى ان عليّ في كل سنة ان أخرج بأسطوانة جديدة! أنا أكتب الألحان، وأغني حين تتوافر المادة الابداعية للأغنية، وقد تأخذ أغنية واحدة سنة او أكثر. لكني أعمل على المدى الطويل حتى تبقى الأغنية حية. كل يوم نسمع بعشرات الأغاني الجديدة التي سرعان ما تنطفئ وبأسماء سرعان ما تموت. هل نقدك السلبي للأغنية يشمل كل الوطن العربي أم لبنان فقط؟ - في السابق كانت مصر زعيمة الأغنية العربية، بوجود عمالقة الغناء والموسيقيين كعبدالوهاب وأم كلثوم وسيد درويش وسواهم، لكن للأسف إرث هؤلاء لم ينتقل الى أحد، ولبنان في زمن الرحابنة أسس لعصر الغناء والفن، ولو بقي الرحابنة لكان لبنان اليوم يتزعم الفن في الشرق، لكن للأسف نجد على الساحة الغنائية في لبنان "شبيبة" جاهلة تخرب كل شيء، باستثناء عدد قليل جداً. يقال انك مغرور جداً! - أنا لست مغروراً، لكنني صريح جداً، وأؤمن بالأخلاق في كل شيء. أنا رجل لا أحب الكذب، وحين أحكي الأشياء كما هي ينعتونني بالجنون والغرور، لكل هؤلاء أقول بأني حين أعمل يكون عملي ناجحاً ومهماً. لماذا لا تصور أغانيك بطريقة الفيديو كليب؟ - أنا لدي مآخذ على الفيديو كليب فهى ظاهرة تعج بالتناسخ الرديء، اي ان الافكار متشابهة كلها: مناظر رفاهية، وبنات وشباب في حالة غرام. قليل ما أجد فكرة "الكليب" مناسبة للأغنية. أما بالنسبة اليّ فإنني بعد هذا العمر، لا أجد في نفسي الطاقة، او حتى اللياقة ان "أنطنط" وألبس الثياب الضيقة وأصور "كليب". من الذوق يمكن ان أحترم نفسي وأكتفي بنقل مهرجان او أغنية مصورة بشكل حي، من دون ان أقع في هذا الادعاء البشع. أفكار المخرجين اليوم قد تلبس الفنان ثياباً هندية وهو يغني "الدلعونا". وهذا أكثر ما يثير اشمئزازي. بهدلة مررت في السابق بأوضاع غير مريحة، ما هي الأسباب وكيف حالك اليوم؟ - كان عندي بعض المشاكل الخاصة التي يمكن تسميتها بالعاطفية، والكثير من الديون، أما الآن فأنا في وضع مريح جداً. لقد تبهدلت كثيراً في لبنان، حيث أن أحداً لم يسألني عن أحوالي. عندما كنت قوياً كان الجميع يتحلق حولي وينهش فيّ، وعندما غرقت لم ينتشلني أحد، لكني دفعت جميع فواتيري من دون ان أحتاج الى أحد. هل تشجع أبناءك على احتراف الفن؟ - أعوذ بالله! أنا لا أشجعهم ليس لأن في الفن عيباً، بل لأن الفنان في هذا الوطن مغبون. لو كنا في وطن آخر لفعلت. كنت أتمنى ان أولد في مصر مثلاً او في احد البلدان الأميركية حيث هناك المقومات التي يحتاجها الفنان، من شعراء واستديوهات وملحنين. أنا لا أفهم كيف يستطيع شاعر واحد ان يلحن 50 أغنية في السنة، بينما في السابق كان الشاعر يحتاج الى عام كامل حتى يكتب أغنية مميزة، فظهور الأغنية ليس مزحة. وليس كل من غنى فناناً، ففي البلدان الأجنبية هناك شركات متخصصة تبحث عن المواهب في البيوت، تأتي بها، تصقلها، تعلمها، وتدفع عليها ملايين الدولارات حتى تظهر، الأمر مختلف عندنا إذ يكتفي بعض الأدعياء بغناء أغنية واحدة حتى ينال الشهرة. وكأن لديك مآخذ على النجومية السائدة في الوسط الغنائي اليوم؟ - النجومية حالة متكاملة، قوامها الابداع أولاً ومن ثم يخضع هذا النجم لامتحانات عدة عليه الفوز فيها جميعاً، بدءاً من طريقة لباسه، ومشيته، ومظهره العام. فهناك من يسرّح شعره بطريقة معينة. وكل ما يعطيه قالباً مميزاً يساعده للدخول الى قلب الجمهور، من هنا نجد الفنان في أميركا يربح بعمل واحد ملايين الدولارات، لأنه دُجن، وجُهز وصُرفت أموال وطاقات حتى صار على ما هو عليه، لذا حين ينجح يكون النجاح مدروساً وخاضعاً لاعتبارات مهمة قام بها عارفون، فمسألة النجومية ليست نزعة اعتباطية يحققها كل من قدم أغنية. باختصار النجم لا يأتي من بيته نجماً. حزت على الكثير من الألقاب موسيقار، ملحن، مسرحي، مغن في الحقيقة أين تجد نفسك أكثر؟ - في هذه الأيام أشعر وكأني نكرة... لا شيء. فالموسيقار هو الذي لديه انتاج ناجح وعظيم، وتكون كل حياته عبارة عن نوتات موسيقية تصيب الجمهور بنفحها، وتؤرخ لحالة موسيقية. اليوم صار لقب موسيقار مبتذلاً لأنه أُعطي لملحنين يعيشون من ألحانهم وانتاجهم على رغم فشلها. أنا أحترم الفنان الموجود على الساحة والذي استطاع ان يصل الى قلوب الناس، فشغلهم ليل نهار، وينتظرونه بشغف حتى ولو ظهر عبر مقابلة على التلفزيون. لقد أصبح الفن الغنائي مهنة، خصوصاً ان بورصة الأغاني أصبحت تدخل وتخرج من أبواب المطاعم؟ - الغناء مهنة، أية مهنة هذه التي هدفها إزعاج الناس. ليست كل المطاعم بمستوى واحد، وبالتالي ليس كل الفنانين من المستوى ذاته، فهناك السيئ والجيد. والمطعم اليوم صار صورة عن المجتمع وملتقى الناس، كما كان المسرح في السابق، فعلى الطاولات يلتقي الأصدقاء، والشخصيات وأصحاب القرار وأصحاب الأموال، وحتى الفقراء. وما العيب في ان يغني المطرب في مطعم، انه يغني للجمهور، المطعم صورة تختصر حالة اجتماعية للناس والمطرب لا يغني لنفسه. ما معنى هذا الغنى والجاه الذي يصيب المطرب اليوم؟ - المطرب انسان يعيش دائماً تحت دائرة الضوء والاعلام. وهذا يساعده في النجاح. ويفتح أمامه أبواب الحظ والمال والسفر. واليوم صار المطرب صورة عن نجم مثالي يمكن ان يتعامل مع الاعلان، مما فتح أمامه أبواب المال والشهرة، الا ان هناك استثناءات فليس الجميع بالمقياس نفسه، فهناك بعض الفنانين الذين يستعيرون ثيابهم من عند الجيران. هل أنت من الذين أصابتهم الثروة؟ - لا أبداً، أنا مفلس واليوم لا أملك سوى دارتي التي لم يكتمل بناؤها بعد في بلدتي كفرشيما