ساد الوجوم والفزع العواصم العربية بمجرد تشكيل ارييل شارون وزارته في اسرائيل. وكأن الرجل هو ملاك الموت عزرائيل وقد جاء ليقبض أرواح العرب - إذا ظلت لهم أرواح - أو كأنه حفيد دراكولا أتى ليمتص دماءهم التي لم يتبق منها الكثير. كنت أظن ان هذا الوجوم أو الفزغ مرده سقوطنا من مؤخرة قطار العولمة وتحولنا قريباً الى سلالة منقرضة. أو بسبب تعاظم مستوى الفقر في بلادنا رغم استقلالنا منذ نصف قرن. أو حتى بسبب تناثر أشلاء كرامتنا بين بغداد والقدس والجولان منذ عقود مضت. إلا ان شيئاً من ذلك لم يُفزع أحداً. وكان كل ظني هذا إثماً. أصبح شارون أم الكوارث التي لحقت بنا خلال القرن الماضي والمنتظر حدوثها قريباً، فانصرف الجميع عن التفكير وران على عقولهم الشلل. اذا تحدث البعض عن الوحدة العربية أخرسه الآخرون: شارون قادم!! وإذا طالب البعض بالديموقراطية صرخ البعض شارون قادم!! واذا فكر البعض في سُبل التنمية والتقدم الاقتصادي استنكر الكثيرون. كيف وشارون قادم!!؟ كل شيء في العالم العربي كف عن الدوران رعباً من هذا الشارون وتاريخه الارهابي. ان العيب فينا وليس في أحد سوانا لكننا لا نريد ان نعي ذلك أو نصحح مسارنا العشوائي في كل مجال. فلم يعد لدينا من أسباب القوة إلا لطف الله بنا. الأرض أضعناها والثروة بددناها والوحدة أنكرناها والعقول أغلقناها. أصبحت ارادتنا لا تقوى على الفعل. ولن يشفع لنا رد الفعل من السقوط والعالم من حولنا يبادر ويركض ويلهث نحو طريق المستقبل. لا بد من اصلاح البيت من الداخل قبل فوات الأوان والمفتاح السحري للغد هو الحرية والديموقراطية ولا شيء غيرها. من هنا نبدأ ولا طريق آخر نسير فيه. جربنا كل شيء اشتراكية وقبلية وشيوعية ورأسمالية وجماهيرية وديكتاتورية. وما بين هذه وتلك. وفشلنا في كل اختبار. فماذا يمنع ان نُمارس الحرية مرة؟ وهذا حق شرعي وطبيعي أصيل لأي شعب مهما كانت التداعيات والنتائج. والتي مهما ساءت بأي حال من الاحوال فلن تكون اسوأ مما نحن فيه. ولم تقم حضارة الغرب الا بحرية الشعوب وحقها في الحياة البرلمانية النظيفة مهما كانت عوارضها وعيوبها. ان انتخاب شارون درس قاسٍ لنا جميعاً وصفعة شديدة لأنصار الحكم الشمولي الذين سيطروا على مقدراتنا. فالارهابي الجزار سفاك الدماء قد اعتلى مقعد رئاسة الوزارة بإرادة شعبية وانتخابات ديموقراطية. والرجل يريد ان يسلب الآخرين حقوقهم لصالح بلاده. فما زلنا نفرط في أبسط حقوقنا ونلقي التبعة على الآخرين. كفانا إلقاء التهم في تخلفنا وكوارثنا على الامبريالية الدولية والمؤامرات الاقليمية وهي حقيقة مؤكدة. ولكنا نحن الذين نمهد لها الطريق ونحن أكبر أعوانها. الطريق الى الغد واضح لا غموض فيه. علينا ان نحاول الفهم وان نستوعب الدرس، أما اذا ظلت شعوبنا خارج السياق لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم فلن يكون مصيرنا إلا السقوط خلف جدار الزمن والضياع وراء أسوار التاريخ. نبيل العليان الاسكندرية مصر