إثر خسارتها امتياز النفط مع الجانب السعودي في منطقة الخفجي، بعد 42 سنة على استثماره، وكان ذلك في منتصف ليل 27 - 28 شباط فبراير 2000، قال رئيس شركة الزيت العربية، وهي شركة يابانية، كييشي كوناغا انه "سيضع في مرتبة أولوياته الآن أعمال التنقيب في الكويت"، وأضاف: "أريد أن أتحمل فشل تجديد الامتياز السعودي بتجديد الامتياز الكويتي". وبعض مضي أكثر من سنة وثلاثة أشهر، وقبل انتهاء مدة اتفاقها مع الجانب الكويتي المقرر في كانون الثاني يناير 2003، وعلى رغم طول المدة التي تفصلنا عن ذلك التاريخ، تقوم الشركة اليابانية بجهود حثيثة لتجديد الاتفاق مع الحكومة الكويتية، وتسعى للوصول الى "المحتوى نفسه الذي نص عليه العقد القديم في ما يتعلق بشروط التشغيل والأرباح والنفط المنتج" كما ذكرت في بيان رسمي صدر عنها. وعبرت الشركة أيضاً عن أملها في الاحتفاظ بحقوق التنقيب في الجانب الكويتي، وأشارت الى انه"... مهما يكن عليه العقد الجديد، فإن الشركة ستشارك في المفاوضات بهدف المحافظة على مضمون العقد الحالي حول خطة النشاط والمكاسب وإدارة النفط". وأبلغت الشركة الجانب الكويتي رغبتها في إنهاء المفاوضات وتجديد العقد قبل نهاية سنة 2001. هل يمكن تحقيق ذلك؟ وكيف؟ وما هو موقف الجانب الكويتي؟ الحكومة الكويتية لم تتخذ بعد موقفاً رسمياً من الطلب الياباني، لكن وزير النفط الكويتي الدكتور عادل الصبيح قال: "ان المفاوضات مع شركة الزيت العربية اليابانية ستكون وفق مصلحة الدولة، وبما يتفق مع روح الدستور الكويتي والقانون". وأضاف موضحاً: "ان الاتفاقية مع الجانب الياباني ستكون في ضوء ان النفط وقرار انتاجه كويتي مئة في المئة، وانه لن تكون هناك أي مشاركة كما في السابق". وأشار الى "وجود صيغة جديدة سترفع الى المجلس الأعلى للبترول لأخذ الموافقة عليها وبدء المفاوضات على أساسها". ويستدل من كل ذلك مدى صعوبة وضع المفاوض الياباني، خصوصاً ان أحكام دستور الكويت تحظر منح حقوق الاستثمار النفطي لأي شركة أو مجموعات أجنبية، ويتوقع المراقبون ان أقصى ما يمكن ان تمنحه الحكومة الكويتية للشركة اليابانية حقوق تشغيل الامتياز فقط، من دون أي حقوق ملكية في الحقول النفطية، ولا أي حقوق في التنقيب، وأي قرار في الإنتاج. 250 بئراً يعود تاريخ تأسيس الشركة العربية المحدودة اليابانية الى عام 1956 حيث وقعت أول عقد لها مع المملكة العربية السعودية في تموز يوليو عام 1957، وأجرت أول مسح جيوفيزيائي بمنطقة الامتياز في المنطقة المغمورة من المنطقة المقسومة بين المملكة ودول الكويت عام 1958 وعثر على الغاز الطبيعي في تموز عام 1959 على عمق 1479 قدماً وفي كانون الثاني عام 1960 عثر على النفط على عمق 4900 قدم وتدفق من أول بئر بمعدل 6000 برميل يومياً. وتنتج الشركة حالياً 250 ألف برميل يومياً من الزيت الخام. ويبلغ عدد الآبار التي حفرتها الشركة في حقل الخفجي وحقل الدرة وحقل الحوت وحقل اللؤلؤ أكثر من 250 بئراً منها 25 بئراً متوقفة عن العمل و11 بئراً مهجورة. وتمتلك الحكومتان السعودية والكويتية نسبة 10.9 في المئة من أسهم الشركة اليابانية التي تسيطر عليها رساميل يابانية خاصة. الشروط السعودية وإذا كان الجانب الياباني قد عبر عن قلقه من عدم تجديد اتفاقه مع الكويت بعد خسارة اتفاقه مع السعودية، فإن الجانب الكويتي درس باهتمام بالغ الشروط السعودية خصوصاً ما يتعلق منها باستثمارات يابانية جديدة وزيادة مبيعات النفط لليابان، تمهيداً للاستفادة منها في المفاوضات المرتقبة. وكانت الحكومة السعودية وضعت شروطاً لتجديد العلاقة مع شركة الزيت العربية المحدودة اليابانية تتلخص بالمساهمة في زيادة تسويق البترول السعودي في اليابان وزيادة الاستثمارات اليابانية في المملكة. وعندما وضعت حكومة المملكة هذه الشروط راعت الاعتبارات التالية: 1 ? توافر احتياطي كبير ثابت ومحقق وجوده من البترول والغاز في المنطقة. 2 ? حيث ان سياسة الإنتاج في المملكة تركز على زيادة الإنتاج من البترول الخفيف بهدف تحقيق أعلى دخل ممكن من البترول كون مستوى الإنتاج محدداً بموجب حصة المملكة في "أوبك"، فإن تجديد العلاقة مع شركة الزيت العربية المحدودة سيترتب عليه زيادة الإنتاج من البترول الثقيل الأقل سعراً في السوق البترولية والتكاليف المترتبة على إنتاجه مما سيؤدي الى انخفاض دخل المملكة. أولوية لليابان وفي مجال زيادة مشتريات اليابان من البترول السعودي طلبت وزارة البترول من وزارة الصناعة والتجارة الدولية اليابانية تحفيز شركاتها اليابانية لزيادة مشترياتها من البترول السعودي ليصل الى 1.5 مليون برميل في اليوم بعقود طويلة الأجل تحدد مدتها بحسب مدة التجديد لشركة الزيت العربية المحدودة اليابانية. كما اقترح على الجانب الياباني إمكانية زيادة مشترياته من الزيت السعودي بحوالي 500 ألف برميل يومياً اضافية وفي حال حدوث أزمات قد تؤدي الى نقص في امدادات البترول، بحيث تعطي المملكة الأولوية لليابان في تأمين تلك الإمدادات. ويتوافق هذا الاقتراح بزيادة المبيعات لليابان، سواء الكمية المطلوبة زيادتها أو الكمية الإضافية، التي تلتزم المملكة توفيرها لليابان في حالة الطوارئ مع احتياجات اليابان لتأمين امداداتها من البترول التي تفي بحاجتها خلال مدة العقد، كما ان هذه الزيادة في المبيعات ستحقق منفعة للمملكة من خلال زيادة مبيعاتها البترولية في السوق اليابانية حيث ان أسعار البترول في السوق الآسيوية أعلى منها في الأسواق الأخرى، وبذلك فإن هذا الاقتراح يحقق جوانب إيجابية للطرفين، إلا أن الحكومة اليابانية لم تتجاوب مع ما اقترحته وزارة البترول والثروة المعدنية بالمملكة واقترحت بدلاً منه تقديم دفعة مقدمة لأرامكو السعودية لزيادة المشتريات اليابانية بكمية محدودة تصل الى مئة ألف برميل يومياً ولمدة خمس سنوات لكن هذا الاقتراح لم يجد قبولاً لأنه لا يحقق شيئاً يذكر مما كان مطلوباً. وفي مجال زيادة الاستثمار ركز المفاوض السعودي مع الجانب الياباني على مشروعين أساسيين: المشروع الأول: زيادة الاستثمارات اليابانية في المملكة في مشاريع استثمارية من ضمنها إقامة مصانع بتروكيماويات في منطقة الخفجي تعتمد على استغلال الغاز الذي ستقوم الشركة بتطويره وانتاجه في المنطقة كجزء أساسي من الاتفاق الجديد الذي يجري التفاوض حوله مع الشركة. مشروع سكة حديد أما المشروع الثاني فهو ان يقوم الجانب الياباني بالاستثمار في إنشاء خط سكة حديد لنقل المعادن والبضائع من مدينة القريات الى الرياض ومن ثم يتم ربطه بالخط الحالي لسكة الحديد بين الرياضوالدمام، وكذلك استكمال الخط من الدمام الى مدينة الجبيل الصناعية. وهذا المشروع يعتبر حيوياً لتطوير واستغلال خامات الفوسفات التي تتوافر بكميات كبيرة في حزم الجلاميد والتي ستشكل مع الكميات الكبيرة المتوافرة من الكبريت في المنطقة الشرقية مواد أساسية لإقامة صناعة ضخمة لانتاج الأسمدة قد تجعل المملكة أكبر منتج لها في العالم. وتركز الموقف التفاوضي لوزارة البترول في الأساس على ان يتم تنفيذ الخط عن طريق استثمار ياباني كمشروع تجاري بحيث يتم إنشاء وتشغيل الخط من قبل شركات يابانية الى حين استرداد المستثمر الياباني لتكاليف الإنشاء وعوائد الاستثمار، إلا أن الجانب الياباني ذكر ان المشروع غير مجد اقتصادياً، وعلى أثر ذلك طلبت المملكة من البنك الدولي كجهة محايدة إجراء دراسة أولية عن الجدوى الاقتصادية لمشروع السكة الحديد والمشاريع المرتبطة به كالتعدين والصناعات التي تعتمد على المعادن المستخرجة كمواد أولية، وأثبتت دراسة البنك الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، وبالتحديد مشروع السكة الحديد إذا ما تكفلت حكومة المملكة نزع الملكيات المترتبة على إنشاء الخط مع عدم تكليف المشروع أية أعباء ضريبية أو جمركية، وقد أبدى الجانب السعودي استعداده للقيام بذلك، إلا أن الحكومة اليابانية اعتذرت بعد ذلك عن التنفيذ بحجة عدم وجود مستثمر في اليابان يرغب في الاستثمار في هذا المشروع وقدم الجانب الياباني اقتراحاً يتضمن تقديم قروض بأسعار فائدة تجارية. وعندما وصلت المفاوضات حول زيادة مشتريات الجانب الياباني من الزيت الخام السعودي الى طريق مسدود، اقترحت وزارة البترول والثروة المعدنية بديلاً عن ذلك أن تقوم الحكومة اليابانية ببناء خط سكة الحديد على حسابها من خلال شركات يابانية وليس كمشروع استثماري وتسليمه الى المؤسسة العامة لسكة الحديد في المملكة، أو تقديم تكلفة إنشاء الخط التي قدرها الجانب الياباني بحوالي 2.1 مليار دولار. على ان يعتبر هذا المشروع علاوة توقيع لتجديد العلاقة مع شركة الزيت العربية المحدودة اليابانية وهو أمر معمول به في العقود البترولية العالمية كعلاوة توقيع امتياز جديد. غير ان الجانب الياباني رفض كذلك هذا الاقتراح الأمر الذي أدى الى فشل المفاوضات وعدم تجديد العقد. بدائل كويتية ولكن ما هي البدائل الكويتية في حال فشل المفاوضات مع الجانب الياباني؟ وزير النفط الكويتي الدكتور عادل الصبيح أكد ان لدى الكويت الاستعدادات والبدائل لأي مستجدات ستطرأ في المفاوضات. أما رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية كوفبك أحمد راشد العربيد فقد أكد بدوره "ان كوفبك بما تملكه من خبرة وكفاءة، يمكن ان تقوم بدور شركة الزيت العربية اليابانية على أكمل وجه بالتعاون مع شركائها، لكنها لا تستطيع الدخول كطرف في هذا التوقيت خصوصاً أن هناك مباحثات بين وزارة النفط ومسؤولي الشركة اليابانية". تطوير البنى التحتية وتقول مصادر نفطية كويتية "ان وزارة النفط تدرس خيارات عدة من بينها خيار "كوفبك" لتصل الى تصور مستقبلي لمنطقة الزيت العربية اليابانية". وفي حال حصول ذلك ينتظر ان تتم عملية تعاون وتنسيق بين حكومتي السعودية والكويت، خصوصاً ان شركة "أرامكو لأعمال الخليج" التابعة لأرامكو السعودية تتولى رعاية مصالح المملكة في المنطقة، ووضعت منذ العام الماضي خطة استثمارية لتطوير البنى التحتية، وكذلك تطوير حقول انتاج الزيت ومنطقة الميناء والمنطقة السكنية للعاملين وبناء مكاتب جديدة للإدارة. وكانت الشركة اليابانية تركت في الجانب السعودي منشآت هي أقرب الى "الأطلال" منها الى منشآت شركة تعمل في أكبر بلد منتج للنفط وتصديره الى الأسواق العالمية، وكانت تلجأ الى سياسة التأجيل والمماطلة في المشاريع التطويرية، ولم تنفق أي مبلغ في هذا المجال.