على ضوء ما جاء في عدد "الوسط" الرقم 444 الذي تضمن لقاء مع الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، إذا أردنا أن نجد تعريفاً معاصراً لمفهوم الحزب، فسنجد أنه إطار سياسي يحمل برامج محددة ويعبر عن وجهة نظر بعينها، وبعد أفول وسقوط الماركسية والقومية والاصولية، ونحن في الألفية الجديدة، فإن ملامح الحزب المعاصر تتمثل في أن يكون إطاراً سياسياً وطنياً يتمحور في برنامج مباشر تنموي وخدمي وبيئي، ويتعامل مع قضايا الناس الملحة، ويعبر عن كل أبناء الوطن الواحد. من عيوب الأحزاب السودانية، قديمها وجديدها، أن قادتها ورؤساءها وأعضاء لجانها المركزية يبقون أعضاء دائمين إلى أن يواروا الثرى! وتتحول تلك الأحزاب إلى "عِزَب" واقطاعيات خاصة بأسرة معينة أو شلة معينة، مما جعلها تمثل ديكتاتوريات على قواعدها، وترفع شعارات الحرية وتتخفى بها وتهاجم الحكام والطغيان وترفض الديكتاتوريات، لكنها تمارسها في اطرها وقواعدها، وتقمع الرأي والرأي الآخر، لذلك تثخنت وتشظت بمرور الزمن، وتبرز ظاهرة الأجنحة، مما أفقدها مصداقيتها مع نفسها ومع الآخرين، وانصرف عنها الجمهور الذي شكّل حزب الغالبية الصامتة. نريد أحزاباً وطنية تولد من القواعد، وتمثل إرادة الشعوب، وليس أحزاباً من صنع الاستعمار وتزييف الواقع وتفسد المعنى والمضمون وتثير الفتن العرقية والجهوية، نريد أحزاباً وطنية تكون قاعدتها من ملايين الأعضاء، وتصعد إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع والانتخاب، وليس عبر الانقلابات العسكرية. أحزاباً تؤمن بالرأي والرأي الآخر عبر وسائل الإعلام المعروفة وتحترم وعي الشعب. وتتجاوب مع مستجدات العصر ومتغيراته. أحزاب تفهم ان مفاهيم الخمسينات والستينات لم تعد تصلح الآن، في عصر يشهد ثورة في عالم الاتصالات، وأضحى فيه العالم قرية صغيرة تتمتع بشفافية عالمية حيال الإنسان وحقوقه ومتطلباته من توفير سبل الحياة الكريمة الآمنة المتمثلة في التنمية والسلام العادل. نريد التجديد في اطر وهياكل الأحزاب، وانتخابات حرة ونزيهة في كل حزب ابتداء من أصغر خلية حتى نهاية السلم الهرمي للحزب، وفقاً للثوابت الوطنية المعروفة. نريد التجديد والتصعيد لدماء جديدة في كل دورة انتخابية، سواء في المجالس المحلية أو النيابية أو النقابية، ولا نريد تلميع شخصيات بعينها تحت مسمى "قيادة تاريخية"، لأن ذلك يقتل الطموح بين القواعد ويقضي على الديموقراطية. يجب ألا يزيد انتخاب الشخص لأكثر من دورة واحدة، وإلا فسنجد انفسنا وقد شاخت أحزابنا وشاخت معها أفكارها وبرنامجها وقادتها الديكتاتوريون، وأضحت تلك الأحزاب خارج العصر. من دون هذه المعايير لن ينصلح حالنا، لا يحق لنا أن نتكلم باسم الشعب وندعي تمثيله ونحن نختزل أحزابنا في زعمائها القدامى وعدائهم غير المؤسس بعضهم لبعض. عادل محمود صنعاء - اليمن